دول غرب البلقان.. لماذا تدعمها تركيا وينقسم الاتحاد الأوروبي حولها؟
تطرق مركز الدراسات الجيوسياسية الإيطالي، إلى إستراتيجيات تركيا لتعزيز تأثيرها في بلدان غرب البلقان، في مقابل الانقسام بين أعضاء الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق لا سيما بانضمام بعض بلدان المنطقة وآثاره على نفوذه واستثمارات أعضائه هناك.
وقال موقع المركز في تقرير: إن الاتحاد الأوروبي يُظهر اختلافات في وجهات النظر حول عملية انضمام بعض الدول، مما يتركها في حالة من عدم اليقين قد تلحق الضرر به.
كما أن اللعبة الحالية، التي يتم لعبها في إطار ترابط المصالح بين الجهات الفاعلة الإقليمية، لها آثار اقتصادية هامة في كل من مجال البنية التحتية والطاقة. في الأثناء، تقتطع تركيا لنفسها دورا تنافسيا ومتطورا للغاية.
سياسة مختلفة
أوضح الموقع أن تركيا تتخذ سياسة مختلفة جزئيا في منطقة البلقان بأكملها عن تلك التي اتخذت في أماكن أخرى، حيث تلعب دورا فاعلا ناعما في بلدان مثل صربيا ورومانيا وبلغاريا وكقوة إسلامية أو نقطة مرجعية ثقافية في البلدان التي توجد بها أقليات تركية أو مسلمة مهمة مثل البوسنة وألبانيا ومقدونيا الشمالية.
وتدرك أنقرة جيدا الجاذبية التي تولدها عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بعض المناطق، وتستغل بحكمة هويتها المزدوجة كقوة عثمانية سابقة وعضو في الحلف.
ورأى أن تركيا تلعب لعبة ناعمة وقيمة أيضا من خلال التعاون الدولي. وفي هذا الصدد، افتتحت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) مكاتب في ألبانيا والبوسنة وصربيا، وتقدم المساعدة لتعزيز وحماية التراث العثماني في البلقان، ومن أجل دعم الأقليات المسلمة.
وتدعم تيكا أيضا أعمال ترميم أماكن العبادة غير الإسلامية، مثل كنيسة سان جورجيو دي تومانوفو. ورسميا، تنفذ الوكالة عملا ليس ذا طبيعة اقتصادية فحسب، بل اجتماعي وثقافي أيضا، من أجل زيادة "الوعي والاستقرار".
كما أن الأنشطة الخدماتية التي نفذتها تيكا هي ذات طبيعة صحية بنسبة 45.5بالمئة، إدارية بنسبة 20.49 بالمئة، 15.81 بالمئة للتعليم، 14.78 بالمئة ثقافية وترميمية و3.45 بالمئة لتحلية المياه.
في الوقت نفسه، أصبحت أنقرة مصدرا رئيسيا للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث أنشأت سلاسل قيمة ذات طبيعة صناعية ومالية ولوجستية واتصالات.
كما زادت التجارة بين تركيا ومنطقة جنوب شرق أوروبا عشرة أضعاف تقريبا في أقل من عشرين عاما بقليل، من 364 مليون يورو في عام 2002 إلى 3 مليارات في عام 2016.
على الصعيد السياسي، بالإضافة إلى البوسنة، ستكون تركيا قادرة على التحرك بفعالية بشأن ألبانيا ومقدونيا الشمالية بينما يبدو أن بروكسل تغلق الباب أمام انضمام هذه الدول.
ويمكن قراءة ملاحظة مثيرة للاهتمام على الموقع الرسمي لوكالة تيكا، تفيد بأن البلقان يعد محور إستراتيجية سرية تتعلق بمسارات الطاقة الجديدة ومنافسة القوى العظمى.
وتشير الوكالة إلى "دعاية سوداء" تتهم تركيا بزيادة وجود العناصر الإرهابية في المنطقة التي تتميز ببنية هشة متعددة الأعراق، وفق المركز.
وبحسب الموقع، "من الواضح أن البلقان، بالنسبة لتركيا، من المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية القصوى وفقا لعقيدتها في السياسة الخارجية الجديدة مقارنة بالتجارب العلمانية السابقة، وبالنظر إلى أنه من الأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية''.
ويظل المحور السياسي مع سراييفو ضروريا لتحقيق هدف ممارسة نفوذها في الفناء الخلفي لأوروبا، كبديل لبروكسل.
وأشار الموقع الإيطالي إلى أن تركيا نفذت في العقد الماضي، لثقتها في الانضمام إلى أوروبا، سياسة في البلقان لم تتعارض، في حد ذاتها، مع الاختيار المؤيد لبروكسل لدول المنطقة.
