مع استحالة تشكيل حزب منفرد للحكومة.. ماذا بعد انتخابات كردستان؟

3 hours ago

12

طباعة

مشاركة

شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إقليم كردستان العراق سلسلة من التطورات التي أثرت بشكل جذري على الديناميكيات السياسية في المنطقة. 

فقد لعبت انتخابات 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024 دورا حاسما في تحديد مواقعَ أكبرِ القوى السياسية في الإقليم، خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

وإضافة إلى ذلك، رأت صحيفة ستار التركية في مقال للكاتب "بيلجاي دومان" أن الانتخابات البرلمانية في كردستان أعادت تشكيل العديد من التوازنات في السياسات الداخلية والخارجية. 

وبالنظر إلى صراع القوى في خلفية الانتخابات وتأثير الجهات الفاعلة الخارجية وإمكانية التحالفات والتوقعات المستقبلية للمنطقة فإنه من الواضح أن نتائج الانتخابات ستؤدي إلى عواقب طويلة الأمد على السياسة في الإقليم.

توازنات وتوترات

واستدرك الكاتب: شهدت الأجواء السياسية في إقليم كردستان توترا كبيرا قبل انتخابات 2024. فقد كان من المقرر إجراؤها في الأصل عام 2022، لكن تأجلت أربع مرات بسبب الخلافات المتأجّجة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني. 

وكانت أكبر الخلافات تتمحور حول المقاعد المخصصة للأقليات، ووضع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الإقليم، وكيفية تشكيل الدوائر الانتخابية. 

إذ جرى تخصيص 11 مقعدا كحصة للأقليات في برلمان إقليم كردستان المؤلف من 111 مقعدا، منها 5 للتركمان و5 للمسيحيين و1 للأرمن. 

وأضاف الكاتب: طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بتوزيع هذه المقاعد في مناطقه القوية، بينما عد الاتحاد الوطني ذلك ظلما. 

وحينها تدخلت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في هذا الصراع، الأمر الذي أدى إلى تقليص عدد المقاعد المخصصة للأقليات إلى 5 فقط.

وجرى عدّ هذا الوضع عاملا أسهم في زيادة نفوذ بغداد داخل حكومة إقليم كردستان وخلق معادلة جديدة وحسابات برلمانية فيها.

وخلال فترة رئاسة مسرور بارزاني للحكومة، تبنى الحزب الديمقراطي إستراتيجية زيادة المركزية والسيطرة. ومع ذلك، تعرض أسلوبه في الحكم لبعض الانتقادات على الصعيدين المحلي والدولي.

ورغم وعود بارزاني بتحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية خلال حملته الانتخابية، فقد تراجعت الثقة به بين بعض قطاعات الشعب. 

من جهة أخرى، بعد وفاة زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني، تصاعدت الصراعات الداخلية على القيادة.

فقد تبنى بافل طالباني الزعيم الحالي للاتحاد ونجل الراحل، خطابا قاسيا ضد سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأكد على أنه يريد إعادة توازن السلطة. 

ويرمز شعار طالباني "سننهي هذه المهمة" إلى جهود الاتحاد الوطني  لإزالة الحزب الديمقراطي من إدارة حكومة إقليم كردستان أو إضعاف نفوذه.

من ناحية أخرى، شكل ظهور حركة معارضة مؤثرة مثل الجيل الجديد في السليمانية، حيث كان الاتحاد الوطني الكردستاني هو الفاعل الرئيس، تحديا كبيرا له، حيث جذبت حركة المعارضة هذه انتباه مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية.

النتائج وتوزيع المقاعد

وأردف الكاتب: وفقا لنتائج الانتخابات فاز الحزب الديمقراطي بـ 39 مقعدا ليحتل المرتبة الأولى، ثمّ تلاه الاتحاد الوطني بـ 23 مقعدا. 

أما حركة الجيل الجديد التي ازداد دعمها بين الناخبين الشباب فقد حصلت على 15 مقعدا لتصبح ثالث أكبر قوة في البرلمان. 

