فشل حكومي.. هكذا تواجه إيران عجزا في حل مشكلة انقطاع الغاز والكهرباء

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

يتزايد بشكل واسع استياء الإيرانيين جراء استمرار انقطاع الغاز والكهرباء في بلد يعد من بين الدول الغنية بالطاقة، إلا أنها هذه الأيام لا تستطيع إبقاء الأضواء مضاءة.

وعلى مدار ثلاث ليال متتالية، خرج محتجون في 10 فبراير/ شباط 2025 ببعض المدن الإيرانية إلى الشوارع ورفعوا شعارات ضد الحكومة، بسبب انقطاع الغاز والكهرباء والإغلاقات المتواصلة للمصالح الحكومية والمدارس في مختلف المحافظات. 

انقطاعات الكهرباء

وهذه الانقطاعات لا تقتصر على تعطيل حياة المواطنين اليومية فقط، بل تسببت أيضا في تحديات خطيرة للأعمال التجارية في البلاد.

وتعد إيران عملاقا في مجال الطاقة مع احتياطات غاز ونفط من الأكبر في العالم. 

ووفقا للوكالة الأميركية للمعلومات حول الطاقة (EIA)، فقد كانت إيران سابع أكبر منتج للنفط الخام في العالم عام 2022، ولديها ثالث أكبر احتياطات بعد فنزويلا والسعودية.

لكنها اضطرت في الأسابيع الأخيرة إلى ترشيد الكهرباء بسبب نقص الغاز والوقود لتشغيل محطات الطاقة.

وأشار مساعد شركة "توانير" للطاقة الإيرانية، محمد الله داد، إلى استمرار أزمة الكهرباء، قائلا: "لن تحل مشكلة انقطاع الكهرباء فجأة، ولن تُحل بشكل كامل بحلول عام 2025". 

وأضاف خلال تصريحات صحفية في 12 فبراير 2025: "نحاول تحسين الوضع، ولكن بالنظر إلى حجم العجز الذي نعاني منه، لا يمكن حل المسألة خلال عام واحد".

وتعاني شبكة الكهرباء في إيران نقص الاستثمار في بنيتها التحتية، ويعود ذلك خصوصا للعقوبات الغربية.

ورغم ذلك، فإن إيران مضطرة لتقنين الكهرباء وقطع التغذية خلال النهار بسبب نقص الوقود لتشغيل محطات الطاقة.

فمنذ مطلع عام 2025 تكرر إعلان السلطات الإيرانية إغلاق المدارس والمكاتب الحكومية في طهران لتوفير الطاقة.

كما اتخذ قرار مماثل في عشر على الأقل من المحافظات الإيرانية الـ31، من بينها كردستان، ومازندران وأردبيل، وقم، وكرمان في الجنوب الشرقي.

وضع حرج

وكثيرا ما قدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اعتذارات عن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي يثير استياء السكان، ويُمعن في إضعاف الاقتصاد المنهك أصلا بسبب العقوبات.

وينعكس انقطاع الكهرباء على الحركة التجارية بشكل مباشر، لا سيما في أسواق العاصمة طهران.

ولتوفير الطاقة والتحوّط لحالات النقص، تفرض الحكومة تقنينا في التيار الكهربائي لمدة ساعتين خلال النهار منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. 

ويحصل التقنين وفق جدول زمني محدد وبالتناوب على مجمل الأراضي الإيرانية، في وضع غريب نظرا إلى كون إيران من البلدان العملاقة في مجال إنتاج الطاقة.

وتتفاقم هذه الصعوبات خلال فترات الذروة في استهلاك الكهرباء، خصوصا في الصيف مع الازدياد في تشغيل مكيفات الهواء، وكذلك في الشتاء للتدفئة.

وينظر خبراء اقتصاديون إلى أن الحكومة الإيرانية لن تنجح في حل مشكلات الطاقة على المدى القصير، لكون استهلاك الطاقة في إيران "أعلى من المتوسط العالمي" بسبب كلفته المنخفضة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، عبد الله باباخاني، لصحيفة "هم ميهن" اليومية أنه “سواء كان عجز الطاقة يتعلق بالغاز الطبيعي أو النفط أو الوقود، فإنهم جميعا في وضع حرج  بسبب سوء إدارة الطاقة من الحكومات السابقة  واستمرار الحكومة الحالية في هذا المسار”.

واللافت أن إيران تصدر غازها إلى باكستان وأرمينيا والهند وأذربيجان وسلطنة عمان والعراق، في وقت تريد فيه السلطات معالجة نقص الطاقة المحلي عبر دفع السكان لتغيير عاداتهم الاستهلاكية للطاقة.

والعراق الذي لطهران نفوذ كبير فيه سياسي وعسكري، يعتمد وحده بشكل كبير على واردات الكهرباء والغاز الطبيعي من إيران، حيث تساهم بما يصل إلى 40 بالمئة من أقصى إمدادات الطاقة المتاحة للبلاد خلال أشهر ذروة الطلب في الصيف.

انخفاض الإنتاج

ولم تضع الحكومة الإيرانية خطة واضحة لتجاوز العجز في الكهرباء بل يتكرر التجاهل الحكومي لمشاكل انقطاع الكهرباء المتكررة.

