استطلاعات الرأي في تركيا تكشف تأثير أزمة إمام أوغلو على الأحزاب.. كيف؟

بعد ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

في مارس/ آذار 2025 صدر حكم بحبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو (53 عاما) -الذي تنظر له أحزاب في المعارضة التركية على نطاق واسع بصفته أبرز منافس للرئيس رجب طيب أردوغان– على ذمة المحاكمة بتهمة الفساد، قبل أن يتم نقله إلى سجن مرمرة غربي إسطنبول.

وفي السياق، نشرت صحيفة "حرييت" التركية مقالا للكاتب "عبد القادر سيلفي"، ذكر فيه أنه بعد عملية الفساد التي استهدفت أكرم إمام أوغلو شهد حزب الشعب الجمهوري ارتفاعا في نسب التأييد، إلا أن هذا الارتفاع لا يبدو كافيا للفوز بالانتخابات ويُنظر إليه على أنه مؤقت

موجة ساخنة

ففي المشهد السياسي كثيراً ما تتردّد مصطلحات مثل "الصدمة" و"المفاجأة الانتخابية"، لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن هذه المفاجآت غالبا ما تكون انعكاسا لقراءات سريعة، أو اعتمادا مفرطا على أرقام آنية تم جمعها في خضم أحداث استثنائية. 

فهي أشبه ما تكون بـ"الوقوع بموجة ساخنة"، وهو تعبير مجازي يُستخدم للإشارة إلى احتمال تضليل نتائج الاستطلاعات عند إجرائها وسط أجواء مشحونة.

فعندما تُجرى استطلاعات الرأي في لحظات متوترة، سواء بعد فضيحة مدوية أو تصريح مثير أو حملة إعلامية مشحونة، فإن ما تعكسه في الغالب هو ردّ فعل لحظي، وليس توجها راسخا. 

وفي مثل هذه الأوقات يتمّ تضليل المحلل والمواطن على حد سواء. ولذلك فإن القراءة الدقيقة لمشهد الرأي العام تتطلب تتبعا منهجيا مستمرا، وليس مجرد التقاط لحظة عابرة. 

وأشار الكاتب التركي إلى أهمية الاستماع إلى شركات الاستطلاع التي أثبتت دقتها عبر عدة دورات انتخابية، وتجنب الاعتماد على الشركات التي تظهر فجأة في مشهد الأحداث، خاصة تلك التي تضخم التوقعات دون أساس علمي.

ولعل خير مثال على خطورة التسرع في قراءة نتائج الاستطلاعات، هو ما حدث مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. 

إذ إن عددا من شركات الاستطلاع التي لم تكن معروفة بثبات أدائها بالغت في تقدير نسبة التصويت لصالح كمال كليتشدار أوغلو، حتى زعم بعضها فوزه من الجولة الأولى بنسبة 55 بالمئة، بل وصلت ببعضهم الحماسة إلى الحديث عن 65 بالمئة، وكأننا كنا نقف أمام مزاد سياسي، لا تحليلا موضوعيا. 

حسنا، ماذا كانت النتيجة؟ خيبة أمل وسخط شعبي وأزمة ثقة في أدوات التحليل.

سباق بين الشعب الجمهوري والعدالة والتنمية

في ضوء التطورات السياسية الأخيرة، لا سيما بعد عملية الفساد التي استهدفت رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في 19 مارس، لوحظ تفاعل جماهيري من قبل المعارضة أدى إلى ارتفاع طفيف في نسبة تأييد حزب الشعب الجمهوري.

ونشرت ثلاث شركات استطلاع كبرى "بيتمار" و"غينار" و"أريدا سورفي" نتائج استطلاعاتها لشهر نيسان، وقدمت مؤشرات متباينة لكن متقاربة حول المشهد السياسي الراهن:

شركة بيتمار أظهرت تقدم حزب الشعب الجمهوري بنسبة 32.5 بالمئة مقابل 30.6 بالمئة لحزب العدالة والتنمية. 

أما حزب الحركة القومية فجاء بنسبة 10.1 بالمئة، وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب بـ9.4 بالمئة، يليه حزب النصر بـ4.3 بالمئة، ثمّ حزب الجيد بـ3.6 بالمئة، والرفاه من جديد بـ2.9 بالمئة.

فأما شركة "غينار" فعرضت صورة شبه متعادلة بين الحزبين الكبيرين؛ حيث حصل العدالة والتنمية على 35.8 بالمئة مقابل 35.6 بالمئة للشعب الجمهوري. 

وجاءت بقية النتائج على النحو التالي: حزب مساواة وديمقراطية الشعوب 9 بالمئة، حزب الحركة القومية 8.8 بالمئة، النصر 2.5 بالمئة، الرفاه من جديد 2.4 بالمئة، وحزب الجيد 2.3 بالمئة.

بينما منحت شركة "أريدا سورفي" الشعب الجمهوري تفوقا نسبيا بنسبة 34.9 بالمئة مقابل 32.6 بالمئة للعدالة والتنمية. 

