لقاء زيلينسكي مع أردوغان في أنقرة.. ما رسائله لترامب وبوتين؟

محمود مصلحان | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في فترة تشهد نشاطا دبلوماسيا مكثفا بشأن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 18 فبراير/ شباط 2025، بمراسم رسمية في المجمع الرئاسي بأنقرة.

وما جعل هذه الزيارة أكثر أهمية من سابقاتها، هو توقيتها؛ فبينما كان زيلينسكي وأردوغان يجتمعان في أنقرة، جرى في الرياض أول لقاء رفيع المستوى وجها لوجه بين الإدارة الأميركية الجديدة وروسيا.

وقبل تركيا، زار زيلينسكي الإمارات، وكان من المنتظر أن يزور السعودية أيضا، لكنه ألغى الزيارة ردا على لقاء الرياض بين أميركا وروسيا.

تركيا المضيف المثالي

وخلال المؤتمر الصحفي بين الزعيمين، قال أردوغان: إن "تركيا هي المضيف المثالي للمحادثات المحتملة بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة في الفترة المقبلة".

وأضاف: "أكدت أننا سنقدم كل الدعم لضمان اكتمال عملية التفاوض بسلام دائم؛ فهذه الحرب، التي تسببت في مقتل عدد كبير من الأبرياء ودمار هائل، يجب أن تنتهي الآن". 

وتابع: "وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها أمر لا يمكن التنازل عنه بالنسبة لنا؛ آمل أنه من خلال اجتماعات وزير خارجيتنا مع نظيره الروسي، ومن خلال لقاءاتي مع بوتين، أن نمهد الطريق للسلام".

وشدّد الرئيس التركي على أنه "لا خاسر في السلام، وأن العالم كله ينتظر الآن تحقيق السلام في الحرب بين روسيا وأوكرانيا".

من جانبه، قال زيلينسكي: إنه من غير الممكن مناقشة قضايا إنهاء الحرب في أوكرانيا دون وجود كييف، مضيفا: "اللقاء الأميركي-الروسي في السعودية كان مفاجئا لنا وعلمنا به من وسائل الإعلام".

وأعرب زيلينسكي عن سعادته لحسن الضيافة التي حظي بها في تركيا، والنهج الشامل والبنّاء في المفاوضات بين البلدين.

وأضاف: "علاقاتنا مع تركيا على مستوى عالٍ كما هو الحال دائما، وأشكر الرئيس أردوغان وكل الشعب التركي على ذلك"، وعبَّر عن شكره لتركيا على دعمها خلال الأوقات الصعبة للحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وتابع: "تركيا اتخذت موقفا مبدئيا للغاية فيما يتعلق بوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها. هذا الأمر يحمل أهمية عالمية بالنسبة لنا".

وفي 18 فبراير/ شباط 2025، اختتم الوفدان الأميركي والروسي مباحثاتهما في الرياض، بهدف تحسين علاقاتهما المتوترة منذ حرب أوكرانيا.

وضم الوفد الروسي المشارك في مباحثات الرياض وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومستشار السياسة الخارجية في الكرملين يوري أوشاكوف، ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديمترييف.

فيما ضمَّ الوفد الأميركي وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

وفي 13 فبراير/شباط الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن "مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا سيعقدون اجتماعا في السعودية".

وقبلها بيوم، أعلن ترامب توصُّله إلى اتفاق مع بوتين، لبدء مفاوضات من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وقت التنازلات

بعد التصريحات القوية التي أدلى بها مسؤولون أميركيون خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عُقد بين 14 و16 فبراير 2025، الرافضة لبدء "مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا بدون كييف"، جاء لقاء الرياض ليرسم شكل المرحلة المقبلة.

إذ صرَّح نائب الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، في مقابلة مع قناة "Pervıy Kanal" بأن اللقاء استمر لمدة أربع ساعات ونصف الساعة.

وأشار أوشاكوف إلى أن "الطرفين لم يصلا بعد إلى مرحلة توافق كامل، لكن القضية قيد التفاوض". 

ومن بين أبرز نتائج اللقاء، الاتفاق على بدء حوار مباشر بين المفاوضين الروس والأميركيين بشأن أوكرانيا.

من جانبه، اقترح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، خطة من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مؤكدا أن جميع الأطراف بحاجة إلى تقديم تنازلات.

وأفاد أوشاكوف بأن "المفاوضات عموما سارت بشكل جيد؛ حيث ناقش الطرفان جميع القضايا بجدية، واتفقا على مراعاة مصالح بعضهما بعضا".

كما اتفق وزير الخارجية الروسي ونظيره الأميركي، على تشكيل فرق تفاوضية رفيعة المستوى لبدء المحادثات حول حل النزاع في أوكرانيا.

