ملفات اقتصادية وأمنية.. أبعاد أول زيارة جزائرية إلى دمشق بعد سقوط الأسد

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

خلّفت الزيارة التي قادها رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى سوريا تحليلات عديدة حول أسبابها وأهدافها، وعلاقتها بجزائريين كانوا يقاتلون إلى جانب الرئيس المخلوع بشار الأسد.

حيث أعلنت الخارجية الجزائرية، في 8 فبراير/شباط 2025، أن وزير الخارجية أحمد عطاف، قام بزيارة إلى سوريا، بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

وذكرت الوزارة في بيان أن عطاف استقُبل من قبل رئيس الجمهورية العربية السورية خلال المرحلة الانتقالية، أحمد حسين الشرع.

واقعية جديدة

وبحسب البيان، سلّم وزير الخارجية إلى الرئيس السوري رسالة خطية مُوجهة إليه من قبل الرئيس تبون، كما نقل له تحياته الأخوية وجدد له تهانيه وتمنياته له بالتوفيق والسداد في تحمُّل مهامه السامية خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا الشقيقة.

وذكرت الخارجية أن اللقاء شكّل فُرصة لبحث آفاق تعزيز علاقات الأخوّة والتضامن والتعاون بين البلدين والشعبين الشقيقين، استنادا إلى ما يجمعهما من روابط تاريخية مُتجذرة.

وأكد عطاف استعداد الجزائر للإسهام، سواء على الصعيد الثنائي أو من موقعها بصفتها العضو العربي بمجلس الأمن الأممي، في دعم ومُرافقة المساعي الرامية للم شمل الشعب السوري حول مشروع وطني جامع يعيد بناء مؤسسات الدولة ويوفر مقومات الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء.

وتعليقا على الزيارة، يرى المحلل السياسي الجزائري عبد النور تومي، أن العلاقات الجزائرية السورية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى عهد الأمير عبد القادر وما قبله، وهي راسخة ومتينة بين الشعبين.

وأضاف تومي لـ"الاستقلال"، أن الزيارة تأتي في إطار حراك دبلوماسي تعيشه سوريا الجديدة.

وأكد أن الجزائر بفضل دبلوماسيتها التي تقوم على مزيج من المبادئ الثابتة والواقعية الجديدة، استطاعت التكيف مع المستجدات التي تشهدها المنطقة، وباتت تمتلك نهجا واضحا في إدارة العلاقات المركبة في المنطقة، مما يعزز مكانتها كشريك إستراتيجي لسوريا، إلى جانب قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وقطر.

وحسب تومي، ستلعب الجزائر دورا دبلوماسيا فاعلا خصوصا أنها تمتلك حضورا نشطا في مجلس الأمن؛ حيث تمثل الصوت العربي فيه، الأمر الذي قد يمنحها دورا حاسما في دعم سوريا الجديدة، ومن ذلك العمل على رفع العقوبات المفروضة عليها نهائيا.

وأشار إلى "تجربة الجزائر الناجحة في تحقيق المصالحة الوطنية، وهو ما يمنحها دورا مهما في دعم الاستقرار في سوريا".

تقارب اقتصادي

من جانب آخر، قال الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي: إن العلاقة بين البلدين تكتسب أهمية كبيرة؛ حيث شهدت السنوات الأخيرة حضورا بارزا للسوريين في الجزائر من خلال تأسيسهم شراكات واستثمارات متعددة، إلى جانب دورهم كخبراء في العديد من القطاعات.

وفي تصريح لموقع "الجزيرة نت"، في 10 فبراير 2025، رأى تيغرسي أن السوريين أصبحوا جزءا مهما من المشهد الاقتصادي الجزائري "تماما كما هو الحال في تركيا"، موضحا أن هذا الواقع يسهم في تقارب اقتصادي بين الجانبين.

وأكد أنه في هذه المرحلة يمكن تحفيز الشراكات السورية والجزائرية التي كانت قائمة في السابق لإعادة إحيائها، أو بعث شراكات أخرى سواء في مجالات الطاقة أو التجارة أو الإعمار أو صناعة النسيج التي قال: إنها تحديدا يمكن أن تكون نقطة انطلاق أساسية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

ووفقا له، تمتلك الجزائر إمكانيات وثروات هائلة وتسعى إلى تطوير نموذج اقتصادي متكامل، يشمل قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والزراعة والصناعة والصناعات التحويلية والصيدلانية والتعدين والصيد البحري والسياحة.

وأضاف أن سوريا بدورها كانت معروفة بقطاعها السياحي المزدهر، فضلا عن شهرتها بصناعة النسيج.

وحسب الخبير الاقتصادي، يكمن التحدي اليوم في كيفية تفعيل هذه الإمكانات واستثمارها ضمن شراكة حقيقية بين سوريا والجزائر.

مؤكدا أن هناك آفاقا واسعة لتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصا من خلال العنصر البشري.

