احتضنهم لتلقي المساعدات.. كيف فشل نظام الأسد في الاستفادة من أزمة لاجئي لبنان؟
"نظام الأسد سمح بدخول اللبنانيين في ظل اقتصاد منهك وعقوبات أميركية وأوروبية"
وجد كثير من اللاجئين اللبنانيين في سوريا أنفسهم أمام خيار العودة إلى بلدهم الأم، في ظل عجز نظام بشار الأسد عن تقديم الاحتياجات الأساسية لهم.
ويعاني اللبنانيون الذين فروا إلى سوريا المجاورة نتيجة العدوان الإسرائيلي من نقص الخدمات والمساعدات المقدمة لهم في بلد منهك اقتصاديا.
وكان نظام الأسد يأمل بتدفق المساعدات الدولية إليه بعد أن بدأ اللبنانيون باللجوء إلى مراكز الإيواء التي فتحها منذ تصاعد العدوان الإسرائيلي في 23 سبتمبر/ أيلول 2024.
ولهذا كان لافتا إيعاز بشار الأسد سريعا لحكومته الجديدة بـ"متابعة شؤون" هؤلاء اللاجئين، حيث دخل إلى سوريا نحو 150 ألف لبناني بحثا عن ملاذ آمن منذ بدء العدوان الإسرائيلي، بحسب الأمم المتحدة.
وهذا إلى جانب عودة نحو 420 ألفا من اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم منذ تصاعد العدوان، وذلك وفقا لما صرح به وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
عودة إلى لبنان
ورصدت الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة عمليات عودة لعشرات اللبنانيين بشكل يومي من سوريا إلى لبنان.
وقد أعرب ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا “غونزالو فارغاس يوسا ” عن قلقه إزاء الظروف المزرية للبنانيين في سوريا.
وقال يوسا من جنيف للصحفيين الموجودين على الحدود السورية اللبنانية عبر تقنية الفيديو في 22 نوفمبر 2024 إن هناك "أسرا لبنانية بصدد اتخاذ قرار صعب للغاية وربما يهدد حياتها بالعودة إلى لبنان".
وأشار الممثل الأممي إلى ما سماها علامات مقلقة بدأت تظهر بالفعل من اختيار أعداد صغيرة من الناس العودة إلى لبنان على الرغم من المخاطر.
ولفت إلى أن "الأعداد التي نلاحظها على الحدود صغيرة للغاية، ربما بمعدل 50 شخصا يوميا"، مضيفا أنهم يغادرون لأنهم يشعرون "بأن الظروف في سوريا مروعة، وأنهم قد يكونون أفضل حالا في لبنان، على الرغم من القصف".
وبين أنهم "بعودتهم إلى لبنان قد يجدون أنظمة دعم أفضل، وسهولة أكبر في الوصول إلى الخدمات، بل وحتى القدرة على جني القليل من الدخل".
وحذر المسؤول الأممي من أنه نظرا "للوضع الاقتصادي الكارثي في سوريا، إلى جانب نقص التمويل الشديد للاستجابة الإنسانية، فمن غير الواضح إلى متى سيستمر ما أظهرته المجتمعات السورية (من دعم) تجاه الوافدين اللبنانيين".
كما أن حديث الأمم المتحدة عن غياب "أنظمة الدعم" للبنانيين في سوريا، كشف عن تجاهل النظام الدولي مساندة لحكومة الأسد في هذه الأزمة.
ولهذا، قال فارغاس يوسا صراحة: "ما لم يكن هناك تمويل دولي حقيقي، فإن هذا العدد من اللبنانيين الذين يختارون العودة إلى ديارهم في ظل هذه الظروف الصعبة للغاية قد يزداد في الأسابيع والأشهر المقبلة، وسيكون هذا مقلقا للغاية".
ومنذ بدء موجة دخول اللبنانيين إلى سوريا، تحدثت حكومة النظام عن تجهيزها مراكز إيواء في ريف دمشق وطرطوس واللاذقية.
