تحول إستراتيجي كبير.. ماذا يعني دخول الجيش السوري للمناطق المحررة بالشمال؟

منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تشهد الساحة السورية، خصوصا مناطق الشمال، تطورات لافتة يُتوقع أن تؤثر على التوازنات الإقليمية بالمنطقة في المرحلة المقبلة، بحسب صحيفة "حرييت" التركية في مقال للكاتب "سيدات أنجين".

فقبل أيام، دخلت وحدات عسكرية تابعة للإدارة الجديدة في دمشق إلى منطقة "عملية غصن الزيتون"، وتحديدا مدينة عفرين، التي حررتها تركيا من الانفصاليين الأكراد عام 2018.

ويُعد دخول وحدات "القيادة العامة" التابعة لرئيس سوريا الجديد أحمد الشرع إلى المدينة مؤشرا على بداية مرحلة جديدة في البلاد، بل ويعكس العديد من القضايا التي ستواجه الأطراف المختلفة خلال الأشهر والسنوات المقبلة.

عملية غصن الزيتون

في الربع الأول من عام 2018 أطلقت تركيا عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة عفرين؛ حيث كان تنظيم وحدات حماية الشعب، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، يملك وجودا عسكريا كبيرا. 

وتمّت العملية في منطقة عفرين المحاذية لولاية هاتاي التركية بين 20 يناير و24 مارس 2018، بالتعاون مع عناصر "الجيش الوطني السوري"، المعروف سابقا باسم الجيش السوري الحر.

وأسفرت عن طرد عناصر وحدات حماية الشعب من المنطقة. وبالتزامن مع ذلك، اضطر العديد من العائلات الكردية إلى مغادرة المنطقة والتوجه نحو مناطق أخرى، مثل تل رفعت.

وعلى مدار السنوات السبع الماضية تولت قوات الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا مسؤولية الأمن في المنطقة، مما عزز نفوذها في الشمال السوري. 

واليوم بعد سبع سنوات من هذه العملية، ومع انتهاء الحرب في سوريا واستقرار الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع في دمشق، بدأ الجيش الوطني الجديد في التحرك نحو المناطق الشمالية التي تعدها تركيا ساحة عمليات عسكرية لها.

ويبدو أن هذه الخطوة تمت إلى حد كبير بالتنسيق بين إدارة الشرع وتركيا؛ حيث أصبحت هذه المنطقة، التي كانت حتى وقت قريب خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة، جزءا من نطاق سيادة دمشق بعد سقوط النظام السابق.

لاحقا مع دخول قوات "القيادة العامة" إلى المنطقة، انتقلت مسؤولية السيطرة على عفرين وضمان أمنها من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا إلى الإدارة الجديدة، ما يعكس تحولا مهما في المشهد السياسي والعسكري في سوريا.

ويتماشى هذا التطور مع أهداف الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع في تحقيق الوحدة السياسية لسوريا وضمان سلامة أراضيها، وهو الأمر الذي قد يؤثر على التوازنات الإقليمية في المستقبل القريب.

تطورات مهمة

وفي هذا الصدد، لفت الكاتب التركي إلى أن الساحة السورية شهدت تطورات عسكرية وسياسية مهمة؛ خاصة فيما يتعلق باندماج الفصائل المسلحة ضمن الجيش الوطني السوري مع الجيش السوري الجديد.

فخلال "مؤتمر النصر" الذي عُقد في دمشق في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، تعهدت هذه الفصائل بالانضمام إلى الجيش الجديد والخضوع لهيكل قيادته وأوامره، وهو ما يعد خطوة رئيسة نحو توحيد القوى العسكرية تحت سلطة مركزية واحدة.

ويمكن النظر إلى التطورات الأخيرة في مدينة عفرين على أنها امتداد طبيعي للقرار الذي تم اتخاذه في 29 يناير؛ حيث أصبحت العناصر التابعة للجيش الوطني السوري في هذه المنطقة خاضعة لنظام القيادة والسيطرة الجديد. 

وفي الوقت نفسه يستمر المجلس المحلي في عفرين بأداء مهامه خلال المرحلة الانتقالية، وذلك في إطار الترتيبات السياسية والعسكرية الجارية.

والتطورات في عفرين تتزامن مع استمرار النقاشات حول مصير المناطق الموجودة شرقَ نهر الفرات والواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تهيمن عليها تنظيمات "حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب".

 وهذه المناطق تُشكّل نحو ثلث الأراضي السورية، مما يجعل مستقبلها محورا رئيسا في المفاوضات السياسية والعسكرية.

