دعوة الإمارات لهدنة بالسودان.. مبادرة سلام أم خدعة لإنقاذ المليشيات؟

توعد ضابط في الجيش السوداني بمواجهة مخطط ابن زايد لتقسيم السودان
بينما ينزف السودان جرحا لا يندمل، تتبدى الإمارات كأحد أكثر الفاعلين غموضا في هذا المشهد الدامي، فهي الوسيط الذي يدعو إلى السلام علنا، والمحرك الخفي الذي يغذي ألسنة اللهب سرا.
ومنذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل/ نيسان 2023، لم تكن الإمارات مجرد متفرج بل لعبت دورا مزدوجا منح الحرب عمرا إضافيا.
فبينما تدعي دعم الحلول السياسية، كانت الأسلحة والطائرات المسيرة التي زودت بها مليشيات الدعم السريع المتمردة تحول سماء السودان إلى جحيم، وتزرع الموت في شوارع الخرطوم ودارفور وغيرها من المدن المنكوبة.
وبات السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تلاعبت الإمارات بخيوط هذه الحرب؟ وما مصلحتها في استمرار النزيف السوداني؟
وكيف استطاعت أن تقدم نفسها كوسيط سلام، بينما تحمل في يدها الأخرى مفاتيح التصعيد والتدمير؟
تحذير من الخديعة
واتهمت أطراف فاعلة في العملية السياسية السودانية، الإمارات بأن لها دورا في الأزمة القائمة، منهم "مالك عقار" نائب رئيس مجلس السيادة السوداني.
وحذر “عقار” في تصريحات لقناة "الحرة" الأميركية في 23 فبراير/ شباط 2025، من "تدخل الإمارات وكينيا في الشأن السوداني".
وقال: "إن كينيا المحاذية لدولة جنوب السودان تتحرك بناء على إيعاز من الإمارات التي لها مصالح في الخرطوم".
وتابع: "حذرنا الرئيس الكيني (وليام روتو) من التدخل في الشأن السوداني، وقلنا له: إن عليه الاهتمام بمشاكل بلاده الداخلية بدلا من تأزيم الأوضاع في السودان".
وأردف: "نرصد تحركات دولية وإقليمية لدعم قوات الدعم السريع، وهناك أدلة واضحة على تورط الإمارات في تأجيج الصراع بالسودان".
وأقحمت كينيا نفسها في صراع السودان عبر استضافتها أخيرا مؤتمرا لمليشيا الدعم السريع وقوى وحركات مسلحة أخرى محاربة للجيش السوداني، تسعى لتكوين حكومة موازية.
بينما تورطت الإمارات التي تدعو اليوم إلى هدنة في شهر رمضان، مبكرا في هذه الحرب عبر دعمهما المستمر لمليشيا الدعم السريع بالمال والسلاح وتقديم العلاج.
وفي 28 فبراير نشرت البعثة الدائمة لأبوظبي لدى الأمم المتحدة في نيويورك على حسابها على منصة إكس بيانا قالت فيه: "مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، ترحب دولة الإمارات بدعوات أعضاء مجلس الأمن لهدنة إنسانية في السودان".
وهاجمت ممثل السودان بالأمم المتحدة، وذكرت أنه: "من غير المقبول أن يستمر في محاولاته العقيمة لصرف انتباه مجلس الأمن عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي ترتكبها الأطراف المتحاربة، من خلال استمراره في توجيه الادعاءات الباطلة ضد الإمارات".

خدعة ابن زايد
وعلق السياسي السوداني أمين عبد الرازق على دعوة الإمارات لهدنة بين الأطراف المتحاربة في شهر رمضان، قائلا: إن “هذا النوع من المبادرات يجب ألا يسمى هدنة بل خدعة”.
وأردف في حديث لـ"الاستقلال": "هذه المبادرة خدعة واضحة من (رئيس الإمارات) محمد بن زايد ودولته لإنقاذ الدعم السريع المأزومة".
