لماذا فك ترامب الارتباط بين تصدير الأسلحة الأميركية وحقوق الإنسان؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

في 24 فبراير/ شباط 2025، ألغت إدارة دونالد ترامب لائحة قانونية من عهد جو بايدن سعت إلى “ضمان عدم استخدام الحلفاء للأسلحة الأميركية في انتهاك للقانون الإنساني الدولي”.

وبينما أصدر بايدن في فبراير 2024، هذه اللائحة، لـ"التوفيق" بين دعمه لحرب الإبادة الصهيونية النازية ضد غزة و"قلقه" بشأن مقتل وإصابة عشرات الآلاف، يرفع ترامب شعار "أميركا أولا" على السياسة الخارجية الأميركية ويشعر أنه ليس بحاجة لأي قناع يبدو إنسانيا لتنفيذ مخططاته الإجرامية.

واستندت لائحة بايدن إلى القوانين القائمة المتعلقة بنقل الأسلحة، والتي تتطلب من الدول التي تحصل على أسلحة أميركية الصنع تقديم ضمانات مكتوبة بأنها لن تستخدم تلك الأسلحة في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.

وسبق أن أعلنت إدارة بايدن أنه في تقييم لهذه اللائحة تم رصد “استخدام إسرائيل أسلحة أميركية الصنع لانتهاك القانون الدولي” لكنها قالت: إنها “تفتقر إلى المعلومات الكافية لاتخاذ قرارات محددة بشأن امتثال إسرائيل القانوني”. 

وباستثناء شحنة واحدة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي احتجزتها إدارة بايدن في ربيع 2024، استمرت في تقديم كميات كبيرة من الدعم العسكري لإسرائيل خلال إبادة غزة. وقد أطلق ترامب تلك الشحنة بعد فترة وجيزة من عودته إلى منصبه.

محللون عدوا إلغاء ترامب قرار بايدن، ليس سوى إسقاط القناع الأميركي الذي كان يتستر بهذا القرار على دعم إبادة غزة.

ما لائحة بايدن الملُغاة؟

وتفاعلا مع الخطوة، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 25 فبراير أن “ترامب مزق لائحة بايدن الموجهة لإسرائيل بشأن انتهاكات حقوق الإنسان باستخدام الأسلحة الأميركية”

ولائحة بايدن كانت عبارة عن "رسالة" أرسلها وزيرا الخارجية السابق، أنتوني بلينكن، والدفاع السابق لويد أوستن، لإسرائيل تهددها بحجب السلاح عنها بموجب لائحة الأمن القومي التي تربط بين تصديره وحقوق الإنسان.

وخط الوزيران معا رسالة مؤرخة بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين أول 2024 نصت على أن "الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية للفلسطينيين".

وهدَّدت الرسالة حينئذ بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل "بموجب القانون الأميركي ولائحة الأمن القومي ذات الصلة بتوريد الأسلحة"، وأمهلت إسرائيل 30 يوما للالتزام بتوسيع المساعدات للفلسطينيين.

لكن "اللائحة" التي تهدد بمنع نقل أسلحة إلى إسرائيل بموجب قانون المساعدات الخارجية حال انتهاكها القوانين الأميركية والدولية في شأن قتل مدنيين وأبرياء بسلاح أميركي، لم يتم تنفيذها.

وتلاعب بلينكن بعد مهلة الـ 30 يوما، وأعلن أن إسرائيل استجابت رغم تكذيب منظمات أميركية ودولية ونواب له، أي أنها لم يكن لها قيمة ولم تعرقل سوى صفقة قنابل وزن 2 طن لعدة أسابيع ثم سلمتها لإسرائيل قبل نهاية عهد بايدن.

وكانت لائحة بايدن تفرض قيودا إضافية على توريد الأسلحة الأميركية؛ حيث اشترطت على الدول المستوردة لها تقديم تعهدات مكتوبة بعدم استخدامها في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.

وتقول صحيفة "واشنطن بوست": إن هدف بايدن منها كان "زيادة الضغط" على إسرائيل لضمان وصول المساعدات الإنسانية لغزة؛ لأن هذا الملف سبب توترات دبلوماسية بين واشنطن وتل أبيب؛ لأن أميركا أصبحت متهمة معها بإبادة غزة.

وأوضحت أن منتقدي إدارة بايدن رأوا أن القيود التي فرضها على إسرائيل لم تُترجم فعليًا إلى إجراءات مؤثرة في تحسين أوضاع المدنيين في غزة.

لذا، قالت مديرة فرع واشنطن في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، سارة ياغر، لـ"واشنطن بوست" إن هذه اللائحة "لم تكن ضرورية أصلا لو التزمت إدارة بايدن بالقوانين الأميركية الخاصة بتصدير الأسلحة".

