توتر داخلي يدفع إسرائيل للتهديد بالتدخل.. ماذا يجرى في جرمانا السورية؟

هددت إسرائيل بالتدخل عسكرياً ضد سوريا "إذا أقدمت على المساس بالدروز "
بدعوى “حماية الدروز” جدّدت إسرائيل تهديداتها بالتدخل عسكريا في سوريا ضد الإدارة الجديدة بعد توترات أمنية داخلية في قرية جرمانا جنوب شرقي العاصمة دمشق.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يسرائيل كاتس، أصدرا مطلع مارس/آذار 2025 تعليمات للجيش بالاستعداد للهجوم على القوات السورية في قرية جرمانا.
وهدد كاتس بالتدخل عسكريا ضد القوات السورية "إذا أقدم النظام على المساس بالدروز في ضاحية جرمانا"، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الفرنسية.
وقال: “إذا هاجم النظام الدروز فسيتحمل عواقب من جانبنا، وأصدرنا أوامرنا للجيش بالاستعداد وإرسال تحذير صارم وواضح بأننا سنؤذيه إذا فعل ذلك”.
وأضاف كاتس أن إسرائيل لا تعوّل على الرئيس أحمد الشرع، رغم تصريحاته الإيجابية، مشددا على أن "الاعتماد الأساسي يكمن على الجيش الإسرائيلي".
فيما قال ديوان نتنياهو: إنه لن يسمح لما وصفه بـ"النظام الإسلامي المتطرف في سوريا" بالمساس بالدروز.
وسبق ذلك بأيام، مطالبة نتنياهو بإخلاء جنوبي سوريا من القوات العسكرية السورية بشكل كامل.
وجاء التهديد الإسرائيلي بعدما قتل شخص وأصيب تسعة آخرون بجروح، جراء اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين دروز في ضاحية جرمانا.
ويعود سبب التوتر في جرمانا إلى اعتداء مجموعة تطلق على نفسها اسم "لواء درع جرمانا" على عناصر من الجيش السوري، ومنعهم من دخول المدينة بأسلحتهم.
ورغم موافقة عناصر الجيش على إيداع السلاح لدى المجموعة لحين انتهاء زيارتهم في جرمانا، فإنها أطلقت النار عليهم ما أدى إلى مقتل عنصر وإصابة آخر ومن ثم اختطافه.
وعقب الحادثة، هاجم مسلحون قسم الشرطة في المدينة؛ حيث طردوا عناصر القسم وسط إطلاق الشتائم وسلب أسلحتهم، بحسب التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية السورية.
وبدورها، قالت الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز في مدينة جرمانا، إنها توصلت في اجتماع ضم رجال الدين والوجهاء إلى قرار برفع الغطاء عن جميع المسيئين والخارجين عن القانون وتسليم كل من تثبت مسؤوليته عن هذا الحادث الأليم للجهة المختصة حتى ينال جزاءه.
وأعلنت العمل على إعادة تفعيل مركز ناحية جرمانا وبأسرع وقت وبكفاءات قادرة على إدارة الواقع بحكمة واقتدار وتهيئة الظروف كافة المناسبة لضمان حسن سير عملها.
وأكد المجتمعون على أن جرمانا وعبر تاريخها لم تكن يوما إلا جزءا من غوطة دمشق، ولن يكون لها يوما عمق آخر غير العمق الدمشقي والسوري، وأن الحرص الدائم على هذه العلاقة التاريخية المتجذرة في صون وحسن الجوار هو ثابت من الثوابت التي لا يمكن التنازل أو التخلي عنها.
وقالوا: "إننا كنا ولم نزل جزءا أصيلا من هذه البلاد، لم نهن أو ننهزم ولذا نرى أنه من الضرورة محاسبة جميع الأفراد والجهات التي تسعى إلى بثّ الفتنة والتفرقة وتأجيج الخلافات أو الارتهان إلى أجندات معادية وعدم السماح لأيّ كان ببث الشقاق بين مكونات الوطن الواحد".
وطالب المجتمعون الجهات المعنية بفتح تحقيق رسمي بملابسات الحادث الذي وقع في قسم شرطة الصالحية وما تضمنه من إساءة تعامل وإطلاق النار على عدد من الأشخاص.
