خطة قبرص اليونانية للانضمام للناتو.. كيف تؤثر على تركيا ونفوذها الإقليمي؟
“في ظل التحولات تبرز تساؤلات حول قدرة تركيا على الحفاظ على نفوذها الإقليمي”
في تطور يعكس التحولات الجيوسياسية في شرق المتوسط، قدم رئيس إدارة جنوب قبرص اليونانية نيكوس خريستودوليدس خطة شاملة لانضمام قبرص إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال لقائه بالرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
ونشرت صحيفة “يني شفق” التركية مقالا للكاتب إسماعيل شاهين، قال فيه إن “تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والناتو مع إدارة جنوب قبرص اليونانية والذي بدوره قد يضر بمصالح القبارصة الأتراك”.
وأوضح أن “زيارة خريستودوليدس للبيت الأبيض، جاءت في وقت تتزايد فيه المخاطر الجيوسياسية حول قبرص، تُعد الأولى من نوعها منذ زيارة غلافكوس كليريدس عام 1996. فهي تعكس الأهمية الإستراتيجية المتزايدة لقبرص في السياسة الخارجية الأميركية”.
ورأى الكاتب التركي أن "هذه الزيارة أصبحت نقطة تحول مهمة، حيث تشير إلى مستوى جديد من التعاون بين الولايات المتحدة وإدارة جنوب قبرص اليونانية".
خطوات قبلية
وقال شاهين إنه “في ظل التنافس على موارد الطاقة في شرق المتوسط وأهمية أمن إسرائيل، أعادت الولايات المتحدة تقييم إستراتيجياتها الإقليمية، ما دفعها إلى اتخاذ خطوات جادة لتعميق العلاقات مع قبرص”.
وذكر أن “هذه الخطوات تشمل رفع حظر الأسلحة عن قبرص وتعزيز التعاون العسكري والأمني، مما يعزز الوجود الأميركي في المنطقة ويوطد الشراكات الدفاعية”.
ولفت شاهين إلى أن "الولايات المتحدة تعمل تدريجيا على منح قبرص وضع (الحليف الرئيس من خارج الناتو)، وهو وضع إستراتيجي يمنح الدولة امتيازات عسكرية وأمنية دون أن تكون عضوا في الحلف".
وأشار إلى أن "هذا التوجه الأميركي لتعزيز العلاقات مع قبرص يستند إلى عدة عوامل؛ أهمها تقليص النفوذ الروسي القوي هناك".
وأفاد بأن “واشنطن ترى أن بناء هيكل أمني جديد بينها والناتو والإدارة اليونانية هو أمرٌ مهم، إذ سيسهم ذلك في تعزيز النفوذ الأميركي في شرق المتوسط”.
وفي إطار هذه الإستراتيجية، قررت الولايات المتحدة توحيد منظومة الأسلحة في جنوب قبرص مع معايير الناتو، مما يسهم في تقليل الاعتماد على روسيا وتكامل الدفاع القبرصي مع سياسات الناتو.
ويُعد تحقيق هذا التوافق شرطا أساسيا للوصول إلى وضع "الحليف الرئيس من خارج الناتو"، بل ويمهّد الطريق لتكامل أكبر في السياسات الدفاعية بين الطرفين.
وقال شاهين إن “الولايات المتحدة تسعى لجعل شرق المتوسط منطقة آمنة تحت مظلة الناتو، وذلك نظرا للأهمية الإستراتيجية التي يمثلها هذا الإقليم، وشرق المتوسط ليس فقط ممرا تجاريا حيويا بين أوروبا وإفريقيا وآسيا، بل هو أيضاً ساحة تنافس جيوسياسي بين القوى الكبرى”.
وأضاف “بالنسبة لواشنطن فإن أي زيادة في النفوذ الروسي أو الصيني في المنطقة يُشكل تهديدا لاستقرار الناتو وأمن أوروبا”.
واستطرد: “لهذا، تعزز الولايات المتحدة التعاون مع دول رئيسة في المنطقة مثل تركيا واليونان وإسرائيل ومصر، وذلك لضمان أن يبقى هذا الإقليم تحت السيطرة الغربية”.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن “واشنطن تحاول تطبيق إستراتيجية مشابهة لتلك التي نفذتها في منطقة البلطيق بهدف تعزيز الأمن والاستقرار”.
