وقف إطلاق النار مع إسرائيل.. هل ينهي حالة الشغور الرئاسي في لبنان؟
"ستحدد جلسة انتخاب الرئيس المرتقبة، الطرف الذي يريد تطيير الانتخابات من جديد"
بات انتخاب رئيس جديد للبنان "حاجة ملحة" عقب التوصل لوقف إطلاق نار غير دائم في البلاد برعاية أميركية وفرنسية، وهو الشغور الممتد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022 والذي همشه دخول “حزب الله” في اشتباكات مع إسرائيل.
وبرعاية أميركية وفرنسية، بدأ فجر يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وقف لإطلاق النار أنهى 14 شهرا من معارك هي الأعنف منذ حرب يوليو/ تموز 2006 التي شنتها إسرائيل على لبنان.
شهر حاسم
وجاء إعلان التوصل الى اتفاق على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث قال في خطاب ألقاه في البيت الأبيض إن هذه الهدنة مدتها 60 يوما وتهدف لأن تكون دائمة.
وخلف العدوان على لبنان مقتل 3961 شخصا على الأقل منذ بدء التصعيد في أكتوبر 2023 معظمهم منذ سبتمبر/ أيلول 2024.
وبموجب اتفاق وقف النار، أكد الجيش اللبناني أنه بدأ بتعزيز انتشاره في جنوب لبنان خصوصا جنوب نهر الليطاني الواقع على مسافة نحو 30 كم من الحدود.
وينصّ الاتفاق على حصر الوجود العسكري في هذه المنطقة بالجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الموقتة "يونيفيل".
وعلى الفور دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 27 نوفمبر 2024 بعد الإعلان عن التوصل لهدنة في لبنان إلى "انتخاب رئيس دون تأخير" لهذا البلد.
وقال ماكرون في رسالة مصورة على حسابه في منصة “إكس” إن "هذه مسؤولية السلطات اللبنانية وكل أولئك الذين يمارسون مسؤوليات سياسية بارزة. إن استعادة سيادة لبنان تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية دون تأخير".
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان 12 مرّة في انتخاب رئيس، إذ لا يحظى أي فريق فيه بأكثرية واضحة تخوله إيصال مرشحه، على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله وحلفائه من جهة، وخصومهم من جهة ثانية.
لكن المعادلة اليوم في لبنان انقلبت رأسا على عقب تلقي حزب الله أكبر ضربة عسكرية منذ تأسيسه عام 1982 على يد الحرس الثوري الإيراني.
فقد دأب حزب الله على تعطيل انتخاب رئيس جديد منذ مغادرة عون قصر بعبدا، كون زعيمه الأسبق حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل ببيروت في 27 سبتمبر 2024 كان متمسكا برئيس "مطمئن للمقاومة" ورشح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لهذا المنصب.
وبعد الهدنة في لبنان، ما يزال يتردد اسم سليمان فرنجية ضمن صفقة جديدة لإيصاله إلى سدة الرئاسة.
وفي أول مؤشر على فتح ملف الرئاسة في لبنان بعدما وضعت الحرب أوزارها، حدد البرلمان 9 يناير/ كانون الثاني 2025 موعدا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، كما أفادت الوكالة الرسمية للبلاد.
وتلا ذلك، إجراء المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان زيارة عاجلة إلى بيروت وقال في ختامها إن هناك "حاجة ملحة" لانتخاب رئيس للجمهورية.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية في 29 نوفمبر 2024 قبل رحيله من بيروت: "جئت إلى لبنان فور إعلان وقف إطلاق النار لإبداء دعم فرنسا لتطبيقه بالكامل ولتأكيد الضرورة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية واستئناف العملية المؤسساتية".
وأفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بأن لودريان أراد من زيارته إلى لبنان في هذا التوقيت "إعادة طرح موضوع الانتخابات الرئاسية والحاجة إلى إصلاحات من أجل تعافٍ مستدام للبلاد".
وذكر أن انتخاب رئيس جديد للبنان يراه المراقبون على أنه كان من ضمن بنود اتفاق وقف النار غير المذكورة.
بالمقابل، أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمة عن أمله بأن تكون الهدنة "صفحة جديدة في لبنان تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية"، فيما دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري في كلمة إلى "الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية".
ويقوم العرف السياسي في لبنان على أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية، بينما يعود منصب رئيس الحكومة للطائفة السنية، ورئيس مجلس النواب للطائفة الشيعية.
"استكمال الاتفاق"
وضمن هذا السياق، يرى الباحث السياسي ربيع دندشلي، أن "وقف إطلاق النار بلبنان من ضمن بنوده غير المذكورة انتخاب رئيس خلال شهر لاستكمال عملية تطبيق الاتفاق وقراراته التي ستنتج عنه ثم الذهاب إلى تشكيل حكومة والنظر في إعادة الإعمار وكيفية التعاطي مع المجتمع الدولي وكيفية إعطاء الصلاحيات للجنة الدولية التي ستشكل لمراقبة تنفيذ قرار وقف النار".
