"لعب على المكشوف".. لهذا يرفض الغرب رفع كامل عقوباته عن سوريا الجديدة

"بهذه الطريقة يضمن الأوروبيون والأميركيون أن أمراء الحرب لن يكونوا في الحكم كما حدث في لبنان سابقا"
يواصل الغرب اتباع نهج جدلي بشأن العقوبات المفروضة على سوريا عبر تعليق بعض منها دون رفعها بالكامل على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد وحاجة البلد للدعم الاقتصادي للنهوض مجددا.
فبينما تنتظر سوريا الإعلان من قِبل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع عن حكومة انتقالية، يصر الغرب على أنها يجب أن تكون "شاملة".
إذ إنه فور سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2025 شكّلت الإدارة السورية الجديدة حكومة لملء الفراغ ومنع انهيار مؤسسات الدولة.
وقد جاء وزراء الحكومة السورية الحالية بما فيهم رئيسها محمد البشير من "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" بإدلب.
"حكومة منتظرة"
وأمام ذلك، ارتفعت الأصوات المحلية والخارجية بإعادة تشكيل الحكومة الانتقالية بحيث تكون شاملة وليست من لون سياسي واحد.
إذ رأى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن أن تشكيل حكومة شاملة في سوريا خلال الأسابيع المقبلة سيساعد في تحديد ما إذا كان سيتم رفع العقوبات الغربية، في ظل جهود إعادة إعمار البلاد بعد الإطاحة بالأسد.
وأكد بيدرسن، في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" خلال زيارته إلى دمشق في 21 فبراير/ شباط 2025، أن "الحكومة الشاملة المنتظرة في الأول من مارس قد تسهم في رفع العقوبات المفروضة أثناء حكم الأسد".

ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي اتخذ خطوة "براغماتية" بتعليق العقوبات الرئيسة على سوريا للتأكد من ملاءمة هذا التعليق مع مراقبة الوضع السياسي في هذا البلد قبل اتخاذ قرار نهائي برفعها بشكل كامل وهو ما تطالب به دمشق من الآن.
ووافقت دول الاتحاد الأوروبي على التعليق الفوري لحزمة من العقوبات المفروضة على سوريا بعضها يرتبط بالطاقة والبنوك والنقل وإعادة الإعمار.
وفي اجتماع عقد ببروكسل، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 24 فبراير 2025 على تعليق القيود المفروضة على قطاع الطاقة والتي شملت النفط والغاز والكهرباء والعقوبات المفروضة على قطاع النقل.
كما رفعوا تجميد أصول خمسة بنوك وخففوا القيود المفروضة على مصرف سوريا المركزي ومددوا لأجل غير مسمى إعفاء لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية.
وعقب ذلك، كتب وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني على منصة إكس "لقد أمضينا الشهرين الماضيين في إجراء مناقشات وبذل جهود دبلوماسية لتخفيف العقوبات الجائرة التي أثقلت كاهل شعبنا".
وأضاف الشيباني "نرحب بقرار الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات على قطاعات محددة، ونرى في ذلك خطوة نحو تخفيف معاناة شعبنا".
وأبقت دول الاتحاد الأوروبي على مجموعة من العقوبات الأخرى التي ارتبطت بسلطات نظام بشار الأسد، منها تلك المفروضة على تجارة الأسلحة والسلع ذات الاستخدام المزدوج في ممارسات عسكرية ومدنية وبرامج المراقبة والتجارة الدولية للسلع التراثية الثقافية السورية.
"الورقة الوحيدة"
من جانبه، يرى الباحث السوري يونس الكريم، أن "العقوبات على سوريا هي الورقة الوحيدة بيد الأوروبيين للضغط على الإدارة السورية بأن أي مساعدات اقتصادية بما يدعم السلطات السياسية يحتاج إلى حد أدنى من التوافق السوري- السوري من جهة وتوافق سوريا مع دول الجوار وعدم الدخول في مشاكل سياسية وأمنية".
وأضاف الكريم لـ"الاستقلال": “الحكومة الانتقالية الشاملة يقصد بها مشاركة جميع الأطراف السورية من جميع المكونات بحيث يشعر كل طرف منهم بأنه تم تحقيق مشاركته لأجل تحقيق الاستقرار الذي يطمح إليه والذي يمنع بطبيعة الحال عودة أي صراع جديد على السلطة”.
وتابع: "خاصة أن سوريا كان يتحكم بها فئة إثنية واحدة استحوذت على الحكم وحرمت باقي المكونات من المشاركة في الحكم، ولذلك الحكومة الانتقالية الشاملة التي يريد الغرب أن تكون توافقية وتشاورية مع كل المكونات السورية الإثنية والسياسية".
ولفت الكريم إلى أن "هذا الأمر المعقد هو الذي يشكل دعامة الاستقرار في سوريا من وجهة نظر الغرب".
وأردف أن "عملية رفع العقوبات الأوروبية على سوريا أسهل من الأميركية التي تحتاج إلى وصف شامل لسبب إزالتها ومناقشة المسوغات داخل مجلس الشيوخ ومجلس النواب ثم المصادقة من قبل الرئيس الأميركي بينما العقوبات الأوروبية يتم المصادقة من الاتحاد الأوروبي الذي يمتلك معلومات كافية عن الحالة السورية".