وذات يوم  قال الرئيس بزشكيان لبعض من مواطنيه الساخطين من وضع الطاقة "في منزلي أرتدي ملابس سميكة للتدفئة، ويمكن للآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه"، ويرى أن إيران "ليس لديها خيار آخر سوى ترشيد استهلاك الطاقة".

وفي إيران هناك محدودية في إمدادات الغاز المستخدم كوقود في محطات الكهرباء.

ويتوازى ذلك مع إغلاق المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في الوقت الذي تكافح فيه السلطات لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.

إلا أن تلك الانقطاعات غير المخطط لها للكهرباء أدت إلى تعطيل الحياة اليومية في أكثر من نصف البلاد.

ووصلت الأزمة، التي بدأت في وقت سابق من العام 2025 بانقطاع الكهرباء عن المناطق الصناعية إلى العاصمة، مما أدى لحرمان السكان من الماء الساخن والمصاعد العاملة والوصول إلى مواقف السيارات بسبب أنظمة تعتمد على الطاقة، وتبع ذلك فوضى مرورية مع فشل إنارة الشوارع.

وتبادل المسؤولون الحكوميون اللوم؛ حيث زعمت وزارة الطاقة أن محطات الكهرباء لا تتلقى ما يكفي من الوقود، بينما اتهمت وزارة النفط شركة الكهرباء الوطنية بسوء الإدارة.

وقال مدير العلاقات العامة في شركة توزيع الكهرباء في طهران، محسن منصوري، لموقع "رويداد 24" الحكومي في 11 فبراير 2025 إن سبب انقطاع التيار الكهربائي في مناطق مختلفة من العاصمة هو انخفاض ضغط الغاز.

من جانبه، صرح نائب الرئيس الإيراني، محمد رضا عارف، بأن الأضرار التي لحقت بصناعة الكهرباء والغاز بسبب الانقطاعات بلغت 90 ألف مليار تومان (21 مليون دولار)، وأن هذا "غير مقبول" من قبل الحكومة.

ووعد عارف بالتخطيط لتوسيع قدرة الكهرباء بمقدار 10 آلاف ميغاوات من خلال تجديد محطات الطاقة واستخدام الطاقة الشمسية من أجل الصيف القادم.

تأثير العقوبات

بينما يؤكد مراقبون أن تراجع الاستثمار الإيراني في قطاع إنتاج الكهرباء منذ سنوات يعد السبب الأبرز في عجز الكهرباء الحاصل والذي مرده بالأساس لحجم العقوبات الغربية على البلاد بسبب سياسات طهران.

وبحسب الباحث الاقتصادي الإيراني عبد الرضا داوري، فإن "عجز الكهرباء في إيران بلغ أخيرا نحو 20 ألف ميغاوات".

وأوضح خلال تصريحات في سبتمبر/ أيلول 2024 أن "هذه النسبة تتطلب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار كان ينبغي أن تبدأ قبل سنوات بالتدريج للحد من تراكمها، لكنها لم تحدث بعد".

وعلى سبيل المثال، فإن  حقل جنوب بارس للغاز، الذي يشكل 75 بالمئة من إنتاج إيران، يعد في مرحلة تراجع من دورة حياته ويعاني من انخفاض في الإنتاج. 

وبسبب العقوبات، لا تستطيع إيران جذب الشركات الغربية لتركيب منصات إنتاج كبيرة مزودة بالضواغط، مما يجبرها على قبول مستويات إنتاج أقل، الأمر الذي ينعكس على حصة المواطن من الكهرباء.

كما أنه وفق الخبراء، لا توجد في الوقت الراهن وبظل العقوبات الغربية، بدائل قابلة للتطبيق لتعويض نقص الطاقة في إيران.

ورغم أن إعانات الطاقة في إيران تسهم في إبقاء الفواتير منخفضة، فإن ذلك يشجع على الإفراط في الاستهلاك. 

لكن الوضع يتفاقم بسبب سوء الإدارة الشديد والبنية التحتية القديمة، مما أعاق إلى حد كبير قدرة البلاد على تلبية الطلب المتزايد على الغاز.

وأمام ذلك، فقد ذكر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي أنه بعد انقطاع التيار الكهربائي في طهران في 11 فبراير 2025، سمعت أصوات الناس وهم يهتفون ضد الحكومة من نوافذهم.

وربط الأكاديمي حاتم قادري هذه الأزمة بإنفاق إيران "مليارات الدولارات على البرنامج النووي وتوسيع نفوذها الإقليمي والناس يعانون من الخراب".

وشدد قادري خلال حديث لراديو "فردا" المحلي في 13 فبراير، على أن "إيران تعيش فترة مضطربة منذ مدة طويلة، لذا يمكن أن يحدث أي شيء"، في إشارة إلى اضطرابات جديدة.

وعام 2019 خرجت الاحتجاجات في إيران اعتراضا على أسعار الوقود، وقد أفيد وقتها بمقتل 1500 شخص في حملات قمع ضد المتظاهرين، وفق وكالة “رويترز” البريطانية. 

وبالمحصلة، فإن نقص الوقود هو مجرد حلقة في سلسلة من المشاكل الاقتصادية المتراكمة في بلد مثل إيران يعاني من التضخم بنسبة 40 بالمئة، وانهيار العملة بشكل مستمر إلى النصف خلال عامين، ويعيش حاليا ما لا يقل عن 30 مليون شخص تحت خط الفقر.