رغم أنه بلد نفطي.. كيف تعاني جوبا من الفقر والحرب الدائرة في السودان؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

دقت صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية ناقوس الخطر من تداعيات الحرب المتواصلة في السودان على جاره الجنوبي، الذي يعاني بالفعل منذ انفصاله في 2011، من ويلات الفقر المدقع والاقتتال الداخلي.

ومنذ 15 أبريل/ نيسان 2023، تشهد عدة ولايات بالسودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات ونزوح عشرات الآلاف.

استقرار غائب

وقالت الصحيفة الإسبانية إن تقرير كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية كشف أخيرا أن التعداد السكاني في أحدث دولة في العالم، جنوب السودان، بلغ 12 مليون نسمة، وهو أيضا أحد أكثر دول العالم فقرا، جنبا إلى جنب مع هايتي.

وعلى الرغم من احتياطيات النفط والتربة الخصبة في حوض النيل ومخزون الذهب والماس وخام الحديد والنحاس وخام الكروم والزنك والتنجستن والميكا والفضة؛ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 254 يورو في عام 2018، وهي المرتبة 194 في العالم، في تصنيف 196 دولة.

وأشارت الصحيفة إلى أن عقدين من الحرب، أولا مع الجار الشمالي السودان، وثانيا الحرب الأهلية بعد استقلال 2011؛ تفسر هذه البيانات. 

وفي وقت لاحق، وقعت أطراف الصراع في جنوب السودان اتفاقية سلام رسمية سنة 2021، بتشكيل حكومة ائتلافية بين الفصيلين اللذين يتصارعان من أجل السيطرة على البلاد. لكن، لا يزال عدم الاستقرار مستشريا في بلد مسلح بشكل كبير. 

وفي العاصمة جوبا، يلتزم السكان بحظر تجول غير رسمي ابتداء من الساعة 8:30 مساء. وينتشر الجنود المسلحون بشكل دائم في شوارع المدينة، ليس فقط لحماية المباني الرسمية، بل يحرسون أيضا المدارس أو الفنادق أو المراكز الدينية في جميع أنحاء البلاد.

وفي مطار جوبا الدولي، علّقت صورتان ترحبان بالزوار: الرئيس، سلفا كير ميارديت، ونائب الرئيس السابق ورئيس الحكومة الحالي، جون قرنق دي مابيور.

علاوة على ذلك، تنتشر صورة كير في كل مبنى رسمي في البلاد تقريبا؛ بطريقة تجعل من الصعب الهروب من نظرة الرجل الذي قاد جيش جنوب السودان في حرب الاستقلال، والذي يرفض الآن التنازل عن السلطة.

ولفتت الصحيفة إلى أن اتفاقية السلام لسنة 2021، حددت تاريخ أول انتخابات ديمقراطية ليكون سنة 2023، لكن اتفق الطرفان المتنافسان على السلطة على تأجيلها إلى سنة 2024. 

وفي هذا السياق، كانت زيارة البابا فرانسيس في كانون الثاني/ يناير 2022 علامة فارقة في الطريق نحو استقرار البلاد.

وتحديدا، قبل سنة، كان البابا قد درس بالفعل إمكانية زيارة البلاد. وهنا، كان رد الحكومة واضحا: سعدنا باستقبالك، لكن لا يمكننا ضمان أمنك خارج المطار.

عدوى الحرب

ونقلت الصحيفة أن الحرب الأهلية التي تلوح في أفق السودان أصبحت عاملا يهدد الاستقرار الهش في جنوب السودان.

وفي هذا السياق، يقول الخبير في الوضع في السودان، أنطونيو أوريليو فيرنانديز، إن "السودان كان أكثر استقرارا بشكل كبير، وتطورت الخرطوم لتصل إلى مستوى العواصم الإفريقية الكبرى". 

بحسب أرقام الأمم المتحدة، فر 200 ألف شخص من الصراع في السودان، من بينهم العديد من اللاجئين من جنوب السودان الذين بدأوا الآن عودتهم إلى ديارهم.

