"قيود سياسية ومطاردة قضائية".. لماذا تضيق السلطات المغربية على بنكيران؟

"يريدون إرجاعنا لزمن البصروية، حين كان وزير الداخلية إدريس البصري، يفعل ما يشاء دون رادع قانوني"
يتعرض حزب العدالة والتنمية في المغرب إلى مناوشات من وزارة الداخلية، تتجلى في منع وإلغاء أنشطة، ودعاوى قضائية ضد أمينه العام عبد الإله بنكيران، وسط نقاش داخلي بشأن استمرار قيادته الحالية في ظل هذه القبضة البوليسية.
وجديد ذلك، أن الصحفي خالد فاتيحي، رئيس تحرير جريدة "العمق المغربي"، قدم شكاية أمام المحكمة الابتدائية بالرباط ضد بنكيران يتهمه فيها بالسب والقذف طبقا للقانون الجنائي.
وأوضح موقع "اليوم24" في 21 فبراير/شباط 2025، أن الدعوى انضم إليها أيضا موقع العمق، باسم مديره محمد الغروس؛ حيث وضعا مطالب مدنية بالتعويض تصل 1.5 مليون درهم (150 ألف دولار).
“سب وقذف”
وكان فاتيحي أجرى حوارا مع إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في 20 ديسمبر/كانون أول 2024، أثار حفيظة بنكيران بسبب نوعية وطريقة طرحه للأسئلة.
وهو ما دفع بنكيران خلال لقاء حزبي بفاس في 22 ديسمبر 2024 إلى وصف فاتيحي بـ "قليل الأدب" و"المأجور"، دون أن يذكر اسمه مباشرة.
وبعد التفاعلات التي خلقتها تصريحاته اعتذر بنكيران عن الأوصاف التي أطلقها على الصحفي، ونشر توضيحا قال فيه: إنه غضب من الطريقة السيئة وغير المهنية في إدارة الحوار.
من جانبه، انتقد نائب عمدة مدينة سلا السابق عبد اللطيف سودو، رفع الدعوى القضائية ضد بنكيران، مشيرا إلى أن الصحفي نفسه تعرض للضرب على الوجه خلال مؤتمر حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، في أبريل/نيسان 2024، من أحد قادة الحزب.
وقال سودو في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، في 21 فبراير 2025، "الصحفي لم يرفع دعوى ضد من أهانه وتهجم عليه في مؤتمر حزب الاستقلال، لكنه قرر مقاضاة بنكيران الذي سارع بالاعتذار..".
واسترسل: "مرحبا بالقضاء.. وأنا أول المتبرعين لبنكيران بالمبلغ الذي يطالبون به".
بدوره، دعا نجيب البقالي، البرلماني السابق وعضو جمعية محامون من أجل العدالة، مدير موقع العمق ورئيس التحرير إلى التنازل عن الشكاية، مشيرا إلى أنهما تخرجا في مدرسة العدالة والتنمية.
وقال البقالي إنه من العار رفع هذه الدعوى، حيث شغل محمد الغروس أولى مهامه الصحفية داخل جريدة التوحيد، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، فيما حصل فاتيحي على بطاقة الصحافة المهنية خلال اشتغاله في موقع حزب العدالة والتنمية.
“دينامو المعارضة”
تفاعلا مع هذه الهجمة، يقول الباحث الأكاديمي والناشط السياسي علي فاضلي، إن الأحداث تقرأ في سياقها وواقعها، ومحاولة فصل نازلة رفع أحد "الصحفيين" دعوى قضائية ضد بنكيران عن السياق والواقع الذي تتم فيه هي محاولة خاطئة.
وأضاف لـ "الاستقلال"، أن “المتتبع للشأن السياسي سيلاحظ مسألة مهمة تصاعدت خلال الفترة الحالية، هدفها التشويش على الدينامية التي خلقها العدالة والتنمية في المشهد السياسي وبالأخص على الفاعل الرئيس (الدينامو) في هذه الحركية وهو بنكيران، التي جعلت الحزب يتصدر المشهد السياسي بل ومنتج السردية حتى وهو آخر حزب في المعارضة عددا”.
يذكر أن حزب العدالة والتنمية انتقل خلال انتخابات 8 سبتمبر 2021 من المرتبة الأولى بـ125 نائبا برلمانيا، إلى 13 نائبا فقط، وحل في المرتبة الثامنة والأخيرة بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان.
