الفترات الانتقالية.. لماذا تكتب نهاية طموحات الشعوب العربية؟

شدوى الصلاح | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

المراحل الانتقالية حياة أو موت لأي ثورة، فهي حاسمة في تحديد مستقبل هذه الثورات بين النجاح أو الفشل. أغلب هذه الثورات خاصة في عالمنا العربي لا يواكبها وعي ورعاية وإصرار ثوري ما يتيح للدولة العميقة والنظام المخلوع التقاط أنفاسه وإعادة تقديم نفسه بأوجه مختلفة.

الفترات الانتقالية التي تعقب الثورات غالبا ما تسود خلالها الفوضى والاختراقات والتوافقات والانتهاكات الحقوقية والقانونية والدستورية بالإضافة إلى تآمر قوى الثورات المضادة في الداخل والخارج.

الأنظمة التي يتم خلعها خلال الثورات عادة ما يتصدر بعض رجالها (أغلبهم عسكر) المشهد الانتقالي بمدد أطول وصلاحيات أوسع ومزاعم بتقاسم السلطة مع حكومة تكنوقراط ورقابة من الشارع.

رجال المراحل الانتقالية دوما ما يلجأون إلى استخدام القوة والعنف لفض المظاهرات، بهدف كسر شوكة الثورة وتشتيت أهدافها، هذا ما حدث تقريبا في الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي في مصر واليمن وليبيا، وهو أيضا ما تشهده بلدان موجتها الثانية الآن في الجزائر والسودان.

سيناريو إفشال ثورتي الجزائر والسودان خلال مراحلها الانتقالية متوقع في ظل تحركات المجلس العسكري في البلدين، فالتحديات التي واجهها حراك الدولتين شكلت أجواء مناسبة لانخراط الجيش في السياسة وتدخله بذرائع الحفاظ على الدولة.

معوقات التوافق

المجلس العسكري الانتقالي في السودان صعد من لهجته تجاه الاحتجاجات، مهددا باللجوء إلى استخدام القوة تجاه المتظاهرين، تحت غطاء التصدي لما وصفه بحالات الانفلات الأمني، فيما حذر المعتصمون من محاولات فض اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.

وقال "تجمع المهنيين السودانيين" الذي يقود الحراك إن "لغة المجلس العسكري مستفزة ولا نقبل بطاغية آخر في السودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير"، وأكد أن "السلطة للشعب ولن نسمح للعسكريين بالانفراد بالسلطة السياسية".

وسبق لـ"تجمع المهنيين" قوله في سلسلة تغريدات على "تويتر" إن المجلسَ العسكري الانتقالي يحاول فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، ووصف المجلسَ بأنه النسخة الجديدة للنظام البائد.

وقال القيادي بـ"قوى الحرية والتغيير" خالد عمر يوسف إن المعتصمين غير راغبين في الصدام مع المجلس العسكري الانتقالي، مشدداً على ضرورة نقل السلطة إلى المدنيين.

3 قضايا رئيسة تعيق التوافق بشأن طبيعة المرحلة الانتقالية في السودان بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى "الحرية والتغيير"، تتعلق أولاها بمدة المرحلة الانتقالية، وتتعلق الثانية بتشكيل مؤسسات الحكم خلال هذه المرحلة، في حين تتعلق الثالثة بمستقبل المؤتمر الوطني وهو الحزب الذي حكم "البشير" من خلاله السودان لعقود.

وبافتراض إمكانية التوصل إلى توافق "مرن" بشأن القضايا الثلاث السابقة، وما يترتب على ذلك من البدء في إجراءات انتقالية متفق عليها، ستبدأ القوى السياسية السودانية في مواجهة عدد آخر من القضايا تتعلق بكيفية الانتقال من الوضع الانتقالي إلى وضع مستدام، وهي القضايا التي تتصل بالخلافات الجذرية والتناقضات العميقة بين مختلف اللاعبين السياسيين في السودان، بعيدًا عن الانقسام الظاهري القائم حاليًّا بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

بلا ملامح

وفي الجزائر، تبقى المرحلة المقبلة بلا ملامح واضحة ويتصدر المشهد خلاف سياسي بشأن كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، فالجيش والطبقة الحاكمة ظلوا متمسكين بـ"الحل الدستوري" بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة وشغور منصب الرئيس وتولي رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة لفترة انتقالية مدتها 3 أشهر، حيث يفترض وطبقا للدستور تنظيم انتخابات رئاسية خلال يوليو/تموز المقبل.

