الحشد الشعبي.. 3 متغيرات قد تقلب الطاولة على نفوذ إيران بالعراق

"العراق سيكون أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدا في المفاوضات"
سلط مركز دراسات إيراني الضوء على تداعيات المحادثات بين واشنطن وطهران على مستقبل مليشيا الحشد الشعبي في العراق المدعومة من إيران والسلطات في بغداد.
وتحدث مركز الدراسات الإيرانية "إيرام" (مقره أنقرة) عن معضلة إيران بين الحفاظ على نفوذها عبر الفصائل المسلحة أو التوجّه نحو التهدئة وكسب نفوذ ناعم يضمن لها حضورا مستقبليا في العراق والمنطقة.
نقطة تحول
وشهد العالم نقطة تحوّل محتملة في العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران، في 12 أبريل/نيسان 2025، مع انطلاق أولى المحادثات بين الجانبين على أرض سلطنة عُمان، في ظل إدارة دونالد ترامب.
كما اختُتمت الجولة الثانية في روما، 19 أبريل، وسط تفاؤل مُبهم بشأن التوصل إلى حل دبلوماسي بشأن الملف النووي الإيراني.
وهذا الحدث، وإن بدا بروتوكوليا في ظاهره، يحمل في طيّاته إشارات إلى تغيّرات جوهرية في الديناميكيات الإقليمية والدولية، وفق ما يرى الكاتب التركي "تشاغتاي بالجي".
وأوضح أن هذا التحرك الأميركي يأتي في ظل رئاسة ترامب، الذي لطالما عُرف بموقفه المتشدد تجاه إيران، بدءا من انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018 وصولا إلى سياسة "الضغط القصوى".
ومع ذلك، يبدو أن الواقع الإقليمي والدولي فرض على الإدارة الأميركية إعادة النظر في أدوات التعامل مع طهران ولو تكتيكيا.
في المقابل، لا يمكن تجاهل أن الانفتاح الإيراني على الحوار، بعد سنوات من الرفض العلني، يعكس بدوره إدراكا متزايدا لدى طهران بأن الجمود لم يعد خيارا قابلا للاستمرار، خصوصا في ظل العقوبات الخانقة والتحديات الاقتصادية المتفاقمة واستنزاف الموارد في ملفات خارجية.
لكن وعلى الرغم من الأجواء التي توحي بانفراجة، تبقى تفاصيل المحادثات غامضة. فإيران تسعى لرفع العقوبات، وهو مطلب رئيس لطالما شكل محور أي حوار.
في المقابل تبدو مطالب واشنطن أكثر تعقيداً، حيث تشمل الحد من البرنامج النووي، وتقييد الصواريخ الباليستية، ووقف دعم المليشيات الإقليمية.
كل هذه الشروط التي أكدها حسن كاظمي قمي أحد القادة السابقين في فيلق القدس، تكشف عن نية أميركية واضحة لإعادة تشكيل النفوذ الإيراني في المنطقة.

ثلاثة عوامل
وأردف الكاتب: بينما تتجه الأنظار إلى محادثات عُمان (وروما)، بدت هناك مؤشرات واضحة على أن العراق، وتحديدا هيئة الحشد الشعبي، سيكون أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدا في هذا المسار التفاوضي.
فالمعادلة الجديدة التي تتشكل على وقع المتغيرات الإقليمية والتوازنات الدولية تضع إيران أمام خيارات إستراتيجية دقيقة بشأن نفوذها في العراق، لا سيما عبر الجماعات المسلحة المرتبطة بها ضمن بنية الحشد الشعبي.
وأشار الكاتب التركي إلى أن ثمة ثلاثة عوامل رئيسة تعزز من أهمية هذا الملف وتدفعه إلى واجهة الأحداث.
العامل الأول يتمثل في تصاعد الهجمات التي شنّتها إسرائيل على "حزب الله" والحوثيين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي تُعد جزءا من إستراتيجية تهدف إلى شلّ قدرات وكلاء إيران في المنطقة بشكل كامل.
وبالنظر إلى ما حققته إسرائيل من تقدم في هذا الصدد، لا سيّما في اليمن وبدعم أميركي مباشر، يُرجّح أن تكون هيئة الحشد الشعبي الهدف المقبل ضمن هذه الإستراتيجية.
العامل الثاني، أنه مع ولاية ترامب الثانية كرئيس تكثفت محاولات نزع سلاح الحشد الشعبي.
في هذه المرحلة، أصبح أحد الأهداف الرئيسة هو تقليص المليشيات المدعومة من إيران داخل الحشد الشعبي إلى مستوى لا يشكل تهديدا للوجود الأميركي في العراق.
بينما العامل الثالث مرتبط بتداعيات الثورة السورية، إذ إن الضربات التي تلقاها ما يُعرف بـ"محور المقاومة" بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 (تاريخ سقوط نظام الأسد) دفعت إيران إلى نقل جزء من مليشياتها هناك إلى العراق، وهو ما أضفى مزيدا من الغموض على مستقبل الترتيبات في بغداد.

