"الابتعاد عن النهج التبادلي".. هل دخلت العلاقات الهندية الروسية مرحلة جديدة؟

منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

تتمتع العلاقات الروسية الهندية بـ"تعاطف إستراتيجي" متبادل على مستوى الدول والشعوب، مما يوفر إمكانات هائلة غير مستغلة بعد لتعزيز التعاون بين البلدين. 

وأشار موقع "نادي فالداي" إلى أن التعاون الروسي الهندي مبنيٌّ على مصالح مشتركة ثابتة لم تتأثر بالتحولات الجيوسياسية ولم تشهد أي تناقضات جوهرية طوال مراحلها المختلفة.

وذكر أن "الهند اتبعت منذ الحرب الباردة سياسة عدم الانحياز، وهو نهج قاده رئيس الوزراء جواهر لال نهرو".

وفي الوقت ذاته، نجحت الهند في الحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية رغم التحولات الكبرى، ومنها انهيار الاتحاد السوفييتي الذي دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الغرب.

وفي هذا الإطار، لفت الموقع أن وجهات نظر روسيا والهند تتقاطع فيما يتعلق بالنظام العالمي المتعدد الأقطاب والتعاون داخل أوراسيا.

تعاطف قوي

وقال الموقع إنه “في موسكو في 27 يناير/ كانون الثاني 2025، تكررت كلمات الصداقة الروسية-الهندية مرارا وتكرارا خلال المؤتمر الروسي-الهندي الثاني الذي نظمه (نادي فالداي) و(مؤسسة فيفيكاناندا)”.

وفي هذا الصدد، سلط الموقع الضوء على أن المتشككين يقولون إنه "لا توجد صداقة في العلاقات الدولية، بل هناك مصالح فقط". 

وبالفعل، أكد أن “أساس التعاون الطويل الأمد بين البلدين يعتمد على المصالح المشتركة في مختلف المجالات، التي تظل ثابتة بغض النظر عن التحولات الجيوسياسية”.

وشدد على أنه "لم تنشأ أي تناقضات جوهرية بينهما في أي مرحلة من مراحل علاقاتهما". 

وفي الوقت نفسه، لفت الموقع إلى أن “العلاقات الروسية-الهندية تتميز بتعاطف إستراتيجي يظهر باستمرار من كلا الجانبين على مستوى الدول، وبتقارب صادق بين شعبيهما”. 

وتابع: “هذا يخلق إمكانات هائلة وغير مكتشفة بالكامل لتطوير العلاقات”.

وفي هذا الإطار، تحدث "نادي فالداي" عن أن "الطريق الذي اختارته الهند خلال سنوات الحرب الباردة سبق زمنه إلى حد ما". 

وأشار إلى أنه “في عصر كان يهيمن عليه التنافس الثنائي القطب، كان إنشاء حركة عدم الانحياز، التي كان رئيس الوزراء جواهر لال نهرو أحد مؤسسيها، بمثابة إعلان جريء من الدول المستقلة الجديدة في الجنوب العالمي للحصول على مكانها الخاص في السياسة العالمية”. 

وهنا، نوه الموقع الروسي إلى أن "سياسة عدم الانحياز لم تكن تلبي توقعات أي من القطبين". 

حيث تعامل الاتحاد السوفييتي معها بتعاطف، لكن حقيقة أن الدول المشاركة في الحركة رفضت عن عمد الانضمام إلى المعسكر الاشتراكي لم تمر دون أن يلاحظها أحد. 

ومن ناحية أخرى، لفت الموقع إلى أن هذه السياسة أثارت غضب الولايات المتحدة منذ البداية، حيث وصف وزير خارجيتها جون فوستر دالاس عام 1956 الحياد بأنه "مفهوم غير أخلاقي وقصير النظر".

إمكانات واختلالات

وعلى الرغم أن الهند حافظت على علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي وحتى أعلنت نفسها "دولة اشتراكية"، إلا أنها واصلت طريقها الخاص، مع الحفاظ على انفتاحها على العالم وحماية سيادتها بعناية، بحسب ما ورد عن الموقع.

وبالحديث عن انهيار الاتحاد السوفييتي، قال الموقع إن "لانهياره تأثيرا قويا على الهند من الناحيتين الاقتصادية والفكرية، حيث بدأت البلاد في السير على طريق التحول الاقتصادي، وازدهرت العلاقات مع الغرب، لكن أسس الرؤية الخارجية ظلت كما هي".

ومع تصاعد التنافس الأميركي-الصيني، ترى الولايات المتحدة الهند كحليف رئيس في احتواء الصين، وفقا لما ذكره الموقع. 

