قرار الجنائية الدولية بملاحقة نتنياهو وغالانت.. لماذا يصمت المغرب "الرسمي"؟
"مواقف الدولة المغربية ليست في مستوى مواقف الشعب، هناك مسافة بعيدة جدا”.
في وقت لم تُصدر فيه الرباط تعليقا على القرار التاريخي وغير المسبوق الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في 21 نونبر/ تشرين الثاني 2024، لملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، رحبت شخصيات وهيئات بهذه الخطوة.
وفي إيقاع لم يتباطأ على الأرض منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مازالت الاحتجاجات متواصلة في شوارع المغرب ضد الإبادة الإسرائيلية لأهالي غزة، وسط موقف رسمي دائما "ضبابي".
ولم يكن الصمت الرسمي المغربي تجاه قرار اعتقال نتنياهو وغالانت الأول، بل سبقه صمت متعدد، من اغتيال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية في 31 تموز/يوليو 2024، إلى تجاهل المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في مدرسة "التابعين" بغزة في أغسطس/ آب 2024.
انتصار للعدالة
وعبر عدد من الأحزاب والشخصيات المغربية عن ترحيبها الكبير بقرار محكمة العدل الدولية القاضي بإصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو وغالانت.
وشهدت البيانات والتدوينات الصادرة عن هذه الأطراف لحظة من “شبه الارتياح” لأولى لخطوات نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، الذي طال انتظارها للإنصاف “ولو قليلا” بعد أكثر من عام من العدوان.
حزب “التقدم والاشتراكية” كان من أبرز الداعمين لهذا القرار، حيث عبّر عن ارتياحه العميق وأمله في أن يفضي القرار إلى تحقيق العدالة.
وأكد في بيان له أن إصدار مذكرة التوقيف ضد نتنياهو وغالانت جاء نتيجة لمسؤولياتهما الجنائية المباشرة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.
ووصف الحزب اليساري قرار المحكمة الجنائية الدولية بـ"المهم" وأعرب عن دعمه الكامل له.
كما وجه الحزب نداء إلى "جميع الدول والهيئات والضمائر الحية في العالم" للتعبير عن تأييدهم القوي لهذا القرار، مؤكدا أن العدالة يجب أن تتحقق لجميع الشعوب المظلومة، وخاصة الشعب الفلسطيني.
وأكد على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته بشكل فوري، داعيًا إلى التنفيذ الفعلي لمذكرة التوقيف "دون أي تهاون أو التفاف".
وفي السياق نفسه، شدد الحزب على أهمية توفير الحماية العاجلة للشعب الفلسطيني، محذرا من استمرار المجازر والجرائم البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين العزل في قطاع غزة والمناطق الأخرى.
من جهته، رحب حزب “العدالة والتنمية” بمذكرتي الاعتقال، مجددا دعمه الثابت للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد الحزب أن إصدار المحكمة مذكرات الاعتقال رغم الضغوطات السياسية يمثل انتصارا للعدالة الدولية.
وأضاف أن هذا القرار "يبرز الطبيعة الاحتلالية والهمجية للكيان الصهيوني ويؤكد أن الشعب الفلسطيني يتعرض لعملية إبادة جماعية في مقاومته المشروعة".
ورأى الحزب أن قرار الجنائية “فرصة تاريخية للدولة المغربية ولكل الدول العربية والإسلامية لتصحيح ما يجب تصحيحه، وقطع كل العلاقات مع الكيان الغاصب ومع مسؤوليه مجرمي الحرب”، مشددا على أن "استمرار دعم هذا الكيان من قبل القوى الغربية، وعلى رأسها واشنطن، قد سمح له بالإفلات من العقاب طوال السنوات الماضية، وهو ما أصبح غير مقبول بعد اليوم".
نقطة تحول
وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، جمال العسري، إن صدور قرار لأول مرة من هذا النوع في حق رئيس حكومة محسوبة على الغرب الإمپريالي، بل من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، هو “تاريخي بكل المقاييس".
ولفت إلى أن نتنياهو الذي يقود اليوم شعبا هو في الأصل من أجله أنشئت مثل هذه المحكمة لمحاكمة النازيين بتهمة الإبادة وارتكاب جرائم حرب في حق اليهود".
ورأى العسري، لموقع "الأيام 24" المغربي، أن "الشعب الذي جلس في كرسي الضحايا سيقف رئيسه اليوم في قفص المتهمين بنفس تهم الإبادة وجرائم الحرب"، مؤكدا أن قرار الجنائية الدولية "ملزم لجميع الدول الموقعة على ميثاق تأسيس هذه المحكمة، والمفروض عليها الالتزام بالقانون الدولي".
وشدد على أن "واشنطن التي مافتئت تشنف آذاننا بالقوانين والتشريعات والمواثيق الدولية وحماية حقوق الإنسان، أزال عنها هذا القرار ورقة التوت، وهي تعلن رفضها له".
وأورد العسري أن "رفضها هذا الكاشف عن خوفها من متابعات قد تلحق قياداتها بصفتهم شركاء فعليين في هذه الجرائم، سواء من خلال الدعم العسكري أو المالي أو الاقتصادي أو السياسي أو الاستخباراتي أو الإعلامي أو حتى الأخلاقي".
فيما رأى الكاتب الصحفي توفيق بوعشرين أن قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر بحق نتنياهو، والذي أصبح مطلوبا للاعتقال، "يمثل نقطة تحول تاريخية".
وقال بوعشرين إن طائرة نتنياهو باتت ممنوعة من الهبوط في أكثر من 120 مطارا حول العالم، وهو ما يعكس عزلته المتزايدة بعد ارتكابه جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة.
وشدد في تدوينة له على “فيسبوك” في 22 نوفمبر، على أن أصحاب المبادرة التي حملت شعار "كلنا إسرائيليون" بالمغرب مطالبون الآن بالاختيار بين التبرؤ من نتنياهو واعتذارهم للمغاربة والعرب وضحايا غزة، أو تشكيل لجنة تضامن مع مجرمي الحرب تحت عنوان "Me Too" على غرار الحملات الدولية الشهيرة.
ووصف بوعشرين قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه "تاريخي"، وأكد على أهمية البناء عليه لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه.
وأضاف أن الشجاعة التي أظهرها كريم خان وفريقه في مواجهة الكيان الصهيوني المدعوم من القوى الكبرى كانت خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة.
وفي تعليق له، استهل الباحث يحيى اليحياوي تدوينته بالتعليق على من وصفوا القرار بـ"الرمزي"، موضحا أن هذا الوصف "صحيح إلى حد ما"، إلا أن تأثير القرار سيكون كبيرا إذا سافر المشتبه بهما، نتنياهو وغالانت، إلى أي من الدول الـ124 الموقعة على قانون المحكمة.
وأشار اليحياوي في 21 نوفمبر، إلى أن الولايات المتحدة، التي لا تعترف بالمحكمة، هي أول من أدانت القرار بسبب ما وصفه "بحجم الفظاعات" التي ارتكبتها في العديد من المناطق، خاصة في غزة.
اليحياوي لم يقتصر انتقاده على الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل وجه أيضا انتقادات حادة للمطبعين مع الكيان الصهيوني، خاصة أولئك الذين يسيرون نحو التطبيع مع "دولة حكامها مجرمو حرب".
ورأى أن موقفهم أصبح محرجا أمام شعوبهم، خاصة في المغرب حيث أشار إلى غياب الصوت المطبع في المملكة، وأوضح أن "شظايا مذكرات الاعتقال ستنالهم أيضا، لأنهم قد اصطفوا خلف مجرمين باتوا مطلوبين للعدالة بالاسم والصفة... ربك يمهل ولا يهمل....".
