ترميم المساجد في سوريا.. كيف يفضح نظرة بشار الأسد إلى مقدسات المسلمين؟

وثقت وزارة الأوقاف السورية الجديدة تدمير قوات نظام الأسد المخلوع لـ 3100 مسجد في سوريا
بصورة لافتة، يركز سوريون اهتمامهم منذ سقوط نظام بشار الأسد على إعادة ترميم المساجد التي استهدفتها آلة النظام العسكرية ومليشياته الشيعية خلال السنوات الماضية؛ إذ أطلق سوريون مبادرات محلية لترميم المساجد المدمرة، وإعادة نشاطها لاستقبال المصلين وتفعيل دورها في التآخي المجتمعي وحل النزاعات.
وتظهر عمليات الترميم مدى إهمال وزارة الأوقاف السابقة بالمساجد وعدم العناية بها أو تخصيص أموال من ميزانيتها لإعادة ترميمها.

ترميم المساجد
فور سقوط الأسد، عمد متطوعون من أهالي البلدات السورية المدمرة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات لترميم المساجد بالحد الأدنى المطلوب؛ إذ يتغير حجم الدمار من مسجد إلى آخر، بينما تفتقر كثير من المساجد للسجاد أو الإضاءة أو توفير خزانات المياه في أماكن الوضوء.
ووثقت وزارة الأوقاف السورية الجديدة تدمير قوات نظام الأسد المخلوع لـ 3100 مسجد في سوريا خلال السنوات الماضية، وذلك عبر القصف المباشر أو الهدم المتعمد.
وأفاد المتحدث باسم وزارة الأوقاف، أحمد الحلاق، في 5 فبراير/ شباط 2025 بأن الوزارة تفاجأت بحجم الدمار الهائل الذي خلّفه قصف النظام المخلوع.
وأوضح أن العديد من المساجد والمدارس الشرعية دُمّرت نتيجة الاستهداف المباشر أو الهدم المتعمّد، كما هو الحال في جنوبي إدلب وريف حلب.
وأوضح الحلاق أن وزارة الأوقاف عملت منذ اليوم الأول لسقوط النظام على تشكيل لجان لإحصاء المساجد والمنشآت التعليمية الشرعية التي دُمّرت جراء القصف الذي تعرضت له المدن والأرياف. مشيرا إلى أن الدمار الكبير نال بنية المنشآت الدينية في جميع المحافظات من دون استثناء.
وخلصت اللجان إلى إحصاء المنشآت التي دمرت كليا أو جزئيا؛ حيث بلغ عددها أكثر من 3100 مسجد، إضافة إلى 68 منشأة تعليمية في عموم سوريا، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا".
وأضاف المتحدث: "نسعى مع الشركاء من الجمعيات والمنظمات وأصحاب الخير إلى البدء بعملية إعادة إعمار المساجد والمؤسسات التعليمية".
ويعد ترميم المساجد إلى جانب المدارس من أهم العوامل المشجعة على عودة المهجرين واللاجئين إلى مدنهم وبلداتهم.
وأعلنت وزارة الأوقاف في 17 فبراير 2025 عن إطلاق حملة "بيت الله منزلنا" في جميع مساجد المحافظات السورية، استعدادا لاستقبال شهر رمضان المبارك، وذلك ضمن جهودها لتأمين أماكن عبادة نظيفة ومجهزة للمصلين.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، أحمد الحلاق لوكالة “سانا”، أن الحملة تهدف إلى تنظيف المساجد وصيانتها، بما يشمل ترتيب المصاحف، والتأكد من جاهزية الإذاعة والصوتيات، وإجراء صيانة للإنارة ومصادر المياه والكهرباء، لضمان تقديم أفضل الخدمات لمرتادي المساجد خلال الشهر الفضيل.
وأشار الحلاق إلى أن آلاف المساجد لن تتمكن من الاستفادة من الحملة؛ لأنها تعرضت للتدمير بسبب ممارسات النظام المخلوع. مؤكدا أن الوزارة تبذل جهودا حثيثة لإعادة تأهيل المساجد المتضررة وفتحها أمام المصلين في أقرب وقت ممكن.
ودعت وزارة الأوقاف الأهالي ومؤسسات المجتمع المدني إلى المشاركة الفاعلة في الحملة، لتعزيز الأجواء الروحانية في المساجد خلال شهر رمضان المبارك.

