أنابيب النفط.. كيف باتت رابطا إستراتيجيا وجسرا دبلوماسيا بين أنقرة وبغداد؟

منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

العلاقات بين تركيا والعراق تستند إلى تاريخ طويل من الجوار المشترك والعلاقات الثقافية والتعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى أن أحد أهم الأسس التي عززت هذه العلاقات هو اتفاقية خط أنابيب النفط الخام الموقعة بين البلدين في 27 أغسطس/ آب 1973".

ومنذ بدء تشغيل الخط عام 1976 أصبح النفط رابطا إستراتيجيا بين البلدين، وذلك رغم التحديات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة مثل حرب الخليج الأولى. 

وقد شكّل هذا الخط قناة حيوية لنقل النفط العراقي إلى الأسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي، ما جعل التعاون النفطي مكملا للدبلوماسية الأمنية بين البلدين.

أهمية إستراتيجية

وقال الكاتب التركي عمر فاروق بيكجوز، في مقال نشره مركز “أنقرة لدراسات الأزمات والسياسات” (أنكاسام) إن "طول خط أنابيب النفط يبلغ حوالي 970 كيلومترا، ويمتد من حقول نفط كركوك في العراق إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط، ويتكون الخط من أنبوبين متوازيين بسعة أولية تبلغ 1.6 مليون برميل يوميا". 

وأوضح أنه “رغم أهميته الاقتصادية، لم تُستغل هذه السعة بالكامل بسبب النزاعات الإقليمية والتحديات التقنية والخلافات السياسية، ومع ذلك فإن هذا الخط لا يزال شريانا رئيسا لصادرات النفط العراقية، حيث يعد الطريق الأكثر أهمية لتدفق النفط من العراق إلى الأسواق العالمية”.

وأشار الكاتب التركي إلى أن "كفاءة خط الأنابيب قد تراجعت ومرّت بفترات عصيبة، لا سيما خلال حرب الخليج الأولى وغزو العراق عام 2003، ثمّ ظهور تنظيم الدولة عام 2014".

ولفت إلى أن “هذه التحديات أحدثت اضطرابات كبيرة في عمليات النقل وأثرت على استقرار المنطقة”.

وذكر الكاتب أن “المشكلة الرئيسة للخط قد برزت أخيرا بعد قرار محكمة التحكيم الدولية عام 2022، والذي تبعه إغلاق تركيا للخط”. 

ونشأ هذا القرار بسبب النزاعات بين الحكومة المركزية العراقية وتركيا بشأن صادرات النفط من شمال العراق، حيث رأت المحكمة أن تصدير تركيا للنفط من شمال العراق دون موافقة بغداد “يشكل انتهاكا للقانون الدولي”.

ومع ذلك، فقد صرّح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونمز في تلك الفترة بأنه تمّ رفض أربعة من أصل خمسة مطالب كانت الحكومة المركزية العراقية قد قدمتها للمحكمة الدولية، وقُبل طلب واحد فقط. بينما قُبلت خمسة من أصل ستة مطالب قدمتها تركيا.

وتابع الكاتب: "على إثر هذا القرار أغلقت تركيا خط الأنابيب في مارس/ آذار 2023، ما أدى إلى توقف تجارة النفط بين العراق وتركيا، وكانت لهذه الخطوة تداعيات اقتصادية خطيرة، فقد أثّر هذا الإغلاق بشكل سلبي على إيرادات النفط العراقية وعائدات تركيا من نقل الطاقة". 

وقد واجه العراق خسارة كبيرة، حيث فقد حوالي 450 ألف برميل يوميا من صادرات النفط، بينما تأثرت عائدات تركيا من رسوم النقل. 

في الوقت ذاته، أشار وزير الطاقة التركي دونمز إلى أن “معظم الادعاءات التي قدمتها الحكومة العراقية المركزية قد رُفضت، ما يعكس تعقيد النزاع القانوني بين الجانبين”.

وقال بيكجوز: “رغم أن تركيا قد أوفت بالتزاماتها الفنية المتعلقة بخط الأنابيب؛ مثل الصيانة والإصلاحات، إلا أن قرار محكمة التحكيم الدولية قد صدر ضد تركيا بسبب تعاملها مع جهة غير الحكومة المركزية العراقية بناء على اتفاقية 1973”.