وتحدثت "ياجر" عن "التكاليف الأخلاقية والإستراتيجية المترتبة على التخلي عن المثل العليا لأميركا"، وسألت فريق ترامب: هل ستظهرون للشعب الأميركي أنكم ستلتزمون بالقوانين الأميركية عند إرسال الأسلحة إلى الحلفاء؟"

وكانت "سارة ياغر"، نشرت مقالا في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، في 14 يناير 2025، قبل تولي ترامب الحكم، تحدثت فيه عن: "خيانة بايدن لحقوق الإنسان التي زعم أنه سيحميها".

وألمحت إلى أنه استغل حقوق الإنسان غطاء للوصول إلى البيت الأبيض، وقالت: "لو كانت رئاسة دونالد ترامب الثانية تشبه فترته الأولى، فهو لن يعمل على تعزيز قضية حقوق الإنسان". 

وكان لافتا ترحيب نواب جمهوريين بإلغاء ترامب للائحة بايدن، معتبرين أنها كانت "مجرد عراقيل بيروقراطية غير ضرورية".

وأثار عدم التزام إدارة بايدن السابقة بالقوانين الأميركية، انتقادات واسعة، ووصفه السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولين، بأنه "أضر بالأمن القومي الأميركي وبمكانة الولايات المتحدة عالميا"، وشكل "استهانة صريحة بالقيم الأميركية".

دلالات إلغاء ترامب لها؟

بموجب "لائحة بايدن" كان يتعين على إدارة ترامب أن تقدم إلى الكونغرس في الأشهر المقبلة تقريرا عن تقييمها لسلوك إسرائيل وهل تستخدم أسلحة أميركا في جرائم ضد الإنسانية في غزة أم لا، لذا بادر ترامب بإلغائها.

ولا يعد إلغاء ترامب للائحة بايدن هو الإجراء الأول الذي يتخذه، لصالح إسرائيل، لكنه أحد عناصر إستراتيجية ترامب ضمن إطار تفكيك القيود التي فُرضت لحماية حقوق الإنسان في النزاعات العسكرية، وفق صحف أميركية.

فقد باع ترامب لإسرائيل أسلحة بقيمة 7 مليارات دولار، تتضمن آلاف الصواريخ من طراز هيلفاير وقنابل، يوم 8 فبراير 2025، متجاوزا عملية المراجعة في الكونغرس، بعد أيام من لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

كما كشفت وزارة الحرب الإسرائيلية، في 16 فبراير 2025، عن وصول شحنة قنابل "MK-84" من الولايات المتحدة، قرر ترامب إرسالها بعدما علقتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن عام 2024.

وهي من أبرز القنابل غير الموجهة في الترسانة العسكرية الأميركية، لذا تتسبب في دمار شديد؛ حيث تزن القنبلة الواحدة حوالي 907 كيلوغرامات، ومُعبأة بحوالي 429 كيلوغراما من المتفجرات عالية القوة.

وهي تعد الأكبر ضمن سلسلة قنابل Mark 80، وكان الجيش الأميركي يستعملها في حرب فيتنام.

وعند إسقاطها، يمكن للقنبلة إحداث حفرة بقطر 15 مترا وعمق يصل إلى 11 مترا. كما تستطيع اختراق ما يصل إلى حوالي 38 سنتيمترًا من المعدن أو حوالي 3.35 أمتار من الخرسانة المسلحة، مما يجعلها فعالة ضد الأهداف المحصنة.

وقبل ذلك وقع ترامب على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في إشارة لعدم اهتمامه بمسائل حقوق الإنسان. 

وفي ولايته الأولى خفف ترامب القيود المفروضة على قادته العسكريين خلال تنفيذهم عمليات ضد تنظيم الدولة وغيره، كما أصدر سياسة جديدة لنقل الأسلحة التقليدية تضع التقديرات الاقتصادية فوق مخاوف حماية المدنيين وحقوق الإنسان.

ما مصير قانون الأسلحة؟

هناك قوانين أميركية تربط بين تصدير أسلحة أميركية لدول العالم والتزامها بعدم استخدامها ضد القانون الإنساني (حقوق الإنسان).

لكن الجديد الذي فعله بايدن بشأن "لائحة الأمن القومي" رقم 20 (NSM-20)، التي وقعها بايدن 2024، هو أنه طلب من جميع البلدان التي تتلقى أسلحة من الولايات المتحدة "الالتزام كتابيا" بأنها لن تستخدمها لاستهداف المدنيين أو تقييد المساعدات الإنسانية.