مما دفع قيادة الحزب وقتها، برئاسة سعد الدين العثماني، إلى تقديم استقالتهم، في حين عاد بنكيران بعد مؤتمر استثنائي للحزب نهاية 2021، بأزيد من 80 بالمئة من أصوات المؤتمرين.
وقال فاضلي: "هذه المسألة المهمة تتجلى في انتشار رواية واحدة -كأنها صادرة عن سامسونغ واحد- مفادها: "من هو بنكيران حتى يقول الذي يريد؟ ومن أين يستمد بنكيران "حصانته" التي تجعله “فوق القانون؟ ”
وتابع فاضلي: "هذه هي الرواية التي يتم العمل عليها، وقد رددها وزير العدل عبد اللطيف وهبي في مؤسسة البرلمان؛ حيث حرض القضاء على متابعة بنكيران بطريقة غير مباشرة حين قال إن بنكيران يرتكب أفعالا تقع تحت طائلة القانون الجنائي، وكأنه يوجّه رسالة غير مباشرة لمؤسسة القضاء لماذا لا تتابعون بنكيران على خرقه القانون الجنائي".
وأردف: "ولأن بنكيران سريع الفطنة وعالي الذكاء، فقد رد على وهبي بكلمة غاية في الدلالة حين وصفه "بتبيعيت" أي الوشاية، ومعروف مدلول الكلمة وكيف تستخدم عند المغاربة".
وقال فاضلي، إن رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزير العدل وهبي يعرفان أن أي لجوء إلى المحكمة ضد بنكيران هو من الهدايا الكبرى التي تقدم لبنكيران، كما أن بنكيران تحدى أخنوش لمقاضاته، وقال: "ستنتهي الحملة الانتخابية خلال المحكمة".
وتابع: "يضاف إلى هذا بعض الأعراف السياسية، ثم أمر مهم وهو نفسي/طبقي يعتري أخنوش وطبقته، فهؤلاء لا يتخيلون أنهم يقفون متساوين أمام القضاء في مواجهة مغاربة مثلهم، ولهذا يكتفون بإرسال محاميهم".
لذلك، يردف فاضلي، "كان لا بد من "موظف" لمقاضاة بنكيران بالنيابة عن جهاز سامسونغ، لكن النتيجة ستكون واحدة، ويكفي ما أحدثه الأمر من تضامن مع بنكيران ومن سخرية تبين وعي المغاربة لما يجرى، لقد انتصر بنكيران حتى قبل أن تبدأ المحاكمة"، يقول الباحث الأكاديمي.
تورط الداخلية
وفي 22 فبراير 2025، أصدر حزب العدالة والتنمية بيانات لأمانته العامة، إثر قرار صادر عن سلطات مدينة الرشيدية، يقضي بمنع نشاط للحزب بقاعة عمومية لأجل التواصل مع المواطنين وتقديم حصيلة عمل مجلس الجماعة.
وقالت الأمانة العامة لحزب بنكيران: إنها تلقت "باستغراب كبير واستياء شديد ما أقدم عليه باشا الرشيدية، وذلك تحت ذرائع غير دستورية وغير قانونية، فضلا عن كونها خاطئة ومتناقضة".
وشدد البيان على أن ما قام به ممثل وزارة الداخلية يمس بدولة الحق والقانون، ويعود بنا لـ "ظهير كل ما من شأنه"، في الوقت الذي أكد فيه تصدير الدستور وفي أول سطر: "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون".
وعبرت الأمانة العامة عن رفضها القاطع لهذا القرار لما يمثله من خرق للدستور وللقانون ومن شطط في استعمال السلطة، مؤكدة أنها "لن تسكت أو تسمح بالمساس بممارسة الحقوق غير القابلة للتأويل أو الترخيص والتي خولها الدستور والقانون للأحزاب السياسية".
واستغرب الحزب من "الخلط القانوني والزمني واستعمال الباشا لمصطلحات لا علاقة لها باللغة القانونية والإدارية المحايدة.. واستدعائه لنص قانوني خارج سياقه الزمني ولا علاقة له بهذا النشاط الحزبي ولا يطبق إلا في زمن الحملات الانتخابية، وهو ما يثير التساؤل حول حياد السلطة المحلية اتجاه الأنشطة السياسية والانتخابية للأحزاب السياسية كما يفرض ذلك الدستور والقانون".
وطالب الحزب من وزير الداخلية "التدخل بسرعة لمعالجة هذا القرار الخاطئ وغير الدستوري وغير القانوني، واتخاذ كل ما يلزم وتوجيه السلطات المحلية لعدم تكرار مثل هذه الممارسات غير الدستورية وغير القانونية والتي من المفروض أنها أصبحت في حكم الماضي".
