إنهاء التبعية.. لماذا يرفض الأبخازيون تمرير اتفاق اقتصادي مع روسيا؟

3 hours ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد جمهورية أبخازيا المطلة على البحر الأسود، والتي أعلنت انفصالها عن جورجيا عام 1992 محاولات جادة لإنهاء تبعيتها الطويلة لروسيا.

وفي أحدث صورة شعبية لرفض الهيمنة الروسية، اقتحام متظاهرون أبخازيون مقر برلمان أبخازيا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لمنع النظر في اتفاق اقتصادي بين موسكو وهذه المنطقة الانفصالية في جورجيا، وفق ما أفادت به وكالات أنباء روسية.

وقد أصيب خلال اقتحام البرلمان الأبخازي يوم العمل على تصديق الاتفاقية، 13 شخصا نقل اثنان منهم إلى المستشفى، حسبما نقلت صحيفة "ريا نوفوستي" عن الخدمات الصحية.

وأعرب "أصلان بجانيا" رئيس هذه المنطقة الانفصالية التي لم يعترف بها إلى الآن سوى موسكو، عن أسفه لأن التظاهرات "وضعت الجمهورية مجددا أمام مشكلات كبيرة".

"إنهاء التبعية"

وكانت أبخازيا الواقعة بين جبال القوقاز والمطلة على البحر الأسود أعلنت أحاديا استقلالها عام 1992.

وتعترف أغلب دول العالم بأبخازيا بصفتها منطقة تتبع جورجيا، لكنها فعليا تقع تحت السيطرة الروسية بحكم الأمر الواقع منذ حرب خاطفة عام 2008 بين موسكو وتبليسي.

وعقب الاحتجاجات الجديدة، قال زعيم الجمهورية الانفصالية "أصلان بجانيا" في 16 نوفمبر 2024 "أنا مستعد للدعوة إلى انتخابات والاستقالة... والترشح في الانتخابات. فلندع الشعب يقول من سيدعم".

وأوضح بجانيا أن شرطه هو أن يخلي المتظاهرون مبنى البرلمان ومبنى الإدارة الرئاسية المجاور له.

وإذا سقط بجانيا، فسيكون ثالث زعيم محلي يجرى الإطاحة به بطريقة مماثلة منذ عام 2008.

وشهدت هذه المنطقة الصغيرة، المعروفة بجمال طبيعتها، حالة من الاضطراب بسبب المخاوف من أن يؤدي اتفاق استثمار مقترح مع موسكو إلى السماح للشركات الروسية بالاستثمار في أبخازيا وبناء الكثير من المجمعات السكنية في الدولة الانفصالية.

وأغلق المتظاهرون طرقا في العاصمة سوخومي لأيام، في وقت أوصت روسيا مواطنيها بعدم السفر إلى أبخازيا، وهي وجهة سياحية تقليدية للروس.

إذ تخشى المعارضة أن يمهد الاتفاق المبرم في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024 لتملّك الروس عقارات سكنية في مدن ساحلية عدة من أبخازيا تطل على البحر الأسود.

وقال زعيم المعارضة الأبخازية تيمور جوليا لوكالة رويترز البريطانية إن مطلب المتظاهرين الأولي كان إلغاء اتفاقية الاستثمار مع روسيا.

ويخشى المنتقدون أن تمهد الاتفاقية الطريق أمام الأفراد والشركات الروسية الغنية لشراء العقارات في منطقة البحر الأسود الخصبة، وهو ما يزيد من أسعارها عن أسعار السكان المحليين.

بدأت أبخازيا مساعيها للاستقلال عن جورجيا مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، فاتخذ المجلس الأعلى الأبخازي قرار استعادة العمل بالدستور الوطني لعام 1925 واعتماد علم جديد للبلاد.

وهو ما دفع جورجيا إلى إعلان الحرب عام 1992، مخلفة آلاف القتلى والجرحى.

وعملة أبخازيا الرسمية هي الروبل الروسي، وعاصمتها سوخومي، ونظامها السياسي جمهوري.

ويدين غالبية السكان بالمسيحية، ويأتي المسلمون في الدرجة الثانية، يليهم الوثنيون وعدد قليل من اليهود وأتباع ديانات أخرى.

وفي عام 1995، حظرت أبخازيا التي تضم حوالي 240 ألف نسمة بيع العقارات السكنية للأجانب.

وشكلت الحرب القصيرة بين روسيا وجورجيا  في أغسطس/آب 2008 إثر خلافات حول منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، مرحلة مهمة من عودة تنامي النفوذ الروسي في الأخيرة.

وحينما أتمت القوات الروسية انسحابها من الأراضي الجورجية في 8 أكتوبر 2009، أبقت على وجودها العسكري في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وهو الأمر الذي أغضب البلد الأم جورجيا.

