تكريس المخطط الاستعماري.. هكذا تسعى إسرائيل لتغيير الوضع القانوني للجولان المحتل

32 minutes ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل إسرائيل محاولاتها لفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967، الأمر الذي يجابه برفض السكان لكل المخططات "الاستعمارية التهويدية".

فيما تراقب الأمم المتحدة مساعي إسرائيل الحثيثة لفرض "الجنسية والهوية الإسرائيلية" على أهالي الجولان السوري المحتل.

"تفكيك التركيبة"

وفي أحدث خطوة تؤكد على الرفض الدولي لمبدأ احتلال أراضي الغير بالقوة، فقد أقرت لجنة المسائل السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، المعروفة باسم "اللجنة الرابعة"، قرارا في 21 نوفمبر 2024 يجدد مطالبة إسرائيل بإنهاء احتلال الجولان السوري، ووقف تغيير التركيبة الديمغرافية فيه.

واعتمدت اللجنة للقرار المعنون "الجولان السوري المحتل"، والذي حظي بتصويت 152 دولة لصالح القرار، وصوتت 5 دول ضده، هي الأرجنتين والولايات المتحدة وإسرائيل وتونغا وبابوا غينيا الجديدة، في حين امتنعت 23 دولة عن التصويت.

ويؤكد القرار على مطالبة الأمم المتحدة إسرائيل "بالامتثال للقرارات المتعلقة بالجولان السوري المحتل، لا سيما القرار رقم 497 لعام 1981، الذي يؤكد أن فرض إسرائيل قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل لاغ وباطل وليس له أي أثر قانوني دولي".

ووفق نص القرار، تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل إلى "الكف عن تغيير الطابع المادي والتركيبة الديمغرافية والبنية المؤسسية والوضع القانوني للجولان السوري المحتل، والكف عن إنشاء المستوطنات".

ويطالب القرار إسرائيل "بالكف عن فرض الجنسية وبطاقات الهوية الإسرائيلية على أهالي الجولان السوري المحتل، ووقف الإجراءات القمعية ضدهم".

كما شجب القرار انتهاكات إسرائيل لاتفاقية "جنيف الرابعة"، مطالبا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعدم الاعتراف بأي من الإجراءات المخالفة للقانون الدولي التي اتخذتها في الجولان السوري المحتل.

ومعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، تنص المادة 49 على أنه لا يجوز لسلطة الاحتلال أن تنقل جزءا من سكانها إلى الأراضي التي تحتلها.

وفي 5 يونيو/ حزيران 1967، بدأت إسرائيل حربا ضد مصر وسوريا والأردن، واحتلت القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وجزءا من مرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.

وتبعد هضبة الجولان الواقعة جنوب سوريا نحو 50 كيلومترا عن العاصمة دمشق، وتقدر مساحتها بأكثر من 1860 كيلومترا مربعا.

وأقر الكنيست في 1981 قانون ضمها إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى المنطقة على أنها أراض سورية محتلة.

وشرعت إسرائيل منذ ذلك الوقت في عمليات استيطان في تلك المنطقة، أما ما تبقى فيواجه هو الآخر خطر التهويد.

وكان عدد قرى الجولان 164 قرية، إضافة إلى 146 مزرعة، واحتلت منها إسرائيل 137 قرية و112 مزرعة.

ويعيش راهنا نحو 27 ألف مستوطن إسرائيلي ضمن 35 مستوطنة في مرتفعات الجولان المحتلة، بالإضافة إلى 25 ألف سوري يعيشون في 6 قرى هي، مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية، الغجر.

ومعظم السوريين من طائفة الموحدين الدروز إلى جانب شركس وتركمان وبدو، بعدما كان يسكن بلدات الجولان قبل احتلاله نحو 138 ألف شخص فر غالبيتهم نحو الداخل السوري.