وأكدت مصادر إقليمية في جنوب السودان وصول اللاجئين الأوائل إلى البلاد وأشارت إلى أن التدفق سيزداد في الأشهر المقبلة. كما تذكر المصادر ذاتها أن الاستقرار هش، حيث يحدق بالبلاد "خطر الانزلاق مرة أخرى في حرب أهلية مفتوحة".

في الأثناء، يحاول جنوب السودان بناء مستقبل واحلال الاستقرار من خلال التخلي عن نموذج المجتمع القبلي البدوي الذي يعاني من الفقر.

ويساعد الدولة في هذه المهمة جمعيات على غرار أمسودان، وهي منظمة غير حكومية إسبانية تنشط منذ سنة 2005 وتدعم ماليا بناء المدارس ومراكز الاستقبال في ولاية لاغوس.

ويصرح رئيس الجمعية للصحيفة قائلا: "عندما جئنا لأول مرة، لم يكن في مدينة ييرول شيئا".  

وتعد ولاية لاغوس اليوم الأكثر استقرارا في البلاد، نتيجة للسياسة القاسية للحاكم رين تويني مابور.

وفي بلد فقير للغاية انتشرت فيه الأسلحة النارية، فرض مابور رؤيته الخاصة لقانون الانتقام. وخوفا من هذا القانون يردد سكان المدن المجاورة: "إذا قتلت فسوف يقتلك مابور".

في الحقيقة، تمكنت هذه السياسة القاسية من إنهاء المعارك القبلية بين الدينكا والنوير، المستوطنة في البلاد. ومع ذلك، لم ينته الفساد المستشري، أحد المعضلات الكبرى في البلاد.

ويحتل جنوب السودان المرتبة 178 من بين 180 دولة، الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية.

مأزق كبير

وفي ظل هذه الظروف، تراهن المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد على قطاع التعليم للخروج من المأزق، وتعمل على وضع الأسس لتحسين التعليم.

وعلى وجه الخصوص، تعمل على تدريب المعلمين الذين يمكنهم ضمان مستقبل أفضل لجيل من جنوب السودان الذين لم يتدربوا أبدا لأنهم لا يعرفون شيئا سوى الحرب.

أما في المناطق الريفية، تعمل المدارس، مثل تلك التي تمولها أمسودان، أيضا بمثابة قطب جذب وتوطين السكان الذين لا يزالون رحّلا إلى حد كبير.

عموما، لا يزال جنوب السودان، لا سيما في المناطق الريفية، مجتمعا قبليا عميقا يحكمه مخطط واحد: الأسرة والعشيرة والقبيلة، مع وجود قبيلتين تهيمنان على البلاد، الدينكا والنوير، في مواجهة بعضهما بعضا من أجل السلطة السياسية وكذلك من أجل حيازة الماشية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الأبقار أصبحت عملة التبادلات التجارية في جنوب السودان، وتلعب دورا في تحقيق الاستقرار بين الناس، لأنها الأساس لتحسين الظروف المعيشية وإرساء أسس التنمية الاقتصادية.

عموما، أصبحت هذه المسألة أمرا واقعا، لا سيما في بلد معزول ماليا، حيث لا يوجد فيه عملات نقدية ونادرا ما يتم قبول الدولار بعد سنة 2019. لذلك، في بلد لا يمكن الاعتماد فيه على النقود الورقية، يتاجر السكان بالأبقار وبرصيد الإنترنت.

في الواقع، لا تزال الأبقار هي العملة الرئيسة لمجتمع جنوب السودان في المناطق الريفية، في اقتصاد المقايضة الذي وصلت إليه التقنيات الجديدة أيضا. وبالتالي، فإن العملة الثانية التي يتم تبادلها هي الغيغابايت، لإجراء مكالمات هاتفية، أو الطاقة لشحن الهواتف المحمولة.