رغم أهميته.. لماذا لا يتحرك قطار “طريق التنمية” العراقي التركي؟

"طريق التنمية بلا تمويل، وتركيا تطالب العراق بتوضيحات لكنه لا يملك الإجابة"
مع مرور سنتين على إطلاقه، لم يشهد مشروع "طريق التنمية" العراقي، أية بداية فعلية على أرض الواقع، رغم أهميته الكبرى التي يشكلها في المنطقة كونه يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، وذلك عبر جغرافيا العراق مرورا بتركيا وصولا إلى القارة العجوز.
"طريق التنمية" الذي تبلغ ميزانيته 17 مليار دولار، هو طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله وطول سكة الحديد 1,200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، ويهدف بالدرجة الأولى إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
"هيئة للتنفيذ"
عاد المشروع إلى الواجهة مجددا عند زيارة أجراها السوداني إلى أنقرة في 8 مايو/ أيار 2025، ولقائه بالرئيس التركي أردوغان، فقد أكد رئيس الوزراء العراقي، أنه جرى خلال اللقاء "بحث ومراجعة طريق التنمية، ونحن بصدد إنشاء هيئة لهذا المشروع".
وأضاف السوداني وفق بيان رسمي صادر عن الحكومة العراقية، قائلا: "أبدينا استعدادنا لإقامة مصانع تركية في العراق، بالشراكة مع القطاع الخاص العراقي من خلال المدن الصناعية".
من جهته، قال أردوغان إن "مشروع طريق التنمية، سيسهم بشكل كبير في استقرار وازدهار العراق وكذلك منطقتنا بأكملها، وأدعو الدول المهتمة بطريق التنمية لتكون جزءا من هذا المشروع الإستراتيجي، الذي تناولنا خلال لقائنا الخطوات اللازمة لتنفيذه".
وسبق أن أعلن وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، في 2 أبريل، أن السوداني سيزور تركيا خلال الأيام المقبلة، فيما سيزور الرئيس التركي أردوغان العراق خلال النصف الأول من 2025 أي خلال شهرين.
وتأتي الزيارتان لبحث عدة ملفات على رأسها "طريق التنمية"، الذي قال أوغلو إنه وصل إلى مراحل متقدمة، وفيما لو تحققت زيارة أردوغان لبغداد فستكون الثانية خلال عام واحد وهي سابقة من نوعها.
أوغلو أكد في حينها، أن "مرحلة مهمة قد تحققت في مشروع طريق التنمية الذي سيربط تركيا بميناء الفاو (العراقي) في الخليج العربي عبر خط سكة حديد وطريق سريع بطول 1200 كيلومتر".
وأضاف أن هناك إمكانية لتفعيل ديناميكيات القطاع الخاص فيما يتعلق بالجانب المالي لطريق التنمية، وسيكون هناك دعم مالي من قطر والإمارات العربية المتحدة، ومن مؤسسات مالية دولية.
وأشار إلى أن "الرئيس أردوغان يخطط أيضًا لزيارة العراق في النصف الأول من العام، ونتوقع أن تكون القرارات التي ستتخذ خلال هذه الزيارات مرتبطة بالاتفاقيات السابقة".
وفي 27 مايو/ أيار 2023، انطلق مؤتمر "طريق التنمية"، بمشاركة السعودية والكويت والإمارات وقطر وسلطنة عُمان وتركيا وسوريا والأردن، لكن أربع دول فقط منها هي من وقعت مذكرة تفاهم في أربيل 2024، من أجل تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل.
توقيع مذكرة تفاهم جرى بين العراق وتركيا وقطر والإمارات، خلال مؤتمر عقد في بغداد بحضور أردوغان، في 22 أبريل 2024، والسوداني، الذي أكد أن المشروع "سينقل المنطقة اقتصاديا".

"عائق مالي"
رافقت المشروع منذ إطلاقه انتقادات، وتحديدا عدم إجراء الحكومة العراقية دراسات متخصصة حول الجدوى الاقتصادية لطريق التنمية من أجل ضمان القيمة الإستراتيجية له، في ظل حديث عن وجود عجز في الموازنة المالية للبلاد أساسا.
