الحشد العسكري الأميركي في جنوب قبرص.. تداعياته على تركيا وخيارات الرد
تمديد رفع حظر الأسلحة عن جنوب قبرص يعد تطورا مقلقا
يثير الحشد العسكري الأميركي في قبرص اليونانية حساسية كبيرة لدى تركيا تنذر بتداعيات سلبية على المنطقة، في ظل خلافات قديمة بين أنقرة وأثينا.
وترى صحيفة "إندبندنت" البريطانية بنسختها التركية أن نشر السفن والطائرات الأميركية في مطارات وموانئ المنطقة، أضحى يشكل تطورا إستراتيجيا حساسا ذا تداعيات سياسية وعسكرية على المنطقة.
بداية مقلقة
وقال الكاتب حسن أونال: منذ عام 1974 فرضت الولايات المتحدة حظرا على تصدير الأسلحة إلى جنوب قبرص اليونانية.
ولكن جرى تمديد رفع هذا الحظر أخيرا، مما مثّل تحولا مهما ومقلقا في الوقت ذاته.
بالإضافة إلى أن تمديد رفع الحظر قد أثار تساؤلات وقلقا بشأن تداعيات هذا القرار على التوازن العسكري في المنطقة.
وأعلنت الولايات المتحدة تمديد قرار اتخذته في سبتمبر/أيلول 2020، بشأن رفع حظر الأسلحة عن إدارة قبرص اليونانية.
ووسعت واشنطن نطاق القرار في عام 2022 ومددته مرة جديدة في 2023 لمدة عام بدءا من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وأشار الكاتب التركي إلى أنه رغم القلق الذي أثاره رفع الحظر الأميركي عن تسليح جنوب قبرص الرومية، فإن هذه الخطوة قد تحمل في طياتها فرصا لتركيا لتعزيز موقعها الإقليمي والدولي.
فعلى سبيل المثال، أعلنت الولايات المتحدة عند رفعها الحظر أنها ستقتصر على تزويد جنوب قبرص الرومية بأسلحة غير قاتلة.
في المقابل اشترطت واشنطن إنهاء اتفاقيات التعاون العسكري بين جنوب قبرص وروسيا.
هذا الشرط كان بمثابة خطوة إيجابية تصب في صالح تركيا، إذ أدى إلى توتر في العلاقات بين روسيا من جهة واليونان وجنوب قبرص من جهة أخرى.
وهذا التوتر يفتح المجال لتعزيز التقارب بين أنقرة وموسكو، مما سيحقق هدفا إستراتيجيا لتركيا على المدى القصير والمتوسط، وفق تقدير الكاتب.
فمع تحسن العلاقات التركية-الروسية، قد تتطور الأمور نحو اعتراف روسي بجمهورية شمال قبرص التركية.
وبين الكاتب أن هذا الاعتراف، إن تحقق، فسيمثل إنجازا إستراتيجيا كبيرا لأنقرة، ويعيد رسم التوازنات السياسية والعسكرية في شرق البحر المتوسط.
لكن على الرغم ممّا سبق، هناك تطورات مزعجة تُثير قلق أنقرة. يشمل ذلك توقيع اتفاقيات عسكرية جديدة بين الولايات المتحدة وجنوب قبرص اليونانية، تتضمن تدريب القوات المسلحة هناك.
كما ظهرت صور تُوثق هبوط طائرات عسكرية أميركية بمطارات جنوب قبرص، مما يعزز المخاوف التركية بشأن وجود عسكري أميركي دائم في الجزيرة.
وهذا الوجود العسكري يُنظر إليه من قبل تركيا على أنه انتهاك لاتفاقيات الشراكة لعام 1960 التي أنشأت جمهورية قبرص.
فقد حددت تلك الاتفاقيات طبيعة التوازن العسكري والدولي في الجزيرة، في وقت يعد أي تغيير في هذا الإطار، خروجا عن النصوص القانونية التي أسست الوضع الحالي.
منظور مختلف
واستدرك الكاتب التركي: هنالك سؤال مهم علينا طرحه حول التحركات العسكرية الأميركية في جنوب قبرص اليونانية وهو لماذا تتبنى الولايات المتحدة مثل هذه السياسات؟
وكشف مسؤولون أميركية، لشبكة سي إن إن في 25 سبتمبر/أيلول 2024 أن عشرات الجنود الأميركيين تم نشرهم في قبرص وسط تصاعد حاد في التوترات بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني.
وبينت أنهم يستعدون لحالات الطوارئ بما في ذلك عملية إجلاء محتملة من لبنان للمواطنين الأميركيين في حال اندلاع حرب شاملة.
