تعديل قانون التظاهر في إيران.. اعتراف بحق الاحتجاج أم إمعان في القمع؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

تسعى الحكومة الإيرانية الجديدة لتعديل قانون التظاهر في البلاد، بما يسمح للأجهزة الأمنية بضبط الاحتجاجات والحد من رفع سقف المطالب التي تحمل طابعا سياسيا نقّادا للسلطات.

ورغم قمعه لأي حراك سياسي، يتجه النظام الإيراني لتشديد سطوته على المعارضة عبر تعديل القانون بما يحد من اشتعال مظاهرات مناهضة مستقبلا.

ويأتي هذا التشديد بعد عامين من احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2022 التي انطلقت عقب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق الإيرانية بذريعة عدم التزامها بالحجاب الشرعي، وهو ما أسفر عن مقتل واعتقال المئات.

"تنظيم التظاهر"

وفي ظل استمرار الاحتجاجات اليومية لمختلف الفئات في إيران، صرحت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بأن إدارة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان قد تكون مستعدة، لأول مرة منذ ما يسمى "الثورة الإسلامية" 1979، لاحترام حق التظاهر.

وقالت مهاجراني، لوسائل الإعلام في طهران، إن الحكومة تنظر إلى (تعديل) القانون نظرة إيجابية، لكنها تنتظر "تعديلا" يضمن حرية تنظيم الاحتجاجات السياسية، وإن كان ذلك "بطريقة مختلفة".

وعلى الرغم من أن تصريح مهاجراني يبدو “إيجابيا”، لكن ينظر المعارضون إليه بشكّ وريبة، خاصة أنه يضيف غموضا إلى المادة 27 من دستور إيران التي تنص على أن "تنظيم التجمعات والمسيرات متاح، دون حمل أسلحة، ما لم يخل بمبادئ الإسلام".

وعلى أرض الواقع فإن ما يمنحه الدستور الإيراني رسميا من الحق في التجمع والتظاهر السلمي، غير مطبق طالما أن التظاهرة تحمل طابعا ناقدا للحكومة وسياساتها.

ورغم ذلك، تُمنح التصاريح عادة لمؤيدي النظام الإيراني، لتنظيم تجمعات حاشدة تتعلق بقضايا مثل فلسطين أو فعاليات دينية وسياسية.

بينما يُحرم المواطنون العاديون، مثل الطلاب والعمال والمعلمين، من هذه التصاريح، ما يدفع الحكومة إلى تصنيف احتجاجاتهم على أنها "غير مرخصة"، وتستخدم ذلك كذريعة لقمع المشاركين بها واعتقالهم.

وأمام ذلك، ما تزال إيران مترددة في سن تشريعات وقوانين تنظم حق التظاهر في البلاد وإصدار تصاريح رسمية خشية من رفع سقف الشعارات في التظاهرات في ظل وجود أزمات سياسية واقتصادية مركبة.

وتشهد أنحاء إيران في هذه الأيام مظاهرات متفرقة، وجميعها مرتبط بالشكوى من نقص الخدمات والاعتراض على عمليات فصل موظفين أو غلاء الأسعار وعدم الرضا بشكل عام عن الظروف الاقتصادية الصعبة.

في مقابلة صحفية لمهاجراني، قالت إن حكومة الرئيس بزشكيان تعترف بحق الشعب في الاحتجاج، وتنتظر بجدية تعديل القانون من قِبل البرلمان، لكنها لم تفصح عن تفاصيل النصوص التي تحتاج إلى مراجعة.

ففي حديث آخر لفاطمة مهاجراني لوكالة أنباء الخبر أونلاين عن خطة الحكومة للتعامل مع الاحتجاجات خاصة الاحتجاجات السياسية، أكدت أن الحكومة السابقة أرسلت مشروع قانون حول كيفية عقد التجمعات والمسيرات القانونية إلى مجلس النواب".

وأضافت مهاجراني في 23 نوفمبر 2024 أنه عقب تشكيل الحكومة والبرلمان الجديدين، جرى طرح هذه الخطة ومشروع القانون على جدول أعمال وزارة الداخلية واللجنة المتخصصة في مجلس النواب بهدف استكمال أبعادها وتوضيح أبرز مؤشراتها.

