حرب إسرائيل ولبنان تضعه في مأزق.. كيف أثرت على تجارة الأسد للمخدرات؟
المخدرات من جميع الأنواع أصبحت المورد الاقتصادي الأكثر أهمية للنظام السوري
تواجه تجارة المخدرات غير المشروعة في سوريا -التي تعد أحد الأعمدة الاقتصادية الأساسية لنظام بشار الأسد- تهديدات خطيرة؛ حيث تؤثر الحرب المستمرة بين إسرائيل و"حزب الله" على إنتاج وتهريب الكبتاغون.
وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي، في تقرير له، إن "إضعاف حزب الله، الحليف الرئيس والداعم في صناعة المخدرات، يمكن أن يؤدي إلى عواقب اقتصادية وخيمة على النظام السوري".
اقتصاد الكبتاغون
وتابع: "لقد أصبح الكبتاغون، وهو الاسم التجاري للمنشط الاصطناعي فينيثيلين، مصدرا رئيسا لإيرادات النظام السوري".
وتعد سوريا حاليا أكبر منتج للكبتاغون في العالم، حيث بلغت قيمة تجارتها ما يقرب من ثلاثة أضعاف قيمة تجارة المخدرات المجمعة للعصابات المكسيكية، وفقا للصحفي الاقتصادي السوري، سمير الطويل.
وفي حديثه للموقع الأميركي، قال الطويل: "استنزفت الحرب في سوريا العديد من الموارد الاقتصادية، مما دفع النظام إلى البحث عن تمويل بديل".
وأوضح أن "المخدرات من جميع الأنواع أصبحت المورد الاقتصادي الأكثر أهمية للنظام السوري وحزب الله على مدى السنوات العشر الماضية".
وفي مارس/آذار 2023، فرضت المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على أفراد يشتبه بتورطهم في تجارة الكبتاغون، بما في ذلك اثنان من أبناء عم الأسد.
وبحسب المملكة المتحدة، فإن الأسد يكسب نحو 60 مليار دولار سنويا من عائدات المخدرات.
وخلال إعلانها عن العقوبات، أكدت المملكة المتحدة أن النظام السوري "يلعب دورا محوريا في تجارة المخدرات، حيث تخرج شحنات بقيمة مليارات الدولارات من معاقل يسيطر عليها مثل ميناء اللاذقية".
وقال التقرير إن “تجارة المخدرات في سوريا تخضع لإشراف مسؤولين رفيعي المستوى ووحدات عسكرية”.
وأبرزها الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار، ونائبه غسان بلال، وكلاهما متورط في تسهيل إنتاج المخدرات وتهريبها.
وفي عام 2021، أثناء محاكمة حسن دقو، تاجر المخدرات السوري اللبناني المعروف باسم "ملك الكبتاغون"، أمام القضاء اللبناني، ظهرت أدلة على محادثات بينه وبين بلال حول تهريب تلك المواد عبر الحدود السورية-اللبنانية.
وكشف مصدر في الفرقة المدرعة الرابعة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن أغلب العسكريين متورطون في تجارة المخدرات، مضيفا أن "أعلى السلطات توفر غطاء أمنيا للمتورطين، مقابل الولاء المطلق للنظام السوري".
دعم إيراني
وأوضح الموقع الأميركي أن حزب الله يعتمد أيضا منذ فترة طويلة على الدعم المالي والعسكري الإيراني، الذي ينتقل للحزب عبر سوريا.
ففي الثمانينيات، قدمت إيران 100 مليون دولار سنويا، رفعتها إلى 200 مليون دولار بحلول عام 2005، و300 مليون دولار من عام 2006 إلى 2009.
وعلى الرغم من التقلبات بسبب العقوبات وأسعار النفط، فقد شهدت السنوات الأخيرة استقرار دعم إيران حول 700 مليون دولار سنويا.
وخاصة بعد رفع العقوبات عن إيران خلال فترة الرئيسين الأميركيين الأسبق باراك أوباما والمنتهية ولايته جو بايدن.