وقبلها بأيام، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بات رايدر، إن الجيش الأميركي سينشر "عددا صغيرا من العسكريين الأميركيين في المنطقة من باب الحيطة والحذر"، لكنه رفض الإفصاح عن عدد القوات وأين تم إرسالها، وما هو السلاح الذي ينتمون إليه.
ويعلق الكاتب: إذا سألنا الجانب الأميركي عن سبب هذا الوجود العسكري، فمن المحتمل أن يكون ردهم مشابها لتبريرهم مسألة الحشد العسكري في اليونان، خاصة في جزيرة كريت وألكساندروبولي حيث برروا ذلك بالحرب الأوكرانية، وفق الكاتب.
وافترض أنهم سيبررون الأمر بالقول إنه "بسبب اتفاقية مونترو لا يمكننا استخدام البحر الأسود والمضائق، ولذلك ننفذ هذه التحركات العسكرية، ونستخدم أراضي اليونان لتوسيع الانتشار العسكري وصولا إلى بلغاريا ورومانيا (كدولة على خط المواجهة) وبولندا. وإن هذا لا يشكل تهديدا لكم".
ورغم إمكانية تقبل هذا التبرير ظاهريا، فإن التطورات تحمل عناصر مزعجة ومثيرة للقلق.
وأضاف الكاتب التركي: وإذا طرحنا نفس السؤال على الجانب اليوناني، فسيبررون الحشد العسكري بحالة التوتر المستمرة بين إسرائيل وإيران.
فقد يقولون إنه "بسبب الصراعات العسكرية بين إسرائيل وإيران، أصبحت موانئ ومطارات جنوب قبرص اليونانية ملاذا آمنا".
ويواصل افتراضه للتبرير المحتمل: "إسرائيل لم تعد آمنة، حيث تضربها صواريخ حزب الله وصواريخ إيرانية تفوق سرعتها سرعة الصوت، وحتى الصواريخ القادمة من الحوثيين في اليمن. لذلك تم اختيار هذه المنطقة كبديل آمن".
لكن مثل هذه المبررات ليست مقنعة تماما، ولا يمكن تركها دون رد، يقول الكاتب.
الرد التركي المتوقع
وأردف الكاتب: إن أول خطوة يجب اتخاذها هي توجيه تحذيرات متكررة للولايات المتحدة بأن هذه التحركات تنتهك اتفاقيات عام 1960.
وبين أن على تركيا أن تعلن بوضوح أنها ستتخذ تدابير مضادة، تشمل إنشاء قواعد بحرية وجوية في جمهورية شمال قبرص التركية لضمان التوازن العسكري.
كما يمكن تصعيد القضية عبر تقديمها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" أو مجلس الأمن الدولي.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن لتركيا أن تحول هذه التحركات إلى مكاسب دبلوماسية.
فعلى سبيل المثال عندما حاول الجانب الرومي في عام 1997 الحصول على صواريخ إس 300 من روسيا، تبنت تركيا موقفا حازما وأعلنت أنها ستتخذ جميع الإجراءات حتى العسكرية منها في حال تمّ نشر تلك الصواريخ في الجزيرة. وأدى هذا الموقف إلى نقل الصواريخ إلى جزيرة كريت بدلا من قبرص.
وتابع الكاتب: يمكن لتركيا أن تعتمد سياسة مماثلة الآن، خاصة أن أي تصعيد عسكري سيصب في صالح أنقرة نظرا لأن الولايات المتحدة لن تخوض مواجهة عسكرية لصالح الجانب اليوناني.
وبين أن إبقاء العلاقات مع الولايات المتحدة متوازنة أمر بالغ الأهمية. كما أن إثبات خطأ السياسات اليونانية بشكل مستمر يمكن أن يعزز موقف تركيا، وهذا يتطلب خطابا حازما دون الوصول إلى حافة الحرب.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إذا ركزت الولايات المتحدة على منطقة معينة في ظل هذا العالم متعدد الأقطاب فإن القوى الأخرى ستسعى للتوازن.
وهذا قد يدفع خصوم واشنطن، مثل روسيا أو الصين، لتعزيز علاقاتهم مع جمهورية شمال قبرص التركية، وربما يصل الأمر إلى الاعتراف بها.
ولذلك مع إدارة جيدة للأزمة يمكن أن تستفيد تركيا من هذه التحركات لتحقيق مكاسب إستراتيجية ودبلوماسية.
فالخطاب التصعيدي أو غير المخطط لن يؤدي إلى نتائج إيجابية، ولكن النهج المتوازن والمبني على رؤية واضحة يمكن أن يرفع من مكانة تركيا في المنطقة، وفق تقدير الكاتب.