جبران باسيل يفض التحالف مع حزب الله.. الدوافع والتداعيات في ظل الحرب

12

طباعة

مشاركة

في تطور قد يزيد من الضغوط على “حزب الله” في الداخل اللبناني، أعلن رئيس التيار الوطني الحر المسيحي الماروني جبران باسيل المتحالف مع الحزب منذ سنوات، فض تحالفه معه.

هذا التطور جاء عقب ضغوط سعودية عربية أميركية فرنسية على التيار في لبنان لفض تحالفه مع الحزب، ضمن ترتيبات أميركية جديدة للمنطقة لإعادة الردع إلى إسرائيل بعدما ألحقه بها طوفان الأقصى من خسائر إستراتيجية .

ويبدو حاليا أنه يجري تنفيذ خطط لإعادة تشكيل الوضع السياسي والأمني في لبنان ومن ثم تعيين رئيس جديد، الذي كان “حزب الله” يضع منذ 3 سنوات شروطا بشأن اختياره بالتحالف، أهمها أن يكون داعما للمقاومة.

وإلى جانب حركة أمل الشيعية، كان "حزب الله" على مدار السنوات الأخيرة متحالفا مع التيار الوطني الحر (مسيحي ماروني) إلى جانب تيار المردة (مسيحي ماروني).

فماذا يعني انقلاب تيار باسيل على الحزب؟ وهل يمثل ذلك جزءا من مرحلة "اليوم التالي" في لبنان، مثلما يجرى التخطيط لمثلها في غزة، بحيث يتم إبعاد حزب الله، مثل حماس، عن دائرة الحكم؟

ماذا حدث؟

كانت مفارقة غريبة أن ترسل قناتا "العربية" و"الحدث" السعوديتين، المذيعة رشا نبيل، المعروفة بعدائها للمقاومة، إلى لبنان رغم الحرب، لإجراء حوار مع رئيس "التيار الوطني الحر"، المتحالف مع حزب الله، ليعلن فض التحالف.

وأن يتزامن هذا مع مغازلة من جانب "باسيل" للنظام السعودي عبر منشور بمنصة إكس كتب فيه: “السعودية تقدم نموذجا وهكذا أرى لبنان والمشرق في هذا التناغم حيث يهتم كل أحد بشؤون بيته ويتفاعل مع محيطه إنسانيا واقتصاديا”.

كان السؤال الرئيس الذي وجهته القناة لجبران باسيل، يدور حول: هل مازلت متمسكا بوثيقة التفاهم والتحالف الموقعة عام 2006 مع حزب الله؟

ليرد "باسيل" بالقول إنه فض التحالف مع حزب الله، بدعوى أن "التحالف يحصل عندما نكون على موقف واحد من المواضيع"، ولكن مع دخول الحزب، الحرب ضد إسرائيل، يكون خالف التفاهم وتم فض التحالف".

قال: "اختلفنا بموضوع بناء الدولة وبالشراكة في الوطن بالرئاسة والحكومة، وبحرب إسناد غزة ودخول لبنان في حرب لا قضية ولا هدف لبنانيا لها، إنما اندرجت فقط تحت عنوان وحدة الساحات".

خلص إلى أنه "عندما اتبع حزب الله نهج وحدة الساحات، أصبح هناك مصلحة غير لبنانية بهذا الموضوع وأصبح هناك أجندات غير لبنانية، لذا كنا ضدها".

وجرى توقيع وثيقة "مار مخايل" بين حزب الله والتيار المسيحي الحر في 6 فبراير/شباط 2006 بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله (مات) ورئيس التيار الوطني الحر السابق العماد ميشال عون.

وكانت تهدف إلى التفاهم بين حزب الله والتيار المسيحي الوطني الحر، وتم توقيعها في كنيسة مار مخايل على تخوم الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، لذا سُميت بهذا الاسم.