وبالفعل، تنظر الهند بسلبية شديدة إلى احتمال الهيمنة الصينية في آسيا وهي مستعدة لمواجهتها. 

لكن من ناحية أخرى، سلط الموقع الضوء على أن "فكرة الانضمام إلى تحالفات مع الولايات المتحدة بالطريقة التقليدية التي يفهمها الأميركيون غريبة تماما عن التفكير الإستراتيجي الهندي". 

ولهذا السبب تشارك الهند في صيغ تعاون تبدو متناقضة، مثل "بريكس" و"منظمة شنغهاي للتعاون" من جهة، و"كواد" من جهة أخرى.

وعلى خلفية التفاعل السياسي الوثيق بين روسيا والهند، نوه الموقع إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لسنوات "كانت تبدو متواضعة للغاية". 

وانخفض حجم التجارة بشكل حاد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان أحد أهم شركاء الهند التجاريين. 

وظل التعاون العسكري التقني -إرث الحقبة السوفييتية- هو العنصر الرئيس في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث لعبت الطلبات الهندية في العقد الأول من الألفية دورا مهما في الحفاظ على استقرار قطاع الصناعة العسكرية الروسي.

ومع انتعاش الاقتصاد الروسي، ذكر الموقع أن "التجارة الثنائية نمت ولكن ببطء شديد حتى عام 2022، وذلك عندما أدت عمليات شراء النفط الروسية الضخمة إلى زيادة حصة موسكو في الواردات الهندية بأكثر من ثلاثة أضعاف". 

النوايا الطيبة

ونقلا عن البيان المشترك الصادر عن المؤتمر الروسي-الهندي، أشار الموقع إلى أنه أُكد على أن حجم التبادل التجاري سيصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030.

ومع ذلك، أظهر "نادي فالداي" أن التبادل التجاري بين البلدين غير متوازن للغاية، حيث تفوق الصادرات الروسية الواردات بـ13 مرة. 

وعلى الرغم من أن الهند تكتشف لنفسها مجالات تصدير جديدة، مثل كونها أكبر مورد للهواتف الذكية إلى روسيا، إلا أن صادرات النفط الروسية ستظل مهيمنة على التجارة الثنائية في المستقبل المنظور، وفق ما ورد عن الموقع. 

ومن ناحية أخرى، وفقا للمشاركين في المؤتمر الروسي-الهندي، فإن الوضع في الاقتصاد العالمي اليوم يوفر "فرصا فريدة للبلدين". 

ومن الضروري -من وجهة نظر الموقع- تغيير هيكل التفاعل وإنشاء سلاسل إنتاج جديدة والاستثمار في البنية التحتية. 

ونوه إلى أن "الاستثمارات الروسية في السكك الحديدية والموانئ ومحطات النفط الهندية ستسهل الخدمات اللوجستية وتتيح الفرص لتجنب العقوبات التي ستظل أداة للحرب الاقتصادية".

وبالحديث عن التحديات، قال "نادي فالداي" إن "إحدى المشكلات الرئيسة في تطوير العلاقات الاقتصادية بين روسيا والهند هي نقص المعرفة بأسواق كل طرف". 

وهذه المشكلة الهيكلية ترافق بشكل عام التوجه الروسي نحو الشرق، وهي مرتبطة بالميل نحو السوق الصينية، التي أصبحت مألوفة للتعامل معها سواء من قبل الشركات الكبرى أو الصغيرة والمتوسطة في روسيا. 

وبحسب الموقع، يتطلب التعلم عن سوق جديدة وقتا ومالا، كما أن الطبيعة المميزة لثقافة الأعمال الروسية، التي تسعى إلى تحقيق "كل شيء وبسرعة"، تعيق بناء علاقات تجارية بشكل متأن.

ووفقا لأحدث البيانات، يرى 61 بالمئة من الهنود أن روسيا "حليف يتشارك مصالح الهند وقيمها"، وهي نسبة أعلى مما حصلت عليه أي دولة أخرى، بما في ذلك الصين.

ومن وجهة نظر الموقع، هذه الأرقام مثيرة للاهتمام بشكل خاص نظرا لسيطرة الروايات الغربية على المشهد الإعلامي الهندي. 

وختم الموقع تقريره بالقول إن "هذه الأرقام تشير إلى أن النوايا الطيبة موجودة من كلا الجانبين، لكن الموارد اللازمة لتحقيق تفاعل منتظم وطويل الأمد ما زالت غير كافية".