إيران في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.. شريك قوي أم لاعب هامشي؟

منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

في قاعة تعج بالقادة والخبراء في مؤتمر ميونيخ للأمن 2025، ذرف رئيس المؤتمر، كريستوف هويسغين، الدموع في لحظة كشفت هشاشة التحالفات الغربية وتراجع نفوذ الولايات المتحدة. 

وبينما أشار كثيرون إلى أن السبب هو الإحباط الذي سببته له إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد أوضح حساب المؤتمر الرسمي على إكس أن الأمر يعود إلى توديعه زملاءه في خطاب الوداع.

لكن بعيدا عن مشهد العواطف، كانت إيران تراقب هذا التغيير بترقب: هل تمثل التعددية القطبية فرصة لها للتمدد أم أنها مجرد سراب في صحراء السياسة الدولية؟ يتساءل مركز الدراسات الإيرانية "إيرام".

وبين المركز في مقال للكاتبة التركية "أمينة جوزدي توبراك" أنه بين الآمال المعقودة على تحالفات جديدة مع الشرق والتحديات المستمرة مع الغرب، تحاول طهران رسم موقعها في نظام عالمي يعاد تشكيله من جديد.

وقالت الكاتبة: إنه في الفترة من 14 إلى 16 فبراير/شباط 2025 انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي يعدّ من أهم المنصات الدولية لمناقشة القضايا الأمنية العالمية. 

وقد جذب المؤتمر اهتماما كبيرا من قادة الدول والمختصين الأمنيين من مختلف أنحاء العالم، حيث جرى تسليط الضوء على مواضيع حيوية مثل فترة ترامب الثانية، والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والتوترات بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى مستقبل حلف شمال الأطلسي "الناتو".

التعددية القطبية

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن من أبرز اللحظات التي أثارت الجدل كانت دموع هويسغين في خطابه الختامي، وهو ما أصبح محورا للحديث الإعلامي. 

فهذه اللحظة الدراماتيكية، إلى جانب القضايا المطروحة، أظهرت تدهور التحالفات الغربية وتراجع قوة الولايات المتحدة في قيادة القضايا العالمية، في أمر يعكس وجود توجه نحو تغيرات مهمة في النظام الدولي. 

وتتجلى إحدى هذه التغيرات في مفهوم "التعددية القطبية" الذي أصبح محط اهتمام العديد من الخبراء والمحللين الدوليين.

وتابعت: على الرغم من أن النظام الدولي لم يصل بعد إلى مرحلة التعددية القطبية الكاملة، فإن العديد من التقارير، بما فيها تقرير ميونيخ للأمن، أكدت أننا نعيش في عالم يشهد تحولا نحو هذا النموذج. 

وهذا التحول يعكس تراجع الهيمنة الغربية، خصوصا الأميركية والأوروبية، وانتقال القوة تدريجيا من الغرب إلى الشرق.

في هذا السياق، يعد مفهوم التعددية القطبية مصدرا للأمل بالنسبة لإيران؛ إذ ترى النخبة الإيرانية أن النظام متعدد الأقطاب يمكن أن يُقدم لها فرصا جديدة. 

فمن خلال تراجع قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على التطورات الدولية، ترى إيران في هذا التغيير فرصة للحد من تأثير واشنطن في المنطقة والعالم. 

كما أن التعددية القطبية قد تساعد في تقليل هيمنة النظام الصهيوني على المنطقة، وهو ما يشكل أحد أهداف السياسة الإيرانية.

فإيران، التي لم تستفد بشكل كامل من النظام الدولي الأحادي القطبية في السابق، ترى أن النظام الجديد سيضمن توزيعا أكثر عدلا للفرص والقوة بين الدول. 

ولهذا، تأمل طهران في أن يؤدي هذا النظام إلى عالم أكثر استقرارا وسلاما؛ حيث يشارك العديد من الفاعلين في تحديد مستقبل العالم.

وأردفت الكاتبة: في إطار استعداداتها لهذه المرحلة، اتخذت إيران عدة خطوات على الصعيدين الإقليمي والدولي. 

كانت أبرز هذه الخطوات الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، مما يعكس تعزيز علاقاتها مع القوى الشرقية مثل الصين وروسيا.

كما سعت أيضا إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية، مثل السعودية، وكان ذلك من خلال سياسة "حسن الجوار"، وتوجيه دبلوماسيتها نحو مزيد من البراغماتية. وكل هذا يعكس سعي إيران لتحقيق توازن في علاقاتها الدولية.

وأشارت الكاتبة إلى أن هذه الخطوات في السياسة الخارجية مؤشر على أن إيران، مثل العديد من الجهات الفاعلة، تحاول وضع نفسها وفقا للتغيرات في النظام الدولي. 

لكن عندما نقيّم موقع إيران الحالي في المنظومة الإقليمية والدولية في عام 2025، يمكن القول: إن عملية التعددية لن تخدم مصالح إيران بالمستوى الذي تتوقعه. 