ونتج عن هذا التحالف تصعيد عون رئيسا للبنان حتى عام 2022، وانتقدت أطياف لبنانية مختلفة، ما أسمته توفير "غطاء مسيحي" لسلاح الحزب. 

عدوا الدخول في حلف من هذا النوع هدفه "الذهاب إلى النهاية في لعبة الانتقام من الدروز والسنّة"، بحسب ما كتب "خير الله خير الله" في موقع "أساس ميديا" السعودي في 13 أغسطس/آب 2020.

ولم تكتف "العربية" السعودية، بتدشين فض التحالف المسيحي الماروني مع حزب الله، ولكنها سعت لشن حملة عليه، مستخدمه أبواقا لبنانية، تؤكد أن "حزب الله سقط مجتمعيا وسياسيا وليس عسكريا فقط"، وأنه لن يكون له دور في المرحلة المقبلة.

وردا على ذلك، اتهم سياسيون وكتاب لبنانيون، منهم الصحفي وجدي العريضي “تنصل” باسيل من الشراكة مع حزب الله في هذا التوقيت بأنه "انتهازية سياسية" و"انقلاب ومناورة سياسية.

وربط بعضهم فض التحالف بالعقوبات الأميركية أو الاستحقاق الرئاسي القادم في غياب نصر الله حليف عون وباسيل.

رفع الغطاء المسيحي 

يُعد إعلان جبران باسيل فك تحالف التيار الوطني الحر (فاز بـ18 نائبا في انتخابات 2022) مع حزب الله بمثابة تنصل تام من المسيحيين المارونيين في لبنان، من حزب الله، خاصة بعد اغتيال "نصر الله".

فحزب القوات اللبنانية الماروني الذي يملك 19 نائبا وحزب الكتائب اللبنانية الماروني الذي يملك 5 نواب، معروفان بمعاداة الحزب.

وهكذا لم يبق سوى تيار المردة المسيحي الماروني الذي يملك نائبين فقط على تحالفه مع حزب الله.

وتكمن أهمية الغطاء المسيحي بالنسبة للحزب، أنه أبعد الصبغة المذهبية عن وجوده المسلح، وأعطاه بُعدا وطنيا.

إلا أنه منذ عام 2019 بدأت أولى مظاهر انكشاف الغطاء المسيحي عن حزب الله بعد الانهيار المالي والانتفاضة الشعبية التي شهدها لبنان.

وبدأ المجتمع المسيحي يبدي نقمة عارمة إزاء صيغة الحكم القائمة التي تجعل لحزب الله هيمنة سياسية، وينتقد "الأثمان التي دفعها لبنان من علاقاته الدولية والعربية واقتصاده وأمنه نتيجة خيارات "حزب الله" لصالح إيران.

وتزايد الانفصال عقب الاشتباكات التي جرت بين جنود حزب الله ومليشيا مارونية في بلدة "الطيونة" المسيحية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، ثم بلدة "الكحالة" في أغسطس/ آب 2023.

وحاولت قوى لبنانية عقد جلسة للبرلمان اللبناني يوم 22 أكتوبر 2024 لاختبار قوة حزب الله السياسية في ظل الحرب، لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية وتمرير انتخابات الرئاسة لكن غاب الحزب وأنصاره.

وفسرت صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية في 24 أكتوبر 2024 ما جرى بأنه انتقام من فض باسيل التحالف معه، ورسالة من الحزب للأحزاب اللبنانية إن "المعارك السياسية في البرلمان مؤجلة إلى أجل غير مسمى".

قالت إن فشل الجلسة البرلمانية "يحمل رسالة واضحة من حزب الله، الذي غاب نوابه لأسباب أمنية: لن يتم انتخاب رئيس قبل نهاية الحرب".

حيث لم يكتمل النصاب القانوني، ولم يحضر سوى 49 نائبا من أصل 128 نائبا، وهو ما يقل كثيرا عن العدد المطلوب وهو 65 نائبا.

