ما يشهده الملف الكردي في تركيا.. تحول إستراتيجي أم مناورة مؤقتة؟

منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

بينما تبعث دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان، الأمل في إنهاء عقود من الحرب مع تركيا، لا تزال التساؤلات قائمة بشأن مستقبل السياسة الكردية في سوريا والعراق. بحسب موقع "المونيتور" الأميركي.

ففي بيان طال انتظاره ويأمل كثيرون أن يمهد الطريق لإنهاء أكثر من أربعة عقود من الصراع بين تركيا والأكراد، دعا أوجلان أنصاره، في 27 فبراير/شباط 2025 إلى إلقاء السلاح وحل التنظيم المتمرد.

دعوة تاريخية

وقال أوجلان في تصريحاته التي نُقلت خلال مؤتمر صحفي في إسطنبول: "أنا أدعو إلى إلقاء السلاح وأتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة". وأضاف: "يجب على جميع الجماعات أن تلقي أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يحل نفسه".

ولم يُشر الزعيم المتمرد البالغ من العمر 75 عاما إلى الكيان الكردي في شمال شرق سوريا، الذي يعده أتباعه أنه قائدهم الأيديولوجي، بينما تنظر إليه تركيا على أنه تهديد وجودي.

من جهته، أكد مظلوم كوباني، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من البنتاغون، أن النداء لا يشمل قواته، قائلا: "للتوضيح، هذا النداء موجّه فقط إلى حزب العمال الكردستاني، ولا علاقة له بنا في سوريا".

وقال الموقع الأميركي، في تقرير له: "كانت الخلافات حول سوريا عقبة رئيسة في مفاوضات السلام السرية التي استمرت قرابة عام وأدت إلى نداء أوجلان".

"فقد أصرت تركيا على أن تشمل المحادثات شمال شرق سوريا؛ حيث تشن قواتها والفصائل السنية المتحالفة معها حملة شرسة منذ تسع سنوات للقضاء على "الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا"؛ بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني".

واستدرك: "لكن يبدو أن أنقرة خفّفت من موقفها، خاصة مع تصاعد معارضة عدة دول عربية لنفوذها المتزايد في سوريا؛ حيث أطاح فرع لتنظيم القاعدة ببشار الأسد واستولى على السلطة في 8 ديسمبر/كانون الأول".

وأضاف أن "المشهد في إسطنبول بدا احتفاليا في البداية؛ حيث تناوب أعضاء من "حزب اليسار الديمقراطي" (DEM)، أكبر الأحزاب الموالية للأكراد في تركيا، على قراءة أوامر أوجلان لحزب العمال الكردستاني المحظور"؛ حيث قرأوه أولا بالكردية ثم بالتركية، أمام جمهور ضم سياسيين أكرادا أُفرج عنهم أخيرا من السجن، وقد بُث المؤتمر الصحفي مباشرة على التلفزيون الوطني.

وعُرضت على شاشة عملاقة صورة لأوجلان محاطا بنواب "اليسار الديمقراطي" الذين التقوا به في سجنه في وقت سابق من يوم إذاعة البيان.

عودة إلى الماضي

وفي حجج تذكّر بمحاكمته عام 1999، التي انتهت بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة، حاجج أوجلان بأن الظروف التي بررت استمرار حزب العمال الكردستاني -بما في ذلك انهيار الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي- لم تعد قائمة، مما أدى إلى "إضعاف المعنى الأساسي لوجود الحزب".

كما قال: إن الهوية الكردية لم تعد مرفوضة في تركيا، وإن هناك تحسنا في حرية التعبير. مضيفا أن "الدولة القومية المستقلة أو الفيدرالية أو الحكم الذاتي الإداري أو "الحلول الثقافية" ليست البديل المناسب".

وأضاف: "لا بديل عن الديمقراطية في السعي إلى تحقيق نظام سياسي، فالتوافق الديمقراطي هو السبيل الوحيد".

وبحسب التقرير، قد يُفسَّر حديثه عن الحكم الذاتي الإداري على أنه رسالة إلى الإدارة الذاتية المعلنة في شمال شرق سوريا، التي تطالب كل من تركيا والقادة الإسلاميين الجدد في سوريا بحلها.

غير أن فوزة يوسف، وهي مسؤولة بارزة في الإدارة الكردية، أكدت وجهة نظر قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني بأن أوجلان لم يكن يشير إلى سوريا في بيانه.

وقالت يوسف: "تصريحاته تكشف مجددا عن بُعده الإستراتيجي، وأن نداءه سيكون له تأثير كبير على الخريطة السياسية للشرق الأوسط وسيشكل محطة مفصلية في النضال من أجل الديمقراطية".

وأضافت في تصريح لموقع "المونيتور": "كنا نعلم أنه لن يجعلنا جزءا من أي صفقة؛ لأننا جزء من سوريا، وهو لن يفعل ذلك احتراما للمبادئ الديمقراطية، فاتفاقاتنا وتسوياتنا يجب أن تكون مع دمشق، وليس مع تركيا".

واستنادا إلى رواية الحكومة التركية التي تقول إن قوى خارجية تتعمد تأجيج الصراع بين الأتراك والأكراد، شدد أوجلان على "روح الأخوة" بين الطرفين بصفتها ضرورية "للصمود في مواجهة قوى الهيمنة".

كما أثنى على الرئيس رجب طيب أردوغان، وحليفه القومي دولت بهتشلي، لدورهما في تهيئة الظروف لإجراء المحادثات الحالية.

