تقاعس وإهمال دولي وملايين الضحايا.. هذه حصيلة عام من الحرب في السودان
"أكثر المتضررين من الحرب هم المدنيون"
مر عام على اندلاع الصراع في السودان بين الجيش النظامي ومليشيا "الدعم السريع"، في 15 أبريل/ نيسان 2023، مخلفا آلاف القتلى وملايين النازحين والمشردين.
وتطورت الاشتباكات الأولية في شوارع الخرطوم إلى حرب أهلية دامية شملت معظم مناطق السودان، ثالث أكبر دولة في القارة الإفريقية وواحدة من أفقر دول العالم.
وتشير تقديرات مختلفة، بما في ذلك أرقام "لجنة الإنقاذ الدولية" غير الحكومية، إلى أن القتال بين الطرفين تسبب في مقتل ما لا يقل عن 14 ألفا و700 شخص وإصابة 30 ألفا ونزوح أكثر من 8 ملايين سوداني.
تراجع الاهتمام
وانتقدت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية تراجع الاهتمام الدولي بالوضع هناك، وهو ما يلقي بظلاله "على توفير الأموال للمساعدات الإنسانية الضرورية".
وأرجعت ذلك إلى "حربين أخريين تحظيان باهتمام أكبر بكثير"، في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وحذرت المسؤولة بالأمم المتحدة، إيديم وسورنو، بالقول "من كل النواحي وحجم الحاجات الإنسانية وعدد النازحين والمهددين بالجوع، يشهد السودان إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة".
واستنكرت في مداخلة أمام مجلس الأمن في مارس/ آذار 2024 نيابة عن المنسق الأممي للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، ما عبرت عنه بـ"استهزاء إنساني بما يحدث في السودان، خلف ستار من الإهمال والتقاعس الدولي.. وببساطة، نحن نخذل الشعب السوداني".
وتزامنا مع الذكرى الأولى للحرب، تعهد مانحون في مؤتمر دولي بشأن السودان استضافته العاصمة باريس، برئاسة فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، بتقديم أكثر من ملياري يورو (2.13 مليار دولار).
واندلع الصراع في أبريل 2023 بعد مرحلة طويلة من الخلافات والتوترات السياسية بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي الحاكم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ونائبه آنذاك محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
وكانت الأطراف السودانية قد اتفقت قبل ذلك في ديسمبر/كانون الأول 2022، نتيجة ضغط دولي، على بدء عملية التحول الديمقراطي من خلال اتفاق لتشكيل حكومة مدنية جرى توقيعه بين الجيش والقوى المدنية.
إلا أن الخلافات بلغت ذروتها إثر قرار البرهان دمج "الدعم السريع" التي يقودها نائبه حميدتي في الجيش وهو ما عارضه الأخير بشدة.
انتهاكات خطيرة
وبعد أسابيع من التوتر، اندلع القتال في شوارع العاصمة الخرطوم في 15 أبريل 2023 بين القوات النظامية ومليشيا "الدعم السريع".
وتضم المليشيات حوالي 100 ألف مقاتل وهي سليل مباشر للجنجويد، مليشيات قوامها ما يعرف بالقبائل العربية في إقليم دارفور، وهي متهمة بارتكاب جرائم مختلفة في حرب عام 2003 بالإقليم.
واعتمدت في بداية الصراع على دعم الإمارات وكانت لها علاقات وثيقة ومستمرة مع مرتزقة "فاغنر" الروسية المتمركزة في العديد من الدول الإفريقية.
أما الجيش النظامي، فيبلغ تعداده حوالي 300 ألف جندي، ويتفوق بميزة عسكرية تتمثل في ضمه لسلاح الطيران الحربي.
وتقصف الطائرات الحربية مناطق سيطرة "الدعم السريع" منذ أشهر، مما تسبب في سقوط العديد من القتلى.
وبعد مرحلة أولية تم التوصل فيها إلى هدنات مؤقتة انتهكت في معظمها، وذلك للسماح للمدنيين بمغادرة مناطق الصراع، احتدم القتال بين الطرفين خاصة في العاصمة الخرطوم، وأقاليم كردفان ودارفور.
وهي المناطق التي سيطرت عليها "الدعم السريع" في البداية محققة نجاحات عسكرية مهمة.
وحذرت الصحيفة الإيطالية من مخاطر استمرار العنف لفترة طويلة قادمة، خصوصا أن كلا الطرفين غير قادر في الوقت الحاضر على حسم الصراع وتحقيق النصر على ميدان القتال.
واستنكرت بأن أكثر المتضررين من الحرب هم المدنيون، لا فقط بسبب القصف العشوائي، بل ما طال منازلهم من نهب في الأيام الأولى للقتال، وكذلك سرقة كل ممتلكاتهم مهما كانت قيمتها من سيارات ووقود ومال وطعام، وحتى الأبواب والنوافذ، بحسب العديد من الشهادات.
ووقع العديد من حالات القتل على أساس عرقي خاصة في إقليم دارفور، والاغتصاب والجرائم الجنسية ضد النساء والفتيات.
ورجحت الصحيفة أن تكون حصيلة الوفيات الحقيقية أكبر بكثير مقارنة بما تشير إليه التقديرات بسقوط نحو 15 ألف قتيل، لا سيما أن الأمم المتحدة تعتقد أن عدد القتلى قد يصل إلى الآلاف في منطقة الجنينة وحدها في غرب دارفور.
وتواصل المدارس إغلاق أبوابها منذ عام، بينما خرج ثلثا المستشفيات عن الخدمة وتهتم الهياكل الصحية العاملة بعلاج جرحى الحرب بشكل أساسي.
فيما يواجه 18 مليون شخص خطر المجاعة، وأغلبهم يعيش في مناطق لا تصل إليها المساعدات الدولية.
ويتكرر انقطاع التيار الكهربائي وخدمة الإنترنت، ويصعب الحصول على الأدوية والضروريات الأساسية في كل المناطق تقريبا.
حرب منسية
وأدى هذا الوضع إلى نزوح عدد هائل من الأشخاص يقدر بأكثر من ثمانية ملايين، لجأ ستة ملايين منهم تقريبا إلى المناطق الأقل تأثرا بتوسع الاشتباكات.
بينما تدفق ما يقرب من مليوني شخص إلى الخارج، بشكل رئيس إلى تشاد ومصر وجنوب السودان.
ووضعت الأمم المتحدة خطة مساعدات إنسانية بقيمة 2.7 مليار دولار، لكنها نجحت في الوقت الحالي في تعبئة سوى 6 بالمئة من هذه الأموال.
وأشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن الحديث كثر في الأشهر الأخيرة عن "حرب منسية" في السودان، بسبب تراجع اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام والحكومات الدولية وتركيزه خاصة على الحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكذلك بسبب الصعوبات الكبيرة في الوصول إلى مناطق الصراع في السودان في ظل تعمد طرفي النزاع استهداف الصحفيين.
وانتقدت "إيل بوست" أيضا عدم استعداد البرهان وحميدتي حتى اللحظة للرضوخ إلى الضغوط الدولية من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع.
في هذا الصدد، ذكرت أن الفشل كان مصير آخر المفاوضات الرسمية التي عقدت قبل بضعة أشهر في جدة بين طرفي الصراع برعاية السعودية والولايات المتحدة.
وأبدت الصحيفة الإيطالية تشاؤما بشأن تسجيل تطورات إيجابية خلال مفاوضات السلام المنتظر استئنافها قريبا في السعودية، قائلة إن "الأمل في ذلك ضئيل في الوقت الحالي".