من جانبه، رأى عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وأحد أبناء المدينة، أن "وزارة الداخلية تخرق الدستور خرقا فاضحا بدرجة "انقلاب" كامل على فصوله بشكل جد خطير".
وقال هناوي: إن "الواقعة الانقلابية على الدستور حصلت بمدينة الرشيدية، عاصمة جهة درعة تافيلالت، مهد الدولة العلوية بالمغرب منذ أكثر من 400 عام".
بدوره، قال نائب عمدة مدينة طنجة السابق، محمد أمحجور، إن ما وقع بالرشيدية فيه "إساءة بالغة للاختيار الديمقراطي".
وأضاف أمحجور في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، "اطلعت على مراسلة باشا الرشيدية، وانتابني شعور بالخجل. نعم الخجل مما وصلنا إليه من دركات في المسار الديمقراطي".
واسترسل: "مراسلة أظن أننا قد لا نجد لها مثيلا في تاريخ المغرب الحديث، تسفيها للعمل السياسي وإساءة للمسار الديمقراطي، هي مراسلة صيغت من محبرة ظننا يوما أننا طوينا صفحتها إلى الأبد".
وتساءل أمحجور: “ماذا عساه يقع في ملك الله، وفي الوطن الآمن المستقر، إذا نظم حزب لقاء تواصليا يهم تدبير الشأن العام بمدينة الرشيدية؟ هل ستشرق الشمس من مغربها؟”
وقال: إن "بعض المسؤولين لا يكفيهم العزوف، ولا المناخ المحبط، ولا ما وصلنا إليه من تهشيم لمؤسسات الوساطة وتأطير المواطنين، لم يعد يملأ جوفهم إلا موت ما بقي من سياسة لم تعد تصلح لشيء.. مؤسف حقا ما صرنا إليه.".
عودة للماضي
بدوره، يرى الباحث سليمان صدقي، أن هناك أطرافا تريد إرجاعنا لزمن البصروية، حين كان وزير الداخلية إدريس البصري، زمن الملك الراحل الحسن الثاني، يفعل ما يشاء دون رادع قانوني أو دستوري.
وقال لـ"الاستقلال": إن "بعض الوقائع تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك بعض المسؤولين والقوى تعيش أو تحن لزمن الحزب السري كما سماه القيادي الاستقلالي الوطني محمد بوستة رحمه الله".
وأضاف: "شعار القوم "حاصروا الأحزاب الوطنية والديمقراطية"، وافتحوا المجال لدكاكين الإدارة".
ورأى صدقي أن جواب الباشا إن كان تجليا لتحيزات البعض التحكمية، فإنه يمكن القول إنه أغرب ما كتب في غباء التعليل؟ ويذكرنا بزمن مسيرة ولد زروال، بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2016، والتي نظمها محسوبون على وزارة الداخلية ضد رئيس الحكومة وقتها عبد الإله بنكيران.
واسترسل: "حيث يتجسد غباء بعض المسؤولين وأمّيتهم السياسية وحقدهم الأيديولوجي الدفين تجاه فصيل سياسي وطني وديمقراطي".
وشدد صدقي أن هذا القرار العجيب لم يراعِ الدستور الذي جعل من "الاختيار الديمقراطي" ثابتا رابعا من ثوابت المملكة، إلى جانب الإسلام السمح والملكية الدستورية والوحدة الترابية.
وأردف، كما لم يراع خطب الملك المتكررة وتوجيهاته بالتمسك بالعمل الديمقراطي وتشجيع العمل الحزبي الوطني والدمقراطي.
وتابع، ولم يراعِ السياق السياسي الاستثنائي الذي يستدعي دعم الأحزاب الوطنية وتشجيع المواطنين للانخراط في العمل السياسي، في مواجهة تيارات العدمية والتوجه العام للعزوف السياسي ومقاطعة العملية السياسية برمتها.
وقال الناشط السياسي، إن القرار "لم يراع السياق الاجتماعي المحتقن، ما يتطلب إشراك قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية ذات العمق الشعبي في تدبير المرحلة، من موقع المعارضة التي منحها دستور 2011 موقعا متقدما ومركزيا في العملية السياسية".