مفترق طرق
واستدرك الكاتب التركي: إيران تجد نفسها اليوم في مأزق إستراتيجي حقيقي بشأن مستقبل الجماعات المسلحة الموالية لها داخل الحشد الشعبي.
فبعد سنوات من بناء هذه البنية العسكرية كذراع إقليمية، تجد طهران نفسها تحت ضغط متصاعد لإعادة النظر في تركيبة هذه الجماعات، سواء من حيث دورها العسكري أو امتدادها السياسي.
ويبدو أن طهران باتت مطالبة بحسم خيارها: إما الاستمرار في دعم هذه الجماعات مهما كانت التكلفة، أو التخلّي عنها تدريجيا.
وهذا التردد يتجلّى بوضوح في التناقضات التي تظهر في التصريحات والمواقف.
فبينما تتحدث بعض المصادر عن قبول بعض فصائل الحشد بنزع السلاح تحت الضغط الأميركي، تنفي جماعات بارزة كـ"كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" هذه المزاعم بشكل قاطع.
كما أن زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني غير الرسمية إلى بغداد في مارس/آذار 2025، وطلبه من قيادات الحشد تخفيف الخطاب العدائي تجاه واشنطن، تتعارض مع تقارير أخرى تفيد بأن إيران زودت بعض الفصائل بصواريخ بعيدة المدى.
كل ذلك يدلّ بشكلٍ واضح على عمق الحيرة الإستراتيجية التي تعيشها القيادة الإيرانية، وفق الكاتب.

الخيارات وتبعاتها
ولفت الكاتب إلى أنه عند تقييم الخيارات المتاحة، فإن تمسّك إيران ببنية الحشد الشعبي الحالية قد يحمل تكاليف باهظة.
فتعزيز الدعم العسكري للفصائل الموالية لطهران داخل الحشد، وتصاعد التهديدات الموجهة للولايات المتحدة قد يُحوّل تلك الجماعات إلى أهداف مباشرة للولايات المتحدة وإسرائيل.
وقد تجسّد هذا السيناريو في تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الذي أكد أن إسرائيل كانت تنوي استهداف المليشيات داخل العراق كما فعلت في لبنان، "إلا أن تدخلاتنا مع الولايات المتحدة حالت دون ذلك".
وفي حال تصاعد التوتر من المرجّح أن تواجه هذه الجماعات موجة من الرفض الشعبي والضغوط البيروقراطية والسياسية، بحيث تؤدي إلى مزيد من تهميشها على الساحة العراقية.
كما أن طرح مشروع قانون في الكونغرس الأميركي بعنوان "إنقاذ العراق من إيران" يعكس وجود توجه أكثر صرامة تجاه النفوذ الإيراني في بغداد ويدعم سيناريو التصعيد ضد الجماعات المسلحة المدعومة من طهران.
من جهة أخرى، فإن خيار إيران بتحييد الفصائل الموالية لها داخل الحشد الشعبي قد يؤدي أيضا إلى نتائج معقدة، كونه يمثل تحولا جذريا في إستراتيجية طهران.
وأوضح الكاتب ذلك بقوله: إن الثقافة الإستراتيجية الإيرانية تُبنى على مبدأ دمج القوى المسلحة في البنية السياسية والاجتماعية، مع الحفاظ على قدراتها القتالية.
وبالتالي، فإن نزع سلاح الحشد الشعبي ككل، أو تفكيك الفصائل الموالية لطهران ودمجها بشكل كامل في النظام البيروقراطي العراقي، يعني حدوث شرخ كبير في إستراتيجية إيران. وفي هذا السيناريو من المرجح أن تفقد جزءا كبيرا من نفوذها في العراق.
كما أن تحييد المليشيات الموالية لإيران سيؤثر سلبا على نشاطها في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، وكذلك على علاقاتها وتعاونها مع حزب العمال الكردستاني، خاصة في منطقة سنجار والمناطق المحيطة بها.
مع ذلك، قد يحقق نزع سلاح الحشد الشعبي أو الفصائل الموالية لطهران بعض المكاسب لإيران أيضا.
فدمج هذه التشكيلات في البيروقراطية الأمنية العراقية وتحويلها إلى قوة إدارية وسياسية فاعلة، يمكن أن يعزز من قدرة إيران على ممارسة نفوذها السياسي في العراق عبر أدوات ناعمة.
كما قد يسهم هذا المسار في تقليل التهديدات الأميركية والإسرائيلية ضد الوجود الإيراني في العراق إلى الحد الأدنى.
وختم الكاتب مقاله قائلا: وفقا لما ستؤول إليه نتائج المحادثات بين طهران وواشنطن، فقد تتمكن إيران من تعزيز مكاسبها الاقتصادية في العراق، وربما تلعب دورا أكثر فاعلية في مشاريع اقتصادية وتجارية كبرى، وعلى رأسها مشروع "طريق التنمية".
في هذا الإطار، فإن الخيار الذي ستتخذه إيران لحسم هذا التردد سيكون حاسما في رسم ملامح المرحلة المقبلة.