إلى جانب ذلك، برزت تحديات أخر تتعلق بإخفاق الحكومة في استقطاب الاستثمارات المتوقعة في ظل عدم وجود بيئة جاذبة، جراء الفساد الذي يشل كثيرا من المشاريع السابقة، إضافة إلى الخلافات السياسية التي لم توفر الدعم الكامل لتوجهات حكومة السوداني.
وحاولت الحكومة العراقية تدارك هذه العقبات، وذلك عندما قررت خلال اجتماعها في 6 أغسطس 2024، تمويل المشروع الضخم من الميزانية الوطنية وإقامة شراكات مع القطاع الخاص العراقي للبدء في تجهيزاته.
وفي وقتها، قال وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي، إن مجلس الوزراء وافق على إدراج المرحلة الأولى من مشروع طريق التنمية ضمن الموازنة الاستثمارية للعام 2024.
وأكد وزير النقل العراقي إدراج مشروع المرحلة الأولى من مشروع طريق التنمية، ضمن جداول الموازنة الاستثمارية لوزارة النقل لعام 2024 بكلفة تقديرية تصل إلى نحو 4 ترليونات دينار عراقي (أكثر من 3 مليارات دولار).
ووجه محيبس في حينها، الجهات المعنية في الوزارة بالشروع في الإجراءات اللازمة لإحالة مشروع إعداد التصاميم والتدقيق للأعمال التكميلية لمشروعات خطوط سكك الحديد إلى شركة استشارية إيطالية خلال 15 يوما.
إصرار الحكومة العراقية على المضي قدما بالمشروع، أثار شكوكا جديدة حول مستقبل "طريق التنمية" ومدى تطبيقه على أرض الواقع، ومستوى الشفافية التي ينبغي توخيها في التعامل مع تبعات المشروع الاقتصادية والسياسية، وسط ترهل تواضع الإمكانات المالية.
وفي هذه النقطة يقول الخبير الاقتصادي العراقي والاستشاري في اقتصاد النقل الدولي زياد الهاشمي، إن "طريق التنمية بلا تمويل، وتركيا تطالب العراق من جديد بتوضيحات عن الطرف الذي سيمول المشروع، والحكومة العراقية لا تملك الإجابة".
وأضاف الهاشمي خلال تدوينة على "أكس" في 11 مايو 2025، أنه "بعد سنتين من الأخذ والرد والوعود الكبيرة، لم تستطع الحكومة العراقية لحد الآن من إيجاد أي طرف لتمويل المشروع ولا حتى إقناع شركائها الخليجيين بفكرة الاستثمار في المشروع".
ورأى الخبير الاقتصادي أن "وضع الحكومة العراقية أهدافا مبالغا بها لمشروع طريق التنمية، والاعتماد على دراسة جدوى اقتصادية قاصرة، وتحديد كلفة هائلة للمشروع، كل ذلك أسهم بإبعاد الممولين والمستثمرين عن القبول بتمويل المشروع".
وخلص الهاشمي إلى أن "الحكومة العراقية الحالية تحتاج إلى عمل الكثير، لكن عمرها قصير، لذلك من المتوقع أن يتم ترحيل ملف المشروع إلى الحكومة اللاحقة، والتي ستكون مُطالبة بتعديل نموذج عمل طريق التنمية وتصحيح الأخطاء التي وقعت بها التي سبقتها، ووضعه على السكة الصحيحة".
ولم يبق على عمر حكومة السوداني سوى 5 أشهر فقط، إذ إن العراق سيشهد انتخابات برلمانية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وتشكيل حكومة جديدة تستمر لمدة 4 سنوات.

"أهمية تركية"
وعلى وقع تلكؤ العراق في البدء في تنفيذ "طريق التنمية"، يشير الهاشمي إلى أن تركيا كونها طرفا إقليميا قويا، هي من ستتولى إدارة المشروع وتسويقه إقليميا وتحمل تكاليفه، لكنه توقع أن يطول تنفيذه بسبب التغييرات التي شهدتها المنطقة، في إشارة مرحلة ما بعد "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2024.
