التدخلات الخارجية تعقد المشهد.. كيف يتعامل ترامب مع حرب السودان؟
فرض حميدتي حصارا حقيقيا على كل المساعدات الإنسانية المصرية
مع قرب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تدور تساؤلات حول كيفية تعاطي الرئيس الأميركي المنتخب مع الحرب الأكثر دموية في السودان منذ سنوات.
وتطرق معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي إلى فرضيات تطور الصراع ومستقبل الوضع في السودان على إثر عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مع وجود عدة جهات خارجية لها مصالح في البلد الإفريقي.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات يتراوح بين 20 و150 ألف حالة منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، بينما ارتفع عدد النازحين إلى أكثر من عشر ملايين شخص.
وبعد اشتباكات عنيفة في العاصمة أدت إلى إغلاق السفارات، اتسعت رقعة الاشتباكات بين القوات النظامية ومليشيا الدعم السريع، طرفي النزاع الرئيسيين، إلى المناطق الجنوبية من البلاد، لا سيما إلى "ود مدني"، عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان.
وفي مايو/أيار 2024، هاجمت قوات الدعم السريع، الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي المدينة الوحيدة في المنطقة التي لا تخضع لسيطرتها، وعلى إثر ذلك امتد القتال سريعا إلى المناطق الشرقية، خاصة باتجاه ولاية الجزيرة.
مصر والإمارات
وقال المعهد إن القاهرة اتهمت مرارا وتكرارا بالتدخل المباشر في الصراع من خلال دعم الجيش النظامي، على الرغم من أنها لم تنحز رسميًا إلى أحد الطرفين المتنازعين.
وفي محاولة لكسب دعم سكان جنوب البلاد، اتهم زعيم مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مصر بالتأثير على الحكومة السودانية القريبة تقليديا من القاهرة بسبب القرب الجغرافي.
علاوة على ذلك، فرض حميدتي حصارا حقيقيا على كل المساعدات الإنسانية المصرية الموجهة نحو المناطق التي تسيطر عليها قواته.
وأكد المعهد البحثي الإيطالي أن مصر مهتمة بالصراع السوداني، لا سيما أنها في الواقع محاطة بأزمات كبيرة.
أزمة غزة وما يترتب على ذلك من ضغط تفرضه جماعة الحوثي اليمينة في البحر الأحمر من خلال هجماتها ضد سفن الشحن العابرة من هناك نحو إسرائيل، وكذلك الأزمة الليبية على الحدود الغربية والسودان من الجنوب.
ويرى أن مصلحة مصر مرتبطة بالتنافس المعقد ضد إثيوبيا فيما يتعلق ببناء سد النهضة على النيل الأزرق، وهو نزاع شهد في السابق تدخل السودان.
ففي مرحلة أولية، عارضت حكومة البشير آنذاك المشروع لكنها قررت لاحقا الاقتراب من أديس أبابا ومنحتها الضوء الأخضر لتواصل تنفيذ مشروعها.
لذلك لا يستبعد المعهد الإيطالي أن تكون القاهرة قد دعمت ثورة 2019 التي أطاحت بحكم عمر البشير.
وفي الوقت الحالي، لاحظ المعهد البحثي انسجام مواقف المجلس العسكري الجديد مع نظيرتها المصرية وبذلك يؤدي الصراع الحالي إلى إضعاف شريك محتمل للقاهرة في مواجهة الطموحات الإثيوبية.
من جهتها، اتبعت دولة الإمارات في السنوات الأخيرة سياسة قوة إقليمية وضخت استثماراتها بشكل كبير تجاه إفريقيا.
وأسهمت في تطوير مشاريع البنية التحتية المختلفة، من ساحل المحيط الهندي إلى البلدان الداخلية، كما "أزعجت بكين وواشنطن بمبادراتها الخاصة". وفي السودان شاركت بشكل غير مباشر في الإطاحة بنظام البشير عام 2019.
واتُهمت بعد اندلاع صراع أبريل 2023، بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة والطائرات المسيرة سعيا منها في منع القوى المنافسة الأخرى، وفي المقام الأول إيران، من اكتساب النفوذ على البحر الأحمر.
