“ورقة للمكاسب”.. كيف تخطط الصين وروسيا للاستفادة من عداء ترامب لإيران؟

يوسف العلي | in 2 minutes

12

طباعة

مشاركة

رغم العلاقة الوثيقة التي تربط إيران مع روسيا والصين، لكن مراقبين إيرانيين أعربوا عن تخوفهم من استخدامهما طهران كورقة للحصول على مكاسب من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي سبق أن انسحب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.

وفرض ترامب في ولايته الرئاسية الأولى (2017 إلى 2021) عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، والتي طالما تفاخر بها خلال حملته الانتخابية الرئاسية في 2024، إضافة إلى إصداره أمرا باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مطلع 2020.

"ورقة للمكاسب"

وفي ظل التكهنات الكثيرة بشأن كيفية تعامل ترامب مع إيران خلال ولايته الثانية (2025 إلى 2029)، رأى الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، مهدي ذاكريان، أن الصين وروسيا بدأتا باستخدام "ورقة إيران" لتحقيق مكاسب من إدارة ترامب القادمة.

وأكد ذاكريان خلال مقابلة مع صحيفة "آرمان إمروز" الإصلاحية الإيرانية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن "هاتين الدولتين (الصين، روسيا) تستغلان ظروف إيران الداخلية والإقليمية والدولية لتحقيق مكاسب لهما في علاقاتهما مع الغرب وأميركا".

وأضاف الكاتب أن طهران اليوم تعيش "عزلة دولية" وليس خلافا مع الغرب أو الولايات المتحدة فحسب كما يروج الأصوليون والمتشددون، في إشارة إلى تيار المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي.

وأوضح ذاكريان أن "قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس حقوق الإنسان والبيانات المشتركة التي تطلقها كل من روسيا والصين مع الدول العربية عن بعض الملفات الخلافية مع إيران هي أمثلة ومؤشرات على هذه العزلة الدولية التي تواجهها طهران اليوم".

وعلق على الحديث عن مفاوضات سرية تجري بين إيران وأميركا، بالقول: "إذا كانت هذه تسير بنفس الاتجاه والشكل الذي سارت عليه المفاوضات مع روسيا والصين فالأفضل ألا تحدث، لأنها لن تحقق مصلحة الشعب الإيراني، وإنما ستنحصر فائدتها للحكام الإيرانيين فقط".

وتابع: "التفاوض والعلاقة الطيبة يمكن أن تكون فيها مصلحة الشعب. لا ينبغي للمفاوضات أن تقوم على الخوف من حدوث أزمة سياسية في البلاد، بل ينبغي أن تهدف إلى تأمين مصالح الشعب. فالتفاوض السري والإجراء السابق ليس له إلا ضرر على الناس".

وأوضح ذاكريان أن "الدول الاستبدادية مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية لديها تراجع تكتيكي أمام ترامب من أجل الحصول على فوائد. وفي هذا الاتجاه هناك احتمال كبير أن تلعب الصين وروسيا بورقة إيران للحصول على نقاط من ترامب، وعلينا الحذر من هذا الموضوع وعدم تفويت الفرصة".

ورجح الكاتب أن "تقع إيران ضحية مرة أخرى. إذا لم نتفاوض مع الولايات المتحدة في الوقت المناسب وأسرع من الصين وروسيا لتحقيق المصالح الوطنية، فسنصبح لعبة في يد (فلاديمير) بوتين (الرئيس الروسي) والحكومة الصينية، وقد يكون ذلك مكلفا للشعب الإيراني".

وفي 25 ديسمبر/ كانون الأول 2021، قال المحلل والدبلوماسي الإيراني السابق حسين علي زاده خلال مقابلة مع قناة "إيران إنترناشيونال"، المعارضة، إن الصين وروسيا يعدان إيران ورقة يتفاوضان بها في قضايا خلافية مع الولايات المتحدة. 

وتابع: "الصين وروسيا لم يعلنا أبدا يوما ما أن إيران حليف إستراتيجي خلافا لما تقوله طهران أحيانا من أن بكين وموسكو حليفتان إستراتيجيتان لها. وهناك قضايا أهم لروسيا والصين تجاه الغرب".