ومنذ ذلك الحين، تسعى روسيا لتعزيز نفوذها العسكري في أبخازيا مستفيدة من إطلال هذه المنطقة على البحر الأسود، الأمر الذي يجعل النفوذ الروسي هناك محط ضغط على جورجيا التي تريد الابتعاد والاقتراب نحو أوروبا.

فقد أعربت وزارة الخارجية الجورجية مرارا عن قلقها من محاولات روسيا إنشاء قاعدة عسكرية إضافية على الأراضي الجورجية المحتلة في منطقة سوخومي عاصمة أبخازيا الانفصالية، معتبرة أن "هذا النوع من الأعمال يشكّل انتهاكا صارخا لسيادة جورجيا وسلامة أراضيها".

وقد تصاعدت التوترات خلال الأسابيع الأخيرة، حيث طالب ناشطو المعارضة بإنهاء هيمنة روسيا على المنطقة واقتصادها.

ويأتي ذلك على الرغم من قول أحزاب المعارضة في 15 نوفمبر 2024 إن احتجاجها ليس ضد روسيا.

وتابعت الأحزاب في بيان مشترك: "إن تصرفات المحتجين ليست موجهة ضد العلاقات بين روسيا وأبخازيا. في الواقع، نحن، أكدنا دائما على أهمية العلاقات الأخوية والإستراتيجية بين بلدينا".

واتهمت وزارة الخارجية الروسية المعارضة الأبخازية بتجاوز الوسائل القانونية و"إثارة التصعيد". وقالت من خلال متحدثة باسمها إنها تتوقع أن "يتم حل الموقف مع روسيا بالوسائل السياسية السلمية فقط".

تغيرات في روسيا

ومنذ عام 2022 أدركت منطقة أبخازيا الانفصالية وحكومتها الفعلية أن الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري من جانب روسيا لم يكن أبدا غير مشروط.

إذ تعتمد حكومة الأمر الواقع بشكل كامل على دعم الاتحاد الروسي. وكدليل على دعمها، أصدرت روسيا منذ فترة طويلة جوازات السفر والجنسية الروسية للأبخازيين، وقدمت دعما اقتصاديا كبيرا.

كما حافظت موسكو على وجود عسكري دائم في المنطقة الانفصالية، حيث ما تزال هناك مساعٍ روسية لإنشاء قاعدة دائمة جديدة لبحريتها على ساحل البحر الأسود في مدينة أوشامشير بأبخازيا، فضلا عن نقل تشغيل مطار مدينة سوخومي الأبخازية إلى روسيا.

لكن القرار الذي اتخذته روسيا أخيرا بوقف تمويل الحكومة الأبخازية يمثل أحدث فصل في دعمها المتراجع بسرعة للمنطقة الانفصالية.

وإذا كانت الحكومة الأبخازية تمتعت في الماضي بمناورة سياسية، فمنذ بداية الحرب الروسية ضد جارتها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، طالبت روسيا بالولاء الثابت مقابل الدعم المستمر.

كما كانت هناك محاولات لتوسيع التعاون الأمني بين روسيا وأبخازيا ​​ليشمل الأمن الداخلي. ومع ذلك، فإن معارضة الأبخازيين حالت حتى الآن دون إنشاء قوات شرطة مشتركة.

وقد أثرت الحرب في أوكرانيا بشدة على ميزانية الدولة والاقتصاد الروسي، وتأثرت بذلك المناطق والحكومات التي كانت تستفيد ذات يوم من الكرم الروسي مثل أبخازيا مقابل الحفاظ على التبعية لها.

لكن ما اتضح لاحقا أن روسيا تريد توسيع نفوذها العسكري على حساب تلك الجمهوريات الجديدة الطامحة لشق طريقها في التنمية.

وذلك بعيدا عن معادلات الحروب والدخول في صراعات روسيا الجديدة على يد الرئيس فلاديمير بوتين وطموحاته التوسعية.

فعلى سبيل المثال تضغط روسيا على أبخازيا لتمرير مشاريعها فيها سواء الاقتصادية أو العسكرية، من بوابة المعضلة الكبيرة التي تواجه تلك الدولة.

إذ إن الأغلبية العظمى من الدول لا تعترف بها ككيان مستقل، وجميع العلاقات بالمنطقة تمر عبر جورجيا التي تصنف عدوة لروسيا وتطمح بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ولجأت حكومة الأمر الواقع في أبخازيا إلى الدعم المالي والطاقة الروسية لتلبية احتياجاتها، وقد صاحب هذا الاعتماد فشل متكرر في نظام الكهرباء بالمنطقة.

