رغم إبادة غزة.. لماذا صرح رئيس وزراء ماليزيا بـ "حق إسرائيل في الوجود"؟

"يبدو أننا سنضطر إلى الانتظار لفهم ما إذا كانت تصريحاته مجرد حادثة عابرة أم شيء آخر"
فاجأت تصريحات صحفية “غير عادية” أدلى بها رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم قبل أيام بشأن القضية الفلسطينية وحق الكيان الإسرائيلي في الوجود والدفاع عن نفسه، الإسرائيليين والماليزيين، على حد سواء.
وفي السياق، سلط "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي الضوء على تصريحات إبراهيم، محللا الدوافع المحتملة وراء إطلاقها.
تصريحات غير عادية
يقول المعهد في بداية تقريره: إن أي شخص مطلع على موقف ماليزيا العدائي تجاه إسرائيل، والخطاب الصريح بشكل خاص تجاهها من قبل رئيس وزرائها أنور إبراهيم منذ بداية حرب الإبادة في غزة؛ ينبغي له أن يفرك عينيه عندما يطلع على إجاباته الموجزة عن الأسئلة التي طرحت عليه خلال مقابلته مع شبكة (سي إن إن).
فعندما سُئل إبراهيم عما إذا كان يقبل بحق إسرائيل في الوجود، أجاب: "نعم، نعم"، وحول السؤال الثاني: هل يقبل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أجاب بـ "نعم".
ورأى المعهد أن اعتراف رئيس وزراء ماليزيا -الدولة ذات الأغلبية المسلمة- بحق إسرائيل في الوجود والدفاع عن النفس "أمر غير عادي".

مع ذلك، يذكر المعهد أن ماليزيا "لم تُدِن، حتى بالكلام، الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
وتابع: "حتى إن إبراهيم اتصل بعد أيام قليلة بإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في ذلك الوقت، وأعرب له عن دعمه الثابت للشعب الفلسطيني".
ومن ناحية أخرى، أدان أنور بشدة النشاط العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، والذي وصفه، من بين أمور أخرى، بأنه "قمة الهمجية" و"الإبادة الجماعية".
في المقابل، وصف أعضاء حماس بأنهم "مقاتلون من أجل الحرية"، كما رفض طلب الولايات المتحدة بقطع العلاقات مع الحركة.
ووفق المعهد فقد "رفض المحاولات التي بذلتها وسائل الإعلام الغربية لانتقاده بسبب عدم إدانته الملموسة والمباشرة لهجوم حماس، وتحدث ضد ما يعتقد أنه خطاب متحيز بشأن هذه القضية في الغرب".
وأضاف: "وكان هذا الموقف بارزا بشكل خاص في مقابلة مع الـ "سي إن إن"، واكتفى بالقول إنه ضد كل أشكال العنف".
وأكمل: "كما ألمح أنور إلى أن ما يزعجه هو زراعة خطاب في الغرب يركز على الأحداث الأخيرة ويسلط الضوء عليها، وفي الوقت نفسه يمحو عقودا قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
حيث يرى أن "خطاب الغرب يتجاهل محنة الفلسطينيين منذ "النكبة" عام 1948، ويغض الطرف عن تاريخ الاستعمار والاحتلال، ويبرر حتى (الإبادة الجماعية)".
ورأى المعهد أنه "من عجيب المفارقات أنه عندما انتُخب إبراهيم رئيسا للوزراء في أواخر عام 2022، بعد مسار سياسي طويل من الصعود والهبوط، وسط موجة من التوقعات بإجراء إصلاحات ديمقراطية جوهرية؛ كان هناك للحظات مجال للتفكير في احتمال أن يخفف من السياسة الماليزية التقليدية الصارمة تجاه إسرائيل".
والسبب في ذلك هو أنه "لم يكن شريكا في الخطاب المعادي للسامية والمعادي لإسرائيل بنفس الحدة التي ميزت المشهد السياسي لعقود طويلة إلى حد كبير، بسبب تأثير مهاتير محمد، رئيس الوزراء المهيمن لأكثر من عقدين من الزمن".