وشدد على أن الجزائر كانت “دائما داعمة لاستقلال القرار السوري، وحرصت على أن تعتمد سوريا على شعبها وإمكانياتها”.

ويرى أن المرحلة المقبلة ستكون بداية مشجعة لتعزيز هذه العلاقات الاقتصادية وتطوير شراكة متينة بين البلدين.

مقاتلو الجزائر بسوريا

بخلاف الأبعاد الاقتصادية والثنائية لهذه الزيارة، توقفت وسائل إعلام مغربية ودولية عند بعد آخر، ويتمثل في سعي الجزائر إلى إطلاق سراح مقاتلين جزائريين كانوا يدعمون بشار الأسد.

ورددت منابر مغربية هذه القصة، ومنها "جورنال24"، و"هبة بريس"، و"أخبارنا"، و"العيون الآن"، و"العالم"، و"العمق المغربي"، و"بلبريس"، و"الأخبار"، و"بريس بي"، و"الشراع"، إضافة إلى قناة "ميدي1" التلفزيونية.

حيث ذكر حساب "مجلة إفريقيا" عبر منصة إكس، في 10 فبراير 2025، أن "الشرع رفض طلبا تقدم به عطاف، بشأن إطلاق سراح معتقلين جزائريين في سوريا".

وذكرت المجلة وفقا لمصادر سورية، أن الشرع أكد أن العسكريين الجزائريين، الذين يبلغ عددهم 500 جندي، سيخضعون للمحاكمة جنبا إلى جنب مع بقايا فلول نظام الأسد الذين تم اعتقالهم.

القصة نفسها جاءت عبر موقع "مونت كارلو الدولية"، في 11 فبراير 2025، حيث ذكر مراسلها في دمشق، عدي منصور، أن الرئيس الشرع رفض طلبا جزائريا بخصوص المقاتلين إلى جانب نظام بشار.

وأوضح منصور أن "هؤلاء المعتقلين كانوا يقاتلون في صفوف قوات بشار الأسد في محيط حلب، وألقت هيئة تحرير الشام القبض عليهم في الهجوم الذي شنته في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، والذي أدى لسقوط النظام".

هذا النقاش دفع عددا من المتفاعلين إلى إعادة نشر قصاصة وردت عبر موقع "الشروق أونلاين" الجزائري، بتاريخ 19 مايو/أيار 2016، بعنوان: " مقتل أول جزائري يحارب في صفوف قوات بشار الأسد".

وقال الموقع: إن "الجيش السوري أعلن مقتل أول جزائري كان يحارب في صفوف بشار الأسد، ضمن من يوصفون بـ "رجال المقاومة"، التي تصطف إلى جانب القوات النظامية في سوريا في حربها ضد المعارضة بشقيها الوطني والديني.

ونقلت مصادر لـ "الشروق"، أن "الأمر يتعلق بـ "حسين بن عيسى"، الذي قضى في معارك داريا بريف دمشق".

وذكر الموقع أن "حسين بن عيسى يُعد أول جزائري يعلن مقتله في سوريا. وكان مواليا لبشار الأسد".

من جانبها، نفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في 12 فبراير 2025، صحة كل الأخبار المتداولة بشأن مساعي الإفراج عن المقاتلين الجزائريين إلى جانب الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وقالت الوكالة: إن ما تم ترويجه يندرج ضمن "الحرب الشاملة التي يقودها المغرب ضد الجزائر"، واصفة تلك الأخبار بأنها محض "أكاذيب وافتراءات".

وشدد المصدر ذاته على أن لقاء وزير الخارجية مع الرئيس أحمد الشرع كان ناجحا بكل المقاييس، وأن أهدافه هي ما تم إعلانه في بيان الوزارة وما كشف عنه وزيرا خارجية البلدين.

يذكر أنه في 4 فبراير 2025، أصبح العاهل المغربي محمد السادس، أول مسؤول دولة مغاربي يهنئ أحمد الشرع بتوليه الرئاسة السورية.

وقال الملك محمد السادس في برقية للشرع: "يطيب لي أن أعرب لكم عن تهانئي وتثميني لتولي فخامتكم رئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية، داعيا الله عز وجل أن يلهمكم التوفيق والسداد في مهامكم السامية الجسيمة".

وتابع الملك محمد السادس: "وأغتنم هذه المناسبة لأؤكد لفخامتكم موقف المملكة المغربية الذي كان ولا يزال يتمثل في دعم ومساندة الشعب السوري الشقيق لتحقيق تطلعاته إلى الحرية والطمأنينة والاستقرار".

واسترسل: "وهو الموقف الثابت الذي يدعوها اليوم كما بالأمس، للوقوف إلى جانبه وهو يجتاز هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة في تاريخه، وذلك في انسجام تام مع موقفها المبدئي الداعم للوحدة الترابية لسوريا وسيادتها الوطنية".