وجاء ذلك مدفوعا بارتفاع تكلفة الكهرباء الروسية المستوردة وتزايد ديون أبخازيا لموسكو. 

وقد تسبب انقطاع التيار الكهربائي اليومي وتراكم القروض في حدوث اضطرابات بين السكان. 

وفي الوقت نفسه، أدت التبعية الاقتصادية المتزايدة لأبخازيا لروسيا إلى زيادة جرأة المطالب الروسية التي ركزت بشكل متزايد على مسألة الأراضي الأبخازية.

فمنذ عام 2022 أجرّت حكومة الأمر الواقع في سوخومي الأراضي لروسيا بسعر رمزي قدره روبل واحد سنويا (0,01 دولار)، وفتحت سواحلها أمام قاعدة بحرية روسية، وواجهت ضغوطا شديدة للسماح لموسكو بشراء العقارات.

"إبرام الصفقات"

لكن أبخازيا أدركت أن الفشل في التوافق مع المطالب الإقليمية الروسية يمكن أن يكون له تداعيات اقتصادية وسياسية فورية عليها.

على سبيل المثال، هددت روسيا بإلغاء جوازات السفر التي أصدرتها في السابق للسياسيين الأبخاز، بعد فشلهم في تمرير قانون لا يحظى بشعبية يسمح للروس بالحصول على شقق في المنطقة.

ويعد قرار قطع التمويل عن ميزانية الدولة الأبخازية بدءا من مطلع سبتمبر/أيلول 2024 تتويجا لعملية تدريجية، تحولت فيها الطاقة الروسية من جزرة، لمساعدة القادة الموالين، إلى عصا.

وهو ما أجبر سوخومي على تقديم تنازلات إقليمية أكبر تمثلت إحدى أشكالها في محاولة البرلمان الأبخازي تمرير اتفاقية اقتصادية مع روسيا الأمر الذي أشعل احتجاجات شعبية ودفع السلطات إلى إلغائها.

وضمن هذا السياق، قالت الخبيرة الإقليمية المستقلة أوليسيا فارتانيان، خلال تصريحات صحفية في 17 نوفمبر 2024، إن "الأزمة كانت تتويجا للضغوط الروسية المتزايدة للحصول على المزيد من أبخازيا مقابل دعمها المالي".

وتابعت: “الروس يدفعون للأبخازيين والآن يريدون شيئا في المقابل، ويطرحون سؤالا مفاده: لم ندعمكم ولا تسمحون حتى لمواطنينا بشراء العقارات؟”

وأشارت فارتانيان إلى "أن النهج المعتاد لموسكو هو السماح للأزمات الدورية بالاستمرار، ثم إبرام الصفقات مع أي زعيم يأتي بعد ذلك".

واستدركت بالقول: "بعد أن اعترفت موسكو بكل زعيم أبخازي، أصبح كل واحد منهم رهينة لها. فعندما تصل إلى السلطة، يتعين عليك أن تكون مخلصا لروسيا، ثم يجب عليك أن تجد طريقة للتعاون".

والآن يرى بعض المراقبين أنه على ضوء التطورات الجديدة فإن الوجود العسكري الروسي في أبخازيا الذي اعتمد على اتفاقيات أمنية ثنائية منذ حرب عام 2008 بات مهددا خاصة بشأن القوات الروسية على الحدود والتي كانت بين 5000 إلى 10000 جندي سحب معظمهم عقب حرب أوكرانيا.

وغيرت الحرب في أوكرانيا سياسة روسيا تجاه جيرانها القريبين من الخارج. وبشأن أبخازيا، قررت موسكو إيقاف التمويل للقطاعات الرئيسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والأمن، للمجتمع الأبخازي في بداية سبتمبر 2024 في مثال على إعادة التقييم السياسي.

في المقابل، أعرب الزعماء الأبخازيون عن مخاوفهم من أن روسيا التي تخوض حربا مع أوكرانيا لن تكون قادرة على ضمان الأمن لهم، خاصة أن روسيا سحبت ألفي جندي من أبخازيا وتسخينفالي (عاصمة جمهورية جنوب أوسيتيا) لتغطية خسائرها في أوكرانيا. 

ودعت روسيا جورجيا للتوقيع على اتفاق ملزم بشأن عدم استخدام القوة، ولم يفعل هذا إلا القليل لمعالجة المخاوف الأمنية الأبخازية.

إذ راجعت روسيا رسميا التزاماتها الأمنية السابقة، كما أن الاقتصاد الهش في أبخازيا يجعل من المستحيل الحفاظ على الأجهزة الأمنية في ظل قلة الدعم الروسي الذي تريد موسكو راهنا قبض ثمنه مقابل اتفاقيات عسكرية واقتصادية جديدة وهو أمر يواجه برفض شعبي.