وأشار إلى أن "الملف الأوكراني لروسيا والوجود العسكري الأميركي في بحر الصين أهم لهذين البلدين من الملف الإيراني تجاه الغرب. فلو تراجعت الولايات المتحدة تجاه هاتين القضيتين فليس عجيبا أن تتخلى الصين وروسيا عن إيران". وخلص الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أن "روسيا والصين يعدان إيران ورقة في القضايا الدولية، إذ لم يكونا أبدا حليفين إستراتيجيين لها".

اتفاقيات إستراتيجية

يأتي حديث الكاتب ذاكريان، في ظل استعداد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إجراء زيارة إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لإبرام اتفاقية تعاون إستراتيجي شامل بين البلدين، على غرار ما حصل بين طهران وبكين عام 2023.

وأعلن السفير الإيراني لدى موسكو، كاظم جلالي، أنه لا توجد مشكلة في إبرام اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشامل بين إيران وروسيا، حيث انتهينا من صياغتها، حسبما نقلت وكالة "مهر" الإيرانية في 19 نوفمبر 2024.

وأوضح جلالي أنه "لا توجد مشكلة في إبرام اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشامل بين إيران وروسيا، وأن طهران وموسكو تعملان على تحديد موعد مناسب لزيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو بهدف توقيع الاتفاقية".

وأشار السفير إلى أن موعد زيارة الرئيس الإيراني لم يتم تحديده بعد، موضحا أن التنسيق جارٍ بين الجانبين من أجل تحديد الوقت المناسب لهذه الزيارة المهمة. 

وأردف: إحياء الاتفاق النووي لن يُحدث أي تغيير في العلاقات بين إيران وروسيا؛ فالعلاقات بين البلدين غير متأثرة بأي عوامل خارجية، وستستمر في النمو والتوسع بغض النظر عن التطورات الخارجية.

وفي 18 نوفمبر، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اقتراح قدمته وزارة الخارجية الروسية بشأن توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة مع جمهورية إيران.

وبحسب قناة "روسيا اليوم" فإن بوتين وقع على "قبول اقتراح وزارة الخارجية الروسية، المتفق عليه مع الهيئات والمنظمات الحكومية الفيدرالية المهتمة، بشأن توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة بين روسيا الاتحادية وجمهورية إيران الإسلامية".

وسبق أن أشار القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، في يوليو 2024، إلى أن روسيا تلعب دورا في تحويل إيران إلى مركز إقليمي للطاقة، إذ جرى شحن الغاز الروسي عبر إيران إلى أجزاء أخرى من العالم.

وشدد المسؤول الإيراني على أن موسكو وطهران تربطهما علاقات إستراتيجية، إذ يعمل البلدان على تعزيز الروابط التجارية.

وفي يونيو 2024، وقعت شركة "غازبروم" الروسية مذكرة تفاهم إستراتيجية مع شركة الغاز الوطنية الإيرانية (NIGC) حول تنظيم الإمدادات بخطوط الغاز الروسي.

وقبل ذلك، أكد ضمير كابولوف مدير الإدارة الآسيوية الثانية في الخارجية الروسية في يونيو 2024، أن "قرار إبرام اتفاق تعاون شامل مع طهران إستراتيجي ولم يفقد زخمه، ولكنه توقف حاليا بسبب مشاكل عند الجانب الإيراني".

وظهر العمل على اتفاق إستراتيجي جديد بين روسيا وإيران في سبتمبر/ أيلول 2022 عندما ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي هذه القضية على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" في سمرقند.

وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وقع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي الراحل ونظيره الصيني، شي جين بينغ، على 20 وثيقة بشأن التعاون بين الدولتين في مختلف المجالات تستمر لمدة 25 عاما، وذلك حسبما أفادت وكالة "تسنيم" للأنباء.

