أغرق سوريا بالديون.. ما مصير اتفاقيات الأسد مع إيران وروسيا؟

مصعب المجبل | منذ ٤١ دقيقة

12

طباعة

مشاركة

تحت جنح الظلام، فر رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد من البلاد تاركا خلفه “اتفاقيات إذعان” مع إيران وروسيا لقاء تثبيت حكمه عقب ثورة شعبية استمرت أكثر من  13 عاما حتى انتصرت.

فمع حضور إيران ومستشاريها ومليشياتها منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 لدعم الأسد، كانت طهران ترسم توازيا مع ذلك طريقا لتثبيت أقدامها في هذا البلد عبر اتفاقيات تكاد تشمل جميع قطاعات الدولة.

أما روسيا فقد فتح حضورها العسكري في سوريا عام 2015 لإنقاذ النظام من السقوط، الباب واسعا لتوقيع اتفاقيات وعقود استثمار في كثير من القطاعات السورية.

وقد كان الهدف الأساسي لموسكو من تدخلها هو نجاحها في توقيع عقد استئجار طويل الأجل عام 2017 لقاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية السورية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى.

وذلك إلى جانب القاعدة البحرية الروسية على ساحل طرطوس التي جرى استئجارها أيضا لـ 49 عاما.

واليوم بعد انهيار حكم نظام بشار الأسد الذي دام في سوريا 24 عاما، بدأ الحديث عن مصير الاتفاقيات الموقعة مع طهران وموسكو.

وفر الأسد فجر 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 إلى روسيا بترتيب من الأخيرة، ليعلن السوريون انتصار الثورة، ونهاية حقبة الاستبداد التي انطلقت منذ تولي أبيه حافظ السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري أذاقوا فيها الشعب القتل والتشريد والدمار.

واجتهدت كل من إيران وروسيا قبل سقوط الأسد لتقاسم المشاريع الاقتصادية وحتى السيادية في سوريا، بما يضمن مصالح كل منها وهدفها الإستراتيجي من البقاء طويل الأمد في هذا البلد.

وقد كان لافتا أن بشار الأسد كان يُقدم تنازلات كبيرة من مقدرات البلاد طالما أنها تطيل مدة بقائه في كرسي الحكم، وذلك بحسب طبيعة الاتفاقيات الموقعة مع إيران وروسيا.

ومنذ وقت مبكر، كانت قوى الثورة السورية والخبراء الاقتصاديون يحذرون طهران وموسكو من أن هذه الاتفاقيات “باطلة وغير شرعية” ولا تحمل إلا "صفة الإذعان". 

ومع ذلك، مضت إيران وروسيا في توقيع العقود والاتفاقيات مع نظام الأسد قبيل سقوطه لإظهار الهيمنة الاقتصادية وحتى السياسية على سوريا.

عقود إيران

بالنسبة لإيران فقد تمكنت منذ عام 2012 من تفكيك اقتصاد الدولة السورية، وانتزاع حصص اقتصادية تعد من الثروات السيادية لسوريا، وكل ذلك لقاء دعمها المالي لمنع سقوط الأسد.

فقد منح الأسد المخلوع، طهران عقودا في آبار النفط وحقول الفوسفات، وفي الخدمات والبناء والمواصلات والزراعة والطرق والجسور، وكذلك في مشاريع البنى التحتية.

إذ وقعت إيران مع النظام السوري خلال عام 2019 نحو 35 اتفاقية، منها 23 فقط في يناير/كانون الثاني من العام المذكور دفعة واحدة، وسبق ذلك عشرات العقود والمذكرات والتفاهمات.

وزار رئيس إيران السابق إبراهيم رئيسي دمشق في 3 مايو/أيار 2023 على رأس وفد رفيع، في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس إيراني لهذا البلد منذ عام 2010. وحينها وقع مع الأسد ما لا يقل عن 15 وثيقة تشمل العديد من الاتفاقيات الاقتصادية "المربحة بين البلدين".

إلا أن وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، كشفت أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا، تعدها ديونا واجبة السداد وفق جدول زمني مدته 50 عاما.

ويضم المبلغ المذكور، 18 مليار دولار كان من المقرر أن يتم استردادها على شكل اتفاقيات واستثمارات اقتصادية بلا ضمانات للتنفيذ.

ونشرت الوثيقة الجديدة مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" الإيرانية المعارضة بعد اختراقها لموقع الرئاسة الإيراني، وتداولتها وسائل الإعلام في 10 أغسطس/آب 2023.

وتكشف الوثيقة عن مجموعة من المشاريع والاستثمارات الإيرانية، من بينها إنشاء وتشغيل محطة للهاتف المحمول في سوريا، من خلال إنفاق 222 مليون دولار خلال 3 سنوات، تحصل من خلالها على دخل متوقع يصل إلى 1.5 مليار دولار.

ومشروع آخر حمل عنوان "دفع جزء من دخل ميناء اللاذقية على مدى 5 سنوات"، وهو أمر جرى جزئيا.

إذ ذكرت الوثيقة أن إيران حصلت على جزء من حصتها بين عامي 2019 و2020، وأنه من المفترض أن تستمر عملية دفع هذه المستحقات لمدة 20 عاما.