كما أشار مسؤولون في حكومة النظام لوسائل إعلام محلية، إلى وجود تنسيق مع المنظمات الخيرية وغير الحكومية لتقديم الخدمات الضرورية للوافدين اللبنانيين.
وقد عملت فرق الهلال الأحمر السوري، على المعابر الحدودية مع لبنان على مدار الساعة لتقديم الخدمات الطبية وتوزيع المواد الغذائية وقوارير المياه والخبز على الوافدين اللبنانيين، حسب منشور للمنظمة على فيسبوك.
لكن تلك الخدمات تراجعت بشكل ملحوظ مع تأخر الدعم الدولي بالصورة التي كان نظام الأسد يرجوها.
"لعبة الاستثمار"
وكان من المثير قبول نظام الأسد اللاجئين إليه في وقت يمر فيه بوضع اقتصادي مزر وعقوبات أميركية وأوروبية شديدة، فضلا عن أن مناطق نفوذه تعاني من ارتفاع كبير في الأسعار والبطالة وانهيار الليرة السورية.
حتى إن الهجمات الإسرائيلية على لبنان عطلت شبكات التجارة غير الرسمية التي كانت متنفسا كبيرا لأذرع النظام الاقتصادية المعاقبة دوليا.
إذ يعد لبنان أحد الأسواق الأجنبية الناشطة المتبقية أمام سوريا، كما يعد مصدرا حيويا للقطع الأجنبي الذي يرفد خزينة الدولة.
وفي ظل غياب هذا الدخل، تتعرض قطاعات الإنتاج الهشة بالأصل في سوريا إلى مزيد من العزلة والتراجع.
ولهذا يرى بعض المراقبين أن النظام السوري، وجد في استغلال أزمة لبنان مخرجا جديدا لتحسين اقتصاده وإعادة عملية التشبيك مع المنظمات الدولية تحت مظلة المساعدات المقدمة للوافدين اللبنانيين.
وضمن هذا السياق، رأى مدير موقع "اقتصادي" السوري، يونس الكريم، أن تصريح الأمم المتحدة يشير إلى أن "النظام يعاني من أزمة اقتصادية نتيجة العقوبات الغربية وتقاعس المانحين عن تقديم الدعم له في ظل موجة اللجوء من لبنان لا سيما أن حكومة الأسد بحاجة للدعم".
وأضاف الكريم لـ"الاستقلال": “النظام السوري يحاول أن يصعّب الأمر على الأمم المتحدة بشكل غير رسمي حيث إن سماحه للبنانيين بدخول سوريا دون أي عقبات كان محاولة منه لاستثمار هذه الأزمة سياسيا واقتصاديا”.
وذلك عبر الضغط على المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون وعلى المنظمات التي تتبع للأمم المتحدة ولديها مكاتب رسمية في العاصمة دمشق لإعادة تدفق المساعدات إليه كي يستفيد هو من جزء كبير منها، وفق الباحث السوري.
وأردف: "مدفوعا بتحسن علاقاته مع الجامعة العربية ودول من الاتحاد الأوروبي، يأمل النظام السوري أن يتلقى مساعدات دولية سخية لمساندة اللبنانيين بما يضمن له تولي الملف الإنساني لهؤلاء كي يحقق المنفعة".
وخلال العقد الأخير، انتهج النظام السوري آلية بشأن المساعدات الدولية، تجعل كل المنظمات المحلية غير الحكومية، الشريكة مع نظيرتها الدولية والأممية تقع تحت إشرافه.
سرقة واحتيال
ومع دخول اللاجئين اللبنانيين، يشير الكريم، إلى أن “النظام السوري عمد إلى عدد من الخطوات لاستثمار ملف اللجوء اللبناني لصالحه”.
على سبيل المثال، أنشأت مؤسسة الأمانة السورية للتنمية، منظمات وهمية تعنى بالشأن الدولي واللبناني خاصة في محاولة لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام.
وذلك من خلال كسب تمويلات أممية ودولية تحت مظلة مساعدة اللبنانيين وكذلك اللاجئين السوريين الذين فروا من لبنان عقب العدوان الإسرائيلي.
ومؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" أطلقتها عام 2001، أسماء زوجة بشار الأسد، وعقب عام 2011 استخدمتها لجذب الحاضنة الشعبية نحو زوجها.
إذ نجحت أسماء الأسد بإيهام وكالات تابعة للأمم المتحدة بأنها تشرف على مشاريع إنسانية بسوريا، وبذلك تختطف جهود الإغاثة وتتلقى منها مساعدات ومبالغ مالية بالدولار مما يكسب خزينة النظام بالعملة الصعبة.
ويعزو البعض تأخر المنظمات الدولية بمد نظام الأسد بجسر من المساعدات وإبداء التعاون معه عقب دخول اللبنانيين، إلى "سمعته السيئة" في التعامل مع هذا النوع من الدعم.
فقد قدمت مثل هذه المساعدات سابقا للسوريين واكتشفت الجهات الدولية أن النظام كان "يسرقها" وينتفع منها هو ومنظمات محلية مقربة منه.
إذ تعد قضية تزويد سوريا بالمساعدات الدولية محط تشكيك ليس فقط لأنها لا تذهب لمستحقيها، بل لكونها تشكل مصدرا مهما للعملة الصعبة يعزز بقاء بشار الأسد الذي يرفض أي حل سياسي يضع حدا لمأساة أدخل فيها بلده منذ أكثر من عقد من الزمن.
وكثيرا ما أثبتت تحقيقات ووقائع ميدانية بسوريا أن أموال المساعدات الدولية تختفي ببساطة في الحسابات المصرفية التابعة لأذرع ومؤسسات نظام الأسد الاقتصادية، وتستخدم في تمويل المجهود الحربي ضد السوريين الأبرياء.
وسبق أن نشر "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، بالتعاون مع "المركز السوري للتطوير القانوني"، تقريرا منتصف عام 2024 يتعقب مشتريات الأمم المتحدة من مؤسسات تابعة لنظام الأسد ويحلل شفافية العمليات الإنسانية الأممية في سوريا.
وأظهر التقرير انخفاضا واسع النطاق في المشتريات من سوريا عبر مختلف وكالات الأمم المتحدة، حيث أبلغت 10 وكالات من أصل 14 عن انخفاض مشترياتها في الفترة 2021-2022، مقارنة بـ 2019-2020.
ويشير هذا الانخفاض إلى تحول في سياسة الأمم المتحدة حول مصادر توريد لوازم الاستجابة الإنسانية في البلاد.
وعلى الرغم من أن تجنب المشتريات من داخل الدولة المستهدفة يضر بالاقتصاد المحلي في الظروف العادية، فإن الأمر مرحب به بالسياق السوري في ضوء النهب الممنهج للمساعدات.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، جرى شراء مساعدات بقيمة نحو 309 ملايين دولار من موردين مقيمين بسوريا في الفترة بين عامي 2021 و2022.
وهذا يعني أنه في غضون عامين فقط، استفاد المقربون من نظام الأسد بشكل مباشر من مبلغ مذهل قدره 71 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الغربيين، ما أدى فعليا إلى إدامة الأزمة الإنسانية في سوريا.
واستخدم التقرير بيانات مسربة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام السوري، تُظهر شركاء الأمم المتحدة من المنظمات غير الحكومية والتي لا تنشرها المنظمة الأممية للعامة على الإنترنت.
المصادر
- الأمم المتحدة تحذر من مخاطر تواجه عائدين إلى لبنان بعد فرارهم إلى سوريا
- شرف الدين: عدد النازحين السوريين الذين عادوا إلى سوريا جراء العدوان الإسرائيلي بلغ نحو 420 الفاً
- عمليات الأمم المتحدة الإنسانيّة في سوريا 2021-2022: التحديات والحلول السياساتيّة
- بعد أدائها اليمين الدستورية أمامه… الرئيس الأسد يرأس اجتماعاً توجيهياً للوزارة الجديدة