من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، في بيان عقب محادثات الرياض: إن "الهدف هو إنهاء الصراع بطريقة طويلة الأمد ومستدامة ومقبولة لجميع الأطراف".

وفي تصريح لوكالة "رويترز"، قالت بروس: "اُتفق على تعيين فرق تفاوضية رفيعة المستوى في أقرب وقت ممكن لإنهاء الصراع في أوكرانيا".

وأضافت أن "الجانبين يخططان لوضع أسس للتعاون بشأن المصالح الجيوسياسية المشتركة في المستقبل، وكذلك تقييم الفرص الاقتصادية والاستثمارية التي قد تنشأ بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا".

من جانبه، قال لافروف: إن "موسكو وواشنطن اتفقتا على بذل كل الجهود الممكنة لتوحيد جهودهما في المجال الجيوسياسي والاقتصادي".

أما روبيو، فقد صرَّح في مؤتمر صحفي عقب المحادثات في الرياض بأن "ترامب، يريد إنهاء الصراع في أوكرانيا بطريقة عادلة".

وأوضح أن "روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على تعيين سفراء في أقرب وقت ممكن".

ترامب وأوكرانيا وأوروبا

إلى جانب التصريحات المفاجئة للرئيس الأميركي ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا، أثارت خطواته التي قد تستبعد أوروبا من المعادلة حالة من الذعر في القارة العجوز. 

حيث تخشى الحكومات الأوروبية من أن تتوصل الولايات المتحدة إلى اتفاق يعرِّض أمن القارة للخطر.

وفي هذا السياق، اجتمع القادة الأوروبيون، في 18 فبراير 2025، في قمة طارئة بباريس، لإعداد خطة عمل أوروبية في مواجهة التحركات الفوضوية لإدارة ترامب.

وأشار قصر الإليزيه إلى أن هذه القمة تشكل بداية لسلسلة من المشاورات بين القادة الأوروبيين، بمن فيهم أولئك الذين لم يُدع إلى باريس. مضيفا أن "المحادثات قد تستمر في صيغ أخرى تجمع جميع الشركاء المهتمين بالسلام والأمن في أوروبا".

ومن ناحية أخرى، أكد الرئيس الأميركي التزامه بإنهاء الصراع في أوكرانيا، لكنه رفض الادعاءات بأن روسيا تشكل تهديدا لحلف الناتو، قائلا: "“لا، لا أوافق على هذا الرأي ولو قليلا".

من جانبه، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن بلاده "مستعدة وراغبة" في إرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا لتنفيذ أي اتفاق سلام يُتوصل إليه.

كما كُشف عن تفاصيل الاتفاق الذي يسعى ترامب لإبرامه بشأن الثروات المعدنية في أوكرانيا. 

ووفقا لذلك، يريد ترامب نصف عائدات المعادن الأوكرانية، بالإضافة إلى حق النقض "الفيتو" على التراخيص، مقابل تقديم ضمانات أمنية لكييف في حال إبرام "اتفاق سلام" مع روسيا.

ويمكن تفسير رد فعل الاتحاد الأوروبي على هذه الخطوة على أنه محاولة للحد من النفوذ الأميركي في القارة.

تركيا والسعودية

عندما صرح ترامب بأنه قد يجتمع مع بوتين في السعودية لمناقشة إنهاء حرب أوكرانيا، تساءل كثيرون عن "سبب اقتراحه لدولة خليجية لاستضافة هذه القمة الحساسة".

لم يحدد ترامب موعدا دقيقا للاجتماع، لكنه أشار إلى أنه قد يُعقد في المستقبل القريب. كما اقترح أن يشارك في القمة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

ومن ناحية أخرى، ظهرت تقارير دولية تفيد بأن "الصين والإمارات أيضا أعربتا عن رغبتهما في استضافة قمة ترامب-بوتين".

وبهذا الشأن، يرى بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن "السعودية خيار منطقي لعقد لقاء ترامب-بوتين؛ لأنها دولة محايدة".

كما أشار إلى أن "أوروبا ليست خيارا مناسبا؛ لأنها طرف في الحرب الأوكرانية، مما يجعل عقد الاجتماع هناك غير ممكن".

وأوضح أنه من المعروف أن تركيا لعبت سابقا دور المنطقة العازلة بين روسيا وأوكرانيا خلال فترات التوتر. 

ومع ذلك، بحسب سالم، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص دور تركيا، وإعادة تشكيل توازن جديد في العالم الإسلامي.

وعند تحليل العلاقات بين واشنطن والرياض، يتضح أن “أميركا تحاول دعم قوة غير شيعية يمكنها منافسة تركيا في المنطقة”، يختم نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن.