حقائق وأرقام.. كيف تدمر سياسات نتنياهو إسرائيل من الداخل؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حذّر مسؤول سابق في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقود إسرائيل نحو مسار قد يجعلها دولة ضعيفة، إن لم تكن فاشلة.

وفي مقال نشره موقع القناة الـ 12 العبرية، رأى الرئيس السابق لبرنامج الاقتصاد والأمن القومي بالمعهد "عيران يشيف" أن "التهديدات الإستراتيجية وحالة الضعف التي تشهدها إسرائيل، تشكلان خطرا وجوديا عليها".

وهو ما يبرر، وفق رأيه، الدعوات المتكررة إلى إضراب عام في الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في ظل المخاوف من تعطيل الانتخابات البرلمانية (الكنيست) أو حتى تأجيلها.

وتحدث عن حقائق جوهرية تكشف انعكاسات التحول السياسي والسياسات العسكرية في غزة على الاقتصاد الإسرائيلي والوضع الداخلي للمجتمع، مشددا على أن هذه المعطيات تعزز التحذيرات من خطورة المسار الراهن.

هجرة مستمرة 

أول هذه الحقائق، بحسب أستاذ الاقتصاد الإسرائيلي أنه منذ بداية ما يُعرف بالانقلاب القضائي وحتى اليوم، بلغ صافي الهجرة السلبية (أي الفارق بين المغادرين والوافدين) نحو 110 آلاف شخص.

وشهدت إسرائيل منذ مطلع العام 2023 محاولات من قبل حكومة نتنياهو لإقرار حزمة قوانين تهدف إلى إجراء "إصلاحات قضائية".

لكنّ معارضين وصفوها بأنها انقلاب هدفه التحكم بالقضاء، ما دشّن احتجاجات واسعة لعدة شهور قبل تجميدها بالكامل بفعل بدء العدوان على غزة.

وتشير بيانات دائرة الإحصاء المركزية إلى أن وتيرة المغادرة في عام 2025 تشبه السنة التي سبقتها، مع توقعات أن العدد قد يصل إلى 140 ألف مغادر بحلول نهاية 2025.

وأشار الكاتب إلى أن "قطاع التكنولوجيا المتقدمة، الذي يعدّ محركا رئيسا لنمو الاقتصاد ومصدر دعم للطبقات الضعيفة، سيكون أكثر القطاعات تأثرا؛ نظرا لأنه يشكل أكثر من ثلث إيرادات ضريبة الدخل من الموظفين".

وحذّر من أن "هذا القطاع يضمّ حوالي 400 ألف موظف، وإذا غادر منهم حوالي 300 ألف، فإن مساهمته في الاقتصاد والدولة ستتضرر بشكل بالغ".

وأردف: "إذا استمرت وتيرة الهجرة أو تسارعت، فقد نصل إلى هذا السيناريو خلال سنوات قليلة".

تكلفة باهظة 

الحقيقة الثانية التي توضح عمق الأزمة، تتمثل بخطة احتلال قطاع غزة؛ إذ يرى الكاتب أن "تكلفة إدارتها وتقديم المساعدات الإنسانية لها باهظة للغاية".

تتحدث التقديرات عن نفقات سنوية تتراوح بين 60 و70 مليار شيكل (16.2 و18.9 مليار دولار أميركي)، إضافة إلى عشرات المليارات كتكاليف إعادة إعمار لمرة واحدة".

ومن المثير للدهشة -وفق الكاتب- أن "الحكومة لم تُجرِ دراسة جدية لهذه التكاليف، واتخذت قراراتها دون النظر إلى الأثر الاقتصادي".

ولفت إلى أن "التقديرات المتداولة في الإعلام حول تكاليف الاحتلال تتباين بعشرات المليارات، ما يجعل التقييم الدقيق صعبا.

إلا أن الأرقام تؤكد أن الكلفة بالسنة الأولى قد تتراوح ما بين 75 و100 مليار شيكل (20 و27 مليار دولار أميركي تقريبا)، أي نحو 5 بالمئة من الناتج المحلي.

وتابع: "للمقارنة، نما الاقتصاد الإسرائيلي بأقل من 2 بالمئة عام 2023، وبنحو 1 بالمئة عام 2024، أي أن الكلفة تفوق بكثير معدل النمو".

يضاف إلى ذلك عقوبات أوروبا المتوقعة على إسرائيل، ما سيضر بتجارتها، خصوصا أنها الشريك التجاري الأكبر لها، متقدمة بفارق كبير على واشنطن.

ونبَّه الكاتب إلى أن "وكالات التصنيف الائتماني خفضت تصنيف إسرائيل الائتماني عدة مرات خلال هذه الفترة، مع مخاطر مرتفعة لتخفيضات إضافية".

نتيجة لذلك، أشار إلى انخفاض الاستثمارات في الاقتصاد، بينما ترتفع سنويا في الظروف العادية؛ حيث كان معدل نموها سلبيا في عامي 2023 و2024.

وأردف: "أما في قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على المستثمرين الأجانب، فقد شهد أيضا انخفاضا حادا في الاستثمارات".

من جانب آخر، يقدر الكاتب أنه "بعد حرب قاربت السنتين، خلّفت مئات القتلى وآلاف الجرحى وانخفاضا حادا في معدلات التجنيد، خاصة بين الحريديم (اليهود المتشددين)؛ سيجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في مواصلة القتال في غزة وعلى جبهات أخرى".

واستطرد: "النقص في القوى البشرية يُقدر بعشرات الآلاف، ومن المرجح أن يتفاقم مع مرور الوقت، خاصة في ظل استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط بموجب أمر التعبئة رقم 8".

