احتلال إسرائيل جنوب سوريا.. لمنع جنوب لبنان أخرى أم رغبة في "دويلة" للدروز؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

اقترنت الهجمات الإسرائيلية على سوريا والتوغل واحتلال مناطق في مدينة القنيطرة وغيرها، بمطالبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"نزع السلاح الكامل" في جنوب سوريا، وقول وزير حربه يسرائيل كاتس إنهم "لا يريدون أن يتحول لجنوب لبنان أخرى".

وبموجب هذه الخطة، حظرت إسرائيل على الحكومة الجديدة نشر أي قوات جنوب عاصمتها، ووضعت الأساس لاحتلال عسكري غير محدد في المنطقة.

لكن جانبا آخر من هذه السياسة الإسرائيلية يشير إلى بدء الاحتلال فعليا تنفيذ خطة لإنشاء إقليم درزي منفصل عن سوريا، بحيث يكون منطقة عازلة، ضمن “أحلام صهيونية قديمة” بتقسيمها لخمسة أقاليم منفصلة "كانتونات"، بما يخدم مصلحة إسرائيل.

خطة الاحتلال

تقوم خطة الاحتلال في سوريا عقب انهيار حكم الأسد وتولي نظام الإنقاذ الجديد على استغلال حالة الضعف التي تعانيها، وتعدد الأقليات وتشعب الأزمات الاقتصادية والسياسية، في تحقيق مكاسب على الأرض تفاوض بها مستقبلا.

وبدأ الاحتلال خطته بتدمير أسلحة الجيش الرئيسة مثل الطائرات والدبابات والبوارج ومخازن الصواريخ، لتعجيز النظام الجديد وفرض هيمنته العسكرية على سوريا، وحرمانه من هذه الأسلحة، لأنه لا يأمن له كما كان يأمن لنظام بشار الأسد المخلوع.

ولم يكتف بتدمير السلاح، وإنما احتل المنطقة العازلة بين البلدين، التي تم الاتفاق عليها عام 1974، بحجة أن جيش نظام الأسد المخلوع هرب منها ولم يعد أحد يحرس الحدود ويخشون على أمنهم من النظام الجديد، أو قيام حركة حماس وغيرها بالهجوم على الجولان.

ولأن الاحتلال يدرك، كما تشير تصريحات قادته وتقارير الصحف العبرية، أن النظام الجديد سيشكل خطرا كبيرا على إسرائيل مستقبلا لو استقر له المقام وبنى جيشا جديدا، بدأ في التوغل واحتلال مناطق خارج المنطقة العازلة في جنوب سوريا.

ثم بدأ مرحلة جديدة بالحديث عن نزع سلاح كل جنوب سوريا، والبقاء في الجنوب لأجل غير مسمى، ومنع دخول القوات السورية للجنوب والتهديد بقصفه، وبناء 9 قواعد عسكرية تضمن لنتنياهو البقاء الدائم هناك.

وخلال كلمة ألقاها نتنياهو، في 23 فبراير/شباط 2025، خلال مشاركته في مراسم عسكرية لتخريج ضباط، قال: "لن نسمح للجيش السوري الجديد، بالدخول إلى منطقة جنوب دمشق".

وأضاف "نطالب بإخراج قوات النظام الجديد في سوريا، من جنوب دمشق بشكل كامل".

وقال، أمام مؤتمر في واشنطن عقدته مجموعة الضغط الأميركية "أيباك" المؤيدة لسياسات إسرائيل، في 25 فبراير 2025: "ستظل قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة على قمة جبل حرمون"، أي جبل الشيخ، الذي احتلته إسرائيل مع هضبة الجولان.

"ولن نسمح بوجود تنظيم هيئة تحرير الشام أو أي جيش سوري جديد في المنطقة الواقعة جنوب دمشق"، و"سيكون جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح".

أيضا قال وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن "أعيننا مفتوحة على المنطقة بأكملها، واليوم بشكل خاص تجاه سوريا".

وأكد أن القصة باختصار هي أن "إسرائيل لا تثق في الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع لذا ستظل تسيطر على المنطقة العازلة مع سوريا".

وقال كاتس، خلال مؤتمر لقادة المجالس الإقليمية الإسرائيلية في 27 فبراير 2025، إن الشرع "الذي تولى الحكم في سوريا، استبدل بالجلابية البدلة ويتحدث بأسلوب دبلوماسي، لكننا لن نغير سياستنا ولا نثق به".