وتداول ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس"، "فيسبوك"، وضمن وسوم #جرمانا، #سوريا، #سوريا_موحدة، بيان الدروز، وأثنوا عليه.
وأعربوا عن رفضهم لكل المحاولات الإسرائيلية لتقسيم سوريا، داعين لوأد الفتنة التي يشعلها الكيان ومطالبين الدول العربية بإعلان موقف مناهض لتهديدات الاحتلال لها.
مناهضة للنظام
ومدينة جرمانا تقع على أطراف العاصمة في الجنوب الشرقي، وتصلها بدمشق منطقة الكباس والدويلعة، وتبعد عنها مسافة 5 كلم تقريبا، ويقطنها غالبية من الدروز والمسيحيين، وعائلات نزحت خلال سنوات الحرب التي تشهدها سوريا منذ عام 2011.
وتشتهر المدينة بمهن التجارة والصناعة والزراعة، وكانت في السابق مدينة ريفية؛ لأن قسما كبيرا منها يتوسط غوطة دمشق الشهيرة ببساتين الفاكهة، لكنها تحوَّلت إلى مدينة عصرية حديثة بعمارتها وشوارعها وأسواقها.
وفي أعقاب توالي إسقاط قوى الثورة السورية للنظام السابق، وتحريرها للمدن تباعا وبسط سيطرتها عليها وانتزاعها من قبضة الجيش السوري، أسقط محتجون تمثال رئيس النظام السوري الأسبق حافظ الأسد، في ساحة رئيسة في ضاحية جرمانا.
وإشادة بموقف الدروز، وصف المغرد عبدالله، بيان مشايخهم في جرمانا بأنه "إيجابي ممتاز"، قائلا: "ننتظر قرن الأقوال بالأفعال.. دماؤنا ليست مجانية وآن الأوان لتتوقف شلالات الدماء".
وعرض الناشط الثوري عبدالملك عبود، مقطع فيديو للشيخ حمود الحناوي أحد مشايخ الطائفة الدرزية، يقول فيه: "لن أسمح لأحد بالانفصال عن الدولة ومن يخرج عن دائرة الوطن يحاسب ويحاكم ويعد خائنا".
وحمل الكاتب أحمد موفق زيدان، وِزْر ما يجرى في جرمانا من اعتداء سافر على قوات الأمن الداخلية بدمشق، لكل من يحرض ويستقوي بالعدو الصهيوني، داعيا النخب العاقلة في جبل العرب أن ترفع صوتها عاليا.
تنديد واستنكار
وعن التهديدات الإسرائيلية، قال خبير الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات مراد علي: إن نتنياهو يحاول التحرش بالحكومة في سوريا بحجة حماية الدروز.
وأضاف: "نتنياهو نسي أن إسرائيل كيان استيطاني دخيل على المنطقة لم يكن موجودا منذ سنوات قليلة، وإن شاء الله تعالى لن يكون له مكان في المستقبل القريب"، متسائلا: “بأي حق يتدخلون في بلادنا؟”
فيما وصف الباحث في العلاقات الدولية علي أبو رزق، تهديد رئاسة الوزراء بإسرائيل بضرب النظام السوري في حال مساسه بالدورز في جرمانا بأنها "عربدة وغطرسة".
وقال: "ما نقوله ليست وجهة نظر سياسية تحتمل الصواب والخطأ، بل حقيقة ناجزة: لن ينعم السوري واللبناني والمصري والأردني والفلسطيني بالأمن والأمان، لن تعيش بلادنا أي رخاء اقتصادي ولن تنعم بأي استقرار سياسي طالما بقي بيننا السرطان المسمى إسرائيل".
وكتب المختص في الشؤون السياسية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط محمود الطرن: "قولوا للأحمق نتنياهو إن جرمانا ليست مدينة درزية فقط. يسكن اليوم فيها خليط من المجتمع السوري وهم موالون للدولة ووحدة البلاد".
وتابع: "حاليا، لا يوجد أي توتر ولا اشتباكات ولا فتن طائفية بين سكان المدينة وأجهزة الدولة. كل ما في الأمر أن نتنياهو مازال تحت تأثير صدمة فقدان بشار الأسد".
