قطعت يد إسرائيل بغزة.. هكذا وجهت حماس ضربة مؤلمة لـ"عصابات المساعدات"
"آلية عمل وحدة سهم تتمثل في تحركها كقوة تدخل سريع لضبط الأمن على الطرق الرئيسة"
ضربة قوية وجهتها وزارة الداخلية في قطاع غزة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، للعصابات الإجرامية التي تنهب قوافل المساعدات بغطاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأعلنت “داخلية غزة”، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، قتل 20 من أفراد العصابات، في عملية أمنية نفذتها وحدات الشرطة بالتعاون مع لجان عشائرية.
وشددت على أن العملية الأمنية “لن تكون الأخيرة، وهي بداية عمل أمني موسع تم التخطيط له مطولا، وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات”.
مهاجمة القوافل
يذكر أنه قبل ساعات قليلة من نجاح “حماس” في توجيه ضربتها لتلك العصابات، أعلن مسؤولون في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أن قافلة مؤلفة من 109 شاحنات تعرضت لعملية نهب باستخدام العنف، بعد الدخول إلى غزة، مما أسفر عن فقدان 98 شاحنة.
وتعد تلك العملية بتفاصيلها في ظل العدوان المستمر على غزة منذ أكثر من عام، نجاحا مهما للأجهزة الأمنية التي تدير القطاع، رغم الضربات التي تعرضت لها.
وفتحت التساؤلات عن تلك العصابات وعلاقتها بإسرائيل، وعن قوة “سهم” التابعة للداخلية التي أسهمت في إسقاط تلك المجموعات المارقة والدور الأمني الذي مازالت تقوم به "حماس" وبقية الفصائل.
خاصة أنه منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، رسمت آلة الحرب الإسرائيلية هدفا رئيسا يتمثل في تفكيك منظومة “حماس” عسكريا وحكوميا، بهدف تعزيز حلم الاحتلال في “اليوم التالي من الحرب”، ومقصده أن الحركة لن تقوم لها قائمة، وسيؤول حكم القطاع المدمر تماما إلى سلطة جديدة، تحت أعينها.
من هؤلاء؟
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تفاصيل عن هذه العصابات التي تسرق المساعدات، ومدى علاقتهم بجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الصحيفة في 18 نوفمبر 2024، إن العصابات تنشط بشكل رئيس جنوبي غزة، حيث تدخل المساعدات من معبر كرم أبو سالم في رفح وحتى منطقة القرارة في خانيونس.
وتنقسم بحسب مصادر "واشنطن بوست" إلى العصابتين، الأولى عصابة الصوفي، من معبر كرم أبو سالم وحتى المستشفى الأوروبي.
والثانية الأكثر خطورة وعددا وعدة، عصابة ياسر أبو شباب، وتنتشر من المستشفى الأوروبي إلى القرارة شمالا.
وأكدت الصحيفة أن العصابات تعمل بطريقة منظمة، حيث تنسق فيما بينها لسرقة المساعدات، وتعمل بحرية في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي.
وأضافت نقلا عن عمال إغاثة وشركات النقل، أن العصابات “وصلت إلى أن قامت بقتل وخطف سائقي الشاحنات، بمحيط معبر كرم أبو سالم”.
وأكدت أنهم يعملون في غزة بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، وأن عمليات نهب جرت بالقرب منه ولم يتدخل.
ونقلت الصحيفة عن مذكرة داخلية للأمم المتحدة أن قائد العصابة "ياسر أبو شباب"، أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية بمنطقة سيطرة الجيش الإسرائيلي، وأنه هو الطرف الرئيس في النهب المنظم للمساعدات.
وفي 15 نوفمبر، نشرت 29 منظمة دولية، تقريرا يفيد بأن جيش الاحتلال يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في غزة، وذلك عن طريق مهاجمته قوات الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين الشاحنات.