انتقادات حادة
واسترجع المعهد الإسرائيلي تصريحات قديمة لأنور في مقابلة أُجريت معه عام 2012 مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، عندما كان زعيما بارزا للمعارضة؛ حيث صرح: "أنا أؤيد كل الجهود لحماية أمن دولة إسرائيل".
"مع تأكيده في الوقت نفسه التزام بلاده العميق بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حل الدولتين"، يقول المعهد.
ويضيف: "كما أوضح أنور أن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مشروط باحترامها لتطلعات الفلسطينيين".
واستطرد المعهد: "وظهرت انتقادات حادة من خصومه السياسيين بسبب ما عُدّ تصريحا غير مألوف، إن لم يكن مستفزا، بشأن أمن إسرائيل".

ووفق المعهد، ففي "هذه المرة أيضا، كان هناك انتقادات بعد مقابلته مع "سي إن إن"، خاصة أن تصريحاته انتشرت على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي".
وادعى المعهد أن الانتقادات والإدانات كانت هذه المرة، "محدودة نسبيا من حيث النطاق والشدة".
وأشار إلى أن أنور رد على المنتقدين، متهما إياهم بـ"خداع الرأي العام"، استنادا إلى مقطع فيديو "تم التلاعب به؛ حيث أُخرجت بعض الكلمات من سياقها".
"وأكد أنه لم يتغير شيء، وأن ماليزيا تظل ملتزمة بدعم فلسطين"، حسبما ذكر المعهد.
كما "جدد تصريحاته القاسية ضد إسرائيل، وقال: إن من يسأل هل إسرائيل موجودة، سيكون الجواب (نعم، هي موجودة)".
وتابع أنور: "لكن ماليزيا لم تعترف بها قانونيا قط، بل فقط بوجودها كحقيقة واقعة، والدليل أنه لا توجد علاقات دبلوماسية معها".
وبحسب المعهد، فقد "شدد على أن هذه المسألة مغلقة بالنسبة له، وأنه يجب المضي قدما".
تأثير الأقليات
وسلط المعهد الإسرائيلي الضوء على مقال نُشر في صحيفة ماليزية بواسطة صحفي محلي وكاتب عمود من أصل هندي، بعنوان: “لماذا أدعم موقف أنور بشأن حق إسرائيل في الوجود؟”
ورأى المعهد أن هذا المقال "شهادة مثيرة للاهتمام حول المواقف السائدة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بين مجموعات الأقليات، التي تشكل حوالي 40 في المائة من السكان، بما في ذلك الأقلية الصينية الكبيرة التي تليها الأقلية الهندية".
وفي بداية مقاله، زعم الكاتب أنه "يتحدث باسم غير المسلمين كافة في ماليزيا، قائلا إنه بشكل عام، وعلى عكس المسلمين هناك، ليس لدى الأقليات رأي سلبي تجاه إسرائيل، أو إيجابي جدا تجاه فلسطين".
فمن وجهة نظره، إنهم "يرون إسرائيل وفلسطين كأمتين في حالة حرب، تماما كما ينظرون إلى الحرب بين أوكرانيا وروسيا".
وتابع: "في معظم الحالات، نحن -غير المسلمين- نرى الحرب في الشرق الأوسط كحرب أجنبية، لا نريد أن نشارك فيها".
وأضاف: "عندما نرى الإيمان الصادق للمسلمين بأن العدالة مع فلسطين، بينما إسرائيل هي الشريرة، نعتقد أنهم يتخذون هذا الموقف بدافع التضامن مع الفلسطينيين".
وأكمل: "بعبارة أخرى، نحن نرى ذلك كدعم شخص لأحد أفراد أسرته، الذي يواجه صراعا من أجل الحياة ضد أحد الغرباء".
ويرى كاتب المقال أن "فهم موقف المسلمين لا يعني بالضرورة تأييده"، مشددا على أن الأقليات "تفهم رغبة المسلمين في أن تلعب ماليزيا دورا أكثر نشاطا في دعم الفلسطينيين في الصراع".
واستدرك: "ولكن في الواقع، لقد فعلت ماليزيا الكثير بالفعل من أجل الحرب في الشرق الأوسط".
