إلغاء المساعدات الأميركية.. كيف يضر بإسرائيل ويعزز قوة إيران وحلفائها؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الضوء على تبعات خطوة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بقيادة وزارة الكفاءة الحكومية التي يرأسها إيلون ماسك، لتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID" وتقليص المساعدات الخارجية بشكل كبير.

وأدت الخطوة التي وقع عليها ترامب بعد دخوله البيت الأبيض، إلى إيقاف برامج المساعدات وتسريح آلاف الموظفين، وهو ما عده ماسك جزءا من حملة لنزع الشرعية عن الوكالة، التي تُعد أداة رئيسة للقوة الناعمة الأميركية.

وتوضح الصحيفة أن تفكيك الوكالة يتعارض مع القيم الأميركية التقليدية، التي تكرس دور الولايات المتحدة كقوة أخلاقية عالمية، وفق زعمها.

وبالحديث عن المساعدات الخارجية، ترى أنها ليست مجرد عمل خيري، بل استثمار إستراتيجي لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتقليل الحاجة للتدخل العسكري.

ونتيجة لذلك، ترى أن خطوة إدارة ترامب تُعد تخليا عن التزام واشنطن بأمن حلفائها، ما قد يعرض إسرائيل للخطر ويفقدها الدعم الإستراتيجي الأميركي.

ومن ناحية أخرى، تحذر الصحيفة من أن أي خفض في التمويل الأميركي قد يؤدي إلى تصعيد في المنطقة وإضعاف عملية التطبيع مع دول عربية.

وشددت على أن استمرار المساعدات ضروري للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء.

خطوة خطيرة

وأُرسل الآلاف من موظفي الوكالة في إجازة قسرية إلى منازلهم، كما عُلقت جميع برامج المساعدات حول العالم، في خطوة “غير مسبوقة”.

وهذه الوكالة، التي تأسست قبل 64 عاما، تتحمل اليوم مسؤولية حوالي 42 بالمئة من المساعدات الإنسانية في العالم.

وفي هذا الإطار، تلقي الصحيفة الضوء على عالم السياسة الأميركي جوزيف ناي الذي صاغ مصطلح "القوة الناعمة"، ووصفه بالقدرة على تحقيق أهداف السياسة الخارجية بوسائل غير قسرية. 

وتوضح أن ناي، الذي كان عميد مدرسة كينيدي للحكم في جامعة هارفارد، ركز كثيرا على قوة الدبلوماسية وعناصر أخرى تؤثر على الأمن القومي.

وبحسب الصحيفة، تجسد وكالة التنمية الدولية الأميركية "USAID" مفهوم القوة الناعمة للولايات المتحدة. 

وأشارت إلى تصريح للرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، الذي تأسست الوكالة خلال عهده، والذي قال ذات مرة: "إن الأشخاص الذين يعارضون المساعدات يجب أن يفهموا أنها مصدر قوة هائلة بالنسبة لنا، فهي تمكننا من ممارسة النفوذ لحماية الحرية".

وهنا، تقول الصحيفة: إنه "بعد 64 عاما، يجلس في البيت الأبيض رئيس متعطش للتأثير العالمي، لكنه يرفض الاستماع إلى المنطق الأساسي الذي عبر عنه كينيدي ورؤساء الولايات المتحدة من بعده".

والمفارقة -من وجهة نظر الصحيفة- فإن ترامب، مؤسس شعار “اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى”، يقود إلى هدم هذا التصور المتعلق بالمهمة الأخلاقية والقيمية الأميركية، والتي تتضمن التزاما بمبادئ “إصلاح العالم”، وفق تعبيرها.

ومن ناحية أخرى، تشير “هآرتس” إلى أن تفكيك وكالة المساعدات يتعارض أيضا مع مفهوم "الاستثنائية الأميركية"، الذي ينظر إلى الولايات المتحدة كدولة ذات مهمة فريدة ورسالة لقيادة العالم أخلاقيا وسياسيا.

كما تشدد الصحيفة على أن تفكيك “USAID”، خطوة خطيرة ستؤثر بشدة على المجتمعات الفقيرة حول العالم، وستعيد المعركة ضد الجوع والأمراض عدة خطوات إلى الوراء، كما ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي بشكل عام وفي الشرق الأوسط خصوصا.

فرصة لقوى أخرى

وفي هذا الصدد، تلفت النظر إلى أن الآثار المترتبة على مثل هذه الخطوات بالنسبة لإسرائيل وأمنها وشراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة قد تكون مدمرة.

وبالإشارة إلى أن المساعدات الخارجية الأميركية ليست "عملا خيريا"، توضح الصحيفة أنها “أدوات إستراتيجية لمنع جولات إضافية من العنف”.

ولفتت إلى أن المساعدات تعمل على تعزيز النفوذ الأميركي وضمان بقاء الحكومات البراغماتية وحماية الدول من الوقوع في "أيدي قوى متطرفة".

كما يمكن القول إن المساعدات الخارجية الأميركية تُعد "جزءا لا يتجزأ من المصالح الأمنية لواشنطن ومن قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الأمني في الشرق الأوسط". 

وفي هذا السياق، تشدد الصحيفة الإسرائيلية مرة أخرى على حقيقة أن "الميزانيات التي تُحول إلى غزة والضفة الغربية، وكذلك إلى دول محورية مثل الأردن ولبنان، ليست أعمالا خيرية".

ومن زاوية أخرى، تلفت النظر إلى أن دولا أخرى مثل الصين أو إيران ستكون سعيدة بملء الفراغ الذي قد تتركه إدارة ترامب.

وهو ما قد يؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بمصالح إسرائيل والدول الأخرى المؤيدة لأميركا في المنطقة، وفق تقديرها.

مسألة أمن قومي

وبالنظر إلى الوقت الحالي، تقول: إن "المساعدات الإنسانية التي تُرسل إلى غزة تسهم ليس فقط في تحسين رفاهية السكان، بل تساعد أيضا في الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش، وهو شرط أساسي لاستعادة الأسرى وخلق بديل مدني لحكم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس". 

وفيما يخص لبنان، تذكر "هآرتس" أن المساعدات الأميركية تعزز الحكومة الجديدة في جهودها لمنع المزيد من تعزيز قوة حزب الله. 

وبقول آخر، تؤكد أن "أي تخفيض كبير في التمويل الأميركي قد يعيد المنطقة إلى دائرة العنف".

ولذلك، ترى الصحيفة أن خطوة إدارة ترامب-ماسك تلغي عمليا التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها. 

وتحذر من أنه "إذا لم يتدخل الكونغرس لإلغاء هذا القرار، فإن إسرائيل ستجد نفسها وحيدة في مواجهة تهديدات متزايدة على حدودها". 

وهذا يعني ميزانيات أقل لمشاريع التعاون الإقليمي، بالإضافة إلى استقرار أقل في الشرق الأوسط ومساحة أكبر لإيران وحزب الله وحماس للعمل.

وفي الوقت الذي تأمل فيه إسرائيل بداية عملية تطبيع، فإن تفكيك "USAID" سيعرض هذه العملية للخطر قبل أن تبدأ، من وجهة نظر الصحيفة.

لذلك، تدعو الصحيفة الإدارة الأميركية إلى التذكير بأن أي ضرر يلحق بالمساعدات قد يؤدي إلى تصعيد خطير ويضر بمكانة الولايات المتحدة.

ولفتت إلى أن "المساعدات الأميركية لدول المنطقة تهدف إلى تعزيز النفوذ لصالح الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة ومنع المفاجآت الإستراتيجية، مما يقلل الحاجة إلى تدخل عسكري واسع النطاق". 

وفي هذا الإطار، تخلص الصحيفة إلى أن "الصراع على استمرار المساعدات الأميركية ليس مسألة سياسية، بل قضية أمن قومي".

ونتيجة لذلك، ترى أنه من الضروري على القيادة اليهودية وأصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة أن يطالبوا الإدارة وأعضاء الكونغرس بالتحرك بسرعة لوقف هذه الخطوة الخطيرة. 

وبالإشارة إلى أنها ليست إهدارا للميزانية، تختتم الصحيفة بالقول: إن المساعدات الخارجية تُعد استثمارا في المصالح الأميركية والإسرائيلية على حد سواء، فهي "قوة ناعمة" تفقد الولايات المتحدة بدونها جزءا كبيرا من نفوذها في المنطقة.