ونوّه الكريم إلى “أنه في حال تشكيل حكومة انتقالية شاملة في سوريا فإن رفع العقوبات يحتاج من عام إلى عامين لأن رفع العقوبات ليس منوطا فقط بتشكيل تلك الحكومة الشاملة بل مراقبة عدم فرض تلك الحكومة دستورا وإنما تعمل على تهيئة الأجواء والإجراءات لبناء الدولة ثم تحضر لكتابة الدستور ثم الانتخابات التي سيشارك الغرب بمراقبتها”.
و"بهذه الطريقة يضمن الأوروبيون والأميركيون أن أمراء الحرب لن يكونوا في الحكم كما حدث في لبنان سابقا"، بحسب الباحث السوري.
ويعيش أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، ويعتمد ما لا يقل عن 16.5 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا على شكل من أشكال المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
على سبيل المثال، فإن دولة قطر تحجم عن تقديم الأموال إلى سوريا من أجل زيادة رواتب القطاع العام بسبب الغموض حول ما إذا كانت التحويلات ستمثل انتهاكا للعقوبات الأميركية بحسب مصادر مطلعة لوكالة رويترز.
ويعكس التأخير في تنفيذ خطة قطر للمساعدة في دفع زيادة الرواتب لسوريا، وفقا لما سبق أن أوردته رويترز في يناير/كانون الثاني 2025، حجم التحديات الكبيرة التي تواجهها السلطات الجديدة.
وقالت رويترز في تقرير نشر في 26 فبراير 2025 نقلا عن المصادر المذكورة فإنه رغم أن الإدارة الأميركية السابقة أصدرت إعفاء من العقوبات في السادس من يناير 2025 للسماح بالمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر، فإن قطر لا ترى هذا كافيا لتغطية المدفوعات التي ستحتاج إلى سدادها عبر بنكها المركزي لتمويل زيادة الرواتب.
وقالت ثلاثة مصادر: إن قطر تنتظر وضوحا بشأن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه دمشق.
"سياسة المراقبة"
بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس في 24 فبراير، إن قرار تعليق العقوبات الرئيسة يعكس نهجا تدريجيا يهدف إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية على الشعب السوري مع الحفاظ على الضغط على قيادة البلاد من أجل الإصلاحات السياسية.
وأضافت كالاس في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في بروكسل: "هذا ليس تطبيعا كاملا، بل هو نهج عملي لدعم السوريين وضمان ألا يؤدي الانهيار الاقتصادي في البلاد إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة".
وعندما سُئلت عن الضمانات المقدمة للشركات الأوروبية التي تتطلع إلى العمل في سوريا، أقرت المسؤولة بالتحديات، مشيرا إلى أن القطاع المصرفي لا يزال "معقدا للغاية" بسبب القيود الأميركية القائمة.
ويقول المسؤولون: إن هذه الإجراءات قد يتم فرضها مرة أخرى إذا انتهك القادة الجدد في سوريا وعودهم باحترام حقوق الأقليات والتحرك نحو الديمقراطية.

ورغم ذلك، حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش منتصف فبراير 2025 من أن العقوبات الشاملة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على سوريا تعيق التعافي الاقتصادي للبلاد وتمنع ملايين السوريين من الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والرعاية الصحية والمياه والتعليم.
وقالت هبة زيادين، الباحثة البارزة في الشأن السوري في هيومن رايتس ووتش: "بدلا من استخدام العقوبات القطاعية الواسعة النطاق كوسيلة ضغط لتغيير الأهداف السياسية، ينبغي للحكومات الغربية أن تعترف بأضرارها المباشرة على المدنيين وأن تتخذ خطوات ذات مغزى لرفع القيود التي تعوق الوصول إلى الحقوق الأساسية".
وأضافت زيادين أن "النهج التدريجي المتمثل في الإعفاءات المؤقتة والتنازلات المحدودة لا يكفي. يجب رفع العقوبات التي تضر بالمدنيين على الفور، وليس تشديدها".
وفي عهد نظام الأسد المخلوع، أصبحت سوريا واحدة من أكثر الدول خضوعا للعقوبات في العالم. وبعد إسقاط الأسد، يريد الاتحاد الأوروبي ضخ ديناميكية جديدة في البلاد.
ونتيجة لتلك العقوبات، يُحظر على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقديم المنح والمساعدات المالية والقروض الميسرة والتأمين وإعادة التأمين للحكومة السورية. ويمتد الحظر إلى بنك الاستثمار الأوروبي، الذي لا يُسمح له بتقديم أي مدفوعات أو دفعات لسوريا. كما يُحظر الشراء المباشر وغير المباشر للسندات السورية.
وعلى صعيد المصارف، فإن العقوبات متبادلة: فلا يُسمح للبنوك الأوروبية بفتح فروع لها في الأراضي السورية، ولا يُسمح للبنوك السورية بفتح فروع لها في أراضي الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المشاريع المشتركة.
ولا يجوز للبنك المركزي السوري أن يتعامل مع العملات المعدنية والأوراق النقدية الأوروبية.
وفي المجمل، تعمل العقوبات على إقامة العديد من الحواجز التي تجعل من المستحيل تقريبا على الحكومات والشركات الأوروبية التعامل مع الكيانات السورية، خاصة تلك المرتبطة بالدولة السورية.
ورغم أن النظام القانوني يتضمن استثناءات وقيودا على المساعدات الإنسانية، فإن المنظمات غير الحكومية تواجه مشهدا معقدا ومكلفا في عملياتها لخدمة السوريين.
لهذا يجمع الدبلوماسيون الأوربيون أن العقوبات سيتم "تعليقها" مؤقتا وربطها بـ"آلية احتياطية" يمكنها إعادة فرض العقوبات إذا فشلت الرئاسة السورية الحالية في الوفاء بوعودها بالحكم الشامل.
إذ يمارس الأوربيون سياسة المراقبة لتصرفات السلطات الجديدة بدمشق، ولهذا فإن الأمر في الوقت الراهن يتعلق بتعليق العقوبات وليس رفعها لتشجيع التطور الديمقراطي خلال عملية الانتقال السياسي في هذا البلد ومضي القيادة الفعلية في سوريا بتنفيذ الإصلاحات المتوقعة.