نسبة كبيرة من المتظاهرين والمعارضة، أصرت على رفضها "الباءات الثلاث"، وهم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ورئيس مجلس الوزراء نور الدين بدوي، مطالبين باستبعادهم تماما من المرحلة الانتقالية، واللجوء "إذا لزم الأمر" إلى حل خارج عن الدستور، وذلك بعد أن حققوا مطلبهم المتمثل برحيل بوتفليقة لكن حتى الآن لم يحدث ما طلبه الثوار.

صحيفة فايننشال تايمز قالت في تقرير نقلته الجزيرة 29 أبريل/نيسان الجاري، إن "عسكر الجزائر والسودان يبطئون الانتقال الديمقراطي"، مشيرة إلى أن المحتجين في كلا البلدين يخشون ألا يسلم قادة الجيش السلطة للمدنيين، ولا سيما في ظل مخاوفهم من التجربة المصرية.

وترى  الصحيفة أن ثمة اعتقاد واسع في الجزائر بأن قوات الجيش مدفوعة بالحفاظ على النظام أكثر من أي رغبة في تفكيك نظام سلطة قائم منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1962.

وحتى في السودان، حيث يجري العسكر مفاوضات مع المدنيين بشأن الترتيبات السياسية، يخشى العديد من تراجع الجنرالات عن تسليم السلطة إذا لم يتم انتقال ديمقراطي سريع.

دلائل كثيرة تؤكد تشبث المجلس العسكري بالسلطة، فرئيسه أعلن أنه سيرأس المجلس السيادي، ونائب المجلس العسكري قال إن هناك أسلحة مع محتجين يراهم العالم بالشارع منذ شهور بمنتهى السلمية والتحضر، وحسب مراقبين، فإن الإمارات والسعودية ومصر أو ما يطلق عليه البعض "محور الشر" يدفعون المجلس العسكري بالسودان لعدم تسليم السلطة وقمع الاحتجاجات.

وتبقى الضمانة الوحيدة لمنع عسكر السودان والجزائر من إجهاض الثورة هي بقاء المتظاهرين في الشوارع، وقطع الطريق على أي تخاذل إقليمي أو دولي.

مرحلة عبثية

أما المرحلة الانتقالية في ليبيا فمتعثرة منذ سقوط نظام القذافي قبل أكثر من 8 سنوات، في ظل حالة من الكراهية والانقسام والإقصاء المتصاعد، بين طرفي الأزمة الليبية، المتمثلين في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ويقودها فايز السراج، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر قائد الانقلاب العسكري في ليبيا.

وتحت عنوان "المراحل الانتقالية تعزز الانقسام وتؤجل بناء الدولة" قال مركز المزماة للدراسات والبحوث، في إحدى مقالاته في 28 مارس/آذار الماضي، إن ليبيا انتقلت إلى مرحلة عبثية أخرى، منذ انهيار نظام "اللانظام" الذي ترأسه القذافي، ارتكزت على الدوران في متاهة متوالية زمنية من المراحل الانتقالية التي تستنزف الوقت لا أكثر، تطيل أمد الانقسام وتؤجل بناء الدولة في ليبيا.

المركز أشار إلى أن بين كل مرحلة انتقالية وأخرى، يجري التعويل على اتفاقات تكون القوى السياسية قد أبرمتها، لكن قوى أخرى تبرز على الأرض وتصبح ذات فاعلية وتأثير عسكري وسياسي واجتماعي، مما يقود إلى البحث عن مرجعيات وتفاهمات أخرى.

مضيفا أن "الأزمة الليبية تمر الآن بحالة من انسداد أفق الحل السياسي، واستمرار العمليات العسكرية التي زادت حدتها منذ أبريل/نيسان الماضي، منذ أن أعلن حفتر عن عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس".