وتابع: "بعد الانتصارات النوعية التي حققها الجيش في الأشهر الماضية، باستعادة أجزاء واسعة من الخرطوم وتحرير مجموعة من المدن الإستراتيجية مثل ود مدني، اتضح مدى ورطة الجنجويد (الدعم السريع)".
وأوضح لماذا تريد الإمارات عقد الهدنة؟ وأجاب بأنها "ترغب في ترتيب صفوف الدعم السريع عسكريا وسياسيا، أولا عن طريق توفير الإمداد العسكري ووضع خطط لمنع سقوط مزيد من المدن خاصة في دارفور".
واستطرد: "ولا نستبعد أن ترسل ضباطا ومستشارين عسكريين ومزيدا من المرتزقة لرأب صفوف قوات حميدتي، التي عانت أخيرا من الهزائم والقتل في صفوفها وهروب عدد كبير منهم، بل وانشقاقهم مثلما حدث في ولاية الجزيرة ومدينة بحري".
وشن الفريق أول ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، وعضو مجلس السيادة هجوما على محمد بن زايد.
واتهمه في كلمة متلفزة في 4 يناير/ كانون الثاني 2025، بالسعي لاحتلال البلاد، عبر تقديم العون والأسلحة لقوات الدعم السريع، ووصفه بـ"شيطان العرب".
ومما قاله: "إن ابن زايد يعبث في السودان وإفريقيا ويدعم المرتزقة فيها، تحت مرأى ومسمع من العالم ومنظماته الأممية المختلفة دون رادع".
وتابع: “لا أحد يستطيع أن يقول له أوقف هذا العبث”. مضيفا: "إنه طاغوت العصر ويقود جيشا من تتار ومغول هذا الزمان".
وتوعد العطا بمواجهة مخطط ابن زايد لتقسيم السودان، مهددا إياه "بقطع يده الملطخة بدماء الأبرياء في البلاد والوصول إليه في عقر داره، هو ومن ساعده".
ملايين الدولارات
وكانت الحكومة السودانية قد نددت بدعم الإمارات اجتماعات أحزاب وحركات تابعة للدعم السريع والموالين لها، مثل الحركة الشعبية شمال، وحزب الأمة القومي، في العاصمة الكينية نيروبي.
وأشارت إلى تلقي كينيا عائدا ماليا ضخما بالمقابل، في الوقت الذي تحدث فيه داعمون للحكومة الموازية عن سعيهم لانتزاع الشرعية من حكومة بورتسودان الشرعية.
إذ تحظى الحكومة في بورتسودان بدعم من دول خارجية، مثل مصر، كما تحتفظ بعضوية البلاد في هيئات دولية رغم تعليق الاتحاد الإفريقي لعضويتها منذ أن قاد الجيش وقوات "الدعم السريع" انقلابا مشتركا عام 2021.
وكشفت حكومة بورتسودان بقيادة رئيس الجيش عبد الفتاح البرهان عن تلقيها تقارير تشير إلى حصول كينيا ممثلة في نظام الرئيس وليام روتو على 193 مليون دولار من الإمارات؛ وذلك لاستضافة اجتماعات الدعم السريع، التي أفضت إلى توقيع ميثاق سياسي لتشكيل حكومة موازية.
وأعلن مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، في 28 فبراير، أن رعاية حكومة نيروبي "الحكومة الموازية" التي يعتزم تشكيلها في مناطق سيطرة المتمردين، يهدف لتفكيك البلاد وخدمة أهداف خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي يتبناه المتكسبون منها، على حد وصفه.
وقال الباحث الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يوناس هورنر، لصحيفة القدس العربي إن "الحكومة الموازية محاولة من قوات الدعم السريع للسيطرة على تدفق المساعدات الإنسانية، والوصول إلى أسواق الأسلحة، واكتساب قوة في أي مفاوضات سلام مستقبلية".
الدرونز الإماراتية
ولم يقف الدعم الإماراتي الأخير للمليشيا السودانية في ظل الخسائر التي تعرضوا لها، عند السياسة فقط، بل أمدتهم أبوظبي بالمسيرات "الدرونز" القتالية.