كانت هناك قوانين أميركية تطلب بالفعل من البلدان الالتزام باستخدام الأسلحة بما يتماشى مع القانون الدولي، ولكن مفهوم "الالتزام المكتوب" كان جديدا، كما كانت توجيهات بايدن أن تقدم الخارجية تقريرا إلى الكونجرس بشأن هذه المسألة "جديد" أيضا.

وقد أثار قرار ترامب إلغاء اللائحة التي تطلب من الخارجية والدفاع الأميركية تقديم تقارير مكتوبة للكونغرس عن التزام الدول التي تشتري سلاحا أميركيا بالقانون الإنساني، ردودا غاضبة من مشرعين وخبراء السياسة الخارجية. 

ووصف السيناتور كريس فان هولن، وهو أحد المؤيدين الرئيسين للائحة، الإلغاء بأنه "مخزٍ"، وقال إنه يقوض الأمن القومي الأميركي وجهود حقوق الإنسان العالمية، بحسب موقع "ستريت أرو نيوز" 25 فبراير/شباط 2025.

فيما قال كريستوفر لو مون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية في مجال حقوق الإنسان، إن إلغاء المرسوم "يشير إلى أن الحكومة الأميركية غير مبالية بما إذا كانت أسلحتها تُستخدم بطرق تنتهك القانون الدولي".

ولأن حكومتهم لا تكترث، حاول مواطنون أميركيون، التقدم بـ "دعوى قضائية جماعية" ضد حكومتهم بسبب الدعم العسكري الأميركي غير المحدود لإسرائيل، والذي نتج عنه إبادة واسعة للفلسطينيين، كي توقف دعمها للاحتلال.

وتُلزم “لائحة الأمن القومي” وزارة الخارجية بتقديم تقرير إلى الكونجرس بشأن ضمانات استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية بما لا ينتهك القوانين الأميركية ولا الدولية.

وتنظم هذه اللائحة مبيعات المنتجات العسكرية الأميركية التي تشرف عليها وزارات الدفاع والخارجية والتجارة، والتي تقدر بنحو 150 مليار دولار.

وكانت تنص على ضرورة "تعزيز الامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون النزاعات المسلحة"، في عمليات بيع السلاح الأميركي، و"تعزيز احترام حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي وسيادة القانون في العالم"، خلال بيع الأسلحة الأميركية للخارج.

وتفرض هذه اللائحة أو السياسة الجديدة على الولايات المتحدة حظر تصدير الأسلحة "إذا ما وجدت أنها ستستخدم في "الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية، أو الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف"، وفق البيت الأبيض.

"بما في ذلك الهجمات الموجهة ضد أهداف مدنية، أو أعمال العنف القائمة على النوع الاجتماعي أو العنف الخطير ضد الأطفال".

وكان من المفترض تطبيق هذه اللائحة على صفقات السلاح التي نقلتها أميركا لإسرائيل منذ طوفان الأقصى بعد تصاعد الانتقادات لأميركا من الداخل والخارج بأنها تشارك في الإبادة الجماعية بغزة، إلا أن هذا لم يحدث، ما جعلها شريكة في الجرائم.

ومن بين التشريعات الأخرى ذات الصلة التي يمكن من خلالها منع السلاح عن إسرائيل ولا يتم استعمالها أيضا، المادة "620 آي" 620I، من قانون المساعدات الخارجية، وقانون ليهي.

وكلاهما يمنع الحكومة الأميركية من تقديم المساعدات العسكرية أو بيع الأسلحة إلى البلدان التي تقيد المساعدات الإنسانية أو تنتهك حقوق الإنسان.

وبسبب التلكؤ الرسمي الأميركي حيال تنفيذ القوانين ضد من يستخدمون أسلحتها في الإبادة، تحرك أكثر من 500 من سكان ولاية كاليفورنيا، ورفعوا "دعوى جماعية"، غير مسبوقة ضد نائبين من الكونغرس يمثلونهم.

وذلك بسبب تصويت النائبين لصالح المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وطالبوا بمعاقبتهم قضائيا لتورطهم في قتل الفلسطينيين.

وكانت التهم الموجهة للنواب ولبلدهم هي خرقهم: "قانون المساعدات الخارجية"، و"قانون مراقبة تصدير الأسلحة"، و"قانون جرائم الحرب الأميركي"، و"قانون ليهي"، و"قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية والعديد من المعاهدات".

والدعوى رفعها سكان ولاية كاليفورنيا يوم 19 ديسمبر 2024 كانت موجهة ضد النائبين "جاريد هوفمان" و"مايك تومسون"، بسبب تصويتهما لصالح "قانون المخصصات الأمنية التكميلية لإسرائيل"، والذي خصص 26.28 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، في أبريل/نيسان 2024.