الدكتور نزار كريش مدير مركز البيان للدراسات السياسية، يرى أن المرحلة الانتقالية في ليبيا تشابهت مع مصر في تأجيل الدستور واختيار نظام انتخابي يكرس الاستقطاب السياسي وسيطرت بعض المبادئ حول النظم السياسية قبل إدراك آليات السلطة وطبيعة شبكات المصالح القائمة لذا صار المؤتمر الوطني والحكومات الإنتقالية فاقدة للقدرة على السيطرة وبقي سلوكها غريب عن سياق مجتمع عاش في نظام فوضى لمدة 4 عقود.

وأضاف في حديثه مع "الاستقلال" أن "المرحلة الانتقالية شهدت انتشار السلاح وغياب الحوار والفهم لطبيعة المرحلة وغياب نموذج توافقي يناسب السياق الليبي، فضلاً عن النصائح المدفوعة الأجر من بعض موظفي الأمم المتحدة".

وأكد "كريش" أن كل ذلك هيأ الظروف لانقسام سياسي حاد فتح المجال للاحتراب الداخلي والحرب بالوكالة، مشددا على أن ليبيا ضحية لغياب سلطة حقيقية قادرة على رسم ملامح المستقبل وفي إطار بيئة إقليمية مضطربة تسربت لليبيا سرديات من صنع مصر والإمارات ودخلت في جدال وصراع كرس لغة العنف والإرهاب.

تنحية مقابل الحصانة

في 27 فبراير/ شباط 2012 أعلن الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح تنحيه رسميا عن السلطة لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي بعد 33 عاما من الحكم وبعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية، ما اضطره لقبول خطة انتقالية تحت ضغط الدول الخليجية تنص على تنحية مقابل الحصانة له ولمقربين منه.

وبينما أتيح للرئيس الانتقالي هادي منصور وصولاً سهلاً للحكم عبر مصادقة شعبية رمزية أكثر من كونها منافسة ببرنامج انتخابي أكسبه الثقة الشعبية، فوجئ اليمنيون في 21 سبتمبر/أيلول 2012 بتمكن الحوثيين المدعومين من إيران من دخول صنعاء والسيطرة على مقر الحكومة بعد عدة أيام من المعارك الضارية.

في 14 أكتوبر/ تشرين الأول استولى الحوثيون على ميناء الحديدة غرب اليمن وبدأوا في التقدم وسط البلاد، وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2015 استولى الحوثيون على القصر الرئاسي في صنعاء، وفي 21 فبراير/ شباط 2015 لاذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالفرار من صنعاء باتجاه عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة.

وفي مارس/آذار  2015 تقدم الحوثيون باتجاه عدن وسيطروا على عدن ما اضطر السعودية ومعها 9 دول عربية وإسلامية من شن عاصفة الحزم وإعادة الأمل لوقف تقدم الحوثيين، حيث لجأ بعدها الرئيس هادي إلى العاصمة السعودية الرياض، ومازالت الحرب مستمرة حتى الآن.

وحسب مراقبين، فإن فشل "هادي" في إدارة المرحلة الانتقالية في اليمن يعود إلى الكثير من العوامل من ضمنها أنه كان مكبل اليدين في اتخاذ أي قرار لوجود حسابات ومصالح القوى التي مكنته من السلطة.

محمد الأحمدي الناشط الحقوقي والصحفي اليمني، قال إن "اليمنيين حددوا السقف الزمني للمرحلة الانتقالية بسنتين وكان يفترض للرئيس هادي استكمال خطوات المرحلة الانتقالية خلالها، والإشراف على استفتاء عام على الدستور ومن ثم انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكن بسبب تسامح الثوار مع أدوات الثورة المضادة وضعف الرئيس هادي وسوء إدارته من جهة، وسطوة الثورة المضادة من جهة أخرى، لم يتم إحراز كافة خطوات المرحلة الانتقالية.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن "قوى الثورة المضادة استغلت هشاشة الوضع خلال المرحلة الانتقالية وإخفاقات الرئيس هادي وبدعم من قوى إقليمية نفذت الانقلاب، لتقطع بذلك جهود استكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية".