ورغم تفوق الحزب الديمقراطي الكردستاني في عدد الأصوات، فإن توزيع المقاعد يشير إلى برلمان مجزأ بشدة.

وأشار الكاتب إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يحتاج إلى 12 مقعدا إضافيا لتحقيق الأغلبية، مما يجعله بحاجة إلى تحالفات مع أحزاب أخرى. 

ومع رفض بعض الأحزاب، مثل حركة الجيل الجديد والاتحاد الإسلامي الكردستاني، المشاركةَ في الحكومة، يبدو أن التحالف بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني هو الخيار الأكثر احتمالا. 

ومن المتوقع أن تكون مفاوضات تشكيل الحكومة شاقة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني.

فوفقا للنتائج الحالية يبدو أن الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني اللذين يمتلكان معا 62 مقعدا، هما المرشحان الأكثر احتمالية من أجل تشكيل تحالف يحقق الأغلبية في البرلمان. 

لكن نظرا لعلاقتهما الصعبة في الماضي واختلاف المصالح والأولويات الإستراتيجية فإن العلاقة بين الحزبين لا تزال معقدة. 

ويتمتع الحزب الديمقراطي بقاعدة قوية في أربيل ودهوك، في حين يسيطر الاتحاد الوطني على السليمانية وحلبجة. 

ويرى الكاتب أن هذا الانقسام الجغرافي يعزز من تعقيد النظام السياسي في إقليم كردستان ويزيد من صعوبة مفاوضات التحالف.

تأثيرات إقليمية ودولية

واستدرك: لا تؤثر انتخابات إقليم كردستان فقط على التوازنات الداخلية، بل أيضا على العلاقات مع بغداد والدول المجاورة. 

إذ تسعى الحكومة المركزية في بغداد إلى استغلال الانقسامات السياسية داخل الإقليم لصالحها، خاصة من خلال تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الوطني.

وتهدف الحكومة المركزية إلى إضعاف موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني المعارض لها. 

ولفت الكاتب التركي إلى أن تدخّل المحكمة الاتحادية العليا في تقليص مقاعد الأقليات ومراقبتها للانتخابات يعكس جهود بغداد لزيادة نفوذها في الإقليم.

وأضاف أن تركيا تتعاون بشكل وثيق مع الحزب الديمقراطي وبغداد للحد من نفوذ حزب العمال الكردستاني في المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني مثل السليمانية. 

في المقابل، تسعى إيران لتقوية علاقاتها مع الاتحاد الوطني وحزب العمال الكردستاني لتشكيل توازن ضد النفوذ التركي في المنطقة. 

وهذا الصراع يعكس أن التوترات في إقليم كردستان ليست ناتجة عن السياسة الداخلية فقط، بل هي جزء من التنافس الإقليمي، وفق الكاتب.

وتابع: أما الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى فتتبنى موقفا داعما لاستقرار وتطوير الإقليم، وتسعى إلى الحد من تأثير إيران. 

إذ تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على تعاونها الإستراتيجي مع الحزب الديمقراطي وفي الوقت نفسه تحاول تعزيز الحوار مع الاتحاد الوطني.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلاً: إن التطورات التي سبقت انتخابات 20 أكتوبر 2024 جلبت معها تدخلات خارجية كبيرة، مما شكل منعطفا مهما في السياسة الكردية. 

وعلى الرغم من التوترات التاريخية بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، قد يكون تشكيل تحالف جديد على غرار "التحالف الإستراتيجي" الذي وقع بينهما عام 2004 هو أفضل وسيلة للحفاظ على مكتسبات الإقليم حتى الآن. 

وبين الكاتب أن تشكيل حكومة قوية ومبنية على قاعدة عريضة سيكون له تأثير كبير على علاقات إقليم كردستان مع بغداد والدول المجاورة، وسيكون حاسما في تحديد استقراره ومستقبله.