مطالبات بحذف "العلمانية" من دستور بنغلاديش.. ما الدوافع والتداعيات؟
"الحكومة المؤقتة غير قادرة على السيطرة على الاحتجاجات"
"يبدو أن الحكومة البنغلاديشية المؤقتة التي يترأسها، محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل، تخطط لتحويل بنغلاديش إلى جمهورية إسلامية".
هكذا يرى المراسل السابق لهيئة الإذاعة البريطانية ووكالة رويترز، سوبير بهاوميك، في مقال له نشره موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي.
وتعيش بنغلاديش في الوقت الراهن مرحلة ما بعد الاحتجاجات الشعبية التي نجحت في الإطاحة بحكم رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة.
حيث أعلن قائد الجيش البنغالي وقر الزمان، تشكيل حكومة انتقالية برئاسة محمد يونس مكونة من 17 وزيرا.
جدل العلمانية
ويشير الموقع الأميركي في بداية التقرير إلى أن المدعي العام لبنغلاديش، محمد أسد الزمان، يطالب بحذف كلمة “علمانية” من دستور البلاد لأن "90 بالمئة من شعبها مسلمون".
وقدم "أسد الزمان" هذا الطرح خلال جلسة محكمة تناولت قانونية التعديل الخامس عشر، الذي أُقر خلال فترة حكم حزب "رابطة عوامي" المخلوع، ويضمن للبنغاليين حرية ممارسة شعائرهم الدينية.
هذا التعديل لم يُلغِ بالكامل وضع الإسلام كدين للدولة -الذي فُرض في عام 1988 خلال حكم الجنرال العسكري حسين محمد إرشاد، والذي أطيح به لاحقا إثر انتفاضة شعبية- ولكنه أعطى الأقليات الدينية حرية ممارسة شعائرها.
وقال أسد الزمان خلال جلسة المحكمة: "في الماضي، كان هناك إيمان دائم وثقة مطلقة بالله، أريد أن يعود الأمر كما كان".
وأردف: "تنصّ المادة 2A على أن الدولة تضمن المساواة والحقوق المتكافئة لممارسة جميع الأديان، بينما تشير المادة 9 إلى "القومية البنغالية"، وهذا تناقض واضح".
وقال بهاوميك: "كونه كبير المستشارين القانونيين للحكومة الانتقالية، فإن طرح هذه القضية أمام المحكمة لم يكن ليحدث دون الحصول على الضوء الأخضر من "يونس".
ووصف "بهاوميك" رئيس الوزراء بأن "صورته الليبرالية التي يصدرها للخارج تتناقض مع الحقائق على الأرض في بنغلاديش، بعد الإطاحة بـ "رابطة عوامي".
وأشار الموقع إلى أن شخصا يدّعي أنه "مجاهد إسلامي" شارك أخيرا منشورا على فيسبوك من صفحة تابعة للجناح الطلابي للجماعة الإسلامية (قائدة الحراك المعارض)، زعم أن 7 هندوس قُتلوا في أعمال العنف الأخيرة التي هزت مدينة شيتاغونغ الساحلية في البلاد.
وقال المنشور: "لقد لُقّن الهندوس في شيتاغونغ الدرس الذي يستحقونه لأنهم أصبحوا متجرئين أكثر من اللازم"، ودعا الجميع لدعم "جيشنا المسلم"، الذي ذكر أنه اعتقل 200 هندوسي لتلقينهم "الدرس المناسب".
بدورها، حثت الهند بشدة الحكومة المؤقتة في بنغلاديش برئاسة "يونس" على اتخاذ خطوات لوقف العنف ضد الهندوس والأقليات الأخرى.
ومن المثير للاهتمام -بحسب المقال- أن قبل فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية، انتقد دونالد ترامب العنف المتزايد ضد الأقليات في بنغلاديش.
وقال ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيال": "أدين بشدة العنف الوحشي ضد الهندوس والمسيحيين والأقليات الأخرى الذين يتعرضون للهجوم والنهب من قبل الغوغاء في بنغلاديش، التي لا تزال في حالة من الفوضى التامة".
كما انتقدت تولسي جابارد، التي اختارها ترامب لرئاسة الاستخبارات الوطنية، ما وصفتها بـ "الفظائع ضد الهندوس والأقليات الدينية الأخرى في بنغلاديش".
وفي مقطع فيديو لها جرى تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، وصفت جابارد ما يحدث بأنه "استمرار للفظائع التي ارتكبها الحكام الباكستانيون".
وأشار الكاتب إلى أن "جابارد" هندوسية متدينة معروفة بعلاقاتها الوثيقة مع حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي في الهند.
وحتى الآن، ترفض حكومة يونس المخاوف الهندية بشأن الهجمات المتزايدة على الأقليات بصفتها "مبالغا فيها للغاية"، ولكن مع استعداد ترامب لتولي المسؤولية، لم يعد بإمكانها أن تنكر الفوضى والانفلات الأمني الشامل السائد في بنغلاديش، بحسب المقال.