إيران وروسيا
والأخيرة جهة فاعلة أخرى في الصراع، خصوصا أن العلاقات بين طهران والخرطوم طويلة الأمد ولكنها متذبذبة.
فبعد الإعلان الرسمي عن قطع العلاقات من الجانب السوداني عام 2016، استؤنفت مجددا بعد اندلاع الحرب الأهلية بتزويد طهران للجيش النظامي بطائرات مهاجر 6 بدون طيار، فضلا عن الدعم المالي.
تهدف إيران من وراء ذلك إلى امتلاك قاعدة على البحر الأحمر لاستخدامها بالتنسيق مع حلفائها الحوثيين والضغط على إسرائيل من الجنوب.
وتشير التقديرات إلى أن طهران أرسلت ما لا يقل عن تسع طائرات شحن إلى بورتسودان منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، أعقبها هجوم جديد للجيش السوداني في يناير/كانون الثاني 2024.
جهة فاعلة أخرى تدخلت في الصراع وهي روسيا الموجودة في السودان منذ سنوات، خاصة من خلال بيع الأسلحة.
وفي المرحلة الأولى من الصراع، دعمت قوات الدعم السريع من خلال شركة مرتزقة فاغنر للوصول إلى المناجم الغنية في دارفور.
بعد مقتل زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين في أغسطس/آب 2023، يبدو أن موسكو فضلت الاصطفاف إلى جانب الجيش النظامي.
والسبب بسيط، بحسب المعهد الإيطالي، وهو مرتبط بغاية إنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان على غرار ما تطمح إليه طهران.
ونتيجة لتداخل عديد من البلدان بشكل غير مباشر في الأزمة، جزم المعهد، بأن مستقبل السودان يبدو معقدا، مستبعدا إحراز تقدم فيما يتعلق بالمفاوضات المحتملة على المدى القصير.
عودة ترامب
وتابع: “سيعتمد مصير البلاد على التطورات في ساحة المعركة، وعلى وجه الخصوص، فإن نجاح قوات الدعم السريع بالوصول إلى السواحل من شأنه أن يحدث تغييرا جذريا في الصراع”.
وقال إن السبب الحقيقي لتوسع القتال أخيرا باتجاه الشرق يكمن في إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر وتحديداً بورتسودان على طول الحدود الإريترية.
وهو تطور من شأنه أن يضمن لزعيم المليشيا حميدتي إمكانية تنفيذ ابتزاز أكبر، خصوصا مع عدم اعتراف أي جهة رسميًا بقوات الدعم السريع رغم ما تحظى به من دعم بعض الجهات الخارجية.
علاوة على ذلك، لا يستبعد المعهد تحول الحرب إلى صراع بالوكالة بين مصر وإثيوبيا، مرجحا فرضية أن تقرر أديس أبابا الاعتراف بقوات الدعم السريع في رسالة ترد بها على التقارب الأخير بين القاهرة ومقديشو.
كما أشار إلى أن الانتخابات الأميركية التي انتهت بفوز ترامب وعودته الى السلطة في البيت الأبيض، لها أيضاً عواقب على السيناريو السوداني.
في هذا السياق، استحضر ما فعلته إدارة ترامب السابقة عام 2020 بشطب السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب لتشجيعه على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبعودته الى البيت الأبيض، يتوقع المعهد البحثي الإيطالي أن يعيد ترامب نفس النهج السابق ويحاول إشراك الحكومة السودانية في اتفاقيات جديدة.
وقال إن ذلك قد لا يكون من خلال التزام مباشر، ولكن ربما عبر "إدارة إماراتية مصرية" في محاولة لإضعاف النفوذ الروسي والصيني والإيراني.
في الوقت نفسه، تحدث عن فرضية أن يوافق البيت الأبيض على زيادة النفوذ الإثيوبي في جنوب البلاد في مقابل اتخاذ أديس أبابا مسافات عن مجموعة بريكس، التكتل المناهض لأميركا والغرب.