وقد أكد وزير الحرب الإسرائيلي أن "النظام الجديد حاول لأول مرة نشر قواته في مواقع عسكرية، فقامت القوات الجوية الإسرائيلية بضربها وتدميرها، في جنوب سوريا".

وقال: "حاولوا قبل أيام أخذ مواقع عسكرية في الجنوب، لكن سلاح الجو (الإسرائيلي) ضرب بقوة، ولن نسمح بانتهاك نزع السلاح من جنوب سوريا"، واضعا ذلك في إطار إستراتيجية "دفاع عن الحدود" جديدة لجيش الاحتلال في سوريا ولبنان وغزة أيضا. 

وتتجه إسرائيل نحو ترسيخ إستراتيجية جديدة بدعوى "الدفاع عن الحدود"، تقوم على احتلال أراضٍ في سوريا ولبنان وغزة، من خلال منظومة دفاعية ثلاثية المستويات، وتشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع مصر والأردن، رغم اتفاقيات سلام.

وتعتمد الخطة، التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 24 فبراير 2025، على ثلاثة أنظمة دفاعية على حدود غزة ولبنان وسوريا، تقوم على قواعد وحواجز في "الأراضي الإسرائيلية".

ثم نظام دفاع متقدم "في أراضي العدو"، وأخيرا المطالبة بنزع سلاح المناطق التي يرى الاحتلال أنها تشكل تهديدا له، في إشارة إلى المناطق العازلة التي تقيمها إسرائيل بعد احتلالها، وتأمل بدعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمخططاتها.

الورقة الدرزية

تستهدف خطة إسرائيل تجزئة سوريا على أسس طائفية أو عرقية سواء في الجنوب أو في الغرب أو في الشمال الشرقي، واللعب خصوصا بالورقة الدرزية، بجانب استمرار إضعافها عسكريا وفرض أمر احتلالي في الجنوب، لتسهيل انفصال الدروز.

وقد بدأ الجيش الإسرائيلي فعليا تنفيذ خطته لإنشاء إقليم درزي منفصل عن سوريا، عبر فصله عن دمشق، بقصف مواقع سورية في الجنوب، وتقدم الآليات العسكرية في مناطق قريبة من الحدود.

والتواصل مع الدروز وعرض مساعدات، وعروض لتشغيلهم في إسرائيل بدل الفلسطينيين، في محاولة لإغرائهم كما فعلوا في الجولان المحتل، بل والقيام بإحصاء سكاني لهم.

لكن محللين سوريين يرون أن هناك أكثر من جهة فاعلة في المجتمع الدرزي أقواها وأكثرها شعبية تلك المرتبطة بالشيخ وحيد البلعوس الذي اغتاله النظام السوري عام 2015، وهذه القوة مؤيدة لسلطة الرئيس الشرع.

وأكدوا أن هذا ما دفع الشرع، للقاء وفد من شخصيات درزية بارزة عدة، من بينها ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة "رجال الكرامة" أهم فصائل السويداء المعادية للاحتلال.

حيث تم الاتفاق على خطوط توافق ضد الاحتلال، تقطع الطريق على استغلال نتنياهو الورقة الدرزية لتثبيت وجوده في جنوب سوريا.

وأكد البلعوس الابن لقناة "الحرة" الأميركية في 26 فبراير 2025 أن الدروز مع الدولة السورية الموحدة ويرفضون الاحتلال الإسرائيلي وينسقون مع الشرع.

ويبدو أن سكان الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (القنيطرة، درعا، السويداء) يُجمعون على رفض أي محاولة لتقسيم البلاد تحت أي ذريعة، ما ينسف هذه الخطط الصهيونية تماما. 

مع هذا لم يأت لعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالورقة الدرزية، وقوله في 25 فبراير 2025: إن كيانه "لن يتسامح"، مع "أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا"، من فراغ.

حيث يسعى الاحتلال لاستغلال التردد الذي تبديه بعض فصائل عسكرية في محافظتي درعا والسويداء في التفاهم مع السلطة الجديدة في دمشق وتسليم السلاح والانخراط في الجيش السوري الجديد. 

