عودة ترامب تدخل ألمانيا في أزمة سياسية اقتصادية.. هذه أبرز التحديات
انهارت الحكومة الائتلافية ببرلين في اليوم الذي حقق فيه ترامب انتصارا كاسحا
تواجه ألمانيا تحديات جيوسياسية في ظل تغيرات عالمية كبرى، بما في ذلك عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية وتغير موازين القوى الدولية.
إذ أعاد انتخاب دونالد ترامب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تركيز المنافسة الاقتصادية بين القوى العالمية، خاصة مع الصين وألمانيا.
إلى جانب ذلك، تواجه ألمانيا تحديات بسبب ارتفاع التكاليف الناجمة عن السياسات الحمائية والمنافسة الاقتصادية العالمية، وفق ما ترصد صحيفة تاتس الألمانية.
وتلفت الصحيفة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى فك الارتباط الاقتصادي بين أوروبا وروسيا، مما زاد الضغوط على ألمانيا لتنويع مصادرها.
وفي غضون ذلك، تتحدث عن وجود انقسامات داخل الحكومة الألمانية حول كيفية التعامل مع الأزمات الحالية.
وتدعو إلى اتخاذ خطوات جريئة لتأمين مستقبل ألمانيا، بما في ذلك تحديث السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتتماشى مع الظروف الجديدة.
البيئة الجيوسياسية
ووصفت الصحيفة المشهد قائلة إنه "في اليوم الذي حقق فيه ترامب انتصارا كاسحا (على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس)، انهارت الحكومة الائتلافية في برلين المعروفة بإشارة المرور".
وتتألف الحكومة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الأحمر) وحزب الخضر (الأخضر) والحزب الديمقراطي الحر (الأصفر).
وجاء الانهيار بعد إقالة شولتس مساء 6 نوفمبر/تشرين الثاني وزير المالية كريستيان ليندنر وانسحاب بقية وزراء الحزب الليبرالي من الحكومة، مما أدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة ومهّد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة.
وبرر شولتس الإقالة بأن الوزير خان ثقته مرارا، وقال إن "العمل الحكومي الجدي غير ممكن في ظل ظروف كهذه". واتهم الوزير بتقديم مصالح حزبه على الوطن وعرقلة تشريع الميزانية على أسس زائفة.
ومن ناحية أخرى، تلفت الصحيفة النظر إلى أن خلف هذين الحدثين يقف تصادم في الرؤى العالمية.
وليس من قبيل الصدفة أن تنهار الحكومة الائتلافية بسبب الخلاف حول المواقف الاقتصادية الليبرالية لوزير المالية الفيدرالي كريستيان ليندنر.
وفي جوهر الأمر، يتعلق النقاش بالسؤال حول “كيفية صمود ألمانيا في ظل بيئة جيوسياسية متغيرة”. وبهذا الشأن، توضح الصحيفة أن الحلول المطروحة تبدو متناقضة للغاية.
إذ يعتمد ليندنر على أدوات الليبرالية الجديدة الكلاسيكية مثل تخفيض الضرائب وتقليل البيروقراطية وتثبيت حدود الدين.
بينما في المقابل يتبع أولاف شولتس المستشار الألماني وزعيم حزب الديمقراطي الاجتماعي (يمين الوسط) نهجا وصفه عالم الاقتصاد توم كريبس بـ "الواقعية الاقتصادية".
وهو الاعتراف بأن "الوصفات الليبرالية للسوق لم تعد فعالة في عالم يهيمن عليه التنافس الجيو-اقتصادي".
من جانب آخر، تسلط الصحيفة الألمانية الضوء على حقيقة أنه "بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، انفصلت أوروبا وروسيا اقتصاديا عن بعضهما بعضا".
وفي الوقت نفسه، تشير إلى أن "فك الارتباط الكامل بين الغرب والصين غير ممكن بسبب التشابك الاقتصادي الكبير".
وتعتقد أن "إدارة (الرئيس الأميركي المنتهية ولايته) جو بايدن تعتمد في تعاملها مع الصين على سياسات مثل ضوابط التصدير وتقييد الاستثمارات وسياسة صناعية قائمة على الدعم المالي".
وتضيف أن "الصين، في المقابل، تسعى من خلال الدعم الحكومي والرقابة المركزية إلى تحقيق الهيمنة التكنولوجية".
علاوة على ذلك، ترى أن "الطاقة الإنتاجية الزائدة التي تصدرها الصين بأسعار منخفضة للغاية تضع الصناعات بجميع أنحاء العالم في موقف صعب".
وتابعت: "يعمق هذا التنافس الجيوسياسي الحاد الضغوط على الحلفاء والشركاء لاتخاذ قرارات استثمارية من منظور جيوسياسي، وهو ما يزيد من احتمالية نشوء كتل اقتصادية متنافسة".