واستهزأ محمد السلطان، من تصدير تل أبيب نفسها أنها ستحمي الدروز في سوريا ساخر بالقول: “كم أنتِ حمامة سلام يا إسرائيل؟!”
وتهكم: "الشخص الذي استهدف شعبه في الغازات والقنابل عندما خرج ضده في تظاهرات، الآن سيحمي الدروز وكأن هناك عداء ضدهم في سوريا!!".
وخاطب السلطان، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي قائلا: "احمِ شعبك أولا عندما ينتفض ضدك، ولا تقلق على الدروز فهم سوريون ويعرفون فتنتك التي تهدف لتقسيم البلاد وإحداث الفتن والخراب ياسيد نتن ياهو".
وعد الناشط الإنساني أدهم أبو سلمية، إصدار نتنياهو وكاتس، تعليماتهما للجيش الإسرائيلي، بالاستعداد للدفاع عن جرمانا الدرزية، الواقعة في ضواحي دمشق "أمر خطير وتدخلا صهيونيا سافرا في الشأن الداخلي السوري..".
ثقة بالحكومة
وإعرابا عن الثقة في الإدارة السورية الجديدة، توقع محمد الدغيم، أن تصريحات نتنياهو المتغطرس بخصوص أحداث جرمانا وادعائه واجب حماية أهلنا في السويداء من شعبهم ودولتهم، ستزيد الثورة وأحرار سوريا صلابة اتجاه وحدة أرضهم واستقلالية قرارهم الوطني.
وأكد أن كل ما حصل ويحصل منذ التحرير وحتى الآن من استفزازات ومطالبات تتجاوز الواقع والإمكانيات من كل المكونات والأقليات، والابتزاز من خلال الاستقواء بالخارج والضغوط الاقتصادية والسياسية وغيرها، هو اختبار بالجملة للثورة وأهلها يهدف لإحراجها داخليا و خارجيا.
ورأى الباحث العربي مهنا الحبيل، أن إعلان الكيان الصهيوني الدخول كطرف عسكري في سوريا يصاغ بلغة مضللة خطرة، مؤكدا أن الكيان يطرح الصراع كأقلية طائفية مع الدولة.
وأوضح أن نفس الطرح يهدف إلى خلق أرضية صراع طائفي عبر احتراب أهلي يريده مدخلا لفتنته بعد أن خسر مشروع فتنة إيران في سوريا التي نابت عنه.
وأضاف الحبيل، أن العدو الصهيوني في ذات الوقت يشجع أي مجموعة لأي طائفة تعلن الحرب على الدولة السورية، ولن يذهب في حرب مفتوحة على سوريا الحرة لكنه يستخدم رصيد من الأقليات لزرع محرقة وظيفية.
وأعرب عن إيمانه بأن للقيادة رؤية حذرة وقوة حازمة ولن يمنح الصهاينة ما يحلمون به، وستبسط الدولة قرارها الوطني على كل الأرض السورية بكل شعبها وابناء مذاهبها.
بؤر للنظام
وإشارة إلى أن المناطق التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي زرع الفتن بها هي بؤر للنظام السوري المخلوع، قال رولا حديد، إن جرمانا لا تختلف عن مزة 86 ولا عن السومرية.
وتابعت أنها “بؤر استيطانية وطن فيها الأسد أقليات حتى إذا حصل لحكمه شيء تدخلوا وحموه من السقوط أو من الثوار”.
وحذرت من أن الأخطر أن جرمانا مليئة بالشبيحة وفلول النظام المجرمين الهاربين وحتى العراقيين، داعية الحكومة لإنهاء ملف جرمانا وألا تجعل نفسها بين فكي كماشة.
وأكد عمار آغا القعلة، أنه بشكل ممنهج، وبرعاية خبراء متخصصين في علم الاجتماع، نشر نظام الأسد الفوضى الديمغرافية في حواضر سوريا للقضاء على مدنية المجتمع التي تعد الحاضن الأساسي لكل عمل سياسي منظم.
ولفت إلى أن دور المجتمع المدني بحلب عطل خلال فترته وأصابه بالشلل والتحييد واستبدلهم بشركاء جدد في السلطة للعمل في تجارة المخدرات والسلاح ، وهؤلاء الزعماء معروفون في حلب للصغير قبل الكبير بالاسم.
