عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا بعد قطيعة سنتين.. ماذا حدث؟

منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

بعد توتر لأزيد من سنتين، فتحت زيارة وزير الداخلية الجزائري إلى إسبانيا، نافذة جديدة لإعادة إحياء الشراكة والتعاون بين الجانبين، وتلافي الأسباب المؤدية إلى الأزمة السابقة.

حيث شرع وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، في زيارة رسمية إلى إسبانيا، رفقة المدير العام للأمن الوطني، يومي 24 و25 فبراير/شباط 2025، وهي الزيارة الأولى منذ الخلاف السياسي الحاد بين البلدين في مارس/آذار 2022.

وتوترت علاقات الجانبين عقب إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، دعم بلاده مخطط الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب لحل النزاع مع جبهة البوليساريو بشأن الصحراء الغربية.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في الإقليم تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

تنشيط التعاون الثنائي

ووفق بيان لوزارة الداخلية الجزائرية، 24 فبراير 2025، فإن مراد ناقش مع نظيره الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا قوماز، "ملفات التعاون الثنائي في المجالات ذات الاهتمام المشترك".

وذكر البيان أن "الزيارة تكتسب أهمية خاصة لتنشيط التعاون الثنائي وتعزيز التنسيق والتشاور المستمر حول المسائل ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن دراسة الأنشطة والبرامج المشتركة التي يمكن تجسيدها من أجل ترقية التعاون بين بلدينا بما يحقق مصالحهما ويسمح بمواجهة فعالة وناجعة للتحديات المشتركة".

وشدد البيان على أن الوزير أكد على "أهمية تعزيز التعاون الوثيق بين الأجهزة والمؤسسات المختصة في البلدين في المجال الأمني الذي يستند إلى الاتفاق الثنائي بين حكومتي البلدين، والذي يخص مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة".

وقالت الداخلية: إن اللقاء ناقش "محاربة الجريمة العابرة للحدود لا سيما الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخائر والمخدرات والسلائف الكيميائية، والجرائم السيبرانية والاقتصادية".

وتابعت: "بالإضافة إلى المتاجرة بالبشر والأعضاء البشرية، وبالأخص في ظل تنامي الظواهر الإجرامية وتشعبها وتنوّع طرقها واعتمادها على الوسائل الحديثة ما يستدعي تعزيز العمل المشترك".

وأوضح المصدر ذاته أن "من أبرز التحديات التي تواجه بلدينا ومنطقتنا برمتها منذ سنوات عديدة، تلك المرتبطة بالهجرة غير النظامية؛ حيث تبنت الجزائر مقاربة شاملة ورؤية مندمجة، في مواجهة المخاطر الناتجة عن هذه الظاهرة، وبهدف ضمان تكفل مناسب بمختلف أبعادها".

وكانت الجزائر أعلنت في 18 مارس/آذار 2022 عن تجميد العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار المبرمة سنة 2002، كما سحبت سفيرها من مدريد، إلا أنها عينت في نوفمبر/تشرين ثاني 2023، الدبلوماسي عبد الفتاح دغموم، سفيرا لها لدى اسبانيا.

كما شكل لقاء جمع وزيري خارجية البلدين -على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة الـ20 بمدينة جوهانسبرغ الجنوب إفريقية يوم 20 فبراير 2025- دفعا جديدا نحو رغبة ثنائية لتجاوز الخلافات.

وأكد وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، عقب مباحثات أجراها مع نظيره الجزائري في مقر وزارة الداخلية، عن تقدير مدريد "للجهد الأساسي الذي تبذله الجزائر لمكافحة المافيات التي تتاجر بالبشر في أراضيها، والذي سمح بتفكيك عدد كبير من المنظمات الإجرامية من المصدر".

وأشار مارلاسكا في تصريح صحفي بالمناسبة، إلى أن "ملف الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، كان ​​من بين أبرز القضايا التي أثارت الاهتمام خلال هذا الاجتماع".

وقال الوزير الإسباني: إنه ناقش مع نظيره الجزائري ترتيبات عقد الاجتماع المقبل للجنة المشتركة لاتفاقية الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، المعمول بها منذ عام 2009.