وتضم محافظة السويداء عشرات الفصائل التي تتباين آراؤها حيال الأوضاع الجديدة ما بين مرحب بالتفاهم مع دمشق ويدعم بناء الدولة الموحدة، وبين المتحفظ والذي يدفع باتجاه حصول هذه المحافظة على فيدرالية إدارية. 

وقد دفع هذا نتنياهو لادعاء حمايته الأقلية الدرزية وقول وزير حربه: "لدينا التزام كبير تجاه أصدقائنا الدروز في سوريا، ونحن نسعى للحفاظ على التواصل معهم".

كما قال كاتس: ندرس حاليا إمكانية السماح لأولئك القريبين منهم بالقدوم للعمل يوميا في مرتفعات الجولان، ونستعد لتقديم الدعم لهم من خلال منظمات وطرق مختلفة. نريد أن نراهم محميين، ونعمل على تحقيق ذلك بطريقة مدروسة".

وتتهم أصوات في جنوب سوريا ومدينة السويداء تحديدا الإدارة السورية الجديدة بعدم التعامل بجدية مع الاستفزاز الإسرائيلي في جنوب سوريا وتبرر بهذا حمل السلاح والاحتفاظ به، لكنها تنفي التعامل مع الاحتلال.

وحسب مصادر درزية، كان "من المعيب عدم صدور موقف درزي موحد سياسي وديني، فردي أو جماعي، ينتقد ويدين كلام نتنياهو عن حماية دروز سوريا وتدمير جيش أحمد الشرع في حال قرر الدخول إلى جنوب سوريا" بحسب صحيفة "الديار" اللبنانية في 26 فبراير 2025.

وأكدت أن “نتنياهو يدعو صراحة إلى استقلال دروز سوريا عن بلدهم وتقسيمها، وبناء مجلس عسكري أسوة بمجلس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردي، وتحويل الدروز إلى حرس حدود لإسرائيل، وإقامة كانتون درزي يبدأ من المناطق التي تقدمت إليها آليات إسرائيل في درعا، إلى جبل العرب وبعدها إلى جبل الشيخ والقنيطرة حتى العرقوب وحاصبيا”.

وكانت دعوة نتنياهو قوبلت برفض قاطع من معظم أهالي السويداء، الذين نظموا تظاهرات حاشدة ومنددة بالكلام الإسرائيلي، لكن هناك مخاوف من حصول خلافات درزية – درزية.

ويرى مراقبون أن الحكم الانتقالي الجديد في سوريا لا يريد صراعا مع الكيان الإسرائيلي الآن، وأن الحكومة الجديدة تكافح لحكم بلد مدمر ومنقسم لا يزال محاصرا بشدة بالعقوبات الأميركية، مع قدرات عسكرية ضعيفة وجيش في طور التشكيل.

وبينما يعتقد بعض الدروز أن إسرائيل تساعدهم في إنشاء دولتهم الخاصة وتدعم الأقليات ويقدمون الولاء لها، وسعي بعضهم لتأسيس "المجلس العسكري للسويداء".

وتنشئ تل أبيب في الحقيقة خطوط دفاع متقدمة على حدودها وتستخدمهم كدروع بشرية لحماية مدنها الحدودية من أي هجوم مستقبلي، حسبما يؤكد المراقبون.

وسبق أن كتب المحلل الإسرائيلي رامي سيمني في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2024 يقول: إن "مصلحة إسرائيل تقسيم سوريا إلى خمسة كانتونات".

وقال: "يجب على إسرائيل أن تسعى لاختفاء سوريا، وأن تحل محلها خمسة كانتونات هي موجودة فعلا حاليا".

"كما يتعين على إسرائيل تعميق سيطرتها في الداخل السوري، لا سيما في الكانتون الدرزي الذي يتطلع إلى الانضمام إلينا، ليس عن طريق الضم، لكن عبر إدارة ذاتية تحظى بحماية إسرائيل".

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، و"يسرائيل هيوم" في 9 يناير 2025، إن حكومة نتنياهو ومسؤولين أمنيين يجرون محادثات سرية بشأن مستقبل سوريا، ومنه اقتراح تقسيم سوريا إلى أقسام إدارية مختلفة (كانتونات).

أهداف إسرائيل

بجانب ما أعلنته إسرائيل بوضوح من أنها تخشى تحول جنوب سوريا إلى جنوب لبنان أخرى، لو تركت قوات جيش الإدارة الجديدة تنتشر في الجنوب وتتسلح قرب الجولان المحتل.