عنق الزجاجة

النموذج المصري في المرحلة الانتقالية (استمرت عامين من 2011 ـ 2012) لم يكن ناجحا وهو ما جعل ثوار السودان والجزائر حريصون كل الحرص على تجنبه، فرغم أن نموذج الثورة المصرية بدا ناجحا ومبشرا في بداية المطاف إلا أن إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 كتب نهاية مؤلمة لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وفشلها في العبور من عنق الزجاجة، حيث عادت أوضاع البلاد إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، حسب مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

بدأت المرحلة الانتقالية في مصر منذ خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك وإعلانه التنحي على لسان نائبه اللواء عمر سليمان وتسليم سلطاته إلى المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري في ذلك الوقت.

وخلال فترة حكم المجلس العسكري "المرحلة الانتقالية"، وبعد الإطاحة بمبارك، في 11 فبراير/شباط 2011 وحتى 30 يونيو/حزيران 2012 زادت حدة الخلاف بين الثوار والمجلس العسكري وخرجت عدة مطالبات للمجلس بتسريع الفترة الانتقالية وتسليم السلطة لحكومة مدنية، ووقعت خلالها عدة مجازر.

الخلاف بين الثوار والمجلس العسكري لم يكن فقط الوحيد والأخطر على الثورة المصرية خلال الفترة الانتقالية، بل كان الخلاف بين ثوار يناير أنفسهم هو الأشد خطرا على الثورة خاصة خلال استفتاء تعديل الدستور 19 مارس/آذار 2011، حيث أيده الإسلاميون ورفضته الأحزاب الليبرالية.

سقط خلال المرحلة الانتقالية 438 قتيلا في كامل محافظات مصر حيث عاشت البلاد سلسلة من الأحداث كان أبرزها مجزرة ماسبيرو في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2011، قتلت خلالها الشرطة العسكرية أكثر من 30 شخصا معظمهم من الأقباط الذين ذهبوا للتظاهر أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري "ماسبيرو" احتجاجا على هجوم على كنيسة في صعيد مصر.

كما وقعت خلال الفترة الانتقالية مجزرة محمد محمود في الفترة من 19 -25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، التي تم فيها فض مظاهرات حاشدة ضد استمرار المجلس العسكري في الحكم ومطالبته بتسريع إجراءات تسليم السلطة لمدنيين، وراح ضحيتها أكثر من 60 شخصا برصاص الداخلية في أحداث وصفها مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب بأنها كانت حرب إبادة جماعية للمتظاهرين.

ومن أكثر المجازر سفكا للدماء في أيام حكم المجلس العسكري مجزرة ستاد بورسعيد 1 فبراير/شباط 2012 وراح ضحيتها حوالي 80 من المدنيين معظمهم من أنصار النادي الأهلي المصري.

الدولة العميقة

المحلل السياسي أحمد الهواس، قال إن "المجلس العسكري استطاع خداع الجماهير ليحافظ على دولة العسكر ولا يسمح بنقلها لدولة مدنية، مشيرا إلى أنه تنازل عن الرأس الضعيف ثم ادعى انحيازه للثورة، في حين كان هذا النظام يستعيد قوته بطريقة أكثر وحشية".

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن "النظام العسكري استعان بالأذرع الناعمة كالإعلام لصرف الجماهير عما يفعله، وشتت الرأي العام فتم حل البرلمان المنتخب، وتدخل في سير الانتخابات الرئاسية ولم يسلم السلطة كاملة للرئيس المنتخب بل وضع إعلانا دستوريا مكملا عرف بالإعلان الدستوري المكبل".

وجزم "الهواس" بأن "أخطر ما تمّر به الثورات هي المرحلة الانتقالية أو التي تسبق مرحلة ما بعد الثورة، لأنها قد تتحول من مرحلة انتقالية إلى مرحلة انتقامية لأنها في الغالب تكون تحت يد الدولة العميقة، وقد يكون المكافئ الموضوعي لها الجيش".

إحراجات عديدة

في 14 يناير/كانون الثاني 2011 أجبرت الانتفاضة الشعبية في تونس زين العابدين بن علي على الهروب قاصدا السعودية، وأعلن بعد ساعات شغور منصب رئاسة الجمهورية وتولى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع الحكم في حين أوكلت مهمة تشكيل الحكومة بوجوه معارضة لمحمد الغنوشي، إلا أن هذه الحكومة تمت الإطاحة بها لتحل محلها حكومة الباجي قايد السبسي في 7 آذار/ مارس 2011.