هل تعود الحرب الأهلية؟

كان مستغربا في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وبعد إعلان التيار الماروني فض تحالفه مع حزب الله، صدور تصريح خطير من وزير الدفاع الفرنسي بأن "لبنان على أبواب حرب أهلية".

"وزير الجيوش الفرنسي" سيباستيان لوكورنو قال لقناة "LCI" التلفزيونية في 22 أكتوبر إن المخاوف الفرنسية تتركز بشكل كبير حول تصاعد التوترات الطائفية في لبنان، موضحا أن "الوضع الحالي يعزز المخاوف من حدوث حرب أهلية قريبا".

الوزير الفرنسي أبدى رضاه وسعادته لقتل إسرائيل مقاتلي حزب الله، ورأى أن "إضعاف حزب الله يعد خبرا إيجابيا".

لكنه اعترف أن "الوضع في لبنان قد يتدهور أكثر؛ حيث يبدو الانهيار قريبا"، وحذر من انهيار وشيك في لبنان وخطر اندلاع حرب أهلية، مؤكدا ضرورة وقف إطلاق النار، وفق "وكالة الأنباء الفرنسية.

كان من الواضح أن سبب هذا التصريح هو قلق فرنسا على أقليتها المسيحية المارونية في لبنان الذين باتوا يشكلون 30 بالمئة فقط من السكان، بعدما كانوا 55 بالمئة عندما أعطت فرنسا لبنان استقلاله ووضعت له دستورا طائفيا.

وبموجب هذا الدستور أعطت المسيحيين قبل انسحابها من لبنان المواقع الرئيسة في البلد مثل رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وقيادة المخابرات ومواقع مفصلية ووزارات رئيسة في البلاد لا تزال بيدهم حتى اليوم.

ومع ذلك فإن تحذيرات الوزير الفرنسي تأتي بالتزامن مع فض تحالف التيار الماروني مع حزب الله، تتفق مع تقديرات في لبنان بتوترات طائفية قادمة بين المسلمين الشيعة خصوصا والمسيحيين المارونيين.

ويشير سياسيون إلى أن التئام "التيار الحر" مع غالبية التيارات المسيحية في الموقف ضد حزب الله يثير ذكريات تاريخية سلبية، تتعلق بالحرب الأهلية تارة وبتحالفهم مع إسرائيل تارة أخرى.

ففي عام 1982، عندما قام الجيش الإسرائيلي اجتياح لبنان وحصار بيروت، تعاونت معه معظم الأحزاب المسيحية، خاصة حزب الكتائب والقوات اللبنانية وحزب الأحرار وحراس الأرز.

بل ساندوا الجيش الإسرائيلي في ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا وبالتنسيق مع الاحتلال أجبروا من تبقى من النواب على انتخاب بشير الجميل قائد المليشيات المسيحية رئيسا للجمهورية وبعده أخوه أمين الجميل بعد مقتل بشير بتفجير مقره.

وشكل بعضهم "جيش لبنان الجنوبي" الذي أصبح حارسا لحدود إسرائيل قبل أن يهزم وينكفئ جنوده ويهربوا إلى إسرائيل حيث يعيشون هناك.

وقبل الهجوم الإسرائيلي على لبنان ومقتل نصر الله وقادة حزب الله، هاجم البطريرك الماروني بشارة الراعي، والذي يلعب الدور المركزي في مهاجمة حزب الله، "أولئك الذين يسعون إلى زعزعة استقرار البلاد من الداخل"، في إشارة لحزب الله.

ووصف لبنان في عظة في 23 سبتمبر/أيلول 2024 بأنه "أصبح قطعة أرض مقسمة بين غزاة ينهبون بلدا لا يملكونه"، وفق الوكالة الوطنية للإعلام.

وقبلها في عظته يوم 25 أغسطس/آب 2024 أبدى "الراعي" أسفه على تهميش الموارنة في الدولة اللبنانية، بحسب ما نقلت صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية.