وأضاف "نتقاسم العديد من المصالح والتحديات المشتركة، مع تحديات مهمة تتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى استجابات مشتركة تقدم حلولا فعّالة".

وأشاد مارلاسكا "بالتعاون الممتاز بين البلدين الذي يظهر مستوى الثقة والاحترام المتبادل والذي يدعم تعاوننا الثنائي، وهو أمر مرضٍ بشكل خاص في مكافحة الإرهاب".

الاقتصاد والسياسة

في قراءته للأبعاد الاقتصادية للزيارة، يرى الباحث الاقتصادي الجزائري عبد الرحمن مبتول، أن عودة العلاقات بين الجزائر وإسبانيا مدفوعة "بضغط المصالح الاقتصادية الكبرى في مقدمتها توريد الغاز، فضلا عن المشاريع المشتركة في حقول الغاز بالجنوب الجزائري".

وقال مبتول لـ "الاستقلال"، إن "الجزائر التي تصدر نحو 10.5 مليارات متر كعب سنويا من الغاز لمدريد هي الشريك الأول في هذا المجال".

وأشار إلى أن "الجزائر قد تسعى أيضا إلى الرفع من أسهم مجمع سوناطراك للمحروقات بشركة نوتارجي الإسباني والتي لا تتعدى حاليا 4.5 بالمئة".

وأوضح أن أهمية نوتارجي لدى الجزائر تكمن في كونها تملك 49 بالمئة من أسهم أنبوب ميد غاز العابر للبحر الأبيض المتوسط، الذي يتم عبره تزويد إسبانيا بالغاز الطبيعي.

ويؤكد مبتول "صعوبة بقاء العلاقات على وضعها السابق المتسم بالتوتر، نظرا للمصالح المشتركة الإستراتيجية بالنسبة للبلدين، رغم عدم تغيير مدريد لموقفها المعلن من النزاع حول الصحراء الغربية".

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية الجزائري أنيس بوقيدر، أن عودة العلاقات الجزائرية الإسبانية تدخل ضمن عدة سياقات متباينة، أهمها المصالح الجيوسياسية المشتركة، بحكم أن كلا منهما "دولتان عقلانيتان في تعاملهما".

ويؤكد بوقيدر لموقع “الجزيرة نت” القطري، في 23 فبراير 2025، أن هذه المصالح "تكتسب أهمية خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن الجزائر، بصفتها الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، تُعد الوجهة الأولى لدول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالطاقة، إلى جانب توفرها على المزايا التي يبحث عنها الاتحاد في تعاملاته".

وبخصوص مستقبل هذه العلاقات، توقع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن تكون واعدة ومزدهرة في المستقبل، خاصة مع مراجعة الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الشراكة مع الجزائر، بالإضافة إلى الرهانات الجيوسياسية الحالية.

ورأى أن القضايا المشتركة التي تجمع الجزائر وإسبانيا تفوق بكثير تلك التي سببت سوء تفاهم بينهما في الماضي، "لا سيما مع تعديل الموقف الإسباني تجاه القضايا العادلة التي تحرص الجزائر على الدفاع عنها".

ووفقا له، فإن مستقبل وآفاق العلاقات الجزائرية الإسبانية تبدو مفتوحة على احتمالات إيجابية، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، لا سيما في المجالات الجيوطاقية.

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، أن العلاقات بين الجزائر وإسبانيا "تجاوزت مرحلة الصدمة، بعد الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء".

وأشار بوقاعدة في تصريح لموقع "الحرة" الأميركي، في 24 فبراير 2025، إلى أن الطرفين يسعيان لبحث سبل "تعزيز التعاون المشترك، وتحييد النقاط الخلافية فيما بينهما".

وبالنسبة لتوفيق بوقاعدة فإن "الجزائر أدركت أن حالة القطيعة مضرة بمستقبل العلاقات بين الدولتين والشعبين رغم أن الطرف الإسباني لم يعدل من موقفه اتجاه الصحراء الغربية"، مضيفا أن "خسائر مادية وإنسانية نالت البلدين جراء هذا الخلاف".