وتشمل اتفاقيات التعاون الإيراني الصيني، وفقا للوكالة: التجارة الدولية وتكنولوجيا المعلومات وحماية الملكية الفكرية والإعلام والزراعة والسياحة، وكذلك الرعاية الصحية والرياضة والثقافة.

"محور الوهم"

لكن التقارب بين إيران والصين وروسيا، عده موقع "المونيتور" الأميركي خلال تقرير له في 24 سبتمبر 2024، أنه "مجرد وهم"، مع ظهور خلافات بين الدول الثلاث في منطقة الشرق الأوسط.

وأوضح التقرير أنه "رغم سراب الجبهة الموحدة بين الدول الثلاث، بيد أن التعاون المتنامي لا يُمثل سوى حبر على ورق ضمن رابطة يُميزها تعقيد وجدلية علاقاتها وتضارب المصالح فيما بينها".

وأضاف: "لقد توحدت هذه الدول حول خصم مشترك وهو الولايات المتحدة، ويدفعها الاستياء المشترك تجاه النظام العالمي المتمركز حول الغرب، معًا للتحرر من الاحتواء الأميركي وإنشاء مناطق نفوذ تتحدى الهيمنة الأميركية وتستبدل النظام الحالي بنظام عالمي متعدد الأقطاب". 

وأشار التقرير إلى أنه "من المؤكد أن المخاوف المحيطة بالتعاون المتنامي بين هذه البلدان وقدرتها على قلب الوضع الراهن ليست بلا أساس، إذ لا يزال شبح المحور الصيني الروسي الإيراني يطارد النقاد وصناع القرار السياسي من واشنطن إلى تل أبيب وحتى طوكيو".

وتحدث التقرير عن أن الصين وقّعت اتفاقية شراكة إستراتيجية مدتها 25 عاما مع إيران، ويعتقد المحللون أن القوات الروسية نشرت ما يصل إلى 3700 طائرة دون طيار مصممة إيرانيًا ضد أوكرانيا، ابتداء من أبريل 2024. 

وفي سبتمبر 2024، اتهمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، إيران رسميًا بتزويد روسيا بصواريخ باليستية قصيرة المدى.

وفي الوقت نفسه، وفي تحدٍ للعقوبات الغربية الخانقة، ساعدت بكين كلاً من طهران وموسكو في تطوير نظام نفطي وتجاري يتحايل على المؤسسات المالية والشبكات اللوجستية الغربية، وفق ما جاء في التقرير.

كما انتهزت الشركات الصينية الفرصة لزيادة صادراتها من السلع الاستهلاكية اليومية إلى روسيا إلى جانب السيارات والآلات والمنتجات الزراعية والتكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج بما في ذلك الرقائق الدقيقة، ما يساعد المجمع الصناعي الدفاعي الروسي على تسريع جهود التجديد والتحديث.

لكن وفي المقابل، أحجمت الصين عن تزويد روسيا بالمساعدات العسكرية الفتاكة، على الأقل ليس علناً، على الرغم من المناشدات المتكررة من موسكو منذ العام 2022، كدليل على أن التعاون الصيني الروسي له حدود.

وتابع التقرير أنه "على الرغم من أن الصين امتنعت من إدانة الهجوم الروسي ضد جارتها، ظلت في الوقت نفسه حريصة على عدم إصدار أي تأييد صريح لحرب موسكو، علاوة على رفض بكين الاعتراف رسميًا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014".

ولفت إلى أن "إيران وروسيا لا ترغبان في التحول إلى دول تابعة للصين، وقد أعربت أصوات داخل الدولتين عن عدم رضاها عن تدفق السلع الصينية الرخيصة وتأثيرها السلبي على التصنيع المحلي".

وتوصل التقرير إلى أن العقوبات والعزلة جعلتا فكرة أن هذه البلدان أقرب إلى بعضها بعضا ليست صحيحة بشكل كامل. 

ورغم أن التحديات التي تفرضها روسيا والصين وإيران تتطلب استجابة سياسية مدروسة، فإن التعامل معها بصفتها "محورا موحدا مناهضا للغرب" يتحدى الحقائق على الأرض، على الأقل في الوقت الحالي، وفقا للتقرير.