وفي السياق ذاته، قال السياسي العراقي والوزير السابق، وائل عبد اللطيف، إن "مشروع التنمية جاء لإفشال طريق الحرير الذي تقدمت به جمهورية الصين الشعبية، لإعادة تأهيل العراق واستكمال بناء التحتية من كهرباء وماء وطرق وبيئة، إضافة لبناء ميناء الفاو الكبير".
وأضاف عبد اللطيف في حديث لـ"الاستقلال" أن "مشروع الصين يربط ميناء الفاو الكبير في مدينة البصرة جنوب العراق بمدينة برلين الألمانية، ولإيقافه جرى استحداث طريق التنمية، والذي تستفيد منه عدد من البلدان الخليجية، وتركيا".
وانتقد الوزير السابق، محاولة تحميل العراق لوحده تكلفة "طريق التنمية" البالغة 17 مليار دولار، لأن باقي الأطراف تريد أن ينجز المشروع من الجانب العراقي وأن يتكفل كامل أمواله، وهذا الأمر يصعب تحققه".
وتابع: "إذا لم تدخل تركيا وغيرها على خط تحمل تكاليفه وإنجاز الطريق الذي يبلغ طوله 1200 كلم، فإنه سيتلكأ ويتعطل ولن يرى النور خلال المرحلة الحالية، لأن العراق يشكو من عجز مالي حتى ميزانيته المالية".
وأشار إلى أن "تحميل العراق تكلفة إنشاء طريق التنمية يضيف عليه ثقل مالي إلى العجز المترتب على الموازنة المالية، وهذا أمر ليس صحيحا بالمطلق، لأن مصير المشروع سيكون مصير الكثير من المشاريع المعطلة".

من جهته، قال الباحث العراقي في الشؤون الدولية، جاسم الشمري، إن مشروع "طريق التنمية" محاولة أميركية لإبعاد العراق عن المسار الصيني، وبالتالي قد يفقد أكثر من 17 مليار دولار في مشروع لا يمكن أن يعود عليه بفائدة اقتصادية.
وأضاف الشمري في حوار سابق مع "الاستقلال" نشر في 21 مايو 2024، أن توقيع البروتوكول الأولي لمشروع "طريق التنمية" في بغداد بين العراق وتركيا وقطر والإمارات، يضع حكومة محمد شياع السوداني أمام اختبار كبير.
وأوضح الخبير الدولي، أن "التحدي الكبير لحكومة السوداني سيكون أولا أمام الشعب العراقي، ثم هذه الدول الثلاث ثانيا، وثالثا أمام الدول العشر التي وقعت على الاتفاق عند إعلان المشروع عام 2023".
ورأى الشمري أن "المشروع من الجانب السياسي معقد جدا، فإذا نظرنا إليه من ناحية داخلية عراقية، نجد اعتراضات كبيرة عليه من بعض القوى المشاركة في الحكومة، لا سيما من الإطار التنسيقي الشيعي، وهناك اتهام بأنه ارتهان لإرادة خارجية".
وبرأي الكاتب العراقي، فإن "بعض الدول تترقب أو تتخوف من نجاح المشروع، خاصة الكويت والسعودية، فهما لا تريدان الدخول في مشاريع غير مضمونة، وبالتالي سيكون عام 2025 هو الفيصل في إمكانية دخول دول أخرى من عدمه".
المصادر
- بغداد وأنقرة توقعان 10 مذكرات تفاهم وتجددان موقفيهما بشأن «حزب العمال» و«طريق التنمية»
- اتفاق رباعي.. كيف أجهض “طريق التنمية” حلم الكويت بميناء "مبارك الكبير"؟
- جاسم الشمري: "طريق التنمية" محاولة أميركية لإبعاد العراق عن المسار الصيني (خاص)
- ماذا يعني تمويل العراق مشروع طريق التنمية من ميزانيته العامة؟
- زياد الهاشمي: ملف طريق التنمية انتقل من يد الحكومة العراقية لتركيا