صعود هيئة تحرير الشام في سوريا.. المخاوف المصرية والتداعيات الإقليمية

“في ظل التغيرات المتسارعة في المنطقة يشعر السيسي بقلق متزايد”
بعد إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أظهرت ردود الفعل في مصر تخوف نظام عبد الفتاح السيسي من تأثير ذلك عليه.
ونشرت صحيفة "إندبندنت" بنسختها التركية مقالا للكاتب، فائق بولوت، قال فيه: إن "تولي أحمد الشرع قيادة سوريا بعد نهاية حقبة الأسد، أثار ردود فعل قوية في العالم العربي، حيث احتفل البعض عادّين الحدث تحولا تاريخيا".
وذكر الكاتب التركي أن "السيسي كان يراقب الأحداث في دمشق باهتمام بالغ، وكان يدرك أن هذا التحول قد يمتد إلى الدول المجاورة".
واستطرد: “على إثر ذلك، حذر السيسي دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، مما عده خطرا على نظامه وباقي الدول الداعمة له”.
وانتشرت شعارات على منصات التواصل الاجتماعي تستهدف السيسي، مثل: "الآن جاء دورك، أيها الدكتاتور!"، وهو ما يعكس السخط تجاه النظام المصري.
حالة تأهب
وأكد الكاتب أنه "في ظل التغيرات المتسارعة في المنطقة يشعر السيسي بقلق متزايد؛ إذ يرى أن التنظيمات (الثورية) قد تشكل تهديدا يمتد إلى مصر، وهو ما يجعله حذرا في تعامله مع هذه التطورات".
وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية بدأت في التقرب من القادة الجدد في سوريا، فإن نظام السيسي حافظ على موقف حذر.
وبعد أسابيع من أحداث سوريا، تواصل وزير خارجية النظام المصري بدر عبد العاطي مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دمشق، وعبّر عن أمله في أن تكون الفترة الانتقالية للحكومة الجديدة "شاملة ومرحبة".
وفي إطار المساعدات الإنسانية، أرسلت القاهرة طائرة مساعدات إلى دمشق، مما يعكس توازنها بين تقديم الدعم والمضي في تحركات سياسية حذرة، وفق بولوت.
وأضاف: "من جانبها اتخذت حكومة السيسي تدابير أمنية مشددة؛ حيث أصدرت تحذيرات لشركات السفر من إدخال السوريين إلى مصر دون تصريح إقامة مؤقتة، وتم اعتقال حوالي 30 سوريا في القاهرة كانوا يحتفلون بتحرير بلادهم، تم ترحيل ثلاثة منهم، كما ألغت تسهيلات الفيزا التي كانت قد قدمتها لـ150 ألف سوري".
من جهة أخرى، وفي اجتماع لوزراء الخارجية في الرياض، اقترح وزير الخارجية المصري شروطا لإقامة علاقات طبيعية مع الحكومة السورية الجديدة، وأكّد على ضرورة ألا تستضيف سوريا أو ترسل إلى دول الجوار أي شخص يعده المجتمع الدولي "إرهابيا".
كما شدد على ضرورة أن تبتعد الحكومة السورية الجديدة عن "دعم الإرهاب أو حماية الجهاديين"، وفق ادعائه.
وعلق الكاتب بأن نظام مصر "يسعى بهذه الخطوات إلى تحقيق توازن دقيق بين تقديم الدعم الإنساني والسياسي، وبين اتخاذ تدابير أمنية مشددة للحفاظ على استقراره".
وتابع: “بعد إسقاط نظام الأسد، بدأ العديد من الأحزاب والحركات السياسية في مصر بتحديد مواقفها بشأن التطورات في سوريا، وهو ما انعكس بشكل واضح في التغطية الإعلامية والتصريحات السياسية”.
وواصلت حينها قنوات التلفزيون المصرية بث صور الحرب الأهلية في سوريا والدول المجاورة، مع تكرار تصريحات السيسي التي أشار فيها في خطاب عام 2017 إلى أن "الذين يقفون وراء الحرب الأهلية في سوريا يسعون لنقل هذه الكارثة إلى مصر".
أما الأحزاب المعارضة في مصر، فقد طالبت بإجراء إصلاحات سياسية وفقا لدستور 2014، وحذّرت من أن أي تغيير في النظام السوري يجب أن يتماشى مع هذه الإصلاحات، كما دعا المعارضون إلى ضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
من ناحية أخرى، أشار مسؤولون في جامعة الأزهر إلى أن الأحداث في سوريا وطموحات إسرائيل التوسعية "تشكل تهديدا للمنطقة".
فيما أكد الحزب الاشتراكي المصري أن سقوط نظام الأسد يعود إلى احتكار السلطة وعدم استجابته لمطالب الشعب.
تهديد صريح
ورغم إعلان الشرع بأن "الثورة انتهت وأنه حان وقت بناء الدولة ولن يكون هناك تصدير للثورة"، فإن بعض المصريين الذين قاتلوا في سوريا “لم يلتزموا بهذه التوجيهات”، بحسب بولوت.
وأشار إلى أن أحد أبرز هؤلاء هو المصري أحمد منصور، الذي كان سابقا في صفوف "جيش الفتح" قبل أن ينتقل إلى هيئة "تحرير الشام".
ففي 12 يناير/ كانون الثاني 2025 ظهر منصور في فيديو نشره عبر منصة “يوتيوب”، برفقة ملثميْن، معلنا تأسيس حركة "ثوار 25 يناير"، ومؤكدا أن هدفه الرئيس هو إسقاط السيسي.
وفي مقطع الفيديو ذاته لم يكتفِ منصور بالإعلان عن حركته الجديدة، بل وجّه تهديدا مباشرا للنظام المصري.
كما قدّم منصور قائمة مطالب، من بينها انسحاب الجيش المصري من الحياة السياسية، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية.
وذكر الكاتب التركي أن "هذه التصريحات أحدثت حالة من التوتر في الساحة السياسية المصرية؛ حيث تصاعدت التحذيرات من خطورة الدعوات التي قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الداخلية، بل وحتى إشعال حرب أهلية".
ولذلك لم تصدر دمشق أي تعليق رسمي على هذه التطورات في البداية، لكن ومع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية والتوتر الحاصل في مصر، قامت السلطات السورية باعتقال منصور وبعض رفاقه، في خطوة فسّرها البعض على أنها محاولة لتجنب إثارة أزمة دبلوماسية مع القاهرة.
في المقابل، عبّر إعلام السيسي خلال تصريحات عمرو أديب، عن قلقه من أن تتحول دمشق إلى منصة لتهديد أمن مصر، وشدّد على رفض أي تدخل يستهدف استقرار البلاد.
وأشار بولوت إلى أن هذه التصريحات "تعكس حجم القلق المصري من أي محاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي، خاصة إذا كانت تلك المحاولات تتم انطلاقا من أراضٍ سورية".
ولفت إلى أن نظام مصر “يواصل مراقبة الوضع عن كثب، لضمان عدم تحوّل أي منطقة خارج الحدود إلى قاعدة لانطلاق العمليات التي تستهدف استقراره الداخلي”.
وختم بولوت مقاله متسائلا: “في ظل هذه الأوضاع، يبقى السؤال المطروح هو: هل يستطيع نظام السيسي تحييد هذه التهديدات قبل أن تتفاقم؟”