تغييرات محتملة.. ما توقعات السياسة الدفاعية الأميركية في عهد ترامب؟
من المتوقع أن تكون مواقف ترامب تجاه روسيا متقلبة
رأت صحيفة تركية أن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يسهل التنبؤ بها، وفقا لما اتخذه من خطوات في ولايته السابقة وصرح به قبل انتخابات 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 التي هزم فيها منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وبهذا توضح صحيفة صباح في مقال للكاتب التركي "مراد أصلان" أن العديد من الدول تحاول تحديد مواقفها خلال السنوات الأربع القادمة مع قرب عودة ترامب إلى السلطة.
وفي هذه المرحلة التي يعمل فيها ترامب على تشكيل نخبته الخاصة تبرز أسماء المسؤولين الذين سيشغلون المناصب الوزارية، بما في ذلك توجهاتهم الفكرية وسماتهم الشخصية، فضلا عن تفاصيل مثل مدى تأييدهم لإسرائيل.
السياسة الدفاعية
وترى النخب السياسية في الدفاع والسياسة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ليست مجرد "قوة عظمى"، بل "قوة فائقة"، دون الأخذ في الحسبان الترسانات النووية لكل من الصين وروسيا.
وفي ظل هذا الشعور بالهيمنة يظهر السؤال حول الكيفية التي سيتعامل فيها ترامب ونخبته مع قضايا الأمن والدفاع، وما إذا كانت ستُرسم سياسات جديدة في هذا المجال. لذا فإن التنبؤ بالخطوات القادمة يبدو أمرا مهما، يقول الكاتب.
واستدرك: فيما يتعلق بتحديد سياسات الدفاع، من المهم أولا النظر إلى العوامل الداخلية، أو بمعنى آخر التوجه السياسي العام داخل أميركا.
فهناك حقيقة مفادها أن الأصوات الداعمة لتفوق "البيض" تحظى بتقدير متزايد. و"بهذا يمكننا أن ندرك أننا أمام نخب لا تهتم بالحياة الفكرية بقدر ما تُركز على القوة والشهرة".
ويواصل القول: “يبدو أن التأثير الكبير للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) يعزز من السياسات الداعمة لإسرائيل، بينما يجذب الخطاب المناهض للصين انتباه الطبقة العاملة الأميركية”.
ففي ظل التدهور الاقتصادي الذي يثقل كاهل الطبقات الدنيا والوسطى، يبرز توجه سياسي يسعى لتحويل الأعباء الاقتصادية إلى مكاسب سياسية.
وبهذا تتشكل بيئة سياسية تتسم بمواقف حازمة تجاه قضايا مثل إسرائيل، وتلقي باللوم في قضية التراجع الاقتصادي على الصين وأوروبا.
أما فيما يتعلق بروسيا فمن المتوقع أن تتسم المواقف بالتقلبات، خاصة في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا. وبطبيعة الحال فإن سياسة الدفاع الأميركية لا تعتمد فقط على اختيارات ترامب وفريقه.
ويوضح الكاتب قائلا: “لا بد أن نأخذ في الحسبان ردود الفعل المتوقعة من الأطراف الأخرى بما في ذلك أوروبا، التي يجب عدها الآن طرفا معارضا جزئيا”، مشيرا هنا إلى أن البيروقراطية الأميركية تعتمد على موقف الصين.
ففي حال أبدت بكين استعدادها للتوصل إلى تفاهم تجاري يراعي أولويات واشنطن، فقد نشهد بيروقراطية أميركية أقل عدوانية، أما إذا رفضت، فقد تصبح أكثر حدة، وفق تقدير الكاتب.
ولفت إلى أن التهديدات الروسية دفعت الأوروبيّين إلى الاستثمار في الصناعات الدفاعية الأميركية.
ويبقى السؤال إذا ما كانت أوروبا ستختار بناء نظامها العسكري المستقل أم الاستمرار في الاعتماد على الضمانات الأمنية الأميركية.
وبالإضافة إلى كل ما سبق لا يمكن تجاهل الهند التي تُعد لاعبا مهما؛ حيث إنها قد تضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن الانحياز إلى طرفٍ ما.
من جهة أخرى لا يمكن أن ننسى أن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ التهديدات غير التقليدية وغير النظامية في الحسبان.
فمجرد التفكير في إمكانية وقوع هجوم مشابه لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في ظل هذه البيئة السياسية، فإن الأمر ربما يثير قلقا كبيرا ويؤدي إلى سيناريوهات كارثية.
