انسحابات ترامب من التنمية الدولية.. كيف تمثل فرصة لتركيا والهند؟

دونالد ترامب يضع مجال التنمية الدولية أمام تحديات صعبة
بدأت الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من مجال التنمية الدولية للتركيز على أرباح القطاع الخاص، في تحول جديد بالسياسة الأميركية.
وهو ما يطرح تحديات كبيرة على مستوى التعاون الدولي والاقتصادي ويفرض إيجاد بدائل عابرة للحدود، بحسب ما تقول صحيفة إندبندنت البريطانية بنسختها التركية.
قرارات كارثية
وبُعيد عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، وقع ترامب أمرا تنفيذيا يقضي بانسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية، التي سبق له في ولايته الأولى أن انتقدها بشدة بسبب طريقة تعاملها مع جائحة كورونا.
ونتيجة لهذا القرار، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن المنظمة ستضطر إلى "شد الحزام" بعد أن قررت الولايات المتحدة، أكبر مساهم في ميزانيتها، الانسحاب منها.

كما وقع مرسوما يقضي بتعليق جميع المساعدات الأجنبية التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمدة 90 يوما لتقييم مدى امتثال البرنامج للسياسة الخارجية.
كما أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، أن مساعدات غذائية بقيمة 489 مليون دولار تنتظر حاليا في المستودعات والموانئ، وحذرت من أنها معرضة لخطر التلف بسبب منع توزيعها، على إثر قرار ترامب.
وبينت أن خفض إدارة ترامب عدد موظفي الوكالة من أكثر من 10 آلاف إلى حوالي 300 يعقّد عملية الحفاظ على المساعدات الإنسانية.
وUSAID وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة، تأسست عام 1962، وهي معنية بالمساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية الدولية.
وقال الكاتب التركي: "علي أوغوز ديري أوز" إنه من أجل ملء الفراغ الذي خلقه ترامب، قد يكون من الضروري إنشاء بنك تنمية جديد بتعاون مشترك، يجمع بين مصادر تمويل متنوعة من القطاع الخاص والمنظمات الدولية، على أن يتم تنفيذه بوتيرة أسرع مما هو متوقع.
ويجب أن يركز هذا البنك "الجيو-اقتصادي" على الاستثمارات التي تتمتع بجدوى ملموسة وقابلة للتحقيق، بحيث تعود بالفائدة على الدول والمجتمعات الأكثر احتياجا، وفق قوله.
على سبيل المثال، من الممكن أن يُسهم هذا البنك في تعزيز الأمن الغذائي من خلال استثمار الأموال في إنتاج محاصيل سهلة وصحية ومستدامة، مثل الحبوب التي يمكن إنتاجها على نطاق واسع وبطريقة اقتصادية.
وبذلك يمكن زراعتها في المناطق التي تعاني من نقص الغذاء، مما يقلل من الاعتماد المستمر على المساعدات الدولية.
ويعد الدخن من أبرز هذه الحبوب البديلة التي يمكنها أن تسهم في تحقيق هذا الهدف.
ويُعدّ الدُّخن من أقدم محاصيل الحبوب المزروعة والتي كانت طعاما أساسيا في بعض المناطق شبه القاحلة في جنوب وشرق آسيا، وإفريقيا، وأجزاء من أوروبا قبل انتشار الأرز والقمح.
عام الدخن العالمي
واستدرك الكاتب التركي: أصبح الاستثمار في الحبوب مثل الدخن، التي تتمتع بمقاومة قوية للظروف المناخية القاسية، خيارا منطقيا تجاريا.
إذ يمكن لهذا النوع من الحبوب أن يصبح جزءا من الحلول طويلة الأمد التي تسهم في مواجهة التحديات الغذائية العالمية، خاصة في ظل تغيرات المناخ.
علاوة على ذلك، إذا أخذنا في الحسبان ظروف الجفاف المتزايدة، فقد يصبح من الضروري إنشاء "بنوك للبذور" و"بنوك للجينات"، والتي تساهم في حماية التنوع البيولوجي الزراعي وتوفير الحلول العاجلة في حالات الطوارئ أو الكوارث.
ولا يقتصر هذا الجهد على الدول الكبيرة مثل النرويج، بل يشمل دولاً مثل الهند التي لا تزال تعمل على إنشاء بنك للبذور.
وتجدر الإشارة إلى أن الهند قد لعبت دوراً ريادياً في هذا المجال، حيث أعلنت الأمم المتحدة أنّ 2023 هو "عام الدخن الدولي" بناءً على اقتراح الهند.
ففي عام 2023 شهدت الهند اهتماماً كبيراً بهذا المحصول الإستراتيجي، حيث وجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأنظار إليه في إطار الاحتفالات "بعام الدخن العالمي".