أما حزب الحركة القومية فجاء بـ8.1 بالمئة، وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب بـ8.5 بالمئة، و الجيد بـ4.5 بالمئة، و الرفاه من جديد بـ2.6 بالمئة، والنصر بـ3.4 بالمئة.

ثلاث ملاحظات

أولاً، تشير نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حزب الشعب الجمهوري تمكن من التقاط موجة دعم جديدة بفضل إمام أوغلو، إلا أن هذه الموجة لا تبدو كافية حتى الآن لتحقيق فوز انتخابي حاسم.

ثانيا، يبدو أن حالة الاستقطاب السياسي بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية أدت إلى تراجع الأحزاب الصغيرة، مع انتقال قسم من الناخبين إلى الأحزاب الكبرى في مشهد يعكس استقطاب متزايدا.

ثالثاً، حزب الشعب الجمهوري، الذي خرج من الانتخابات المحلية كأول حزب، تمكن من الحفاظ على تفوقه حتى أغسطس من العام الماضي. 

لكنّ التساؤل الذي يطرح نفسه اليوم: إلى أي مدىً سيستمر هذا الزخم؟ فبحسب بعض المراقبين فإن الحزب يعاني من انشغالات داخلية تجعله يغفل عن المشاكل اليومية للمواطن، وعلى رأسها غلاء المعيشة. 

وهو ما يفسر لماذا كان صعوده في استطلاعات الرأي مؤقتا في عدة مناسبات سابقة.

وأحدثت قضية الفساد التي نالت إمام أوغلو صدى واسعاً في الشارع التركي، وخلقت انقساما واضحا في الرأي العام. 

فأظهر استطلاع “غينار” أن 36.7 بالمئة من المواطنين لا يصدقون أن إمام أوغلو ارتكب فسادا، بينما يرى 28.5 بالمئة أنه مذنب، ويؤيد 25.6 بالمئة انتظار قرار المحكمة. 

أما استطلاع "بيتمار" فقد رأى 55.8 بالمئة أن القضية ذات خلفية سياسية، في حين رأى 33.6 بالمئة أنها إجراء قضائي سليم. 

بينما في استطلاع "أريدا سورفي"، قال 48.1 بالمئة: إنّ إمام أوغلو تعرض لظلم، مقابل 48.2 بالمئة يعتقدون بوجود فساد فعلي. 

وهذه الأرقام تكشف انقساما شبه متساوٍ في الشارع التركي، لكنها أيضاً توضح أن هناك نسبة لا يُستهان بها ترى في القضية بعدا سياسيا أكثر منه قانونيا.

وذكر الكاتب أن المثير للجدل في هذه القضية ليس فقط مضمونها، بل أيضا توقيت الأحداث وتسلسلها. 

فقد تم إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية مساء 18 مارس، لتبدأ في صباح اليوم التالي مباشرة حملة التحقيقات ضده. 

وهذا التتابع الزمني السريع، الذي لم يتجاوز 12.5 ساعة، أثار الشكوك لدى شريحة من الرأي العام، التي رأت في الأمر استهدافا سياسيا وليس مجرد قضية فساد.

ويرى مراقبون أن السلطات فشلت في إدارة هذه العملية إعلاميا، إذ لم تتمكن من إقناع المواطنين بأن ما جرى هو تحقيق حقيقي في قضايا رِشا واستغلال نفوذ. 

على العكس، بدا الأمر للبعض وكأنه محاولة لإسكات خصم سياسي قوي.

 مستفيد أم متورط؟

لقد بدا رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، للوهلة الأولى من أبرز المستفيدين من هذه الأزمة، بحسب الكاتب التركي. 

لكنّ تصريحاته وخطواته أثارت جدلا كبيرا. فبينما حاول كسب دعم دولي من خلال انتقاد الوضع في تركيا أمام قادة أجانب، تعرض لانتقادات واسعة بسبب مناشدته لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قائلاً: "نشعر بأننا متروكون وحدنا".

وبحسب استطلاع "غينار" فقد تبيّن أن 49.2 بالمئة يرون مناشدته للأجانب تصرفا خاطئا، مقابل 29.3 بالمئة فقط كداعمين له. 

وفي "بيتمار" بلغت نسبة المعارضين 47 بالمئة، بينما دعمه 37.9 بالمئة. أما في "أريدا سورفي"، فقد رفض 48.1 بالمئة هذا التصرف، وأيده 40.8 بالمئة.

وأضاف الكاتب أن واحدة من أبرز خطوات أوزغور أوزيل المثيرة للجدل كانت دعوته إلى مقاطعة اقتصادية. 

غير أن هذه الخطوة قوبلت برفض شعبي واسع. ففي "بيتمار" رفض 52.1 بالمئة المقاطعة، وأيدها 41.2 بالمئة. وفي "أريدا سورفي" كانت نسبة الرافضين أعلى، إذ وصلت إلى 58.5 بالمئة، مقابل 41.1 بالمئة فقط مؤيّدين للفكرة.

وختم الكاتب مقاله قائلاً: إن الزخم الذي كسبه حزب الشعب الجمهوري في الآونة الأخيرة، وإن كان حقيقيا، يبقى هشا وغير مضمون الاستمرارية.