ولكن المصير غير الواضح على الإطلاق لعملية انضمام أنقرة يوحي الآن بعواقب مختلفة محتملة على العلاقات بين المنطقة وأنقرة وأوروبا، وفق المركز.
الانضمام المستبعد
وأكد الموقع أن الاتحاد الأوروبي يمثل أحد أهم الفاعلين الدوليين المهتمين بتوسيع وجودهم في شبه الجزيرة، لكن عدم انسجام وجهات نظر الدول الأعضاء الفردية يهدد بتقويض إمكانية تحديد بوضوح جدول زمني للانضمام إلى الاتحاد.
ولهذه الغاية، تريد كل من ألبانيا، العضو في الناتو منذ عام 2009، ومقدونيا الشمالية، العضو الطموح، بدء المفاوضات في المستقبل القريب.
لكن الفيتو الفرنسي (المدعوم من الدنمارك وهولندا) في أكتوبر/تشرين الأول 2020، منع فتح مفاوضات انضمام البلدين إلى الاتحاد الأوروبي، على النقيض من الدعم السياسي لألمانيا وإيطاليا.
وبحسب الموقع الإيطالي، يرجع الموقف الفرنسي إلى "دافع الحاجة لانتظار لحظة أكثر نضجا، حيث إن انفتاح بروكسل أمام الأعضاء الذين ما زالوا تحت تأثير عمليات الإصلاح الجارية والمنتمين إلى منطقة مضطربة مثل البلقان، يمكن أن يمثل تحديا ذا أبعاد مهمة للغاية بالنسبة إلى الاتحاد".
تتبنى ألبانيا وكوسوفو والأقليات الألبانية في مقدونيا الشمالية مواقف أكثر انفتاحا في غرب البلقان تجاه الغرب (الناتو والاتحاد الأوروبي).
لكن التوترات الاجتماعية بين الأقليات العرقية المقدونية الشمالية ووجود المسلحين على الحدود مع كوسوفو، تسببت في اشتباكات بمقاطعة كومانوفو عام 2015، وتشكل خط صدع وجب حله للسماح لمقدونيا، المهتمة بدورها بالانضمام إلى بروكسل، بإقامة، بهدوء وسلام اجتماعي، علاقة أوثق مع ألبانيا في عملية التكامل الاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والأوروبي، حسب الموقع الإيطالي.
في هذا الصدد، يمكن لمشاريع البنية التحتية المشتركة المصممة على نموذج شنغن لحرية الحركة أن تمثل دفعة مثيرة للاهتمام. كما أن توطيد الشركات الإيطالية في المنطقة، والذي بدأ منذ عقد من الزمن، سيتحقق بالكامل إذا استمرت الدولة في دعم عملية انضمام البلدين إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال الموقع: إنه "على الرغم من أن صربيا منخرطة في عملية تطبيع للعلاقات مع ألبانيا ومع كوسوفو التي لا تعترف بها سياسيا، سيكون عليها التوسط تحت ضغط مطالبات روسيا المهتمة بالحفاظ على نفوذها في المنطقة وجزء من الرأي العام (جمهور الناخبين)".
وقد أثارت بعض الخيارات التي اتخذتها حكومة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيك تجاه الحلف الأطلسي مخاوف في موسكو لكن بلغراد تقدم مشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي ولا تستبعد الحفاظ على الصلة القوية والتاريخية مع روسيا.
من جهتها، تلعب تركيا دورا وقائيا محتملا بصفتها "قوة إسلامية" وعضو في الناتو، اعتمادا على الدولة المرجعية، مع ميل قوي للعمل من خلال القوة الناعمة (التعاون الإنساني والثقافي) والاقتصاد (استثمارات ضخمة في الطاقة، خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، واللوجستيات).
كما أن العلاقة الوثيقة الخاصة برئيس الوزراء البوسني والتركيز القوي على الأقليات المسلمة هي الوسيلة الأكثر استخداما من قبل أنقرة لترسيخ نفسها في المنطقة، يقول المركز.
لذلك، فإن الوجود بين مراكز التأثير المختلفة، واستغلال الفوائد هو عنصر مشترك بين مختلف الجهات الفاعلة في المنطقة، ويولد حالة من ترابط المصالح سيكون وجوده ممكنا إلى أن تبقى تركيا مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وبالنظر إلى أن العملية متوقفة بسبب مسائل مختلفة، لكن من الضروري التساؤل حول إمكانية أن تصبح أنقرة، التي تُظهر مرونة سياسية، قطبا للجذب، محوره البوسنة وألبانيا وتيرانا ومقدونيا الشمالية (إذا رفضتها أوروبا)، بديلا عن بروكسل، وأن تقوض بشكل كبير ميزان النفوذ الذي يشكل الآن أكبر مساحة للمناورة للاتحاد، وفق الموقع.