انتخابات جديدة
وبالحديث عن الفترة الرئاسية للرئيس الأميركي الجديد، تبرز الصحيفة أن ترامب سيخوض المنافسة الاقتصادية بأساليب صارمة مع الصين، وكذلك مع ما يسميه "المستفيدين المجانيين" مثل ألمانيا أو اليابان.
وهنا، تنوه إلى أن الأوروبيين حصلوا بالفعل على لمحة من ذلك عبر قانون خفض التضخم الأميركي.
نتيجة لذلك، ستضطر بعض القطاعات في الصناعة الألمانية إلى الكفاح من أجل البقاء، بحسب ما تتوقعه الصحيفة.
وتعكس الصحيفة أن الجدل الحقيقي يظهر حول الحد من الديون والتحديات القادمة فيما يتعلق بتوزيع الأعباء، متسائلة: “من يتحمل التكاليف؟”
وفي إجابتها عن هذا السؤال، حذرت من أنه "إذا تحمل الثلث الأدنى من متلقي الإعانات الاجتماعية التكاليف فسيكون ذلك نهاية دولة الرفاه".
وفي المقابل، إذا تحملها الثلث المتوسط من العمال عبر زيادة الضرائب، فسيكون ذلك غير متوافق مع العقد الاجتماعي الحالي.
وأردفت: "في حال كان على الثلث الأعلى من أصحاب رأس المال تحملها عبر ضرائب على الثروة والميراث، فسيكون ذلك بمثابة نهاية للنيوليبرالية في ألمانيا".
وبالإشارة إلى أن انتخاب حكومة "إشارة المرور" جرى قبل التحولات الكبرى، تقول الصحيفة إن "الأوهام بشأن سياسات الطاقة والمالية والاقتصاد والدفاع والهجرة تحطمت منذ ذلك الحين".
وفي هذا الإطار، تدعو البلاد إلى "الاستعداد لعالم مهدد، حيث لم يعد الوعد الأميركي بالأمن غير محدود، وحيث تتلاشى شروط النجاح العالمية للنموذج الاقتصادي، وحيث تنقسم المجتمعات بسبب صراعات توزيع شديدة ونزاعات ثقافية".
وبقولها إن "الصراعات حول أي الفئات ستتحمل تكاليف التحول بدأت بالفعل"، توضح الصحيفة أن حكومة "إشارة المرور" المنقسمة “لم تعد قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة المطلوبة”، مؤكدة بذلك على أن "الانتخابات الجديدة هي الحل الصحيح".
كما أن ما هو مطروح للنقاش نماذج اقتصادية مختلفة جذريا، لا تستند فقط إلى توجهات أيديولوجية متعارضة، ولكن أيضا إلى قراءات مختلفة تماما للبيئة الجيوسياسية.
التحدي الشعبوي
وفي هذا السياق تقول الصحيفة إنه إلى جانب الواقعية الاقتصادية التي يتبناها شولتس و(روبرت) هابك نائب مستشار ألمانيا ووزير الاقتصاد، والمفاهيم النيوليبرالية للحزب الديمقراطي الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، تتشكل تحت لواء الترامبية (إشارة إلى ترامب) حركة يمينية جديدة.
وتخلص الصحيفة إلى أن "الحركة الأخيرة ترى العالم على أنه لعبة صفرية تخوض فيها الشعوب المهددة معارك من أجل البقاء".
وتلفت النظر إلى مشكلة أخرى، وهي أن القوى الديمقراطية المعتدلة لم تجد منذ سنوات وسيلة فعالة لمواجهة مزيج النزعات القومية والشعبوية والانغلاق على الذات.
ولمواجهة التحدي الشعبوي، ترى أنه "من المهم إبلاغ الناخبين بشكل واضح بما ينتظرهم من تحديات وما سيعنيه ذلك بالنسبة لهم".
وأوضحت أن "الأغلبية العظمى من السكان أدركت منذ فترة طويلة أن الأمور لا يمكن أن تستمر على حالها، وأن أوضاعهم ربما تزداد سوءا".
وفي هذا السياق، تؤكد أن "الناس فقدوا الثقة في السياسة ووسائل الإعلام لأنهم يشعرون بأن الحقيقة الكاملة عن حجم المشاكل لا تُقال لهم".
كما أنهم يخشون أن يكونوا هم في النهاية من سيدفع الثمن ويتحمل التكاليف، وهو شعور يغذي الشعبويين ويعزز قدرتهم على الحشد، كما تظهر الصحيفة.
وفي الختام، تقول إن "ما يحتاجه الوضع هو خطاب صريح ومباشر، يوضح بلا مواربة حجم التحديات الحقيقية ويقدم حلولا عملية ومستدامة، حتى لو كانت مؤلمة".
وهنا، تبرز الصحيفة حقيقة أن "الألمان واجهوا في الماضي تحديات أكبر، وأن لديهم القدرة على تقوية بلدهم وجعله جاهزا للعواصف القادمة".