"كلنا إسرائيليون"، عنوان مقال لصاحب مؤسسة إعلانات في المغرب، أحمد الشرعي، كتبه بموقع "جيروزاليم سترتيجيك تريبيون"، عقب عملية "طوفان الأقصى مباشرة يظهر فيه تضمانه مع إسرائيل".
وفي المقال الذي وقعه الشرعي، الذي يرأس مجموعة إعلامية كبيرة في المغرب معروفة بقربها من السلطة في الرباط، وصف منظمة حماس بأنها "جماعة إرهابية"، الأسرى الإسرائيليين لدى حماس بأنهم "رهائن".
وتماهى مع الشرعي صحفيون ضمن مؤسسته وشخصيات لا تجد حرجا في دعمها القوي للتطبيع بين المغرب وإسرائيل وانتقادها المستمر للمقاومة الفلسطينية والإسلاميين في المغرب.
حفاظ على التوازن
من جهته، قال الباحث المغربي في العلوم السياسية، أمين الإدريسي، إن “المغرب اتخذ خطوات دبلوماسية مهمة على صعيد علاقاته مع إسرائيل، أبرزها استئناف العلاقات الدبلوماسية أواخر 2020. لذا قد يكون اختار تجنب التصريحات الرسمية التي قد تؤثر على استقراره الدبلوماسي في هذه المرحلة”.
ورأى الإدريسي في حديث لـ"الاستقلال" أنه “في الوقت الذي يواصل فيه المغرب إعلان دعمه الثابت للقضية الفلسطينية ويشدد على حقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل الدولية، فإنه يسعى أيضا للحفاظ على التوازن في علاقاته مع إسرائيل”.
ويرى أن “المغرب قد يتجنب إصدار تعليق رسمي يضعه في موقف حرج بين التزامه بالقضية الفلسطينية وعلاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب اتفاق التطبيع بينهما”.
وأكد الإدريسي أنه "بالفعل يمكن القول إن المغرب كان يميل أحيانا إلى الصمت في عدة وقائع منذ 7 أكتوبر 2023، وفرض ذلك تطبيع عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
من جانبه، شدد الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي إدريس قصوري، على أنه “يجب على المغرب أن يوقف التطبيع ويغلق مكتب الاتصال بالرباط بعد قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت”، عادا هذا القرار “مبررا كافيا وأقوى مما كان عليه في سنة 1999”.
وأشار قصوري لموقع “العدالة والتنمية” المغربي في 23 نوفمبر، إلى أنه “خلال سنة 1999 المغرب أغلق مكتب الرباط لأسباب لم تكن قوية مثل الإبادة التي تتعرض لها اليوم غزة ولم يكن قرار محكمة العدل الدولية، فما هو الفرق في القرار السياسي ما بين الأمس واليوم".
واستدرك قائلا “من يصنع القرار السياسي هل عنده ازدواجية، بل يجب أن يكون القرار السياسي موحدا، فظروف اليوم تفرض أن نوقف التطبيع، نقول إن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، مغرب اليوم أقوى على المستوى الخارجي والدبلوماسي والعلاقات الدولية”.
وتساءل قصوري: “ما مدى تمثل العلاقة ما بين نظام معين ومؤسسات بالشعب، لأن الشعب يخرج ويتظاهر ويتضامن، ثم هل اليوم مواقف الدولة المغربية في مستوى مواقف الشعب، هناك مسافة بعيدة جدا”.
وبدأت العلاقات رسميا بين المغرب وإسرائيل عام 1994، ثم جمدتها الرباط في 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، "استئناف" العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب، بعد توقفها عام 2000.
ورغم الاحتجاجات الداخلية، لم تفرمل السلطات المغربية وتيرتها المتسارعة في توطيد علاقاتها مع الاحتلال عبر توقيع مزيد من الاتفاقيات الثنائية، أبرزها في الملفين الأمني والعسكري.