مخطط إسرائيلي كردي.. كيف أجهضت تركيا وثوار سوريا "ممر داود" في مهده؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

بينما كانت المعارضة السورية المسلحة تخوض معارك تحرير المدن السورية من نظام بشار الأسد، كان تنظيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المتحالف مع أميركا وإسرائيل، يُحكم قبضته كليا على محافظتي الرقة ودير الزور ومدينة منبج في محافظة حلب.

سيطرة عناصر “قسد” الانفصاليين على هذه المدن، يعني أنه لن يفصلهم سوى مئات الكيلومترات قبل الوصول لمعبر "التنف" الحدودي، عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق، ثم يكملون غربا باتجاه الجولان المحتل في جنوب سوريا.

وذلك لإكمال "مشروع ممر داود"، الذي تطمح إسرائيل أن يربطها بالعراق ويعيد حلم الأرض الموعودة.

و"الأرض الموعودة" هي هدف الصهيونية النهائي، وتشير إلى “الأرض التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل) وفقا للتوراة، ويقصدون بهذه الأرض تلك التي تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق”.

وتخطط الولايات المتحدة لإنشاء هذا الممر بين العراق وإسرائيل، من خلال الانفصاليين الأكراد في “قسد”.

ومن أهدافه التطبيع ومد الاحتلال بالسلع المختلفة برا، بعدما زادت الحاجة لهذا الممر بعد تضييق الحوثيين على التجارة البحرية لإسرائيل، وفشل مشاريع بحرية إسرائيلية أخرى عبر الإمارات.

لكن مقاتلي المعارضة تمكنوا، عبر دعم تركي، من تحرير مدينة "منبج" يوم 9 ديسمبر ثم "دير الزور" يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بشكل كامل من “قسد”.

وهو ما يعني أن المشروع الإسرائيلي في سوريا قد تلقى هزيمة ساحقة، وليبقى "ممر داود" مجرد حلم.

الممر وأهدافه

فور سقوط نظام الأسد، شرعت إسرائيل ومرتزقة  “قسد” في تنفيذ مشروع “ممر داود”، وهو خط بري يمتد من الجولان إلى شمال سوريا، استعدادا لإعادة تشكيل المنطقة، سياسيا وجغرافيا. 

وتقوم فكرة "ممر داوود" على وصل المناطق التي تحتلها تنظيمات كردية موالية لإسرائيل وأميركا في سوريا، بإسرائيل، عبر الجولان المحتل.

وقبل سقوط حكم الأسد، وقيام الاحتلال بالتحرك من الجولان المحتل، للسيطرة على عدة بلدات سورية جديدة، من ضمنها المنطقة العازلة وجبل الشيخ واقترابه لمسافة 25 كم من دمشق، كانت خطط إنشاء "ممر داود" مجرد حلم.

لكن، عقب انهيار النظام السوري، اندفع المرتزقة الأكراد الذين يعملون مع الجيش الأميركي في شرق وشمال سوريا، لاحتلال مدن انسحب منها الجيش السوري بعد تفككه، واندفعت إسرائيل لاحتلال مدن أخرى في جنوب سوريا.

سهّلت سيطرة الأكراد على مدن مثل دير الزور والرقة ومنبج، واحتلال إسرائيل مناطق أخرى حول الجولان المحتل، وقربت حلم هذا الممر.

لذا بدأت إسرائيل وأميركا التحرك لتنفيذ هذا الحلم، الذي اصطدم بمعارضة تركية.

ويبدأ ممر داود، الذي يجرى التخطيط له منذ سنوات، من إسرائيل، وتحديدا الجولان المحتل، ثم يمر بمدن شرق وشمال سوريا، ثم يتجه إلى العراق.

وهو عبارة عن خطة توسعية صهيونية قديمة، يجرى إحياؤها عن طريق الطبقة الحاكمة من تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل حاليا، مستغلة الحروب الحالية، وانهيار النظام السوري.

ولهذا الممر أربعة أهداف: أولها، وصل الكيان الصهيوني بسوريا ثم العراق برا، وثانيها تحقيق الحلم التوراتي المزعوم وخرافات ما تُسمى "الأرض الموعودة"، بالوصول إلى نهر الفرات.

وثالثها إقامة دولة كردية أو إقليم مستقل ذاتيا في سوريا، يلتحم مع كردستان العراق، ورابعها أن يصبح الممر وسيلة، تزود اسرائيل، من خلاله، التنظيمات الكردية بالسلاح، خاصة تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

وهناك هدف خامس لا يجرى الحديث عنه هو، تصدير البترول السوري عبر هذا الممر من موانئ الأراضي المحتلة، وفق تقديرات تركية.