وأردف: "علاوة على ذلك، فإن موقف المسلمين مقلق؛ لأنه إذا اضطرت ماليزيا للمشاركة في هذه الحرب، فلا ينبغي اختيار الجانب الضعيف ضد الجانب الأقوى بكثير، إسرائيل، كشيء مفروغ منه".
وعزا ذلك إلى "عدم تأكدهم مِن مَن هو المحق، ومن هو المخطئ"، مشترطا "دعم تطلعات الفلسطينيين إذا كانت نيتهم أن تكون ماليزيا وسيطا من أجل السلام في هذه الحرب".
وبالتالي، يرى كاتب المقال الماليزي أن "تصريحات رئيس الوزراء الماليزي، التي تفيد بأنه يوافق على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحقها في الوجود، يعد موقفا أوليا صحيحا لماليزيا".
ويوضح المعهد أن "التضامن السياسي والعاطفي القوي مع القضية الفلسطينية في ماليزيا، مرتبط إلى حد كبير ببناء هوية وطنية طويلة الأمد بين مجموعة الأغلبية المالاوية-المسلمة التي تشكل أكثر من 50 بالمئة من السكان".
حيث رصد وجود عملية "تعبئة للشعور بالتضامن الإسلامي العام، ودمج نغمات معادية للسامية ومعادية لإسرائيل، وكذلك معادية للغرب ومعادية للاستعمار، في هذا البناء الهوياتي".
وزعم أن "هذا المزيج قد لا يمثل مشكلة كبيرة من وجهة نظر مجموعات الأقليات فحسب، بل قد يمتد لقطاعات أخرى لا تدعم بالضرورة موقف بلادهم تجاه الحرب بين إسرائيل وحماس".
وادعى المعهد أن معارضي الحكومة ومنظمات المجتمع المدني "يعبرون عن عدم ارتياحهم من موقف الحكومة تجاه حماس".
وبحسب المعهد، فإنهم "يخشون من أن هذا الموقف قد يضر بمصالح ماليزيا، وأن تمويل حماس من قبل منظمات ماليزية مؤيدة للفلسطينيين قد يعرضها لعقوبات من الغرب".
رسالة للخارج
وفسر المعهد دوافع أنور إبراهيم بشأن تصريحاته الأخيرة؛ إذ رجح أن "تكون تصريحات أنور غير المألوفة بشأن إسرائيل موجهة بشكل أساسي إلى الساحة الدولية".
وتابع: "وذلك في محاولة لتحسين الصورة في الغرب خاصة؛ لتخفيف التوتر في العلاقات مع واشنطن على خلفية علاقاته مع قيادة حماس".
وأضاف: "أو ربما في محاولة للإشارة إلى أن ماليزيا، على الرغم من كل شيء، هي شريك في جهود السلام في الشرق الأوسط".
ووفق المعهد، فقد "تكون هذه الإشارة مرتبطة بفهم أن أنور يسعى لقيادة دبلوماسية نشطة في منطقة الشرق الأوسط، لتعزيز مكانته في الساحة الدولية".
واستطرد: "ويبدو أن أنور يسعى أخيرا إلى تخفيف الضغوط على ماليزيا نظرا لعلاقاتها مع حماس، حيث يرغب في أن يُنظر إلى بلاده أنها تتخذ موقفا داعما لجهود السلام من خلال الاتصال بالجسم السياسي لحماس، دون أي تدخل في الأنشطة العسكرية للحركة".
إذ يرى أنور أن "شبكة العلاقات مع حماس تمنحه ميزة في محاولة تحقيق السلام في الشرق الأوسط"، بحسب ما ورد في المعهد.
مع ذلك، يرى المعهد أن "خطاب أنور مليء بالتناقضات، مضيفا أنه "يبدو أننا سنضطر إلى الانتظار لفهم ما إذا كانت تصريحاته مجرد حادثة عابرة، أم لعبة علاقات عامة أمام الساحة العالمية، أم سعي للتدخل في الشرق الأوسط، أم ربما علامة أولية جدا لتغيير في الاتجاه؟".