وأكد بوقاعدة أن "العلاقات بين البلدين لن تكون كما كانت في السابق"، مشيرا إلى أن "الخلافات ستظل قائمة بينهما فيما تعلق بملف الصحراء الغربية.".

وأضاف أن مدريد قد تلجأ "لتحاشي" إثارة النقاط الخلافية المتعلقة بالصحراء الغربية "تفاديا" للعودة إلى مربع التوتر السابق.

تحول 180 درجة

بدوره، قال موقع "أتالايار" الإسباني، في 26 فبراير 2025، إن "الموقف الجزائري تجاه إسبانيا تحول بمقدار 180 درجة".

وأضاف، هذا التحويل يأتي "بعد التباعد السياسي الذي مارسته الجزائر بعد اعتراف إسبانيا بخطة الحكم الذاتي المغربية بصفتها السبيل الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل نزاع الصحراء الغربية".

واسترسل: "الآن دخلت العلاقات مرحلة جديدة مع الاجتماعات، أولها بين وزيري خارجية الجزائر أحمد عطاف وإسبانيا خوسيه مانويل ألباريس في قمة العشرين في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا".

وتابع: "ثم الزيارة التي قام بها وزير الداخلية والحكم المحلي الجزائري إبراهيم مراد إلى مدريد، حيث التقى بنظيره الإسباني وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا وأكاردي إسبانيا غارسيا، كاتب الدولة الإسباني للسياسة الإقليمية".

ورأى الموقع أن "الأمن سيكون أساس العلاقات الجديدة بين البلدين، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة".

وأشار إلى أنه "في خطوة أولى نحو علاقات جديدة، ناقش الاجتماع استئناف الاتفاق الذي كان ساري المفعول منذ عام 2009، والذي تم بموجبه إنشاء لجنة أمنية مشتركة تعمل كجسر بين المخابرات الجزائرية والمركز الوطني الإسباني للاستخبارات لمكافحة الإرهاب".

كما توقف موقع“إسكودو ديجيتال” عند رمزية الزيارة، مؤكدا أن "مراد ليس مجرد وزير. إضافة إلى توليه حقيبة الداخلية والجماعات المحلية وتهيئة الأراضي، فهو من الأشخاص الأكثر ثقة لدى الرئيس عبد المجيد تبون، الذي عينه مديرا لحملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 7 سبتمبر/أيلول 2024".

وأوضح أن لقاء وزيري خارجية البلدين قبل أيام وهذه الزيارة، "تأتي بعد أن رفع البنك المركزي الجزائري، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، جميع القيود التي فرضها على التجارة الخارجية مع إسبانيا. وقد سمحت هذه البادرة بتطبيع التبادلات التجارية، التي عادت تدريجيا إلى مستويات ما قبل عام 2021".

أما الباحث السياسي “خوان خوسيه فرنانديز”، فقال إن جسر المصالحة وإذابة الثلج بين البلدين تم عبر وزارة الداخلية.

وأضاف عبر صحيفة إلبريوديكو الإسبانية، "زيارة مراد إلى مدريد هي بمثابة لفتة دبلوماسية توليها مصادر حكومية قيمة من الدرجة الأولى، خاصة في ظل استمرار التوتر بين الجزائر والمغرب".

وأردف: "كما حدث طيلة الأزمة مع المغرب، فإن العلاقات الإسبانية الجزائرية لم تنقطع على المستوى الأمني ​​بين الدولتين، وذلك بفضل المصلحة المتبادلة والحاجة إلى الحفاظ عليها. وظل الجسر قائما، خاصة عبر الاتصالات الهاتفية".

وذكر الكاتب أن "الإفراج السريع عن السائح الإسباني خواكين نافارو، الذي اختطف على الأراضي الجزائرية في 15 يناير 2025 على يد مجموعة إجرامية خططت لبيعه كرهينة لتنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، شكل نقطة تحول في تطبيع العلاقات، وأُطلق سراحه بعد سبعة أيام في عملية أشادت فيها السلطات الإسبانية بالتعاون الجزائري".