وفسرت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات مهاجراني بأنها إشارة إلى أن الحكومة تستعد لمواجهة احتجاجات سياسية محتملة؛ حيث تتوقع السلطات مظاهرات، خاصة في طهران، عقب تطورات سياسية أو اقتصادية كبيرة، أو حتى مباريات كرة القدم المهمة.

ولهذا هناك تكهنات تحدثت عنها تقارير إعلامية تطرقت إلى استعداد الحكومة الإيرانية لمواجهة احتجاجات سياسية محتملة مستقبلا وتطويقها عبر قانون التظاهر المرتقب، وفق ما قالت قناة "إيران إنترناشيونال" في 22 نوفمبر 2024.

وفي الوقت الراهن تتعرض الحكومة الإيرانية لضغوط دولية للدخول في محادثات نووية جديدة، فضلا عن خشية في الشارع الإيراني من فرض الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مزيدا من العقوبات على طهران خاصة في قطاع النفط وهو الشريان الرئيس لاقتصاد البلاد.

إذ يبدو أن الحكومة الإيرانية تخشى أن يشجع التصادم مع الغرب مجددا المعارضة والفئات المضطهدة لرفع صوتها بشكل أكبر وتعكير الأجواء الداخلية، خاصة أن الشارع الإيراني ملتهب وغير راضٍ عن الانقطاع المتكرر للكهرباء وارتفاع الأسعار، وحدوث تجمعات للمتقاعدين والمعلمين الإيرانيين، اعتراضا على تأخر تسوية رواتبهم.

"ترتيب التحايل"

وعلى الرغم من أن موضوع الاحتجاجات الشعبية قد نوقش عدة مرات وأن الحكومتين الثانية عشرة والثالثة عشرة صاغتا مشاريع قوانين في هذا الصدد، فإن هذه الجهود لم تؤت ثمارها ولم يجر تنظيم أي احتجاج سياسي بشكل قانوني في البلاد حتى الآن.

وقد شدد أغلب الناشطين السياسيين في البلاد على ضرورة إنشاء قانون خاص بالتجمعات والاحتجاجات المدنية، فضلا عن صياغة لوائح خاصة بهذه القضية.

ويرى بعض السياسيين أن سبب رفض وزارة الداخلية إصدار تصريح للاحتجاجات السياسية هو اشتداد أجواء الاحتجاجات وشعارات المتظاهرين وهنا تكمن خشية النظام الإيراني.

وهناك من يرى أن إيران ستقر قانونا ينظم التظاهر لكنه سيكون مفصلا بشكل يسمح للأجهزة الأمنية باحتواء تلك التظاهرات ومنع عشوائيتها بمعنى حصرها في أماكن وتواريخ محددة.

إذ إن ما يقلق السلطات الإيرانية أن المشاركين في الاحتجاجات ينتمون إلى كل الطبقات الاجتماعية والمناطق والفئات الديمغرافية في المجتمع سواء الفقراء، والطبقة المتوسطة، وحتى الأغنياء، كما تلعب المرأة دورا مهما في التظاهرات.

ومن ناحية أخرى، فإن نطاق الاضطرابات، فضلا عن المطالب المتنوعة التي يرفعها المحتجون، تكشف مدى حجم الخلل والفساد في إدارات الحكومة.

ويأتي ذلك وسط قلق ناجم عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية بسبب عدم اليقين بشأن ما سيحدث في المستقبل، حيث يواصل الناس تحدي السلطات الإيرانية ويجدون في الشارع منصة لإيصال صوتهم.

ولا سيما أن ارتفاع معدلات البطالة والوضع الاقتصادي المتردي في إيران يؤثران بشدة على جيل الشباب في البلاد. 

في السابق، سعت إدارة الرئيس الأسبق، حسن روحاني، إلى تعديل قانون التظاهر في إيران.

 وكان روحاني، الذي أثار رفعه المفاجئ لأسعار الوقود في 2019، احتجاجات واسعة النطاق، قد دعا إلى تشريع يتيح التظاهر السلمي بعد أن قتلت قوات الأمن مئات المحتجين واعتقلت العديد منهم وقتها.

ورغم أن البرلمان رفض سابقا تعديل القانون في عهدي روحاني وخلفه إبراهيم رئيسي، فقد وافق الآن على مراجعته.