وأضاف القعلة، أن كذلك فعل في دمشق وهجر الكثير من عوائلها باتجاه الغوطتين وزرع فيها أحياء كاملة من الساحل من عائلات الضباط في الجيش وأجهزة الأمن وبنى في محيطها كونتونات ربطها بأعمال خارجة عن القانون وسيطر عليها لتكون قوة تضرب المجتمع في بنيته الأساسية.
وأوضح أن هذا في الحاضرتين الأساسيتين دمشق وحلب، وقد تكرر هذا النهج في كل الحواضر السورية وبطرق تختلف من مدينة لأخرى، قائلا: "بعد سقوط النظام، ندفع اليوم ثمن هذه الفوضى الممنهجة المتعمدة التي صنعها نظام الأسد في حواضر المجتمع السوري".
مسؤولية الدولة
وعما يجب فعله في الوقت الحالي لوأد الفتنة وضبط الأمن، قال قويس الحسين، إن جرمانا والقرداحة وإدلب وكل مُدن سوريا حمايتها هي مسؤولية الدولة السورية وليس أي جهة خارجية.
وأضاف: "14 عاما كُنا تحت القصف والتهجير وتحملنا كل أنواع الموت والعذاب ولما دخلنا سوريا الجديدة دخلناها بصفحة جديدة لا حقد ولا ضغينة نُريد أن نبي لا أن نهدم لا للتقسيم لا للمُحاصصة".
وأكد الحسين: "الآن أو لاحقا ستعود جميع الأراضي السورية للدولة السورية، إنما هي مسألة وقت"، وأن من يسمع للجهات الخارجية فهو واهم، قائلا إن كل دولة تهمها مصالحها وتحقيق ألعابها على الأرض.
ودعا الحسين: "لنكن أوعى وعلى قدر المسؤولية كسوريين من جميع الطوائف والمكونات تحت ظل القانون والدولة".
وأكد عبدالوهاب أبو علي، أن حماية جرمانا مسؤولية الدولة السورية وليست مسؤولية نتنياهو.
وعد عمر عياش، كل سوري يخرج عن إطار الدولة السورية الحالية "خائنا" أيا كانت طائفته، قائلا: "بالذات أولئك الذين يتعاونون مع الكيان الصهيوني، يجب إيقافهم عند حدهم كي لا يكونوا ذريعة للسافل نتنياهو ومن معه الدروز".
ازدراء للعرب
ورأى المحلل السياسي ياسر الزعاترة، أن تصريحات نتنياهو وصبية كاتس، سواء تحوّلت إلى فعل أم كانت تهديدا جديدا، فإنها تمثّل ازدراء للوضع الرسمي العربي ولتركيا، قبل أن يكون ازدراء للنظام السوري الجديد.
وبين أن النظام الجديد “يبدو في وضع أضعف من تحدّي الغطرسة الصهيونية، وإن كانت الردود القوية والصريحة أكثر من ضرورة”.
وقال: "لم يكن الوضع العربي الرسمي بهذا البؤس منذ عقود، ما سيجعل تصدّي الأمّة لمشروع التوسّع والهيْمنة الصهيوني مرحلة علية الكُلفة وبالغة الصعوبة".
وحذر الباحث السياسي المتخصص في الشؤون التركية والإقليمية محمود علوش، من أن إسرائيل عندما تتوحش في سوريا فهي لا تهدد هذا البلد فقط بل المنطقة وتركيا على وجه الخصوص.
وأكد أن الاستجابة الإقليمية لن تؤثر على مستقبل سوريا فحسب، وإنما على الشرق الأوسط ككل والتوازن الجيوسياسي فيه.
وتابع أن “ما تفعله إسرائيل في سوريا يُحركه بدرجة أساسية نهج توسعي إقليمي ظهر بعد حرب 7 أكتوبر”.
وتساءل الأكاديمي رياض عزيز، عن موقف العرب من تهديدات إسرائيل بالعدوان على سوريا بدعوى حماية الدروز، محذرا من أن "هذا منعطف خطير قد يفتح المنطقة بجنون التوسع الصهيوني والاحتلال".