وأورد تقرير المنظمات، من بينها "أطباء العالم" و"أوكسفام" والمجلس النرويجي للاجئين أن الجيش “لا يمنع نهب الشاحنات، ولا يمنع العصابات المسلحة من ابتزاز المال من المنظمات الإنسانية”.
وهو ما اعترف به إعلام عبري، فوفقا لتحقيق نشرته صحيفة “هآرتس” مطلع نوفمبر، قالت فيه نقلا عن مصادر في منظمات إغاثية دولية تعمل بغزة إن القوات الإسرائيلية "تسمح لفلسطينيين مسلحين بنهب قوافل الإغاثة وبتحصيل إتاوات منها بذريعة تأمينها".
وأضافت أن عمليات النهب التي تقوم بها العصابات "ممنهجة" و"مقصودة"، مشيرة إلى أن مسلحين ينتمون لعائلتين من منطقة رفح قد تسببوا في عدم دخول حصة كبيرة من شحنات الإغاثة إلى غزة.
وأكدت أن العصابات تعترض طريق الشاحنات المحملة بالمساعدات وتطالب سائقيها بنحو 15 ألف شيكل (4 آلاف دولار) إتاوة مرور.
وأتبعت أنه إذا ما رفض السائق الانصياع لمطالب أفراد العصابة فإنهم يخطفونه أو يسرقون ما تحمله الشاحنة، وفي حالات معينة تصل الأمور إلى درجة قتل السائق.
وحدة سهم
وكان السؤال الذي طرح نفسه كيف استطاعت وزارة الداخلية في غزة مواجهة تلك العصابات رغم العدوان والاستهداف الإسرائيلي لها.
وأجاب عن السؤال مصدر في وزارة الداخلية صرح لـ"قناة الأقصى" الفضائية، في 18 نوفمبر، بأن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لحماس رصدت خلال الأسابيع الأخيرة، اتصالات بين عصابات اللصوص وقوات الاحتلال.
وعلمت أن إسرائيل تقوم بالتغطية على أعمال العصابات، وتوجيه مهامها، وتوفر غطاء أمنيا لها من قبل ضباط الشاباك.
وأوضح المصدر أن حماس أعدت لتلك المسألة منذ فترة، عندما شكلت قوة شرطية خاصة، مهمتها ضبط الأمن في القطاع، ومراقبة مستوى الأسعار في الأسواق، في محاولة للتخفيف من حدة الفوضى التي أحدها الاحتلال منذ عدوانه.
وكانت هذه القوة الجديدة "وحدة سهم" وتتكون من عناصر شرطية وأمنية وبعض المتطوعين.
وتكمن مهمتها الأساسية في التعامل مع محاولات الاحتلال المستمرة لضرب الجبهة الداخلية، وزعزعة الأمن، وإطلاق اليد للعصابات واللصوص للعبث بأمن وقوت المواطنين.
أما آلية عملها تتمثل في التحرك كقوة تدخل سريع لضبط الأمن على الطرق الرئيسة، خصوصا تلك التي تعبر منها المساعدات التابعة للمنظمات الدولية، والشاحنات التجارية المحملة بالبضائع، وتؤمن وصولها إلى المخازن المخصصة تمهيدا لتوزيعها على مستحقيها.
كما تنشط القوة داخل الأسواق الشعبية، في محاولة لضبط حالة الارتفاع الكبيرة في الأسعار، والتي تسببت في حرمان الكثيرين من توفير غذائهم اليومي.
وعن شكل أفراد وعناصر هذه القوة الجديدة، فإنهم يتحركون بلباس مدني، في محاولة لتفادي استهدف قوات الاحتلال لهم، كما أنهم يمتلكون أسلحة متوسطة وخفيفة.
إرباك الحسابات
وعلق الناشط السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة، على "وحدة سهم" والعملية الأخيرة التي قامت بها حماس ضد العصابات.