وأضاف دندشلي خلال تصريح تلفزيوني في 28 نوفمبر 2024 أنه "يجرى إعادة العمل في الدستور اللبناني ومنع تعطيلات الانتخاب عبر البحث عن توافقات بين الكتل".
وأردف: "المساعدات العربية والدولية إلى لبنان لن تتدفق طالما أن هناك شغورا رئاسيا، وهذه الهدنة باتت تسمح أكثر من أي وقت مضى بانتخاب رئيس جديد".
وفي آخر كلمة له قبل وقف إطلاق النار، أكد زعيم حزب الله الجديد نعيم قاسم في 20 نوفمبر أن الحزب سيقدّم مساهمة "فعّالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستورية".
وفي ظل التحديات الكثيرة التي تنتظر البلاد في المرحلة الراهنة، فإن المشاورات بين الكتل النيابية جارية وليس أمامها الوقت الكثير، كون الجميع، وفق المراقبين، بات عقب الهدنة متفقا على "ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي" والانتقال إلى الملفات الأخرى التي ينتظر لبنان تمريرها وهي مستعصية قبل تنصيب الرئيس.
وستحدد جلسة انتخاب الرئيس المرتقبة، الطرف الذي يريد تطيير الانتخابات من جديد أو تعطيل النصاب أو انتخاب رئيس جديد لبدء مرحلة بناء لبنان وانتشاله من أزمته الاقتصادية المستمرة منذ عام 2019 وآثار العدوان الإسرائيلي.
وبحسب ما قال وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام، لوكالة أنباء “الأناضول” التركية الرسمية في 29 نوفمبر فإن الخسائر التي لحقت بالقطاعات الأساسية بالأراضي اللبنانية كافة جراء العدوان الإسرائيلي تتراوح بين 15 إلى 20 مليار دولار، وفق التقديرات الأولية.
ويقول بعض المراقبين، إن هناك أملا لدى كل الأطراف اللبنانية أن “تحسم اللعبة الديمقراطية هوية الرئيس المقبل”، لا سيما أن رئيس البرلمان نبيه بري قد أشار إلى أن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المحددة في 9 يناير 2025 سيدعو إليها سفراء الدول.
"سلة شاملة"
وضمن هذه الجزئية، نقل موقع "النشرة" المحلي عن مصدر نيابي قوله في 29 نوفمبر إن "تأخير وقت انتخاب الرئيس في 9 يناير وليس بتاريخ أبكر، هو لمنح الكتل النيابية فرصة التشاور فيما بينها، على أمل أن يقود ذلك إلى توافق حول اسم الرئيس".
ويقول الموقع: "لكن في المقابل هناك من يشير إلى أن هذا التأخير في موعد الجلسة قد يكون مرتبطا بما هو أبعد من الاستحقاق الرئاسي، أي السعي لاتفاق على سلة شاملة تضم، على الأقل، اسم رئيس الحكومة المقبلة وتركيبتها، على قاعدة أن هذا الأمر قد يسهّل حسم الاستحقاق الرئاسي، بالإضافة إلى تأمين الأرضية المناسبة لانطلاقة العهد الجديد بشكل أسرع".
وأمام ذلك، فإن تمديد البرلمان اللبناني في 28 نوفمبر 2024 ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون لمدة لسنة، أعطى إشارة وفق المراقبين لبدء كسر الجمود في الملف الرئاسي.
في وقت يجرى فيه تداول اسم عون في وسائل الإعلام المحلية وفي الأوساط السياسية كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، فإن سليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي (حزب الله- حركة أمل بقيادة نبيه بري) ما يزال يوصف بمرشح التحدي.
ولهذا فإن هناك مطالبات بانتخاب رئيس لا يشكل تحديا لأحد ومتوافق عليه في لبنان، ما يعني استبعاد المرشح الذي تنطبق عليه مواصفات التحدي، ومن بينهم فرنجية الذي رفضته الكتل المسيحية.
وكانت الجلسة الرابعة عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية قبيل عملية “طوفان الأقصى”، قد شهدت منافسة شرسة بين فرنجية المدعوم من حزب الله، وجهاد أزعور المدعوم من القوى المسيحية والمعارضين.
لذلك، يبدو أن الجدية هذه المرة مرتبطة بنتائج العدوان الإسرائيلي الأخير التي أضرت بهيكلية وقوة حزب الله عسكريا في لبنان.
حيث دعا هذا المشهد الجديد، البعض للقول ومنهم الكاتب الصحفي قاسم قصير خلال تصريح صحفي في 28 نوفمبر بأن "اليوم لا يوجد لدى حزب الله أي تحفظ على انتخاب رئيس للجمهورية للبنان".
ولذلك، كان المبعوث الفرنسي إلى لبنان، قد اجتمع خلال زيارته الأخيرة، بنواب المعارضة المسيحية، في قصر الصنوبر وهو المقر الرسمي لسفير باريس لدى بيروت، ثم قام بالاجتماع بكتلة نواب لبنانيين مستقلين، وبعدهم بالأحزاب.
وكل ذلك وفي المراقبين بقصد حث الفرقاء اللبنانيين على ترك خلافاتهم جانبا، والذهاب إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.