كذلك، كشف اغتيال "إسرائيل" لرجل الأعمال السوري براء قاطرجي في 15 يوليو/تموز 2024، عن تورطه في نقل الأموال من إيران إلى حزب الله.
وقد نقل فيلق القدس -التابع للحرس الثوري الإيراني- الأموال من خلال شحنات النفط والنقد إلى سوريا، والتي بيعت لشركة تسمى "BS" مملوكة لقاطرجي، مع تحويل العائدات إلى حزب الله.
وقال الخبير في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي، إن حزب الله لا يتلقى الدعم المالي فحسب من إيران، بل أيضا الدعم العسكري، حيث يتلقى أعضاؤه تدريبات في طهران ودمشق.
ويعتقد أن "حزب الله يواجه حاليا انتكاسات كبيرة بسبب خسارة مقاتلين في الحرب مع إسرائيل وتعطيل الطرق المالية من إيران عبر سوريا".
ومن بين الأذرع المالية الرئيسة لحزب الله "جمعية القرض الحسن"، التي تأسست عام 1982 ولديها أكثر من 30 فرعا في لبنان.
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، تعمل هذه الجمعية خارج إشراف البنك المركزي اللبناني، وهي مدرجة على قوائم الإرهاب الإسرائيلية.
ووصف آدم سميث، المستشار الأول السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC)، الجمعية بأنها "دولة داخل دولة" في لبنان ومصدر رئيس لتمويل حزب الله.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على جمعية القرض الحسن عام 2007، ووسّعتها في عام 2021 لتشمل ستة موظفين حولوا أكثر من 500 مليون دولار عبر البنوك اللبنانية.
تحركات ضد النظام
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وقع بايدن على "قانون الكبتاغون"، معلنا أن تورط النظام السوري في تجارة المخدرات يشكل تهديدا للأمن القومي.
ويستهدف القانون الشبكات المرتبطة بنظام الأسد ممن تشارك في إنتاج الكبتاغون والاتجار به.
واستهدف التشريع اللاحق على وجه التحديد أفراد عائلة الأسد، بما في ذلك ماهر وشخصيات من الفرقة المدرعة الرابعة.
وأوضح الموقع الأميركي أن "الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله أدت إلى تعطيل عمليات تهريب المخدرات بشكل كبير".
وأبلغ الأردن والسعودية عن انخفاض ملحوظ في ضبط المخدرات على حدودهما خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، مقارنة بالسنوات السابقة.
وأشار المحلل السياسي، وائل الخالدي، إلى أن تهريب المخدرات هو موضوع أساسي في الاجتماعات بين المسؤولين الأردنيين والسوريين.
وأضاف: "شهد الشهر الماضي (أكتوبر) ركودا اقتصاديا لدى النظام السوري بسبب تراجع تهريب الكبتاغون، بفعل الحرب بين إسرائيل وحزب الله".
وبحسب "ذا ميديا لاين"، لاحظ سكان دمشق نقصا في إمدادات الكبتاغون، فيما عزا التجار الاضطراب إلى تورط حزب الله في الحرب.
وقال أحد السكان المحليين، ويُدعى أحمد، إن متعاطي المخدرات يواجهون صعوبة في الحصول على جرعتهم بسبب انخفاض العرض.
وحث الخالدي المجتمع الدولي على بذل جهود دولية أقوى لمكافحة تجارة المخدرات القادمة من سوريا.
وحذر من أن "تهريب المخدرات من سوريا إلى واشنطن ليس بالأمر الصعب، فشبكات التهريب مدربة تدريبا عاليا وتعمل لصالح حزب الله والأسد".
وأكد أن التساهل مع النظام السوري، بما في ذلك إعادة دمجه في جامعة الدول العربية والصفقات التجارية تحت ستار المساعدات الإنسانية، سهّلت تجارة المخدرات، وخاصة عبر ميناء اللاذقية.
وختم قائلا: "إن أجيالا بأكملها تضيع بسبب المخدرات، سواء من خلال الإدمان أو الاتجار".