وأكدت وكالة "رويترز" البريطانية في 26 فبراير 2025، بالوثائق استمرار الإمارات في تزويد الدعم السريع بالأسلحة.
وأظهرت صور أقمار صناعية وجود ثلاث طائرات مسيرة على الأقل، إضافة إلى تشييد حظائر للطائرات في مطار بجنوب دارفور تسيطر عليه قوات الدعم السريع.
وعقبت الوكالة أن "تلك الطائرات دليل على استمرار تدفق أسلحة إماراتية متقدمة تسهم في تأجيج الحرب الطاحنة بالبلاد".
ونقلت عن شركة "ماكاسار تكنولوجيز" الأميركية للأقمار الصناعية، تشييد 3 حظائر للطائرات من قبل الدعم السريع على مدى خمسة أسابيع بين يناير وفبراير 2025.
وبينت أن ذلك يعد دليلا على استمرار تدفق الأسلحة المتقدمة على نحو متزايد لتغذية حرب مدمرة.
وذكرت أن تلك الطائرات موجودة في معسكر “نيالا” والذي يعد قاعدة لهجومها على مدينة الفاشر، آخر معقل في منطقة دارفور يسيطر عليه الجيش السوداني.
وأوردت رويترز أنه عن طريق تلك الطائرات تحديدا، استهدف الدعم السريع مخيم زمزم القريب للنازحين المدنيين الذي يعاني من المجاعة.
وأفاد باحثون من جامعة "ييل" الأميركية بوجود طائرات بدون طيار في مطار "نيالا" في يناير 2025.

حجب الأسلحة
فيما خلص تحليل أجرته شركة جينز لاستخبارات الدفاع إلى أن الطائرات بدون طيار الموضحة في صور "رويترز" الأخيرة، هي من طراز CH-95 صينية الصنع، تمتلكها الإمارات.
وهذه الطائرات قادرة على المراقبة بعيدة المدى والضربات على مسافة تصل إلى 200 كيلومتر.
وكان الجيش السوداني اتهم في وقت سابق الدعم السريع باستخدام مطار نيالا لتسلم أسلحة من الإمارات.
وأوضح الجيش أن الدولة الخليجية زودت تلك القوات المتمردة بطائرات بدون طيار طوال فترة الحرب.
وفي 24 يناير 2025، أعلن مشرعان أميركيان أنهما سيواصلان سعيهما من أجل منع بيع أسلحة للإمارات.
وذلك بعد أن خلصا إلى أنها تسلح مليشيا الدعم السريع شبه العسكرية التي تخوض حربا أهلية ضد الجيش السوداني.
وفي هذا السياق، قال السيناتور كريس فان هولين وعضو مجلس النواب سارة جاكوبس، وكلاهما من الحزب الديمقراطي، إنهما استندا في قرارهما إلى إحاطة من إدارة الرئيس السابق جو بايدن وتقارير أخرى.
وصرح هولين في بيان: "الإمارات شريك مهم في الشرق الأوسط، لكن واشنطن، لا تستطيع غض الطرف عن مساعدتها وتحريضها على المعاناة في السودان".
أما جاكوبس، فقالت: "نحن نعلم الآن أن الإمارات تواصل تسليح الدعم السريع، مما يؤدي إلى استمرار هذه الحرب وهذا الدمار".
وتابعت: "لدى الولايات المتحدة الفرصة لإنهاء هذه الحرب وتحقيق الاستقرار في السودان من خلال حجب الأسلحة عن الإمارات وقطع سلسلة التوريد بشكل أساسي عن المتمردين".
المصادر
- الإمارات تجدد دعوتها لهدنة رمضان في السودان وتنتقد «المحاولات العقيمة»
- السودان يتهم كينيا بتلقي الأموال من الإمارات لاستضافة اجتماع لـ«الدعم السريع»
- السودان: مشرعان أمريكيان يسعيان لمنع بيع أسلحة للإمارات ويتهمانها بتسليح قوات الدعم السريع
- Sudan's RSF operating drones from Darfur base, pictures show
- حذّر دولة قريبة.. عقار: لدينا أدلة عن دور الإمارات بحرب السودان