وأدركت فصائل المعارضة السورية أهداف هذا المخطط وتحركت ضد  "قسد" وبدأت في طردهم من المدن التي احتلوها والمراد لها أن تدخل ضمن حلم هذا الممر.

تضارب رؤى

ويقول المحلل السياسي السوري "محمد هويدي" إن ممر "داود" هو مشروع تعمل عليه أميركا منذ عام، وكان يُطلق عليه "مشروع الإقليم السني".

ويمتد من شرق الفرات إلى غربه، مرورا بمنطقة 51 وبقاعدة التنف العسكرية الأميركية، وصولا إلى الجنوب السوري والتقاء بالجولان، ما يعني إغلاق معبر البوكمال وما يليه من تغييرات. 

لكن "هويدي" أكد أن هذا المشروع فشل لعدة عوامل، أهمها عدم تجانس المليشيات على الأرض، حيث يوجد تضارب في المشاريع والأيديولوجيات والرؤى، فضلا عن عملية "طوفان الأقصى" التي خلطت الأوراق ثم ثورة العشائر ضد مرتزقة "قسد" الكردية الموالية لأميركا.

ويوضح أن إسرائيل تسعى حاليا لإحياء نفس هذا المشروع مرة أخرى، رغم فشل أميركا في تحقيقه.

في تصريحات مبكرة متتالية، يومي 9 و14 أكتوبر/تشرين أول 2024، تنبأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بما فعلته إسرائيل من احتلال أراضٍ سورية، عقب سقوط الأسد، مستغلة حالة الفوضى.

حذر من سعي الاحتلال للسيطرة على العاصمة السورية، وهو ما تفعله إسرائيل حاليا، حيث باتت على بُعد 25 كم فقط من جنوب غربي دمشق بعد توغلها واحتلالها المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل.

حينئذ، حذر أردوغان من أن الأطماع الصهيونية لا تقتصر على سوريا، ولكنها "وضعت الأراضي التركية ضمن مخططاتها بعد فلسطين ولبنان"، وذلك ضمن مخطط و"وهم الأرض الموعودة"، داعيا لإجهاض هذه الخطط.

كما وصف، احتلال إسرائيل لدمشق بأنه "سيؤدي إلى تمزيق خريطة سوريا بالكامل ويشكل تهديدا إقليميا خطيرا"، وأكد "نمتلك إمكانيات قادرة على إفشال مؤامرات إسرائيل بشأن الأرض الموعودة".

وفي أول رد على التوغل الإسرائيلي في سوريا، قال أردوغان في 10 ديسمبر 2024 إن "أي اعتداء على سوريا الجديدة وسلامة أراضيها القديمة سيجدنا نحن والشعب السوري في وجهه".

أضاف: "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هؤلاء المتعصبين وأيديولوجياتهم المنحرفة وأحلامهم المريضة التي يحصلون عليها من القوى التي يعتمدون عليها"، في إشارة واضحة لدولة الاحتلال الإسرائيلية.

كما أدانت وزارة الخارجية التركية انتهاك إسرائيل اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 بالتوغل في الأراضي السورية.

وقالت الوزارة في بيان "إننا ندين بشدة انتهاك إسرائيل لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 بدخولها المنطقة الإسرائيلية السورية وتقدمها المستمر في الأراضي السورية".

لعبة خطيرة

ويقول الصحفي جمال سلطان إن لعبة خطيرة الآن تجرى في سوريا بين إسرائيل وأميركا من جانب وتركيا من جانب آخر؛ حيث هدف تل أبيب وواشنطن استغلال الوضع الجديد وانشغال الثوار بإعادة بناء الدولة وتطهيرها، لتحقيق مخطط تقسيم سوريا، وإقامة دولة كردية موالية لإسرائيل في الشمال والشرق.

لكن تركيا تعد ذلك خطا أحمر، ولوّحت بأنها مستعدة لدخول الحرب مباشرة إذا اقتضى الأمر.

وضمن خطة لضمان أمن إسرائيل، تسعى أميركا، مع إسرائيل، لتحجيم الدور التركي في سوريا، لذا شجّعت “قسد”، على احتلال مدن في شرق سورية عقب سقوط حكم الأسد، تخدم هذه الخطط الأميركية وممر داود.

وبسبب العلاقة بين إسرائيل و"قسد"، لم يكن مستغربا أن يدافع وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر عنهم، ويؤكد في مؤتمر صحفي على "ضرورة حماية قسد في سوريا، ووقف الهجوم عليها (من ثوار سوريا)"، فاضحا دور هذا التنظيم كحليف للكيان الإسرائيلي.

وأشارت لهذا صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية يوم 9 ديسمبر 2024 بتأكيد "أن ممثلي الأكراد في سوريا طلبوا الدعم والحماية من إسرائيل عقب سقوط النظام السوري".