بالتالي، فإن صياغة سياسة الدفاع الأميركية في عهد ترامب تعتمد على عوامل عدة؛ منها قرارات النخبة الحاكمة، ومستوى التحفيز الذي تخلقه التطورات الخارجية، وردود الفعل داخل المجتمع الأميركي.
ومع ذلك حتى في غياب أي تأثير خارجي، يمكننا استخلاص الكثير من الدروس من خلال مراجعة السنوات الأربع الماضية لرئاسة ترامب، يقول الكاتب.
ترامب والبنتاغون
ولفت إلى أن شكوى ترامب من وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” مع استشهاده بجنرالات (الزعيم النازي أدولف) هتلر ليست إشارة إيجابية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، نشرت مجلة أتلانتيك الأميركية تفاصيل محادثة خاصة لترامب في البيت الأبيض عندما كان رئيسا، أشاد فيها بجنرالات هتلر على ولائهم للديكتاتور الألماني.
وقال ترامب إنه يتمنى أن يظهر له أفراد الجيش الأميركي نفس الاحترام، مضيفا "أنا بحاجة إلى نوع الجنرالات الذين كان لديهم هتلر، الأشخاص الذين كانوا مخلصين له تماما، ويتبعون الأوامر".
وأفادت تقارير بأن ترامب أدلى بتصريحات مماثلة بشأن أدولف هتلر وجنرالاته كما ذكر كتاب نُشر في عام 2022 أن الرئيس السابق قال لرئيس أركانه آنذاك، جون كيلي، “لماذا لا يمكنك أن تكون مثل الجنرالات الألمان؟”
ويواصل الكاتب التركي: “يبدو أن البيروقراطية العسكرية الأميركية، التي حاولت سابقا منع قرار ترامب بالانسحاب من سوريا خلال فترة رئاسته الأولى، قد تواجه عملية تطهير واسعة”.
وتأتي هنا التساؤلات حول رد فعل الجيش الأميركي على هذه التغيرات المحتملة.
ومن المعروف أن عددا كبيرا من الجنود الأميركيين يتبنون مواقف مشابهة لترامب، وفق تقدير الكاتب.
وهؤلاء الجنود، الذين يميلون إلى تضخيم دورهم في العراق وأفغانستان لتقديم أنفسهم كأبطال، قد يجدون فرصا أكبر لشغل المناصب القيادية.
ويعتقد الكاتب أن إقصاء الجنود ذوي الميول الديمقراطية من المناصب العليا أمر لا مفر منه في ظل هذا المناخ السياسي الجديد.
من ناحية أخرى، إذا حصل المرشح الجديد لمنصب وزير الدفاع بيت هيجسيث على موافقة مجلس الشيوخ، فقد يؤدي ذلك إلى توترات داخل البنتاغون، لكنها لن تكون ظاهرة للعامة.
الإنفاق الدفاعي
أما الشق الثاني من سياسة الدفاع فيتعلق بالإنفاق الدفاعي. وهنا، من المتوقع أن تظل ميزانية الدفاع السنوية التي تبلغ 900 مليار دولار عند نفس المستوى.
وعلى الرغم من ذلك فإن الولايات المتحدة تسعى لتخفيف عبء الميزانية الدفاعية من خلال تحميل تكاليف جميع التزاماتها العسكرية للأطراف الأخرى.
وأشار الكاتب إلى احتمالية أن يجرى تمويل الأسطول الخامس في الخليج من قِبل الدول العربية الغنية، وتمويل الأسطول السابع في المحيط الهادئ من خلال اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية.
ومع ذلك يبقى السؤال حول كيفية السداد، وستكشف الأيام القادمة عن هذا الأمر سواءً كان عبر مدفوعات نقدية أو منح عقود للشركات الأميركية.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب أنه من المفيد التطرق إلى نقطتين: حلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الأوروبي.
إذ ترى الإدارة الأميركية الجديدة أن هاتين المؤسستين بمثابة "زبائن مميزين".
وفي ظل تصاعد التهديد الروسي، قد يرتفع مطلب تخصيص 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع الذي يفرضه الناتو حاليا إلى 3 بالمئة.
وبالتالي، يمكن توقع أن السياسة الدفاعية الأميركية الجديدة تحت قيادة ترامب قد تتسم بالهجوم في القضايا المحورية مثل ضمان أمن إسرائيل.
كما قد تتسم بالاستغلالية في القضايا التي تتيح بعض المرونة، مع اتباع نهج أكثر فرضا عند رسم معالم المناخ الدفاعي العالمي.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: يبدو أن الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة من سياساتها الدفاعية.
إذ تتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية في صياغة دورها العالمي وسط تحولات جذرية قد تغير شكل العلاقات الدولية في المستقبل القريب.