وتباينت تقييمات المرحلة الانتقالية التي مرت بها تونس، حيث مرت بمرحلتين انتقاليتين الأولى كانت مع حكومة محمد الغنوشي آخر وزير أول (رئيس وزراء) في حقبة بن علي وتشكلت في الفترة من من 17 يناير/كانون الثاني ـ 27 فبراير/شباط 2011، والثانية كانت مع الباجي قايد السبسي من 7 مارس/آذار ـ 22 ديسمبر/كانون الأول 2011.

وشهدت المرحلتان تردد وشك وخوف من تأمين المستقبل واحتمال عودة رموز النظام القديم إلى سدّة الحكم والردّة عن شعارات الثورة، ورغم الحديث عن أن الثورة التونسية هي الوحيدة التي تمكنت من تعزيز ديمقراطيتها والإفلات من فخ الثورات المضادة إلا أن الوضع في تونس لم يستقر بعد.

في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 جائت المحطة الانتخابية التي انبثق عنها "المجلس الوطني التأسيسي" أحد أهم مطالب الثورة، ثم اكتمل المشهد بانتخاب رئيس للبلاد من داخل المجلس التأسيسي، ثم تشكيل الحكومة وبالتالي اكتمل المشهد السياسي في إطار الشرعية الانتخابية.

هذا المشهد السياسي واجه عدة إحراجات طوال المرحلة الانتقالية وتعرض للعديد من الضغوط والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك الأمنية، مما تطلّب حزمة من المفاوضات والتوافقات وكذلك التنازلات سواء بين الحكام الجدد أنفسهم أو بينهم وبين بقايا النظام القديم.

لم يكن حجم التحديات سهلاً أمام الوافدين الجدد لقيادة المرحلة الانتقالية، والتجاذبات كانت حادة جدًا إلى درجة الانفلات وخروج المشهد عن السيطرة، تمثّل ذلك في أحداث جبل الشعانبي الإرهابية التي راح ضحيتها عدد من الجنود، بالإضافة إلى الاغتيالات السياسية التي أزّمت المشهد ورفعت درجة الاحتقان إلى المطالبة بحل المجلس التأسيسي وتعطيل الحياة السياسية بالكامل وذلك في صائفة 2013.

هذا التشويش والتناقض الحاد بين الفاعلين السياسيين أتاح الفرصة للقوى المضادة أن تجمع شتاتها وتوحد صفها وتستعيد دورها في إدارة الأمور، ولكن بأقدار محدودة خاصّة بعد النجاح النسبي الذي حققته الثورة في ترسيخ أقدامها على الصعيد السياسي وبناء المؤسسات الانتقالية التي فوّتت الفرصة على القوى المضادة من إمكانية استغلال الفراغ السياسي والدستوري الذي مرت به البلاد لمرحلة وجيزة.

وحرصت القوى المضادة طوال المرحلة الانتقالية على استعادة مواقعها والتشبّث بمصالحها في الوقت الذي انشغلت فيه قوى الثورة بمعارك جانبية ومناقشة تناقضاتها وعدم انسجامها في قيادة المرحلة، مما  أتاح الفرصة للقوى المضادة أن تجمع شتاتها وتوحد صفها وتستعيد دورها في إدارة الأمور.

وبحسب خبراء، فإن خليفة حفتر بليبيا، وحسين طنطاوي وعبد الفتاح السيسي (أصغر عضو بالمجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية) بمصر، وأحمد قايد صالح بالجزائر، وعبد الفتاح البرهان، بالسودان، كلهم عسكر يمثلون الثورة المضادة، وتم وضعهم على رأس السلطة بدعم من قوى إقليمية ودولية بهدف القضاء على الثورات العربية.

المؤكد من خلال تجارب الثورات في مصر واليمن وليبيا وقد تلحق بهم السودان والجزائر، أن النخب السياسية لم تتقن عملية التحول الديمقراطي واختارت طريقا طويلا قد ينحرف بهم في نهاية المطاف عن مراد الثورة وأهدافها النبيلة.