السعيد شنقريحة.. جنرال العشرية السوداء في الجزائر يعود للأضواء مجددا

داود علي | 6 hours ago

12

طباعة

مشاركة

عاد رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة إلى الأضواء مجددا بعد تعيينه من قبل رئيس البلاد عبد المجيد تبون، وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع، وهو منصب جديد.

وأجرى تبون تعديلا وزاريا في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، كانت أهم ملامحه تعيين شنقريحة وزيرا منتدبا لدى تبون الذي يرأس وزارة الدفاع الوطني ويعد القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وسيمنح المنصب الجديد لشنقريحة ممارسة سياسية وعسكرية واسعة، كونه يحوز على عضوية الحكومة، وبموجبه سيتم تفويضه بجزء من صلاحيات وزير الدفاع الوطني، من خلال التمثيل في اجتماعات الحكومة واقتراح مخططات التحويل والترقية والتعيين في مختلف المناصب.

وكذلك سيحق له تمثيل وزارة الدفاع الوطني في اللقاءات المتعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية حول الأسلحة المختلفة، وكذلك عقد الصفقات المتعلقة بالاتصالات السلكية واللاسلكية وتقنيات الفضاء والأجهزة الحساسة.

وفي تقرير عن تلك التعيينات، وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية، الجنرال السعيد شنقريحة بـ "الرجل الأقوى" في الجزائر. 

ونقلت بعض المواقع المحلية أن زيادة نفوذ شنقريحة، يواجه بالرفض من قبل عدد من الضباط بسبب تقدمه في السن (79 عاما)، حيث يرون أن الوقت قد حان لتغيير القيادة العسكرية لضمان استقرار المؤسسة وتحديثها.

وهو ما رد عليه الجنرال الجزائري في 20 نوفمبر، بالقول: "حرصت شخصيا على جعل هذا التداول على الوظائف والمناصب تقليدا متواصلا وثقافة سائدة ينبعث من خلالها نفس جديد بين الصفوف وديناميكية متجددة لا سيما على ضوء التحولات المتسارعة التي تشهدها منطقتنا". 

فخلال حفل تنصيب اللواء مصطفى سماعلي، قائدا للقوات البرية، حذر شنقريحة مما أسماه "الأصوات والأبواق التي تحاول من خلال تأويلات وتحليلات خاطئة إثارة الشك والبلبلة في أوساط الرأي العام الوطني".

شنقريحة في سطور 

ولد السعيد شنقريحة في الأول من أغسطس/ آب 1945 ببلدية القنطرة في ولاية بسكرة، الواقعة بالجهة الجنوبية الشرقية من الجزائر، وتبعد عن عاصمة البلاد 400 كم. 

وينتمي شنقريحة لواحدة من العائلات النافذة في المنطقة، والتي لها تاريخ في تأسيس الجمهورية بعد الاستقلال.

وكان عمه عبد القادر من مؤسسي الهلال الأحمر الجزائري، وعضوا في وزارة التسليح والاتصال العام (MALG).

وشارك عبد القادر شنقريحة في إنشاء مركز الإرسال لجيش التحرير الوطني الجزائري، وقد تأثر السعيد كثيرا به ومضى على دربه. 

انضم شنقريحة إلى الجيش الجزائري، وتدرب خلال فترة تأهيله العسكرية في مدرسة "سان سير كويت كيدان" في فرنسا.

وبعدها انضم إلى سلاح المدفعية، وخلال فترة السبعينيات، تخرج في الأكاديمية العسكرية الروسية "فوروشيلوف" في الاتحاد السوفيتي سابقا.

بعد نكسة 1967، جرى إرسال شنقريحة إلى مصر، وشارك في حرب الاستنزاف (من 1968 إلى 1970) ضمن الصراع العربي الإسرائيلي.

وعند عودته، عُين قائدا لفوج الدبابات في اللواء الثامن مدرع، الذي تحول لاحقا إلى فرقة، وكان تحت قيادة شخصيات رئيسة مثل الرئيس الأسبق اليامين زروال، وكذلك لكحل ​​عياط رئيس المخابرات في الثمانينيات، والجنرال حسين بن حديد، الذي رافقه سعيد شنقريحة طويلا، وحافظ على علاقات جيدة جدا معه.

وكان بن حديد من كبار جنرالات الجيش، ودخل في خلاف مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعدما رفض توريث الحكم لشقيقه سعيد. 

كما شارك السعيد شنقريحة في حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 ضد إسرائيل، على الجبهتين المصرية والسورية.

وكانت قوة التدخل الجزائرية آنذاك تحت قيادة كبار الضباط الذين لعبوا أدوارا سياسية وعسكرية حاسمة بالجزائر في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان من بينهم خالد نزار وعبد المالك قنايزية.

وشغل شنقريحة منصب قائد القوات البرية عام 2018، لكنه أصبح رئيسا لأركان الجيش بعد ساعات من وفاة سابقه أحمد قايد صالح نهاية عام 2019.

