يد أردوغان ممدودة.. هل تتجه تركيا نحو "مبادرة جديدة" لحل المشكلة الكردية؟
تأتي هذه التطورات في وقت تكثر فيه الأحاديث عن مساعي أميركا وإسرائيل لتشكيل شرق أوسط جديد
منذ أسابيع يكثر الحديث في تركيا عن مبادرة أو عملية جديدة لحل المشكلة الكردية المتواصلة في البلاد منذ عقود طويلة.
وألهبت هذه الأحاديث مصافحة رئيس حزب الحركة القومية (يمين) دولت بهتشلي شريك حزب العدالة والتنمية الحاكم في تحالف الجمهور، قيادات ونواب حزب اليسار الأخضر الكردي، في الجلسة الافتتاحية للعام التشريعي الجديد للبرلمان مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
مصافحة بتوجيه أردوغان
وفي تصريح في 5 أكتوبر لاحقا، قال بهتشلي المعروف بعدائه للأحزاب الكردية: "نحن ندخل حقبة جديدة. وبينما نسعى إلى السلام في العالم، علينا أن نحقق السلام في بلادنا".
وقد أثار هذا التصرف من بهتشلي تساؤلات في الأوساط التركية حول ما إذا كان ذلك يعني بدء "مبادرة جديدة"، لحل المشكلة الكردية.
ولاحقا، أعلن بهتشلي أن مصافحته لأعضاء حزب "اليسار الأخضر" جاءت استجابة لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأضاف: "مصافحتي لهم هي دليل على أنني قمت بما يجب فعله كحزب يمثل تركيا".
وبعد ذلك، طرح صحفيون السؤال نفسه على الرئيس أردوغان.
فأجاب قائلا: "هناك يد ممدودة بوضوح وثبات. أملنا هو أن يزداد عدد الذين يتخذون مثل هذه الخطوات في المستقبل. ومع زيادة عدد المبادرين، يمكننا توسيع قاعدة التوافق المجتمعي بشأن دستور جديد بإذن الله".
من جانبها، علقت الرئيسة المشاركة لحزب "اليسار الأخضر"، تولاي حاتم أوغلو، على تصريحات بهتشلي قائلة: "نحن حزب تركي بالفعل، ندافع عن الحرية والسلام والعدالة في تركيا، وعن حقوق الفقراء والعمال والنساء والمدافعين عن حقوق الإنسان والبيئة".
وأضافت: "إذا كانت هناك مرحلة جديدة ستُفتتح، فإنها مرتبطة بتنظيف الطريق الذي تحدثنا عنه سابقا. هناك مشكلة مزمنة في تركيا اليوم، والحل السلمي والديمقراطي للقضية الكردية سيكون خطوة مهمة على طريق ديمقراطية تركيا".
وسبق أن خاضت حكومة أردوغان مفاوضات غير مباشرة مع أوجلان وحزب "السلام والديمقراطية" الكردي في الفترة بين عامي 2011 و2013.
لكنها باءت بالفشل وأعلن أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء وقتها، أن “تركيا ليست بها مشكلة كردية”.
وتم حظر حزب "السلام والديمقراطية" الكردي لاحقا وحل محله حزب الشعوب الديمقراطية برئاسة صلاح الدين دميرطاش والذي يواجه أيضاً قضية حظر حاليا، ما أسهم في تأسيس حزب اليسار الأخضر.
جدل واسع
ويتابع الرأي العام التركي عن قرب هذه التطورات، ويناقش كثير من المقربين من الحكومة والمعارضة الموضوع في أغلب البرامج الحوارية.
وتفاعلا مع التطورات، اجتمع الرئيسان المشاركان لحزب “اليسار الأخضر”، تونجر باقرهان وتولاي حاتم أوغلو، مع الرئيسين الأخيرين لحزب "الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرتاش وفيجن يوكسيكداج، بالإضافة إلى الرئيس السابق لبلدية ديار بكر الكبرى، سلجوق مزراكلي.
وبعد الاجتماع، أصدر حزب "اليسار الأخضر" بيانا ورد فيه أن المجتمعين أكدوا أن "أهم وأول خطوة لبدء هذه العملية هي رفع العزلة عن إمرالي"، في إشارة إلى عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني “بي كي كي”.
وأضاف البيان: "أصدقاؤنا في السجن أشاروا إلى أنهم يدعمون السياسات التي يتبعها حزبنا ويعدونها إيجابية".
من جانبه، ادعى نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، أفكان آلا، أن "هذه العملية ليست على جدول أعمالهم".