الجماعة الإسلامية وجناحها الطلابي
وقال الموقع: "لقد نزل قادة الطلاب والجماعة الإسلامية -التي ينتمون إليها- إلى الشوارع بشكل دوري للمطالبة باستقالة رئيس البلاد، محمد شهاب الدين تشوبو، حتى إن بعضهم طالب بإقالة قائد الجيش الجنرال وقر الزمان".
وأُجبر جميع رؤساء الجامعات ونوابهم وأمناء الخزانة في 50 جامعة على الاستقالة بفعل حشود قادها طلاب يرتبطون بشكل علني بجماعات إسلامية مثل "حزب التحرير" والجناح الطلابي للجماعة الإسلامية "شيبير".
ووفقا لتقارير إعلامية، أُرغم 175 مدير مدرسة على الاستقالة، وكان من بينهم عدد كبير من الهندوس وبعض النساء، وتعرض العديد منهم لإهانات علنية على يد تلك الحشود.
كما أُطيح بجميع قضاة محكمة الاستئناف العليا (Supreme Court) وعدد كبير من قضاة المحكمة العليا (High Court)، بما في ذلك رئيس المحكمة والنائب العام، بفعل إجراءات مشابهة، إلى جانب إقالة 33 سكرتيرا دائما و11 سفيرا قبل انتهاء فترة عملهم.
وقد جرى تعيين ما يقرب من 300 سكرتير إضافي وعشرات من الأمناء المساعدين ومئات من مفوضي الشرطة، بالإضافة إلى عمليات تعيين واسعة أخرى، كذلك شهدت البنوك والمؤسسات المالية الكبرى تغييرات شاملة، وفق المقال.
وأشار الكاتب إلى أن "الغالبية العظمى من الذين أُطيح بهم كانوا يعدون مقربين من "رابطة عوامي" المخلوع، بينما يُعرف الكثير من المُعيَّنين الجدد صلاتهم بجماعات إسلامية.
وأخيرا، أزال محفوظ علم، أحد المستشارين المعينين، صورة الأب المؤسس لبنغلاديش الشيخ مجيب الرحمن من بانجا بهافان، مقر رئاسة بنغلاديش.
ويوصف "عالم" بأنه "العقل المدبر" وراء الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة، ويُعرف بتشدده ضمن صفوف "حزب التحرير" الإسلامي، بحسب وصف الكاتب.
بدأ "عالم" عمله كمساعد شخصي لمحمد يونس، قبل أن يُرقّى إلى منصب مستشار كامل الصلاحيات.
واستدرك المقال: "لكن يبدو الآن أن زعماء الطلاب يشعرون بالاستياء من بعض المستشارين المعينين حديثا مثل المخرج السينمائي، مصطفى ساروار فاروقي، الذي شاركت زوجته "تيشا" في فيلم عن حياة مجيب الرحمن".
وقال الكاتب: "أخيرا بدأت التناقضات داخل الحكومة المؤقتة تطفو على السطح".
صلاحيات الجيش
وأضاف: "في خضم هذه الفوضى العارمة، علمنا أن "صلاحيات القضاء" الممنوحة للجيش لمدة شهرين سوف تُمدد، وحتى حرس الحدود وخفر السواحل سوف يُمنحون هذه الصلاحيات أيضا".
وهذا -بحسب الموقع- يسمح للوحدات العسكرية وشبه العسكرية باعتقال أي شخص لمجرد الاشتباه في تورطه في جهود لزعزعة القانون والنظام.
ويرى محللون أن هذا بمثابة محاولة من يونس وحاشيته للبقاء في السلطة من خلال تجنب الانتخابات المبكرة، والتي طالبت بها الأحزاب السياسية الرائدة في البلاد، مثل الحزب الوطني البنغلاديشي (BNP) و"رابطة عوامي" المخلوع.
وقد هدد الحزب الوطني -الذي كان مسرورا في البداية بإطاحة رابطة عوامي- بالنزول إلى الشوارع ما لم يُعلن عن انتخابات.
علاوة على ذلك، فإن "رابطة عوامي" -حزب رئيسة الوزراء المخلوعة، الشيخة حسينة- استأنف بالفعل تحركاته من أجل "استعادة الديمقراطية"، وفق وصف "بهاوميك".
وختم قائلا: "الحكومة المؤقتة غير قادرة على السيطرة على الاحتجاجات التي تقودها الأحزاب الكبرى دون اللجوء إلى استخدام قوات الجيش والقوات شبه العسكرية بشكل صريح، حيث تلعب هذه القوات دورا حاسما في دعم الجماعات الإسلامية في معركة الشوارع في بنغلاديش، متسترة بحشود الطلاب".