وتشير قناة "إيران إنترناشيونال" إلى أنه بعد احتجاجات 2019، اقترحت إدارة روحاني إنشاء مساحة مشابهة لـ"هايد بارك" (بالعاصمة البريطانية لندن) في طهران للتظاهر السلمي، لكن الخطة قوبلت بالرفض من قِبل القضاء الإداري. 

ويقول ناشطون سياسيون إن الحكومات المتعاقبة تنظر في تسهيل التظاهر السلمي فقط عقب اضطرابات اجتماعية كبيرة، ثم تتخلى عن هذه الخطط بمجرد هدوء الاحتجاجات.

ويرى بعض المراقبين أن التأخير في سن تشريعات ذات صلة ورفض وزارة الداخلية إصدار تصاريح للاحتجاجات يعود إلى طبيعة الشعارات، التي رُددت خلال احتجاجات 2019 و2022، والتي استهدفت المرشد الأعلى علي خامنئي، ودعت إلى إسقاط النظام الإيراني.

إذ ردد هؤلاء شعارات مثل "الموت لروحاني" و"الموت للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي". حتى إن بعض المحتجين طالبوا بعودة النظام الملكي الذي أطاحت به "الثورة الإسلامية" في عام 1979.

قمع الحريات

ومنذ أسابيع قليلة يخرج بعض المعارضين أمام مبنى المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني في طهران، للمطالبة بإزالة القيود على المنصات وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية، ورددوا شعارات مناهضة.

وهؤلاء يخرجون بدون تصاريح من وزارة الداخلية الإيرانية التي ترفض منحهم حق تنظيم مسيرة كهذه. 

وردا على ذلك، قال عضو مجلس الفضاء السيبراني في إيران، رسول جليلي في 21 نوفمبر 2024 إن الحكومة، خلافا لما تروج له بعض الوسائل الإعلامية والتيارات، لا تعتزم رفع الحظر عن "المنصات الأجنبية دون مراعاة لحوكمة قانونية منظمة".

كما تُطبق طهران سياسة تقييد استخدام خدمة الإنترنت تارة وتقطعها تارة أخرى لمواجهة التحديات التي تقول إنها تستهدف أمنها القومي، ويتراجع معها الترتيب العالمي لإيران في مجال سرعة الإنترنت.

ومنذ أكثر من عقد حجبت إيران منصة فيسبوك إبان احتجاجات "الحركة الخضراء" على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 ثم جرى حجب تطبيقي تلغرام وتويتر "إكس حاليا" عام 2019 وواتساب وإنستغرام عام 2022.

وهذه المنصات والشركات الأخرى لم تقبل حتى الآن شروط السلطات الإيرانية لإعادة تفعيلها للمواطنين الإيرانيين.

ويؤكد مراقبون أن النظام الإيراني يتعمد تصعيب شروطه على تلك الشركات لإبقائها محظورة في البلاد كونها تعد العامل الأساس في كشف عمليات قمع الحريات في إيران. 

ولا سيما أن الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني، شكلت منعطفا في حجب منصات التواصل وفرض القيود على الشبكة العالمية للمعلومات.

وهو ما دفع نسبة كبيرة جدا من الإيرانيين إلى استخدام برامج فك التشفير "في بي إن"  (VPN) والتي باتت اليوم تجارة رابحة في هذا القطاع.

وللمفارقة فإن العديد من المسؤولين الإيرانيين يستخدمون برامج تخطي الحجب لتحديث حساباتهم على "إكس" وإنستغرام.

وقد جرى قمع الاضطرابات بوحشية احتجاجا على مقتل أميني، حيث قدرت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها أوسلو أن أكثر من 500 متظاهر قُتلوا على أيدي قوات الأمن. كما جرى إعدام ما لا يقل عن 10 رجال بتهمة التورط في هجمات على أفراد الأمن أثناء الاضطرابات.

وبحسب موقع "هرانا" الحقوقي، اعتقلت الأجهزة الأمنية نحو 30 ألف إيراني لأسباب أيديولوجية وسياسية عقب الاحتجاجات على مقتل أميني، وجرى لاحقا "العفو" عن 22 ألف شخص.

وذلك في وقت كانت السلطات القضائية الإيرانية تنوه عقب عمليات الإفراج عن أن "أمر الإفراج لا يشمل من لعب دور الموجه والمتزعم" لتلك الاحتجاجات.