وينص أحد العقود على استثمار 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، دون تحديد مكانها، يجري من خلالها تسديد 25 مليون دولار من الديون خلال 25 عاما.

اتفاقيات روسيا

أما روسيا فنجحت في توقيع ما يقارب 40 اتفاقا وصفقة تجارية مع النظام السوري خلال العقد الأخير، بينما تفوق العقود والمشاريع الإيرانية مثيلتها الروسية.

ويمكن القول، إن جل ما حصلت عليه روسيا اقتصاديا من سوريا، هي عقود طويلة الأجل في مجالي النفط والغاز.

كما عقدت شركات روسية عدة اتفاقيات مع النظام البائد للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الحقول التي كانت متبقية في يده.

كذلك وقعت اتفاقيات لترميم وتطوير المنشآت النفطية، إضافة إلى عقود لتنفيذ مشاريع لتوليد الطاقة واستخراج الثروات المعدنية.

وحينما وصل إلى روسيا في 14 مارس/آذار 2023، في زيارة رسمية هي الرابعة له إليها منذ عام 2011، تحدث الأسد حينها عن 40 مشروعا استثماريا وقع في سياق التعاون مع موسكو في مجالات الطاقة والكهرباء والنفط والنقل والإسكان، وفي المجالات الصناعية.

ومع ذلك، لم تستطع  روسيا جني فوائد اقتصادية تذكر، ولم تتمكن حتى الآن من تهيئة الأرضية في سوريا لتحقيق عوائد تغطي ما تكبدته من نفقات.

فبحسب عدد من الدراسات والتقارير، فإن معدل النفقات العسكرية الروسية في سوريا يبلغ بين 3 إلى 4 ملايين دولار يوميا.

وهذا يعني 5 إلى 7 مليارات دولار منذ تدخلها، وفق تقرير نشرته عام 2020 مؤسسة البحوث الدولية "اي اتش اس" (مقرها لندن).

"عقود إذعان"

ويؤكد خبراء اقتصاديون سوريون أن الحكومة الانتقالية الأولى بسوريا بعد سقوط الأسد لها الحق في أن تعيد النظر بكل العقود التي وقعها النظام منذ مارس 2011.

ويرون أنه إذا كان العقد جيدا ومفيدا وفيه مصلحة للشعب السوري تقره الحكومة، وإذا كان العقد فيه بعض الشروط المجحفة تزال في حينه ويبقى العقد.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي أن "الطريقة التي سقط فيها الأسد تعني أن السوريين لم يستلموا منه الحكومة، بمعنى أنه فر وحل الجيش وأصبح مخلوعا ما يعني أنه لا يوجد الآن امتداد لنظام سابق ولا لحكومة سابقة". 

وأضاف الخبير الاقتصادي، لـ "الاستقلال": "الآن السلطات في سوريا ليس لها علاقة بأي عقد وقعه نظام المخلوع بشار الأسد منذ  مارس 2011 ولا نعترف بأي دين وضعه على كاهل الشعب السوري".

وأردف :"ستكون هناك مطالبة لإيران بتعويضات في المستقبل ورد كل الأموال المنهوبة والمسروقة من سوريا".

وحول الانتعاش القادم، أشار القاضي إلى أنه "لم تكن هناك هوية اقتصادية في سوريا بل كان القطاع العام بائسا وخاسرا في أكثر من 60 صناعة دخل فيها".

وسوريا وفق القاضي “كانت مصنفة على مؤشر الدول الهشة”، لهذا فمنذ بدء "لحظة استقرار الأمن والأمان، نحتاج من 3 - 5 سنوات لوضع البلاد على سكة الاقتصاد الناهض وكذلك خمس سنوات أخرى كي نكون على موقع الإنتاج والصناعة والسياحة في الشرق الأوسط".

و"خاصة أن البلاد بحاجة لبنية تحتية شاملة وإلى ما يمكن تسميته مشروع مارشال سوريا كدفعة أولية لتحقيق أول قفزة في الاقتصاد السوري"، في إشارة إلى خطة إعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ولفت القاضي إلى أن “هناك حاجة ملحة لعدم تمديد قانون قيصر الأميركي للعقوبات من قبل واشنطن بعد سقوط الأسد”.

وأكد أنه “يجب إزالة البنك المركزي السوري من العقوبات كي يتمكن من طباعة العملة والانفتاح على العالم”.

وذلك لأن قيمة أي عملة هي بقيمة الخدمات والسلع التي تقدمها بدلا من التسعير في عملتين، السورية والدولار مثلا كما هو الحال في لبنان راهنا".

لهذا فإن “النمو الاقتصادي يبدأ بإنهاء كل الأعمال القتالية، والعمل على إحياء مؤتمر أصدقاء سوريا المعني بإعادة الإعمار والذي عقد أول مرة عام 2012 للاستثمار مجددا في البلاد بالمستقبل”، وفق القاضي.

ورأى أنه "على الحكومة السورية القادمة أن تبني شراكات مع كل دول العالم ويجب أن تكون إستراتيجية سوريا هي صفر مشاكل خلال الخمسين سنة القادمة؛ لأن البلد يحتاج الجميع كمستثمرين لخلق فرص عمل وتحسين الاقتصاد".