ولفت النظر إلى أن “جذور هذا الخلاف يرجع إلى عام 2014، عندما رفعت الحكومة العراقية دعوى ضد تركيا متهمة إياها بتصدير النفط من إقليم كردستان عبر خط أنابيب كركوك-جيهان دون الحصول على موافقة بغداد”.

وأضاف: ازدادت حدة الأزمة بعد سيطرة تنظيم الدولة عام 2014 على بعض الأراضي العراقية، بما في ذلك حقول النفط، واستغلت حكومة إقليم كردستان هذه الظروف، وقامت بإدارة الحقول وبيع النفط إلى تركيا دون موافقة الحكومة المركزية، مما زاد الوضع تعقيدا".

وفي النهاية وبغض النظر عن نتيجة التحكيم أو الجهة التي عُدّت محقة، فإن إغلاق خط الأنابيب لفترة طويلة “تسبب في خسائر اقتصادية فادحة لكلا البلدين، كما أثّر بشكل كبير على استقرار المنطقة”.

تدارك الأحداث

وأشار بيكجوز إلى أنه “من الواضح أن أحد الأسباب الرئيسة لأزمة النفط في المنطقة هو عدم التوصل إلى اتفاق بين أربيل وبغداد”. 

ويعد عدم الاتفاق الكامل بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية بشأن تكاليف إنتاج ونقل النفط من أكبر العوائق أمام تصدير النفط، كما أن الطرفين لم يتوصلا إلى توافق بشأن حجم الإنتاج اليومي المتوقع.

وتشير التقديرات إلى أن العراق قد خسر إيرادات تتراوح بين 19 و20 مليار دولار منذ بداية الأزمة عام 2023. 

ونظرا لأن 90 بالمئة من ميزانية الحكومة المركزية العراقية تعتمد على عائدات تصدير النفط، فإن غياب النفط العراقي عن الأسواق المحلية والعالمية يؤثر على الاستقرار الاقتصادي.

أمّا بالنسبة لتركيا فقد كانت تحقق مبالغ كبيرة من عائدات العبور، ففي الفترة بين 2018 و2022 تم نقل ما معدله 120 مليون برميل سنويا عبر الخط، مع رسوم عبور تتراوح بين 1 و2 دولار لكل برميل. وبإغلاق الخط قُدرت خسائر تركيا بحوالي 500 مليون دولار.

وفي هذا السياق، أكدت تركيا ضرورة حل هذه المسألة في إطار مشروع "طريق التنمية"، وشدّدت على أهمية الحوار بين الطرفين. 

كما صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن العراق لن يتعرض لأي ضغوط فيما يتعلق باختيار معبر الحدود ضمن مشروع طريق التنمية، مما يعكس التزام أنقرة بواجباتها.

وفي يونيو/ حزيران 2024، أعلن وزير النفط العراقي حيان عبد الغني عن إحراز تقدم في المحادثات مع حكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لإعادة تصدير النفط عبر خط كركوك-جيهان.

وقال الكاتب إن "غياب الاتفاق بين الحكومتين العراقية والتركية بشأن النفط هو أحد العوامل الرئيسة وراء استمرار إغلاق الخط، بالإضافة إلى ذلك، يُعد غياب التوافق بين الشركات الدولية والحكومات عقبة فنية كبيرة".

وأشار إلى أن "تركيا تظهر خبرة كبيرة في تطبيق سياسة التوازن في العراق، حيث تمتلك فرصة قيادية لتطوير نظام الطاقة الإقليمي وليس فقط في مجال النفط، فهي يمكنها المساهمة في تعزيز نظام الربط الكهربائي الإقليمي". 

وشدد بيكجوز على أن "تعزيز هذا النظام يمكن أن يساعد في مواجهة مشاكل الجفاف والمناخ التي أثرت بشكل كبير على استقرار العراق خلال السنوات الخمس الماضية". 

وتابع: “علاوة على ذلك، فإن تبني سياسات اقتصادية تدعم استثمار القطاع الخاص التركي في العراق، إلى جانب إعادة فتح خط النفط يمكن أن يشكل جسرا دبلوماسيا مهما بين البلدين في المستقبل”.