ولم تذكر الصحيفة تفاصيل حول كيفية تقديم هذا الطلب أو رد إسرائيل، لكن جاء تصريح ساعر، عن استيائه جراء عملية الجيش الوطني السوري في منبج، مطالبا بوقفها ليشير لانخراط إسرائيل في دعم "قسد".

وفي مقال رأي في "جيروزاليم بوست" يوم 11 ديسمبر 2024، تساءلت المحللة الإسرائيلية في معهد ميسغاف للأمن القومي،"نوا لازيمي": “هل يستغل أردوغان انتصار ثوار سوريا لتهديد إسرائيل؟”

وأشارت إلى "تزايد نفوذ تركيا في سوريا بعد الأسد، ما يثير تساؤلات حول الخطوة التالية لأردوغان تجاه إسرائيل"، وفق قولها.

تركيا حاضرة

وعقب سيطرة "قسد" يومي 8 و9 على مدن سورية، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، نقلا عن اللواء نوعام تيبون، إن "إسرائيل مهتمة بإقامة دولة كردية في سوريا".

ويسيطر تنظيم "قسد"، مع الجيش الأميركي، على ثلث سوريا، و80 بالمئة من حقول النفط السورية والعديد من الموارد المائية السورية.

ويقول الصحفي التركي "محمد أردوغان" إن هدف إسرائيل من ممر داود هو إنشاء الأرض الموعودة لبني إسرائيل، ولتحقيق هذا الهدف، تستخدم دولة الاحتلال المنظمات المسلحة (مثل بي كاكا وقسد) لتقسيم سوريا وأيضا تركيا.

أكد أن تركيا قطعت ممر الشمال السوري الذي من خلاله كانت إسرائيل تصل لمنظمة "بي كاكا" المسلحة، المدعومة من تل أبيب، إلى منفذ البحر المتوسط.

فبدأ المحتل الاسرائيلي في تنفيذ "المخطط" الثاني وهو تفعيل "ممر داود" تحت دعم القوات الأميركية الموجودة في سوريا. 

لذا دعا الكاتب التركي إلى "تدمير ممر داود الذي يعد الخطة البديلة الثانية للمحتل الإسرائيلي" لأن هذا الممر هو الذي يمرر به المحتل الإسرائيلي السلاح لمنظمة بي كاكا في الشمال السوري، وفق الكاتب التركي.

وحين احتلت "قسد" دير الزور والبوكمال، نقلت قناة A haber التركية يوم 8 ديسمبر 2024 عن محللين عسكريين أتراك تأكيدهم أن السبيل الوحيد لإغلاق "ممر داوود" وإبقاء سوريا موحده بعد سقوط الأسد، هو تحرير دير الزور والبوكمال من تنظيم" بي كا كا" الكردي المعادي لتركيا. 

وقد نفذت الاستخبارات التركية عملية نوعية يوم 9 ديسمبر 2024، استهدفت "قسد" شمال شرقي سوريا، ودمرت خلالها 12 شاحنة محملة بالصواريخ والأسلحة الثقيلة، إلى جانب دبابتين ومستودعين للذخيرة في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة.

ونقلت وكالة "الأناضول"، عن مصادر أمنية أن الأسلحة التي دمرتها الاستخبارات التركية استولت عليها "قسد" من قوات النظام السوري السابق في المنطقة.

وكانت مراكز بحثية وصحف غربية وإسرائيلية ذكرت مبكرا وقبل سقوط الأسد، أن تركيا وأردوغان هم الرابحون في المركز الأول مما يجرى في سوريا، وأن انتصارات المعارضة سوف تغير خريطة المنطقة بصورة كبيرة.

وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 30 نوفمبر 2024 إلى أن أردوغان هو المستفيد من الشرق الأوسط الجديد الذي أقامه أو كان يحلم به نتنياهو.

نقلت عن "أصلي أيدينتاشباش"، المتخصصة في الشؤون التركية في مؤسسة بروكينجز قولها: "لقد ضعفت روسيا وإيران، وهُزم حزب الله، وكل هذا خلق فرصة هائلة لتركيا، التي سارعت إلى اغتنامها".

وأكدت أن سقوط المدن السورية في أيدي المعارضة، يعطي أنقرة أيضا دورا مهيمنا في مستقبل سوريا "وهو أمر لا ترحب به إسرائيل".

من جانبها، اعترفت مجلة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية في 8 ديسمبر 2024 بأن "الانهيار النهائي لنظام بشار الأسد في سوريا وضع اللمسات الأخيرة على تغيير كبير في ميزان النفوذ في الشرق الأوسط، ضعفت إيران بموجبه بشكل كبير، في حين حلت تركيا محلها".