وقال أبو شمالة عبر “إكس” في 18 نوفمبر إن "انقضاض الأجهزة الأمنية في غزة على العملاء قطاع الطرق، تركت العدو الإسرائيلي في حيرة سياسية، وأربكت حساباته حول مستقبل القطاع".
وأكد أن "الحكومة الإسرائيلية راهنت على هؤلاء العملاء في تشكيل قوة ميدانية تشبه قوة العميل أنطوان لحد في الجنوب اللبناني، لكن انكسر المخطط الصهيوني مبكرا بفعل سواعد أبطال الأجهزة الأمنية".
كذلك كتب الناشط الفلسطيني أحمد حجازي عبر "إكس" أيضا أن "وحدة سهم التابعة للحكومة الفلسطينية في غزة قامت بمهاجمة أوكار اللصوص والمتعاونين مع الاحتلال في عملية أمنية معقدة أدت إلى مقتل 20 من المتورطين".
وأكمل: "الاحتلال حاول العبث بغزة من خلال العشائر، لكن رفضت العشائر التعاون، فلجأ إلى قطاع الطرق وفشل".
يذكر أنه منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، عمدت إسرائيل إلى استهداف الشرطة المدنية، وقصدت قتل عناصرها وقادتها في عمليات نوعية محددة ومخطط لها.
ففي 29 مارس/ آذار 2024، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، استشهاد 17 فلسطينيا بينهم امرأة في غارتين إسرائيليتين استهدفتا ضابطا وقوة شرطية بهجومين منفصلين في حي الشجاعية شرق غزة.
وسبقت هذه الواقعة عملية تصفية اللواء فائق المبحوح فجر 18 مارس 2024، وهو المدير العام للعمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة.
ولم يقف استهداف شرطة غزة بعد اغتيال المبحوح، إذ كثف الاحتلال بعدها من عمليات اغتيال كبار قادة الشرطة، لتتوالى مسيرة الشهداء الأمنيين من حراس القوافل الغذائية والمسؤولين عن الحفاظ عليها، واحدا تلو الآخر.
فتم اغتيال مدير جهاز المباحث في شمال غزة، المقدم رائد البنا، رفقة زوجته وأبنائه، جراء قصف ليلي نفذه العدوان الإسرائيلي على منزلهم.
ثم جاءت عملية تصفية أخرى استهدفت المقدم محمود البيومي، وهو مدير مركز شرطة النصيرات.
وكان البيومي مسؤولا عن تأمين المساعدات، وقد استشهد جراء غارة إسرائيلية "متعمدة" استهدفت سيارته في مخيم النصيرات وسط القطاع.
ثم جاء الدور على مدير لجنة الطوارئ في غرب غزة أمجد هتهت، الذي رشقته قاذفات الموت الإسرائيلية عند دوار الكويت.
ويأتي استهداف الشرطة الفلسطينية في غزة وتصفيتها بشكل خاص، في إطار الخطة الإسرائيلية، التي كشفها وزير جيش الاحتلال (آنذاك) يوآف غالانت، وهي خاصة بمقترحات للحكم المستقبلي في المنطقة، والمعروفة إعلاميا بخطة "اليوم التالي".
وعلى رأس محاور تلك الخطة عدم عودة حماس إلى حكم غزة بينما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع.
المصادر
- Gangs looting Gaza aid operate in areas under Israeli control, aid groups say
- عصابات التجويع.. خريطة انتشار لصوص المساعدات في غزة وتفاصيل الدعم الخفي لهم من الاحتلال
- 20 قتيلا من لصوص المساعدات في عملية أمنية بغزة
- Gaza police battle gang members accused of stealing humanitarian aid
- نفَّذتْ حملةً أمنيّةً ضدّ عصابات سرقة المُساعدات في غزّة.. تفاصيل جديدة عن وحدة "سهم"
- تحت عين جيش الاحتلال.. عصابات ترد على "داخلية غزة" بقطع الطريق