مركز تركي: هكذا استفادت إيران من طوفان الأقصى لكن أرباحها لن تدوم
إيران تقترب من نهاية سياسة "الصبر الإستراتيجي"
في الأسابيع الأخيرة، يكرر مسؤولو إيران أن بلادهم سترد بشكل حاسم على أي مغامرة إسرائيلية تستهدف بلدهم، عقب الهجوم الباليستي الذي استهدف مواقع عسكرية إسرائيلية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ردا على اغتيال حسن نصرالله وإسماعيل هنية.
وفي هذا السياق، نشر مركز الدراسات الإيرانية التركي مقالا للكاتب "رحيم فرزام" ذكر فيه أن إيران على وشك الانجرار إلى حرب واسعة النطاق، والتي كانت تناور لتجنبها منذ 7 أكتوبر 2023.
الصورة تتغير
وذكر الكاتب أن تقييمات العديد من الخبراء تشير إلى أن إيران كانت واحدة من الدول التي استفادت بشكل كبير من بعد عملية "طوفان الأقصى"، على الرغم من عدم تدخلها المباشر في الأزمة.
ويمكن القول إن أحد الأرباح الإستراتيجية لإيران كانت إيقاف عملية التطبيع المستمرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، والتي كانت تزعج طهران بشكلٍ كبير.
ومع ذلك، فقد تغيرت الصورة بشكل كبير في العام الماضي ضد إيران و"المحور المقاوم".
وتابع: لقد فَقَدَ أكثر من 30 عضوا في الحرس الثوري، بمن في ذلك قادة عسكريون كبار، حياتهم في الهجمات التي نفذتها إسرائيل في لبنان وسوريا منذ 7 أكتوبر 2023.
ومع استهداف إسرائيل لمبنى القنصلية في السفارة الإيرانية في دمشق في 1 أبريل 2024، تم نقل الاشتباكات التي كانت تجرى عبر القوى الوكيلة لأراضي إيران لأول مرة.
وأظهر اغتيال إسماعيل هنية أن هيئات المخابرات والأمن الحساسة في إيران هشة أمام تأثير إسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك وبسبب القرب الجغرافي من إسرائيل والقدرة العسكرية التي تمتلكها والانتماء الأيديولوجي لطهران، فإن إستراتيجية ردع إيران والأساس الذي يعتمد عليه تأثيرها الإقليمي وهو حزب الله تعاني من خسائر لا يمكن تعويضها بل وتستمر في المعاناة منها.
حاليا تواجه إيران خطر الانزلاق نحو حرب شاملة تحاول تجنبها منذ 7 أكتوبر بسبب التحركات المتنوعة التي قامت بها.
الدفاع المتقدم
وأردف الكاتب أن القوات الوكيلة تلعب دورا أساسيا في تأمين إيران، وبعبارة أخرى، تعتمد إستراتيجية الدفاع الإيرانية على إنشاء ردع من خلال القوات الوكيلة التي تنفق مليارات الدولارات على تدريبها وتجهيزها وتسليحها.
ويلعب حزب الله دورا مركزيا في هذا المفهوم المعروف باسم عقيدة الدفاع المتقدم، وذلك بسبب الولاء الأيديولوجي لحزب الله لولاية الفقيه، والقرب الجغرافي من إسرائيل، والقدرة العسكرية التي يمتلكها.
وقبل كل شيء فإن حزب الله يُعد الحليف الأكثر ثقة بالنسبة لطهران بين القوات الوكيلة، وذلك بسبب الروابط الطائفية والأيديولوجية.
بالإضافة إلى ذلك، تمنح سيطرة حزب الله على جنوب لبنان عمقا إستراتيجيا لإيران، وتمنحها إمكانية الوصول المباشر إلى إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القوة الصاروخية المزعومة التي يمتلكها حزب الله تعد عاملا ردعيا لمنع إسرائيل من القيام بأي عمل عسكري مباشر ضد إيران.
ولذلك، أثارت الضربات المتتالية التي تلقاها حزب الله في الأشهر الأخيرة حاجة إيران إلى إعادة النظر في إستراتيجية الدفاع الخاصة بها التي تعتمد بشكل كبير على القوات الوكيلة.
في الواقع، لقد زادت النقاشات حول "ضرورة وجود عقيدة أمنية جديدة لإيران" في الأسابيع الأخيرة بسبب التوتر المتزايد مع إسرائيل.
وأضاف: إن النخبة السياسية الإيرانية، التي تتألف بشكل كبير من الشخصيات المقربة من النظام، تدعم اتخاذ التدابير اللازمة، بما في ذلك امتلاك الأسلحة النووية، وذلك لضمان أن لدى إيران ردعا فعالا.