فلا تزال التحديات قائمة في عملية التكيف مع هذا التحول، خاصة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة والعلاقات المعقدة مع القوى الكبرى.

ولا تزال التعددية القطبية محور اهتمام إيران؛ إذ تنظر إليها كفرصة لإعادة تشكيل موازين القوى الدولية.

 لكن، يبقى مدى تحقيق هذا النظام لمصالحها غير واضح، وذلك نظرا للتحولات المستمرة في المشهد السياسي العالمي.

التحديات الإيرانية 

واستدركت الكاتبة: ترى إيران أن انفتاحها على دول الخليج والدول العربية خطوة مهمة وإيجابية، إلا أن هذا الانفتاح لا يخلو من التحديات الكبيرة. 

فرغم أن هذه المصالحة تبدو واعدة، يحذر الخبراء من أن إيران، بسبب مشاكلها الاقتصادية والسياسية والهيكلية، لا تملك القدرة على مواجهة الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي.

 ويعزو الخبراء ذلك إلى أن إيران لا تمتلك البنية التحتية اللازمة لاستقبال استثمارات الخليج، كما أن ما يمكنها تقديمه في المقابل يبقى محدودا. 

إضافة إلى ذلك، يعتقد الكثير من المحللين أن هناك فرقا جوهريا بين الرؤى الاقتصادية والجيوسياسية لإيران ودول الخليج، مما يجعل أي توافق بين الطرفين يتجاوز المجال الدبلوماسي في ظل استمرار النظام الإيراني الحالي.

واستدركت الكاتبة: الوضع لا يختلف كثيرا فيما يتعلق بسياسة إيران تجاه الشرق، فعلى الرغم من أنها كانت القوة الأبرز في المنطقة بعد الثورة، فهي مازالت تعيش في صراع جيوسياسي مستمر مع الولايات المتحدة، ما حال دون تطورها الفعلي في التكامل مع القوى الشرقية مثل روسيا والصين. 

علاوة على ذلك، بدلا من تأسيس تحالفات إستراتيجية مع القوى الآسيوية الكبرى، وجدت إيران نفسها عالقة في نموذج جديد من التبعية خلال مسارها نحو التعددية القطبية.

 ورغم سعيها لتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين في ظل العقوبات الأميركية، لا تزال القوى الآسيوية الكبرى تفضل الحفاظ على روابطها مع واشنطن.

وبالتالي، لم تتمكن إيران من إقامة علاقات إستراتيجية مع دول المنطقة حتى الآن. ويمكن دعم هذه الحجة من خلال الأمثلة الحديثة، حيث لم تقف روسيا والصين إلى جانب إيران في القضايا الحرجة. 

والمثال الأكثر أهمية أيضا هو التصريحات التي أدلى بها القادة الإيرانيون بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024؛ حيث اتضح أن موسكو كانت تعمل ضد طهران في دمشق.

بالإضافة إلى ذلك فقد كان طلب الضمانات الروسية في محادثات فيينا 2021-2022 أحد العوامل التي تسببت في عرقلة هذه المحادثات، التي كانت تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

من ناحية أخرى، يمكن القول: إن اتفاقية التعاون الشامل التي وقعتها إيران مع الصين في عام 2021 لم تسفر عن النتيجة المرجوة في هذه المرحلة؛ وذلك لأنه حتى لو كان النظام في طور التعددية القطبية، فإن الولايات المتحدة تستمر في الحفاظ على مكانتها كأقوى دولة في النظام من نواحٍ كثيرة، وفق تقييم الكاتبة.

فعلى سبيل المثال، بدأت المصافي النفطية في الصين في تقليص وارداتها من النفط الإيراني بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وذلك بسبب المخاوف من أن تؤثر القيود الأميركية على وصولها إلى مصادر الطاقة.

باختصار، من المحتمل أن تظل إيران في محيط (خارج نطاق) الإستراتيجية الكبرى للصين وروسيا في النظام متعدد الأقطاب.

وفي هذا السياق، من الضروري أن تركز إيران على بناء قدراتها في مختلف المجالات، من التجارة والدفاع إلى التكنولوجيا والدبلوماسية، لكي تتمكن من لعب دور فعال في النظام الدولي متعدد الأقطاب، وفق الكاتبة. 

فعلى الرغم من أن إيران تتصور التعددية القطبية على أنها "النظام العالمي الجديد" الذي سيتيح لها فرصا أكبر، فإن مبادئها الثابتة مثل الاستقلال المطلق والمقاومة قد تحد من قدرتها على التكيف معه.

 وبالتالي، ترى الكاتبة أن “إيران ستظل في موقع هش وضعيف في المستقبل، إذ إن عزلة البلاد لن تتغير مهما كان تطور النظام الدولي”.

وبذلك، من المتوقع أن تظل إيران خارج دائرة التأثير الفعلي للقوى الكبرى مثل الصين وروسيا في النظام الدولي متعدد الأقطاب، وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها في سعيها لتحقيق مصالحها الإستراتيجية.