خطر وجودي

على صعيد الدعم الدولي لتل أبيب، استبعد الكاتب أن تواصل الولايات المتحدة دعم الحرب الإسرائيلية. 

وقال: "خلال العامين الماضيين، قدمت واشنطن أكثر من 23 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، لكن من غير المرجح أن تستمر في تقديم دعم بهذا الحجم".

وتوقع عدم تجاوز الدعم المستقبلي عشر هذا الرقم، بفعل السياسات المعلنة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وضغوط قاعدته الانتخابية المتزايدة.

ومن وجهة نظره، تشير هذه الحقائق إلى أن "إسرائيل تتحول بسرعة إلى دولة لا تكفي فيها الموارد البشرية والمالية للحفاظ على مستوى المعيشة الحالي، ولا حتى لتحمل العبء الأمني، ومن هنا ينبع الخطر الوجودي".

وعزا هذا الوضع إلى "استمرار حكومة نتنياهو في اتباع مسارين متكاملين: الأول، الدفع نحو تحول سياسي يُخيف المستثمرين، ويؤدي إلى هجرة العقول، ويقوض أسس المجتمع والاقتصاد".

والثاني: تبني سياسة عسكرية عدوانية تكرس حالة الحرب وتجهض أي تسوية سياسية محتملة، مع هدر هائل للموارد.

انحدار النظام

وتابع الكاتب محذرا: "تشير تجارب دول عديدة إلى أن الزيادة الحادة في الإنفاق العسكري غالبا ما تقترن بانحدار النظام الديمقراطي وظهور نتائج سلبية أخرى".

"ففي مثل هذه الحالات، تحوّل الموارد الوطنية من الاستثمار في التعليم والصحة، والرفاهية والبنية التحتية، إلى التسلح وتعزيز سلطة النظام وقمع المعارضة الداخلية.

وأضاف: "غالبا ما تترافق هذه التحولات مع انتهاك الحريات الفردية، وإضعاف مؤسسات الرقابة والقضاء، وتعزيز سيطرة الحاكم الفرد أو مجموعة ضيقة على مراكز القوة".

وضرب عدة أمثلة على ذلك، منها ما حدث في اليونان أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات تحت حكم المجلس العسكري؛ حيث تضخمت ميزانية الدفاع بالتزامن مع فرض قيود على حرية التعبير وملاحقة معارضي النظام.

واستشهد كذلك بحقبة حكم العسكريين للأرجنتين خلال السبعينيات، حين رافق الإنفاق العسكري المرتفع انتهاكات جسيمة وعنيفة لحقوق الإنسان وانهيار ثقة الجمهور بالمؤسسات.

وينطبق الأمر كذلك على تشيلي في عهد أوغستو بينوشيه بعد انقلاب عام 1973؛ حيث ارتفع الإنفاق على الجيش بشكل كبير تزامنا مع قمع وحشي للمعارضين.

أما في دول المنطقة، فاستشهد المقال بتركيا في الثمانينيات بعد الانقلاب العسكري؛ حيث ارتفعت ميزانية الدفاع بالتزامن مع تقليص الحريات المدنية.

واختتم أمثلته بالحديث عن باكستان قائلا: "شهدت إسلام آباد فترات من الحكم العسكري أدت إلى تحويل الموارد من المجتمع المدني لصالح جيش قوي، مع استمرار الإضرار بالنظام القضائي والإعلام الحر".

قبضة الشركاء

وفي تفسيره لأسباب تمسك نتنياهو بهذا المسار، يعتقد الكاتب أنه "نظرا لعدم تمكنه منذ عام 2019 من تحقيق أغلبية مستقرة في الكنيست، ومع التهم الجنائية التي يواجهها منذ 2022؛ اتجه رئيس الوزراء إلى التحالف مع مجموعتين دينيتين تعد الديمقراطية والحداثة مفاهيم غريبة عنهما".

"وبهذا، أتت الحكومة التي شكلها في أواخر عام 2022 لتمثل تحالفا بين حاكم أوتوقراطي ضعيف (لا يملك أغلبية صلبة) وبين تلك المجموعات".

وهو ما أفرز نظاما في إسرائيل يجمع بين الثيوقراطية (الحكم الديني) والكليبتوقراطية (حكم قائم على الفساد ونهب المال العام).

ويعتقد الكاتب أن "نتنياهو، الذي يحيط نفسه بأشخاص يوصفون بأنهم ضعفاء أو متطرفون، ويتأثر بضغوط عائلية معقدة؛ غير قادر على التحرر من قبضة شركائه السياسيين".

واستطرد: "كما أن إرثه السياسي يبدو كارثيا، وربما هو يدرك ذلك، لكن كل ما تبقى له، الاستمرار في تضليل الرأي العام بتصريحات وخطط وهمية، في سلوك مقامر يزيد من حجم رهانه باستمرار".

ويقدر أنه "منذ اللحظة التي تعافى فيها نتنياهو من صدمة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أدرك أنّ عليه تحميل المسؤولية كاملة للجيش وجهاز الشاباك (الأمن العام)، وأن يطيل أمد الحرب".

وبحسب الكاتب فإن "هذا الإطالة قد تمنحه في عام 2026 ذريعة لتأجيل الانتخابات البرلمانية". ولذلك توقع أنه "حتى لو تراجع نتنياهو عن فكرة احتلال غزة بشكل كامل، فإن الإبقاء على حالة الحرب سيكون خياره الدائم ونهجه الأساسي".