تدمير ممنهج
ولا شك أن المساجد شكَّلت إبان اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/ آذار 2011 نقطة انطلاق للمظاهرات السلمية.
ولم تراع آنذاك الأجهزة الأمنية حرمة المساجد والتي كانت تقتحمها وتعتدي على المصلين وتعتقلهم وتعبث بمحتويات المسجد.
كما تطور الأمر إلى قصف المساجد بشكل متعمد من قِبل قوات الأسد انتقاما من المدن الثائرة؛ إذ رأى العالم مشاهد مذهلة حينما كانت مدرعات نظام الأسد المخلوع تعمد إلى قصف مآذن المساجد وتهديمها في مشاهد استفزازية ولا تراعي حرمة المسجد الدينية لدى المسلمين، حتى إن قوات الأسد عام 2013 قامت بقصف مرقد الصحابي الجليل خالد بن الوليد ومسجده في وسط حمص، بعد خروج المنطقة عن سيطرته.
وقد ترك النظام المسجد الذي يمثل رمزية كبيرة لأكثر قادة المسلمين العسكريين والفاتحين أهمية والذي لقّبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بـ "سيف الله المسلول"، دون أي ترميم.
إلا أن رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، قرر تمويل ترميم مسجد الصحابي خالد بن الوليد، وقد أعيد افتتاحه في فبراير 2019.
ولاحظت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن استهداف المساجد من قبل قوات الأسد عقب اندلاع الثورة جاء على "نحو ممنهج ومقصود وواسع النطاق شمل المحافظات السورية كافة بأعداد ضخمة جدا".
فحتى عام 2013 وثقت الشبكة السورية تضرر ما لا يقل عن 1451 مسجدا بينهم ما لا يقل عن 348 مدمَّرا بشكل شبه كامل، إثر عمليات القصف بصواريخ سكود وصواريخ أرض أرض وبالبراميل المتفجرة والمدفعية والدبابات وغيرها من أنواع الأسلحة.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالإضافة إلى تدمير المساجد، قتل أئمتها وخطبائها حيث قتل حتى عام 2013 ما لا يقل عن 48 إماما وخطيبا بمختلف المحافظات السورية على يد قوات وشبيحة الأسد.
اللافت أن انتشار المليشيات الإيرانية في كثير من المناطق السورية خلال السنوات الماضية بعد تهجير كثير من سكانها، أثّر بشكل كبير على حالة الإهمال للمساجد.
إذ كثيرا ما كانت تلك المليشيات تعيق إعادة ترميم المساجد في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ففي يونيو/ حزيران 2024 قدَّمت "مديرية الأوقاف" في محافظة دير الزور طلبا قبل أيام إلى "مكتب الأصدقاء" التابع للمليشيات الإيرانية في المدينة لترميم 7 مساجد، إلا أن المكتب رفض الطلب دون توضيح الأسباب.
كما كانت المليشيات الإيرانية تمنع المساجد من تشغيل مكبرات الصوت في أذان الفجر، علاوة على إرسالها لخطب الجمعة بناء على خطبة تصدر عن المركز الثقافي الإيراني.
دور مجتمعي
لكن اليوم، مع عودة بعض النازحين السوريين إلى بلداتهم ومدنهم عقب سقوط الأسد، كان إعادة ترميم المساجد خطوة لم تقتصر على أداء الصلوات المفروضة فيه بل إحياء لدوره في المجتمع الإسلامي من حل للنزاعات ورد المظالم للناس.
فعلى سبيل المثال اتخذ كثير من المحامين ووجهاء البلدات المساجد عقب سقوط نظام الأسد، كمكان لحل النزاعات الأهلية حول العقارات والتعديات على الحقوق التي خلّفتها السنوات الماضية؛ إذ يجرى تحديد ساعات محددة وبأيام محددة داخل المسجد لعرض المظالم على المحامين والوجهاء للعمل على حلها قبل طرق باب المحاكم كخيار نهائي للفصل بين المتخاصمين.
وقد لقيت هذه الخطوة استحسانا من قبل الأهالي؛ لحل المشاكل البينية قبل اللجوء إلى القضاء.
وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة تظهر عمليات ترميم المساجد في المناطق السورية؛ حتى إنه جرى ولأول مرة منذ 18 عاما، تجديد سجاد الجامع الأموي الكبير وسط دمشق في 23 فبراير 2025، في مشهد عكس حجم الإهمال المتعمد لهذا الصرح الديني الإسلامي على زمن حكم نظام بشار الأسد.
كما وضع في 2 مارس 2025 اللمسات الأخيرة في أعمال ترميم المسجد الأموي بحلب؛ استعدادا لافتتاحه أمام المصلين بعد تعرضه للقصف والتخريب من قبل قوات النظام البائد.
وبني الجامع الأموي عام 716 للميلاد، وتشير مصادر تاريخية إلى أن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك هو الذي أمر ببنائه، فيما تشير مصادر أخرى إلى أن الوليد بن عبد الملك هو الذي قام بذلك.
وفي أبريل 2013 تعرض الجامع الأموي لاعتداء كبير بعد إسقاط المئذنة جراء قصف قوات الأسد لها بشكل متعمد.
كما عمدت المليشيات الإيرانية إلى تدنيسه واقتحامه وبث شعارات طائفية من ساحته بعد تهجير سكان أحياء حلب الشرقية نهاية عام 2016.