قال "إن البلاد تعيش المرحلة الأخطر في تاريخها، وعلينا أن نتذكر العصر الذهبي للبنان، عندما كانت السلطة في أيدي الموارنة".

ترتيبات المستقبل

وكانت محافل لبنانية وقوى مسيحية معادية لحزب الله في لبنان قد بدأت تتحدث عن مرحلة ما بعد حزب الله وإضعاف القبضة السياسية للحزب على الحياة السياسية.

ومهدت لذلك أيضا تقارير غربية زعمت أن مستقبل لبنان سوف يختلف بعد إضعاف حزب الله وأذرع إيران في المنطقة.

وفي انتخابات عام 2022، فاز حزب الله بـ13 مقعدا، لكن الكتلة السياسية التي تدعمه حصلت على 62 مقعدا من أصل 128 مقعدا في البرلمان.

ودفع هذا رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي للدعوة لانتخاب رئيس لبناني وحكومة جديدة كان يعرقلها حزب الله، فور وقف إطلاق النار في لبنان بالتوافق مع الجميع.

ودخل لبنان، منذ 30 أكتوبر 2022 في مرحلة فراغ سياسي لعدم وجود مرشح رئاسي قادر على حصد الأكثرية المطلوبة.

وتخطط الولايات المتحدة مع السعودية لاستغلال العدوان الإسرائيلي الحالي على لبنان للإطاحة بحزب الله في الداخل اللبناني، وتقليص نفوذه على الحياة السياسية.

وقد ذكر ماثيو ميلر المتحدث باسم الخارجية الأميركية يوم 10 أكتوبر 2024 "إن ما نريد أن نراه هو أن يتمكن لبنان من كسر قبضة حزب الله وإزالة حق النقض الذي يتمتع به فيما يتصل باختيار رئيس للبلاد".

وأضاف "ميلر" أن الولايات المتحدة ترغب أيضا في "إزالة قدرة حزب الله على منع الدولة من أن تكون الكيان الوحيد القادر على ممارسة القوة في جنوب لبنان"، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".

وتعتقد واشنطن أن "الضغط العسكري قد يجبر حزب الله على إلقاء السلاح ويمهد الطريق لانتخاب حكومة جديدة في لبنان من شأنها الإطاحة بالحزب القوي، الذي كانت لاعبا مهما في لبنان لعقود من الزمن"، وفق وكالة "رويترز" 13 أكتوبر 2024.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في 9 أكتوبر 2024، تسعى إدارة جو بايدن إلى استغلال هجوم إسرائيل على حزب الله في لبنان لإنهاء هيمنة الجماعة وانتخاب رئيس لبناني جديد، بحسب مسؤولين أميركيين وعرب.

وقال مسؤولون سعوديون للصحيفة إن هذه المبادرة الأميركية تحظى بدعم السعودية، وتعتمد على الزعيمين اللبنانيين رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري لجمع الأطراف.

لكن مصر وقطر تعدان هذه الخطة غير واقعية وخطيرة، حسبما قال مسؤولون للولايات المتحدة، حيث جادلوا بأن إسرائيل لن تنجح في تدمير حزب الله، ويجب أن يكون جزءا من أي اتفاقات سياسية لإنهاء الصراع، وفق "وول ستريت".

ويشير تقرير الصحيفة الأميركية إلى أن وجهة نظر مصر تستند إلى "مخاوفها من أن التدخل الدولي في السياسة اللبنانية قد يشعل التوترات الداخلية التي خلفتها الحرب الأهلية في البلاد والتي انتهت عام 1990".

وقال محللون سياسيون ودبلوماسيون للصحيفة إن أي مجموعة يُنظر إليها على أنها تحاول الاستيلاء على السلطة في أعقاب الهجمات الإسرائيلية قد يرفضها الجمهور اللبناني.