تكريس الاحتلال

وأتاحت إسرائيل لمن بقي في الجولان خيار الحصول على الجنسية، غير أن غالبيتهم آثروا الإبقاء على الجنسية السورية، والحصول في المقابل على صفة مقيم دائم تمكنهم من ممارسة أغلبية الحقوق الممنوحة للمواطن الإسرائيلي، باستثناء التصويت للكنيست وحمل جوازات سفر إسرائيلية.

ومنذ أن احتلت إسرائيل الجولان جرى إلغاء الهوية المدنية السورية التي حملها السكان، ومنحتهم إسرائيل قسرا هوية عسكرية، وفقا لأنظمة المناطق المدنية الخاضعة للاحتلال.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي لتكريس احتلاله للجولان السوري المحتل، وإيجاد وقائع جغرافية وديمغرافية لتثبيت مخطط الضم غير الشرعي.

إذ يواصل سرقة الأراضي والاستيلاء على الموارد الطبيعية وفرض حزم من التدابير التمييزية ضد أهالي الجولان بهدف تهميشهم ومن ثم طردهم من أرضهم وتهجيرهم قسرا.

وما يزال الإضراب الشامل لأبناء الجولان في الـ 14 فبراير عام 1982 الذي أفشل محاولات الاحتلال فرض "الهوية الإسرائيلية عليهم مثالا حيا على رفض السكان الأصليين المساومة على حقوقهم في أرضهم وأملاكهم.

في 21 يونيو/ حزيران 2023، وقعت اشتباكات نادرة بين الدروز والشرطة الإسرائيلية بعدما نظم المئات منهم مظاهرات ضد مشروع استيطاني يشمل بناء "مراوح رياح" في مزارعهم بالجولان المحتل، حيث كان يهدف الاحتلال من إقامة تلك "التوربينات" إلى الاستيلاء على الأرض وتهجير أهالي الجولان.

وينفذ أهالي في الجولان السوري المحتل منذ عام 2019 إضرابات عامة وشاملة، للتصدي لمخطط التوربينات التوسعي الذي يهدد بالاستيلاء على أكثر من 6 آلاف دونم من أراضيهم الزراعية الغنية ببساتين الكرز والتفاح.

إذ يرفض السكان سياسة نهب الأراضي والممتلكات التي يتبعها الاحتلال بما في ذلك إقامته المستوطنات و"التوربينات"، بهدف تغيير طابع المنطقة الديمغرافي والجغرافي والقانوني.

فما يزال الاحتلال يمارس النقل القسري للسكان وهدم المنازل ومصادرة الأراضي والممتلكات وسرقة الموارد الطبيعية وحصار المدن وتدمير المحاصيل الزراعية وموارد الرزق في الجولان فضلا عن منع وصول المواد الغذائية إلى أهالي القرى المحتلة.

كما لا يأبه الاحتلال بكل دعوات الأمم المتحدة باستمرار لضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان السوري المحتل حتى خط الرابع من حزيران لعام 1967، ووقف جميع عمليات الاستيطان فيه، والتي تشدد على أن جميع الإجراءات التي اتخذها أو سيتخذها الاحتلال الإسرائيلي بهدف تغيير طابع الجولان السوري ووضعه القانوني ملغاة وباطلة، وتشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

وتنطلق كل هذه التحركات بدفع قوي عقب اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان في عام 2019 ورأى أن هذه هي "اللحظة" المناسبة للاستيطان هناك خاصة أن إدارة الرئيس جو بايدن أوضحت أن "لا تغيير في سياستها".

وعقب ذلك أنشأت إسرائيل مستوطنة جديدة في الجولان اسمها "رامات ترامب"، وبنيت في عام 2020، حيث تستقبل طلبات الإسكان الدائم من آلاف المستوطنين.

وقد صوتت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت نهاية عام 2021 لصالح خطة بقيمة 317 مليون دولار لمضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الجولان المحتل.

وتهدف الخطة إلى بناء 7300 وحدة سكنية للمستوطنين في المنطقة على مدى خمس سنوات خلال اجتماع عقد في تجمّع "ميفو حماة" الزراعي في الجولان.