وبات واضحا بعد تصريحات نتنياهو وكاتس، أن إستراتيجية إسرائيل في سوريا، هي العمل على خطة تهدف لمنع الإدارة الجديدة في دمشق من بسط سيطرتها على المحافظات الثلاث في جنوب سوريا.

وفي الوقت ذاته، تستهدف إسرائيل اللعب بالورقة الدرزية عبر أساليب العصا والجزرة، ومحاولة منع الفصائل من الاندماج، أو تعاونها مع دمشق.

فضلا عن تشجيع (الاحتلال) بعض القوى الروحية المتمثلة في الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء حكمت الهجري، الرافض للتعاون مع حكومة دمشق أو تسليم سلاح الفصائل بالمحافظة لها، بما يخدم المخطط الإسرائيلي.

وقد أوضح وزير الحرب الإسرائيلي "الرسالة" من وراء شن غارات على سوريا، قائلا عبر بيان في 26 فبراير: "الرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا بأن يصبح جنوب لبنان".

وتتحرك إسرائيل بموجب هذه الخطة بتعاون ومساندة واضحة من تنظيم "قسد" المتعاون معها، والذي عقد مؤتمرا في الرقة، حضرته شخصيات من السويداء، للترويج لفكرة الفيدرالية وتقسيم سوريا، رغم رفض شعبي للفكرة.

وكان لافتا، عقد "مركز روج آفا للدراسات"، المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية، في 27 فبراير 2025، مؤتمر حوار مواز للمؤتمر الوطني الذي نظمته الإدارة السورية الجديدة تحت عنوان "منتدى الحوار الوطني في الرقة"، وسط دعوات انفصالية.

ويقول أستاذ الإعلام السعودي، أحمد بن راشد بن سعيد، إن إسرائيل تسعى لاستخدام الورقة الدرزية بحجة مألوفة يستند لها، هي حماية الأقليات، والعلاقة الخاصة التي تربط هذه الطائفة بالكيان في الأرض المحتلة.

وأوضح ابن سعيد عبر حسابه على "إكس" أن "سياسة النظام الجديد في سوريا القائمة على ترتيب البيت الداخلي، والانصراف إلى البناء، وطمأنة الجوار، وإنعاش الاقتصاد، "كلها مهمة وضرورية، ولكن نتنياهو لن ينتظر، وهو ما لا ينفع معه التأجيل".

وأكد أن "التلويح (الإسرائيلي) بخطر مزعوم يهدد الدروز يشي بما يبيته الصهاينة لسوريا، فهم لا يريدونها أن تنهض وتسترد عافيتها، ويرون أن استخدام الورقة الدرزية قد يأتي بنتيجة".

وقال ابن سعيد: إن تهديدات نتنياهو لإدارة الرئيس الشرع بوجوب إخلاء جنوب سوريا من أي وجود عسكري، ونزع سلاح الجيش في تلك المنطقة، وتعهده بحماية الدروز من أي خطر، "يجب أن تؤخذ بجدية"، أي يجب التصدي لها مبكرا.

واستطرد: "لأن المشروع الصهيوني قائم على العنف ويتغذى بالعنف، ولا يبالي بقانون دولي ولا إنساني، ولا يعترف بسيادة، ولا يخشى عقوبات، فهو يتمتع بحماية الأمم الغربية، ودعمها غير المشروط".

وخلال الحوار الوطني السوري، الذي عقد بقصر الشعب الرئاسي في دمشق، دعت الأطراف المشاركة إلى الحفاظ على وحدة الأراضي ونددت بالتوغل الإسرائيلي، وقالت: إن العقوبات الغربية المفروضة على سوريا يتعين إلغاؤها.

وندد البيان الختامي بتوغل إسرائيل في جنوب البلاد، مطالبا بانسحاب قواتها، لكن بعد ساعات شن جيش الاحتلال غارات جوية على عدة مواقع في منطقة الكسوة جنوب دمشق وفي ريف درعا.

ودعا البيان إلى "ترسيخ مبدأ المواطنة ونبذ أشكال التمييز كافة على أساس العرق أو الدين أو المذهب"، وتحاشى الحديث عن دور الدين في الدولة وأشار إلى "تكافؤ الفرص بعيدا عن المحاصصة العرقية والدينية"، وفق وكالة "رويترز" في 27 فبراير 2025.