وقال: “إذا نجحت هذه الإستراتيجية، فستتمكن الولايات المتحدة من تقوية الجناح الجنوبي للناتو، الأمر الذي سيعزز الأمن الأوروبي ويمنع القوى المنافسة من توسيع نفوذها في شرق المتوسط”.
واسترسل: “بهذا، تتحول قبرص إلى نقطة محورية في الإستراتيجية الأميركية، حيث تلعب دورا رئيسا في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في شرق المتوسط وسط تزايد التوترات الإقليمية والدولية”.
مساحة المناورة
ولفت الكاتب إلى أنه “في ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة في شرق المتوسط، تبرز تساؤلات حول قدرة تركيا على الحفاظ على نفوذها الإقليمي”.
وشدد على أن “التعاون المتزايد بين الولايات المتحدة والناتو وإدارة جنوب قبرص اليونانية في مجالي الأمن والدفاع قد يشكل تحديا إستراتيجيا لأنقرة، خاصة فيما يتعلق بسياساتها المتعلقة بالطاقة والأمن في المنطقة”.
وأوضح الكاتب ذلك قائلا إن "تعزيز الولايات المتحدة علاقاتها الدفاعية مع قبرص، سواء بشكل مباشر أو من خلال الناتو، قد يحد من قدرة تركيا على المناورة".
ويرى أن “مواءمة منظومة الأسلحة القبرصية مع معايير الناتو وتعزيز القوة العسكرية للإدارة الرومية قد يغير موازين القوى العسكرية في بحر إيجة وشرق المتوسط”.
واستدرك: “في حال تحقق هذا التغيير، قد يُضعف قدرة الردع التركية، خاصة في ضوء العلاقات العسكرية المتنامية بين واشنطن وأثينا”.
وأشار شاهين إلى أن “هذا السيناريو يرتبط بشكل وثيق بقضية قبرص، التي مازالت تمثل نقطة خلاف رئيسة بين تركيا والإدارة اليونانية”.
ورأى أن “زيادة التعاون بين الناتو وإدارة جنوب قبرص قد تقوض الوضع الراهن وتعيد طرح مسألة الحل الفيدرالي، وهو تطور قد لا يصب في مصلحة القبارصة الأتراك”.
واستطرد: “من هنا، يبدو أن أي تحرك لتقوية الجانب اليوناني قد يعكس إستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، وهو ما يستدعي من أنقرة الحذر”.
وشدد شاهين على أن “تركيا في المقابل تملك ورقة قوة مهمة تتمثل في حق النقض (الفيتو) في إطار عضويتها بالناتو، فلا يمكن للإدارة اليونانية الانضمام إلى الحلف دون موافقة أنقرة، وهذا الحق يمنح تركيا قدرة على فرض رؤيتها لحل النزاع القبرصي، خاصة فيما يتعلق بمبدأ الحل القائم على دولتين”.
وأضاف “علاوة على ذلك، يمكن لأنقرة استخدام الفيتو ليس فقط لمنع عضوية جنوب قبرص، بل أيضا لتعزيز قدرات جمهورية شمال قبرص التركية عسكريا وزيادة حضورها البحري شرق المتوسط، ما يعزز من قوة الردع التركية”.
وفي ظل هذه التغيرات أصبح من الضروري أن تتبنى تركيا “سياسة استباقية” لحماية مصالحها الإقليمية وحقوق القبارصة الأتراك.
وختم شاهين مقاله قائلا إن "تعزيز قدرات تركيا العسكرية وترسيخ وجودها في شرق المتوسط يعدان مفتاحا للحفاظ على التوازنات الإستراتيجية في مواجهة أي تحركات أميركية أو أوروبية".
وتابع: “بذلك، تصبح المرحلة القادمة اختبارا لقدرة أنقرة على المناورة الدبلوماسية والعسكرية من أجل ضمان مكانتها في المشهد الإقليمي المتغير، وحماية مصالحها الحيوية في منطقة تشهد تنافسا جيوسياسيا متصاعدا”.