جنرال دموي 

السعيد شنقريحة، الرجل الذي تقول صحف دولية إنه لم يُر مبتسما، أحد كبار الضباط المتورطين في مذابح العشرية السوداء في الجزائر خلال الفترة من 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991 إلى 8 فبراير/ شباط 2002، حيث ارتكب الجيش الجزائري انتهاكات مروعة بحق المدنيين. 

وهذه الحرب الأهلية خلفت نحو 200 ألف قتيل وخسائر قاربت 35 مليار دولار، وخلالها أُرسل شنقريحة ورئيسه المباشر عبد العزيز مجاهد، إلى قطاع العمليات في منطقة البويرة على بعد حوالي مائة كيلومتر جنوب شرق الجزائر العاصمة. 

وكتب الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الجزائري "حبيب سويدية" في كتابه الشهير “الحرب القذرة” أن "شنقريحة لوث سمعته كضابط وحشي، بل متعطش للدماء خلال العشرية السوداء".

وأضاف أنه "خلال الفترة ما بين 1992 و1994، تورط في ارتكاب عمليات اغتيال واسعة بحق المدنيين".

وخلال سنوات الحرب، أعيد تنظيم نظام ما أطلق عليه "مكافحة التمرد"، وخلاله ترقى شنقريحة ليصبح قائدا للفرقة المدرعة الثامنة في رأس الماء بولاية سيدي بلعباس. 

وفي عام 1998 ترقى إلى رتبة عميد، ثم ترقى بعد انتهاء الحرب مباشرة إلى رتبة لواء عام 2003 وأصبح قائدا للمنطقة الثالثة العسكرية.

عدو المغرب

على مستوى آخر يجرى تقديم شنقريحة على أنه من "الصقور المناهضين للمغرب" داخل الجيش.

وفي عام 2016، جرى تداول مقاطع من خطاب ألقاه خلال مناورات عسكرية، حيا فيه نضال "الشعب الصحراوي" ضد المملكة المغربية، من أجل نيل استقلاله، وذلك في إشارة إلى الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.

وفي ذلك الخطاب وصف "المغرب" بشكل علني بأنه "محتل" وهو الأمر الذي أدى إلى مزيد من التوتر بين الجارتين.

ولم يكتف شنقريحة بذلك، فعاد في سبتمبر/ أيلول 2021، وهاجم "المغرب" بشراسة، عندما قال في خطاب خلال فعالية عسكرية: "إن النظام المغربي تمادى في المؤامرات بهدف تحجيم دور الجزائر".

وتجاوز الأمر بين الجنرال الجزائري والنظام المغربي، المناوشات الكلامية، ففي 28 يونيو/ حزيران 2022، نقلت صحيفة "الصباح" الجزائرية، أن شنقريحة، أعطى أمرا بمنع الصحفيين المغاربة من دخول وهران، لتغطية الدورة الـ 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط.

وفي 26 فبراير/شباط 2024، تزامنا مع وصول وزير الخارجية الفرنسية آنذاك ستيفان سيجورنيه إلى الرباط، أكد شنقريحة، دعم بلاده لجبهة البوليساريو.

ووصل الأمر أن ربط  بين فلسطين والصحراء الغربية، قائلا إن بلاده "تدافع وتقف إلى جانب القضايا العادلة في العالم على غرار القضيتين الصحراوية والفلسطينية".

وتابع "معاناة الشعبين تتقاطع وتتشابه في الكثير من الجوانب، حيث تتفنن قوى الاحتلال في ممارسات القهر والظلم والاستبداد"، في تشبيه من الجنرال الجزائري للمغرب بالاحتلال الإسرائيلي. 

الحاكم الفعلي 

ويعد السعيد شنقريحة، ثاني أكثر شخصية جزائرية قوة ونفوذا بعد الرئيس تبون، لكنه الشخص الأكثر رغبة في الدخول بالحرب ضد المغرب وهزيمته، وفق ما ترى صحيفة "ذا أفريكا ريبورت".

وأوضحت الصحيفة الفرنسية المتخصصة في الشؤون الإفريقية في 7 يوليو/ تموز 2023، أن شنقريحة هو "الحاكم الفعلي للبلاد".

وبينت أنه "الشخصية العسكرية الجزائرية الأكثر عداء للمغرب، وهو الذي يقف وراء الكثير من القرارات العدائية تُجاه الرباط".

وأضافت: "يغلب على خطاباته العسكرية طابع الاتهام والهجوم ضد المملكة المغربية منذ أن أصبح رئيسا لأركان الدفاع الجزائري". 

ومع ذلك لم تخل مسيرة شنقريحة من جدليات أخرى غير تلك المتعلقة بالتورط في الدماء وانتهاكات مرحلة العشرية السوداء. 

ففي 17 مايو/أيار 2022، أيد مجلس الاستئناف بالمحكمة العسكرية بالبلدة، حكما بالإعدام في حق السكرتير الخاص له، قرميط بونويرة، بعد اتهامه "بالخيانة العظمى".

وذلك على خلفية تفجيره مفاجآت من العيار الثقيل عقب تسريبه تسجيلات بالصوت والصورة تتهم شنقريحة، بالتورط في عمليات تهريب للسلاح والمخدرات.