ويشدد أحمد الشرع على ضرورة عودة هذه المناطق إلى سلطة الإدارة المركزية في دمشق، ويؤكد أن عناصر قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تتخلى عن أسلحتها وتندمج ضمن الجيش السوري الجديد، بدلاً من الاستمرار في هياكلها التنظيمية الحالية. 

ويبدو أن هناك توافقا بين أنقرة والشرع بشأن هذه المسألة، ولذلك قد يؤثر هذا التنسيق على مسار الحل في هذه المناطق.

من الناحية العملية، فإن دخول الجيش السوري إلى عفرين، التي أصبحت منذ 2018 منطقة عمليات تركية، يعزز موقف دمشق المُصَرّح بضرورة استعادة السيطرة المركزية على الأراضي السورية كافة. 

ومع ذلك، يثير هذا الأمر تساؤلات حول إمكانية توسيع هذا التوجه ليشمل مناطق أخرى خاضعة للنفوذ التركي والجيش الوطني السوري، مثل منطقة درع الفرات والتي تمتد لمسافة 107 كيلومترات، من جرابلس إلى أعزاز، جنوب غرب مدينة كليس التركية، أو منطقة نبع السلام التي تمتد بطول 155 كيلومترا على الحدود السورية-التركية بين تل أبيض ورأس العين في شرق الفرات.

ومن المتوقع أن يتم نقل الصلاحيات في هاتين المنطقتين بشكل تدريجي، وذلك وفقا لمجريات الحوار بين أنقرة ودمشق. 

إلا أن منطقة "نبع السلام" قد تستغرق وقتا أطول بسبب تعقيدات الوضع القائم هناك، خاصة فيما يتعلق بمستقبل "حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب/قوات سوريا الديمقراطية" القريبة منها.

في النهاية، يبقى اندماج الجيش الوطني السوري مع القيادة العامة للجيش السوري خطوة موازية لاستكمال هذه التطورات، وهو ما قد يسهم في إعادة تشكيل المشهد العسكري والسياسي في شمال سوريا خلال الفترة القادمة.

طريق طويل

وأضاف الكاتب التركي أن التطورات الراهنة تفرض نفسها على المشهد الإقليمي والدولي. ومن بين الملفات البارزة التي تنتظر الحل، هناك قضيتان رئيستان تتطلبان إجراءات عاجلة وتفاهمات شاملة.

وأن القضية الأولى هي عودة النازحين الأكراد إلى عفرين. فمنذ عملية "غصن الزيتون" العسكرية عام 2018 اضطر آلاف الأكراد إلى مغادرة منطقة عفرين.

وتشير تقديرات أممية إلى أن عدد النازحين يتراوح بين 75 ألفا و100 ألف شخص. وهذه القضية لا تزال تُشكّل أحد التحديات الإنسانية والسياسية المطروحة على طاولة المفاوضات.

في هذا الإطار، تعهّد الشرع في ديسمبر/ كانون الأول 2024 بالسماح بعودة الأكراد الذين غادروا المنطقة، مشددا على ضرورة إعادة سكان عفرين إلى قراهم ومنازلهم. 

وقد جاء هذا التصريح خلال مقابلة أجراها مع قناة "العربية"، حيث أكد أن الحكومة السورية ستعمل على تسهيل عودة النازحين.

بالتزامن مع ذلك، نقل تقرير صحفي عن موقع "T-24" أن المجموعات الكردية المتواجدة في عفرين استقبلت قوات دمشق بحفاوة عند وصولها إلى المنطقة، وهو ما يعكس تفاعلا إيجابيا مع التطورات الجديدة.

وإلى جانب ملف النازحين تبرز قضية أخرى تتعلق بتعزيز سلطة الحكومة السورية على كامل أراضي البلاد، وهو أمر يُنظر إليه على أنه شرط أساسي لاستقرار الوضع الداخلي. فتحقيق هذه السيادة يتطلب جملة من الترتيبات، منها تنظيم وضع القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية. 

ومن بين هذه التحديات تبرز قضية تحديد وضع القوات التركية المنتشرة في إدلب ومنطقتي "درع الفرات" و"نبع السلام"، وما إذا كان سيتم التوصل إلى تفاهمات بشأن مستقبل وجودها.

ومن المرجح أن تكون هذه القضايا محورا أساسيا في المحادثات المستمرة بين دمشق وأنقرة، حيث يسعى الطرفان إلى التوصل إلى آليات تعاون عسكري جديدة. 

وفي ضوء هذه التطورات، لا يُستبعد أن تُفضي المفاوضات إلى توقيع سلسلة من الاتفاقيات التي تعزز التعاون الأمني بين الجانبين.

مع ذلك، لا تزال هذه العملية في مراحلها الأولى، ومن الواضح أن الطريق نحو تفاهمات شاملة لا يزال طويلا في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتشابك المصالح الدولية في سوريا.