صدمة شعبية

وأشار الموقع الأميركي إلى تجمع الآلاف أمام شاشات عملاقة نُصبت في الساحات الرئيسة بمدن جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية لمتابعة المؤتمر الصحفي؛ إذ علت الهتافات وزغاريد النساء قبل قراءة رسالة أوجلان، لكن بعض الحاضرين لم يتمكنوا من إخفاء صدمتهم عند سماع كلماته.

وقال الصحفي المحلي سليم كورت، من ديار بكر، معقل الأكراد، لموقع "المونيتور": "كان هناك الكثير من الأشخاص الذين بكوا وتساءلوا لماذا قدّم أوجلان كل هذا دون الحصول على شيء في المقابل".

وترددت مشاعر مماثلة في إسطنبول، مما دفع النائب عن حزب اليسار الديمقراطي، سرِي سريا أوندر، إلى الإشارة إلى أن زعيم حزب العمال الكردستاني أكد أيضا على الحاجة إلى "سياسة ديمقراطية وإطار قانوني" -في إشارة ضمنية إلى أنقرة- لتمكين أنصاره من نزع سلاحهم وحل التنظيم.

وبحسب المونيتور، فلا يزال من غير الواضح ما الذي عرضته الحكومة في المقابل لدعوة أوجلان؛ حيث تجري المحادثات في سرية تامة.

ووفقا لمصادر مطلعة على المفاوضات، فقد وُعد أوجلان بتحسين كبير في ظروف اعتقاله، كما يُتوقع الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين الأكراد، وعلى رأسهم صلاح الدين دميرطاش، أبرز السياسيين الأكراد في تركيا.

وتشير التقارير إلى أن العفو قد يشمل مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين لم يتورطوا في أعمال عنف، فيما عرض إقليم كردستان العراق منح اللجوء لقيادات بارزة في الحزب، بحسب ما أفادت به المصادر لموقع "المونيتور".

وتقول مصادر في حزب العمال الكردستاني: إن الخطوة الأولى والضرورية لمواصلة العملية تتمثل في إعلان هدنة متبادلة.

وبالفعل، أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار استجابة لدعوة أوجلان، وأعرب الحزب عن أمله في أن تفرج السلطات التركية عن أوجلان، المحتجز في العزل الانفرادي منذ عام 1999، لتمكينه من قيادة عملية نزع سلاح الحزب.

وترددت تقارير غير مؤكدة عن نية الحزب الإفراج عن مسؤولين بارزين في جهاز الاستخبارات الوطنية التركي (MIT)، كان قد اختطفهما في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق عام 2017.

لكن الطريق إلى سلام دائم مليء بالعقبات، كما أظهرت المحاولات السابقة، وفق الموقع الأميركي.

وكان منتقدو أردوغان القوميون سريعين في رفض دعوة أوجلان؛ فقد تعهّد نائب رئيس حزب النصر اليميني المتطرف، علي شهير أوغلو، في منشور على منصة "إكس" بإفشال "هذه العملية الغامضة"، وفق وصفه.

من جانبه، كتب رئيس حزب الجيد القومي، مساوات درويش أوغلو، على منصة "إكس": "لن نسمح بتدمير الجمهورية! لن نسمح بتقسيم الوطن التركي!"

أما حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي اعتمد على الدعم الكردي في الانتخابات الأخيرة، فقد أيّد دعوة أوجلان، وقال زعيم الحزب، أوزغور أوزال، إن هذه الدعوة "مهمة"، معربا عن أمله في أن يستجيب حزب العمال الكردستاني لها.

تعميق الفجوة

ويُعدّ أحد الأهداف الرئيسة لمساعي أردوغان تجاه أوجلان هو تعميق الفجوة بين حزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديمقراطي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة المقررة في عام 2028، بحسب المونيتور.

"كما أن القدرة على الادّعاء بتحقيق نصر على حزب العمال الكردستاني -المصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- ستمنح أردوغان دفعة كبيرة بين القوميين".

"في المقابل، يراهن أردوغان على أن استمالة أوجلان ستكسبه دعما كافيا من الأكراد".

لكن التحديات اللوجستية لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني تظل كبيرة، فبحسب الباحثة والمؤلفة، أليزا ماركوس، فإن "الدعوة تاريخية، نعم، لكن حزب العمال الكردستاني لن يختفي غدا، فعلى المستوى العملي، يحتاج الحزب إلى ضمانات أمنية لعقد مؤتمر، على الأقل مؤتمر كبير، وهذا يتطلب أكثر من مجرد بيان من أوجلان".

وأضافت ماركوس لموقع المونيتور: "بالإضافة إلى ذلك، كيف سيجري تعريف كلمة "حل التنظيم" هنا؟ فهناك آلاف المتمردين المسلحين في جبال كردستان العراق، ولا يمكن للمجموعة ببساطة أن تحل نفسها أو حتى تنزع سلاحها دون اتخاذ قرار بشأن مصير هؤلاء الأفراد.

وتساءلت: إلى أين سيذهبون؟ ماذا سيفعلون؟ هل سيسمح لهم بالعودة إلى تركيا والانخراط في السياسة بشكل قانوني؟ هل ستسمح لهم حكومة إقليم كردستان بالاستقرار في كردستان العراق؟ قائلة: "من المفترض أن يحل حزب العمال الكردستاني نفسه، لكن كوادره لن تختفي ببساطة".

أما الجانب الإيجابي، وفقا لماركوس، فهو أنه "في حال حله لنفسه، سيكون حزب العمال الكردستاني، من الناحية العملية، قد منح فروعه المحلية، سواء في سوريا أو إيران، الاستقلال الذي وُعدت به عند تأسيسها في عام 2003".

لكنها استدركت قائلة: "ما إذا كانت أنقرة ستقبل بذلك أم لا هو سؤال آخر تماما".