اعتراف بنكيران
اعترف بنكيران خلال لقاء مع طلبة الجامعة الخاصة "HEM" بالرباط، في 19 فبراير 2025، أنه كان له لقاء بمدينة أخرى، غير أن الجهات المنظمة أعلنت عن إلغائه، مشيرا إلى أن هناك جهات لا تريد منه الكلام. دون أن يسميها.
وانتقد بنكيران أسئلة الصحفي الذي أدار اللقاء، والذي تساءل عن موعد رحيله من قيادة الحزب، قائلا: "أعضاء حزبي صوتوا لعودتي سنة 2021، وأنا لا أغدر ولا أتراجع، وهؤلاء الأعضاء إن قالوا لي كفى، حينها فسأرجع إلى الوراء، والمؤتمر الوطني القادم سيكون في أبريل 2025، ولهم الحق للتصويت على من يريدون...".
وأردف بنكيران مخاطبا خصومه السياسيين: "إن كنت مزعجا لهم إلى هذا الحد، فليضعوا قانونا ويحذفوا اسمي من السجل المدني، أو يحرموني من الحق السياسي، أو يحاكموني ويدخلوني إلى السجن...".
وكان وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد انتقد تصريحات أدلى بها بنكيران ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن خطته لتهجير الفلسطينيين من غزة.
وقال بنكيران: إن ترامب لا يملك الحق في فعل هذا، مشددا على أن الأرض الفلسطينية هي للفلسطينيين وليست لترامب أو لعائلته، وأن ما يريده الرئيس الأميركي القيام به تهديد للسلم الدولي والمؤسسات والقوانين الدولية والأعراف الإنسانية.
ورأى وهبي خلال لقاء برلماني بتاريخ 12 فبراير 2025، أن تصريحات بنكيران يمكن أن تندرج تحت طائلة القانون الجنائي.
وقال وهبي: "بنكيران سب وأهان الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا سلوك مخالف للنص الجنائي، فهل ستتابعه النيابة العامة؟ هذا شأنها، ولن ندخل في هذه التفاصيل".
كما انتقد وهبي قول بنكيران لرئيس الحكومة عزيز أخنوش إنه سرق أموال اليتامى، قائلا: "ليس هناك سياسي في العالم يتجرأ على القول بأن رئيس حكومة بلاده لص أو سارق".
وردا على تصريحات وهبي، قال بنكيران في اجتماع للأمانة العامة للحزب، إن "أحدهم استغل كلمة قلتها وشرع يحرض عليَّ النيابة العامة وربما فوق ذلك يحرض عليَّ الرئاسة الأميركية".
وتابع بنكيران دون أن يشير إلى وهبي بشكل مباشر، إن "هذا الشخص مسكين، ولا يفقه شيئا في السياسة، لأنه قام بإشهار مجاني لعبد الإله بنكيران..".
مستقبل الحزب
يرى الناشط السياسي علي أسندال، أن "تجميع المعطيات القائمة بشأن ما يتعرض له بنكيران، يبين أن المقصود ليس شخص بنكيران وحده، وإن كان الجميع يطلب رأسه، لكن المقصود هو الحزب في كينونته".
وأضاف لـ"الاستقلال"، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف الحزب، ولن تكون الأخيرة، مشيرا إلى أن الشكاية القضائية ضد بنكيران يريدها خصومه، بعد أن تحول الحزب في قيادته إلى مزعج لجميع الجهات.
وأوضح، حيث يقود الحزب اليوم جبهة الدفاع عن الأسس الشرعية لقانون الأسرة، ويقود العمل البرلماني الرافض لتغول الأغلبية الحكومية، ويقود الأصوات المحذرة من الفساد وتضارب المصالح لدى رئيس الحكومة وأغلبيته، كما يقود الحراك السياسي المطالب بإسقاط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي..
من جانب آخر، قال أسندال: إنه "إن كان المقصود من الشكاية وما يجرى هو إزاحة بنكيران عن قيادة الحزب وإحالته على التقاعد، فالأمر ليس بحاجة إلى مثل هذه الأساليب؛ لأن وقعها سيكون معاكسا، إذ تمده بطوق نجاة كبير، وتمنحه دعما جديدا بين أعضاء الحزب والمواطنين".
وخلص إلى أن أصحاب الشكاية ما يزال أمامهم الوقت لطي الملف وإرجاعه إلى طبيعته؛ كونه كلام في إطار المساجلات السياسية، تم الاعتذار عنها وانتهى الكلام، مشددا على أن "التلويح بالمطالب المدنية أو الجزائية لن يكون لها النتائج المأمولة إطلاقا".