وتشمل الخطة بناء مستوطنتين جديدتين ستحملان اسمي "أسيف" و"مطر"، بالإضافة إلى توسيع المستوطنات الحالية، فضلا عن تطوير البنى التحتية المطلوبة لمضاعفة عدد المستوطنات.

ووفق إحصائيات رسمية، يعيش نحو 53,000 شخص في مرتفعات الجولان، بينهم 26 ألف سوري، و27 ألف إسرائيلي.

خطط إسرائيلية

وفي محاولة لمضاعفة سكان الجولان المحتل، فقد اقترحت الحكومة الإسرائيلية إنشاء مناطق صناعية جديدة لخلق فرص عمل هناك.

إلا أن "هيئة حماية الطبيعة" الإسرائيلية كشفت مطلع عام 2022 أن خطة الحكومة لاستثمار مليار شيكل (317 مليون دولار) لمضاعفة عدد سكان مرتفعات الجولان السوري المحتل "مليئة بمشكلات التمثيل القانوني والتخطيطي والبيئي وغيرها".

وحذرت الهيئة من أن "الخطة تهدد الآفاق المفتوحة والينابيع والشلالات والتنوع البيولوجي الغني، الذي يجعل المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة نقطة جذب للإسرائيليين والسياح على حد سواء"، وفق ما نقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" العبري.

اللافت أنه وإلى جانب العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، يبدو أن إسرائيل قد وجهت أنظارها كذلك إلى سوريا، وذلك عبر قيام قوات الاحتلال بتوغلات جديدة داخلها وقيامها بأعمال تجريف للأراضي الزراعية خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2024 انطلاقا من الجولان المحتل.

فقد نقلت وكالة “رويترز” البريطانية عن مصادر أمنية أن قوات إسرائيلية أزالت ألغاما أرضية وأقامت حواجز جديدة على الحدود مع سوريا.

وقالت الوكالة في 15 أكتوبر 2024 إن “إسرائيل حركت السياج الفاصل بين المنطقة منزوعة السلاح نحو الجانب السوري ونفذت أعمال حفر لإقامة المزيد من التحصينات في المنطقة”.

ونقلت عن جندي سوري قوله إن إسرائيل تقيم فيما يبدو "منطقة عازلة" في المنطقة منزوعة السلاح في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل في 31 مايو/ أيار 1974 الذي جرى بوساطة أميركية لوقف الاشتباكات بعد حرب أكتوبر 1973.

وقد اعترف النظام السوري، لأول مرة، بحفر إسرائيل خنادق في منطقة الفصل على حدود الجولان السوري المحتل.

وقال مندوب النظام السوري الدائم في الأمم المتحدة، قصي الضحاك، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الشأنين السياسي والإنساني في سوريا، في 21 نوفمبر 2024 إن إسرائيل أقدمت أخيرا على حفر خنادق ورفع سواتر ترابية بمحاذاة خط وقف إطلاق النار في القسمين الشمالي والجنوبي من منطقة الفصل.

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس” عن قوات "أندوف" (فض الاشتباك) الأممية، المتمركزة في المنطقة الحدودية مع الجولان المحتل منذ عام 1974، قولها في 12 نوفمبر، إن "مثل هذه الانتهاكات الجسيمة للمنطقة منزوعة السلاح لديها القدرة على زيادة التوترات في المنطقة، وهي تخضع لمراقبة وثيقة من قبل قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك".

وضمن هذا السياق، قال جوش لانديس، الزميل غير المقيم في معهد كوينسي والذي يرأس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما إن "ما تفعله إسرائيل هو تعزيز قبضتها على مرتفعات الجولان المحتلة".

وأضاف لانديس في تصريحات تلفزيونية في 21 نوفمبر 2024 إن "هذه لحظة يتولى فيها نتنياهو القيادة لأن إدارة بايدن أظهرت استعدادها لدعم إسرائيل في أي مغامرة عسكرية تقريبا في المنطقة، سواء كان ذلك غزو لبنان أو الاستيلاء على مرتفعات الجولان، أو حرب لا نهاية لها في غزة".