وقال: "مبادرة الحل ليست مطروحة على طاولتنا، المشكلة مختلفة وكذلك الحلول. ما حدث في الماضي قد انتهى، لسنا مضطرين لتكرار الشيء نفسه في كل مرة".
وكان "أفكان آلا"، وزير الداخلية خلال فترة عملية الحل السابقة وأحد الأسماء التي أعلنت "اتفاق دولمة بهتشة" المكون من 10 نقاط، والذي كان خطوة مهمة نحو إضفاء الطابع الرسمي على العملية.
من جانبه، علق مستشار الرئيس التركي ونائب رئيس مجلس السياسات القانونية في الرئاسة، محمد أوجوم، على الجدل الدائر حول “المبادرة الجديدة”، بالقول: "لا تعيد الدولة تجربة الطرق والأساليب التي لم تحقق نتائج كاملة، بل تجد طرقا وأساليب أخرى أكثر فعالية".
وشدد على "أهمية تطوير لغة بناءة في السياسة، خاصة داخل البرلمان، وضرورة التواصل مع الجميع".
تفكيك "العمال الكردستاني"
وفي 15 أكتوبر 2024، دعا بهتشلي عبد الله أوجلان إلى "تفكيك حزب العمال الكردستاني وإعلان انتهاء الإرهاب".
وقال بهتشلي: "إن الشخص الذي قال عند اعتقاله إنه في خدمة الدولة، عليه أن يعلن الآن انتهاء الإرهاب واستسلام الحزب".
وتابع: "لكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع، تحت أي ظرف من الظروف، أن تجلس الدولة على طاولة الحوار مع الإرهاب، ولا حتى أن يفكر في ذلك".
من ناحية أخرى، قال النائب السابق في حزب العدالة والتنمية، محمد متينر، إنه "لا يرى أي مشكلة" في لقاء حكومة أردوغان مع أوجلان.
وأضاف: "يرى حزب العدالة والتنمية أن المكاسب التي حققها الأكراد في شمال العراق مكسب له، ويمكن أن يتبنى موقفا مشابها بشأن سوريا، ومن الممكن بلا شك إنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا شبيهة بما هو في العراق".
وتابع: "إذا قرر الشعب السوري ذلك، فإن أنقرة لن تعترض. تركيا ليست دولة للأتراك فقط، بل للأكراد أيضا. ونحن نسعد بمكاسب إخواننا الأكراد".
بدوره، قال الكاتب القريب من الحكومة عبد القادر سلفي: "لقد فُتحت صفحة جديدة"، مضيفا أنه قد يُسمح لابن شقيق عبد الله أوجلان، عمر أوجلان، بزيارته.
وفي عموده، كتب سلفي: "في الوقت نفسه، تصلنا معلومات تفيد بأن صلاح الدين دميرتاش يريد لعب دور في هذه المبادرة".
وبحسب سلفي، يقول دميرتاش: "بالمقارنة مع أوجلان، أنا أكثر تأثيرا بين الشباب. أوجلان يمكنه جعل حزب العمال الكردستاني يتخلى عن السلاح في تركيا، لكن يجب أن أُكلف أنا بالعلاقات في سوريا والعراق، لأنني أتحدث نفس لغتهم".
زيارة لافتة
وفي خضم هذه التطورات، زار رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، تركيا في منتصف أكتوبر 2024.
والتقى بارزاني بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، وكذلك الرئيس أردوغان.
وخلال زيارته الرسمية التي أتت في هذا التوقيت الحساس، نُوقشت العلاقات الثنائية بين أنقرة وأربيل، وكذلك قضايا الأمن والطاقة الإقليمية.
وكانت الزيارة لافتة، حيث تزامنت مع الإشارات المتعلقة بمبادرة الحل الكردية في تركيا، وقبل 4 أيام فقط من الانتخابات البرلمانية المؤجلة لمدة عامين في شمال العراق.
وبعد اجتماع أردوغان وبارزاني، صدر بيان عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية أوضح أن "الزعيمين ناقشا العلاقات بين تركيا والعراق والتعاون بين الطرفين، بالإضافة إلى تقييم التطورات الإقليمية والعالمية".
وعند النظر إلى كل هذه التطورات، قد يظهر أن تركيا تسعى إلى منع الانقسامات الجديدة من خلال تطوير سياسات دافئة تجاه الهوية الكردية الموجودة في المنطقة.
حيث إنه من غير المرجح أن تدع تركيا الأكراد، الذين يشكلون نسبة كبيرة سكانها، تحت تأثير جهات أجنبية، لا سيما في وقت تكثر فيه الأحاديث عن مساعي أميركا وإسرائيل لتشكيل شرق أوسط جديد وتوسيع الحرب لتشمل سوريا أيضا.