بالإضافة إلى ذلك، جرى تنظيم العديد من الفعاليات المهمة في هذا السياق، بما في ذلك إنشاء مركز التميز العالمي للدخن في الهند، بالإضافة إلى عقد مؤتمر عالمي حول الدخن في مارس/آذار 2023 في العاصمة نيودلهي.
وأضاف الكاتب التركي: بدأت حبوب الدخن، التي كانت لفترة طويلة تعد من الحبوب المهملة، في استعادة مكانتها كبديل غذائي مستدام ومُغَذٍّ.
فوفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، أصبح الدخن الآن محل اهتمام عالمي بصفته من الحبوب الفائقة التي تتمتع بصفات صحية وبيئية، ويمكن الاستدامة في زراعتها على المدى الطويل.
ويعد الدخن والحبوب الأخرى المقاومة للتغيرات بدائل مهمة للأمن الغذائي، خاصة في المناطق التي تعاني من مشاكل في توفير الغذاء.
ففي الهند، على سبيل المثال، أصبح الدخن يحظى بشعبية متزايدة بفضل مزاياه الصحية والبيئية.
ومع ذلك وعلى الرغم من شعبيته المتزايدة، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يجرى قبول الدخن، الذي كان يُعد "غذاء الفقراء"، كبديل رئيس صحي في أنحاء العالم.
تركيا مركز لوجستي
بالنسبة لتركيا، فإن الاستثمار في إنتاج وتوريد الدخن يمكن أن يوفر فرصا جديدة في مجال الأمن الغذائي.
ونظراً لموقعها الجغرافي المتميز تتمتع تركيا بميزة إستراتيجية في مجالات الزراعة، واللوجستيات، والتجارة وسلاسل التوريد العالمية.
ويمكن أن يساعد التركيز على هذه الحبوب المستدامة في تعزيز مكانة تركيا كمركز اقتصادي إقليمي، لا سيما في ظل الحاجة المتزايدة لتوسيع الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأردف الكاتب التركي: لتحقيق مكانة تركيا كمركز لوجستي عالمي، يجب تنفيذ مشاريع إستراتيجية مهمة مثل "الممر الأوسط" و"طريق التنمية".
وهذه المشاريع ستتيح لتركيا الحصول على مزايا كبيرة في التجارة، بالإضافة إلى تمكينها من تقديم الدعم والمساعدة للدول النامية في منطقتها، خاصة في مجالات الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.
من خلال هذه الطرق الإستراتيجية سيكون من الممكن أيضاً إيصال الغذاء والحبوب الضرورية لكل من إفريقيا والشرق الأوسط، مما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي في المناطق التي تعاني من نقص في الموارد الغذائية، وفق الكاتب.
إضافة إلى ذلك، فإن تطوير منشآت التخزين اللوجستي والطرقَ البرية والسككَ الحديدية سيسهم بتحسين البنية التحتية في المنطقة وتعزيز التنمية الإقليمية.
ومن خلال التعاون بين القطاعين الخاص والعام والمنظمات الدولية، يمكن تنفيذ مشاريع ملموسة تهدف إلى تأسيس علاقات تركيا مع المنظمات الدولية ضمن إطار مؤسسي أكثر تنظيماً، مما يعزز الدور التركي على الساحة العالمية.
وفي هذا السياق، يعد إنشاء "بنك تنمية جيو اقتصادي" في تركيا خطوة إستراتيجية مهمة.
إذ يمكن أن يدعم هذا البنك إنشاء بنوك للبذور وبنوك للجينات ومخازن للحبوب، مما يعزز قدرة تركيا على توفير موارد أساسية لدول المنطقة ويعزز أمنها الغذائي.
وأشار الكاتب إلى أن إنشاء مثل هذا البنك في إسطنبول هو أمرٌ مهم، حيث إنّها تُعد مركزاً محتملاً مهماً لمنظمات الأمم المتحدة.
وهكذا فإن إنشاء مثل هذا المشروع يسهم في تقديم مزايا إضافية لتركيا في مجالات التنمية والاقتصاد، بالإضافة إلى تقديم بدائل جديدة في الجوانب الجيو-اقتصادية، خاصةً فيما يتعلق بالبنك الجديد لدول البريكس.

بالإضافة إلى ذلك فإن تطوير هذا النموذج في دولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يسهم في خلق خيارات اقتصادية جديدة ومؤثرة على المستوى العالمي.
وتابع: في ظل الحديث عن العقوبات التي قد تفرضها الولايات المتحدة على دول البريكس، فإن إعفاء الهند من هذه العقوبات سيكون خطوة متوقعة.
وهذا يزيد من أهمية البحث عن بدائل لبنك التنمية الجديد لدول مثل الهند وتركيا، اللتين تُعدان دولتين ديمقراطيتين، وفق الكاتب.
في هذا السياق، فإن التركيز على تنمية تركيا وأمنها الغذائي سيكون له دور كبير في تعزيز مكانتها في الساحة العالمية.
علاوة على ذلك، فإن المرحلة المقبلة تتطلب استكشاف فرص التعاون الجديدة مع الهند، التي تتمتع بنموذج اقتصادي متنوع واهتمام متزايد في مجالات مثل الزراعة التي تتضمن محاصيل مثل الدخن.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجالات أخرى تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.