ونظرا لأن حزب الله يُعد لدى إيران الأكثر شعبية وتأثيرا بين المجموعات المسلحة في محور المقاومة؛ بسبب الخلفية التاريخية والتدريب العسكري والتجهيزات، فقد أثارت الهجمات التي تعرض لها أخيرا شكوكا جدية بشأن التزام إيران بحماية "حلفائها" في المحور.
توازن جديد
وأشار الكاتب إلى أن "حروب الظل"، التي كانت تتميز بالعمليات السرية والهجمات الجوية المستهدفة واستخدام القوات الوكيلة، قد تحوّلت إلى صراع مباشر بين البلدين بعد استهداف إسرائيل لمبنى القنصلية في السفارة الإيرانية في دمشق في 1 أبريل/ نيسان 2024.
وقد وصفت إيران هذا الهجوم بأنه انتهاك صريح للسيادة الوطنية، وردت بالاعتداء المباشر على إسرائيل في 13 أبريل بواسطة عدد كبير من الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية للمرة الأولى.
ولذلك فقد أعلن اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، في تصريحاته بعد هذا الهجوم أن بلاده اعتمدت معادلة جديدة تتمثل في الرد المباشر على أي هجوم يستهدف مصالح إيران ومواطنيها وأصولها من قبل إسرائيل.
ومع ذلك، فقد أظهر اغتيال إسماعيل هنية أن عملية "الوعد الصادق-1" التي نفذتها إيران في 13 أبريل لم ترهب إسرائيل.
ورغم التصريحات القاطعة بشأن "الانتقام" التي تمّ الإدلاء بها من قبل المسؤولين الإيرانيين، بمن في ذلك المرشد علي خامنئي، تم تأجيل الرد المحتمل إلى موعد لاحق بسبب الاعتقاد بأن الاغتيال كان فخا مدبرا من قبل إسرائيل لدفع إيران إلى حرب كبيرة.
وقد تم تفادي الضغوط الواردة من الرأي العام المحلي للرد بواسطة تأجيل الرد المحتمل، وذلك لعدم إضرار المفاوضات المستمرة لوقف إطلاق النار في غزة.
في الواقع قال الرئيس مسعود بزرشكيان، في تصريحاته للصحافة الأميركية أثناء زيارته للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 23 سبتمبر، إنّ إيران "مستعدة لتخفيف التوتر" إذا قدمت إسرائيل التزاماً مماثلاً".
ومع ذلك، بناءً على تصاعد الهجمات التي تشنّها إسرائيل على القوات الوكيلة الإيرانية ومقتل نصر الله ونائب قائد قوة القدس في الحرس الثوري عباس نيلفروشان، أصبحت هذه الفترة نقطة تحول بالنسبة للحكومة الإيرانية.
وبالنسبة لوجهة النظر الإيرانية بأنّه إذا استمرت إسرائيل في تجاهل إجراءاتها، فإن ذلك سيؤدي إلى تقويض الثقة في إيران سواء داخلياً أو في محور المقاومة، وقد يشجع إسرائيل على التوجه إلى سوريا بعد لبنان ثم العراق وأخيراً إيران.
في النهاية، نفذت إيران هجوماً صاروخياً مفاجئاً على إسرائيل في 1 أكتوبر. وعلى الرغم من أنه كان متوقعاً، إلا أن التوقيت كان مفاجئاً.
وتابع: هدفت الحكومة الإيرانية من خلال هذا الهجوم إلى وقف الهجمات المتزايدة التي تستهدف إيران والقوات الوكيلة.
ومع ذلك، بناءً على استمرار إسرائيل في شن هجماتها على حزب الله والتحضير للرد على إيران، لا يمكن القول أنّ هجوم "الوعد الصادق-2" قد حقق النتيجة المطلوبة.
في الواقع، يمكن القول إن الحكومة الإيرانية تتحمل مخاطر كبيرة من خلال هذا الهجوم. حيث تشير المعلومات الاستخباراتية التي تسربت إلى وسائل الإعلام الدولية بشأن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي والتحضيرات للرد من قبل إسرائيل إلى أن إسرائيل تخطط لهجوم كبير يفوق التوقعات.
وختم الكاتب مقاله قائلاً: قد يؤدي رد قوي من إسرائيل إلى بدء دورة انتقامية تتحول بين البلدين إلى صراع أوسع نطاقاً، وقد يدفع الاستشعار المتزايد للتهديد في طهران إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية.
كلا السيناريوهين يعني أن إيران أصبحت أقرب بكثير إلى الانخراط في حرب شاملة مما كانت عليه منذ 7 أكتوبر 2023، وهذا يعني أنها تقترب من الانتهاء من سياسة "الصبر الاستراتيجي".